الخيانة


 

بسم الله الرحمن الرحيم

الخطبة الأولى:

إن أمتنا الإسلامية تمرٌّ في هذا الزمان بمحَنٍ, عظيمة ونوازلَ شديدة ونكَبات متلاحقة، ساهم فيها بشدة تعرّض الأمة لخيانات متعددة، تارة من أعدائها، وتارات ـ وهو أنكى ـ من أبنائها.

يُخادعني العدو فلا أبالي وأبكي حين يخدعني الصديق

نعم، كل الخيانة قاسية ومريرة مريرة مريرة، لكن الأقسى أن يخونك من تتوقع منه العون.

وحتى لا نسير على درب الخونة الدَّنِس ولا نتبع خطاهم الملوثة، ولكي يتقي اللهَ مسلمٌ أن يخون عهد الله وأمانته كانت هذه الخطبة.

قال - تعالى -: {يا أَيٌّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا لاَ تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَـانَـاتِكُم وَأَنتُم تَعلَمُونَ} [الأنفال: 27].

الخيانة أمر مذموم في شريعة الله، تنكرها الفطرة، وتمجها الطبيعة السوية، ولا تقبلها حتى الحيوانات العجماوات. الخيانة كلمة تجمع كل معاني السوء الممكن أن تلحق بإنسان، فهي نقض لكل ميثاق أو عقد بين إنسان وخالقه أو إنسان وإنسان أو بين الفرد والجماعة.

قال الله - تعالى -: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبٌّ الخَـائِنِينَ} [الأنفال: 58]، وقال - سبحانه -: {وَأَنَّ اللَّهَ لاَ يَهدِى كَيدَ الخَـائِنِينَ} [يوسف: 52]، وقرن الله - جل وعلا - بين الخيانة والكفر في قوله جلّ وتعالى: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبٌّ كُلَّ خَوَّانٍ, كَفُورٍ,} [الحج: 38].

والخيانة من سمات النفاق، فالخائن بالضرورة منافق، وإلا فكيف سيُخفي خيانته إلا بالنفاق؟! قال النبي: ((آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان)) متفق عليه.

وأشد الناس فضيحة يوم القيامة هم الخائنون للحديث: ((لكل غادر لواء يوم القيامة يقال: هذه غَدرَة فلان)) متفق عليه، هذا الخائنَ وإن اندسّ بين الناسَ وإن عرف كيف يرتّب أموره بحيث لا يُفتضح أمام عباد الله فأين يذهب يوم القيامة؟!

وكان - عليه الصلاة والسلام - يستعيذ من الخيانة كما روى أبو داود أنه كان يقول: ((اللهم إني أعوذ بك من الجوع فإنه بئس الضجيع، وأعوذ بك من الخيانة فإنها بئست البطانة)) رواه أبو داود (1547) والنسائي (5468).

الخيانة مذمومة حتى مع الكفار، حتى مع الخونة، ولهذا قال النبي: ((أدِّ الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك))، وفي القرآن: {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَومٍ, خِيَانَةً فَانبِذ إِلَيهِم عَلَى سَوَاء إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبٌّ الخَـائِنِينَ} [الأنفال: 58]، وجاء عثمان بن عفان بعبد الله بن سعد بن أبي سرح إلى النبي، وكان النبي قد أهدر دمه، فجاء به حتى أوقفه على النبي فقال: يا رسول الله، بايِع عبد الله، فرفع رأسه، فنظر إليه ثلاثًا، كل ذلك يأبى، فبايعه بعد ثلاث، ثم أقبل على أصحابه فقال: ((أما كان فيكم رجل رشيد يقوم إلى هذا حيث رآني كففتُ يدي عن بيعته فيقتله؟!)) فقالوا: ما ندري يا رسول الله ما في نفسك، ألا أومأت إلينا بعينك، قال: ((إنه لا ينبغي لنبيّ أن تكون له خائنة الأعين)) والحديث صحيح رواه أبو داود وغيره.

فالمصطفى - عليه الصلاة والسلام - لم يرضَ أن يتَّخذ الخيانة وسيلة حتى في حقِّ كافر محارب لله ورسوله، فما مدى جرم أولئك الذين لا تكون خيانتهم إلا في مسلمين؟! كيف بالذين لا تكون خيانتهم إلا في حق مؤمنين موحدين، لا يرقبون فيهم إلا ولا ذمة؟!

وبالخيانة أسقطت دولة الخلافة الإسلامية، وكانت رمزًا تجمع شتات المسلمين، فتمزقت أوطان المسلمين إلى بلدان وأقاليم، وأقام أعداؤنا في كلّ موطن وإقليم سلطانًا مواليًا لنفوذهم، ينفذ سياستهم بالترغيب والترهيب والحماية، ثم عمدوا إلى مناهج التعليم والتربية فصبغوها بصبغتهم في الإلحاد والكفر، وأنشؤوا بذلك أجيالاً من أبناء المسلمين، يعادون دينهم، ويتنكرون لتاريخهم وأمتهم، ثم عمدوا إلى الدين والحق فحاصروه في نفوس أتباعه، وضيقوا الخناق عليه في كل مكان، واضطروا أهله إلى النجاة بأنفسهم أو تحمّل صنوف العذاب والبلاء.

وبالخيانة تم غزونا فكريًا، فلم يستطع الغرب أبدًا أن يغزونا فكريًا ولا أن يهزم أرواحنا حتى حين هزم جيوشنا، لكن تكفّل بالمهمة الخونة من أبناء جلدتنا، وصدق الله - تعالى -: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعجِبُكَ قَولُهُ في الحياة الدٌّنيَا وَيُشهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا في قَلبِهِ وَهُوَ أَلَدٌّ الخِصَامِ} [البقرة: 204].

بسلاح الغدر والخيانة ذلك السلاح الذي تجرعت الأمة وتتجرع بسببه المرارات، وعن طريقه فقدت الأمة أعظم قادتها وخلفائها ممن أعجَزَ أعداءَها على مر التاريخ، فالرسول سَمَّته يهود، وعمر قتله أبو لؤلؤة المجوسي، وعثمان قتلته يد الغدر، وعلي وغيرهم ممن أغاظ أعداء الله أذاقهم صنوف العذاب والهوان في ساحات النزال وفي بئر معونة قُتِلَ سبعون من خيار الصحابة، لأجل هذا جاء التحذير من الخيانة، قال - تعالى -: {يا أَيٌّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا لاَ تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَـانَـاتِكُم وَأَنتُم تَعلَمُونَ} [الأنفال: 27].

وضد الخيانة الأمانة، وهي أداء ما ائتمن عليه الإنسان من الحقوق، وهي من أنبل الخصال وأشرف الفضائل، وكفاها شرفًا أن الله - تعالى - مدح المتحلّين بها فقال: {وَالَّذِينَ هُم لأَِمَـانَـاتِهِم وَعَهدِهِم راعُونَ} [المؤمنون: 32].

لذلك جاءت الآيات والأخبار حاثّة على التحلي بالأمانة والتحذير من الخيانة، قال أنس - رضي الله عنه -: ما خطبنا رسول الله إلا قال: ((لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له)) رواه أحمد (3/154).

وبعض الناس يقصرون فَهمَ الأمانة في أضيق معانيها، وهو حفظ الودائع، وحقيقتها في دين الله أضخم وأجل.

إنها الأمانة التي أشفقت من حملها السموات والأرض، {إِنَّا عَرَضنَا الأمَانَةَ عَلَى السَّمَـاواتِ وَالأرضِ وَالجِبَالِ فَأبَينَ أَن يَحمِلنَهَا وَأَشفَقنَ مِنهَا وَحَمَلَهَا الإِنسَـانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولاً} [الأحزاب: 72]، وبديهي أن الأمانة هنا ليست حفظ المال فقط، فذلك ما لا يفيده نص الآية الكريمة، وإنما نستشعر أن المراد بالأمانة هنا هو التزام الواجبات وأداؤها خير أداء كما شرعها الله - سبحانه وتعالى - للناس.

لقد أصاب مفهوم الأمانة ما أصاب غيره من المفاهيم من حيث سوء الفهم، فانحصر مفهوم الأمانة عند كثير من الناس في حدود ضيقة، فأكثر الناس اليوم لا يعرف عن الأمانة إلا أنها أداء الودائع التي استُودع إياها من قبل الناس، وهذا المفهوم هو جزء من مفهوم الأمانة الحقيقية، فالأمانة التزام الإنسان بالقيام بحق الله وعبادته على الوجه الذي شرعه الله مخلصًا له الدين.

إن الأمانة ـ إخوة الإيمان ـ فضيلة ضخمة، لا يستطيع حملها المهازيل، وقد ضرب الله المثل لضخامتها، فأبان أنها تُثقل كاهل الوجود كله، {إِنَّا عَرَضنَا الأمَانَةَ عَلَى السَّمَـاواتِ وَالأرضِ وَالجِبَالِ فَأبَينَ أَن يَحمِلنَهَا وَأَشفَقنَ مِنهَا وَحَمَلَهَا الإِنسَـانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولاً}. هذه الأمانة التي عرضت على الأرض والسماوات فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلومًا جهولاً، حمِّلتها على ظهرك ووضعتها أمانة في عنقك، لكي تُرهَن بها بين يدي الله ربك.

قال عبد الله بن مسعود قال: (القتل في سبيل الله يُكفّر الذنوب كلها إلا الأمانة، يؤتى بالعبد يوم القيامة وإن قتِل في سبيل الله فيقال: أدّ أمانتك، فيقول: أي رب، كيف وقد ذهبت الدنيا؟! قال: فيقال: انطلقوا به إلى الهاوية، فينطلق به إلى الهاوية، وتمثل له أمانته كهيئتها يوم دُفعت إليه، فيراها فيعرفها فيهوي في أثرها حتى يدركها، فيحملها على مَنكِبيه، حتى إذا نظر ظن أنه خارج زلَّت عن مَنكِبيه، فهو يهوي في أثرها أبد الآبدين، ثم قال: الصلاة أمانة، والوضوء أمانة، والوزن أمانة، والكيل أمانة ـ وأشياء عدَّدها ـ، وأشد ذلك الودائع)، قال راوي الحديث: فأتيت البراء بن عازب فقلت: ألا ترى ما قال ابن مسعود؟! قال البراء: صدق، أما سمعت الله يقول: {إِنَّ اللَّهَ يَأمُرُكُم أَن تُؤدٌّوا الأمَـانَـاتِ إِلَى أَهلِهَا} [النساء: 58]؟! رواه البيهقي مرة موقوفًا على ابن مسعود وأخرى مرفوعًا وحسنه الألباني.

جاء في حديث أبي هريرة عند مسلم أخبر النبي أن الأمانة والرحم تقومان على جنبتي الصراط، فقال: ((وترسل الأمانة والرحم، فتقومان جَنبتي الصراط يمينًا وشمالاً، ـ قال: ـ وفي حافَّتي الصراط كلاليب مُعلقة مأمورة بأخذ من أُمرت به، فمَخدوش ناجٍ,، ومَكدوس في النار))، والذي نفس أبي هريرة بيده، إن قعر جهنم لسبعون خريفًا.

 

تقف الأمانة على الصراط، فتُكَبكِب في نار جهنم كلَّ من خانها، وأما الرحم فإنها تُزِلّ قدم من قطعها وظلمها.

فيا من في أعناقكم أمانات، وكلنا كذلك، وكل بحسبه، أدِّ الأمانة، وإياك من الخيانة قبل أن تزل قدم بعد ثبوتها في موطن تكون الزلة تحتها قعر جهنم.

إن الخيانة ـ يا سادة ـ ظاهرة موجودة على كل الميادين، تقلّ في ميدان وتكثر في آخر، فمن خيانة الله ورسوله إلى خيانة المؤمنين، هذا يخون شريكه، وهذا يخون والده، وتلك تخون زوجها، وذلك يخون زوجته، وذاك يخون إخوته، وذاك يخون بلده، وذاك يخون وظيفته، وذاك يخون إدارته، وذاك يخون عِلمه، ومن يسرق مال شريكه خائن، ومن ينظر إلى نساء المسلمين مشتهيًا أعراضهم فهو خائن، لذلك قال الله - تعالى -: {قُل لّلمُؤمِنِينَ يَغُضٌّوا مِن أَبصَـارِهِم [النور: 30]، وَقُل لّلمُؤمِنَـاتِ يَغضُضنَ مِن أَبصَـارِهِنَّ} [النور: 31]. نعم، الخيانة قبيحة في كل شيء، وبعضها شر من بعض، وليس من خانك في فِلس كمن خانك في أهلك ومالك وارتكب العظائم.

ولذلك من المهم أن نعرج على بعض أنواعها:

1- خيانة العقيدة: وعقيدتنا لا إله إلا الله محمد رسول الله، فعدم تحقيق لا إله إلا الله في النفس وفي الغير وأنت مسلم خيانة لله، تعطيل فرائض الله أو تعدي حدوده أو انتهاك محارمه وأنت مسلم خيانة لله.

أن يكون المسلم مطية لأعداء الله في تنفيذ مخططاتهم وما فيها من دمار للبلاد والعباد أو دليلاً لهم على عوراتها خيانة، قال - تعالى -: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لّلَّذِينَ كَفَرُوا امرَأَتَ نُوحٍ, وَامرَأَتَ لُوطٍ, كَانَتَا تَحتَ عَبدَينِ مِن عِبَادِنَا صَـالِحَينِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَم يُغنِينَا عَنهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيئًا وَقِيلَ ادخُلاَ النَّارَ مَعَ الداخِلِينَ} [التحريم: 10]. والخيانة هنا هي خيانة الدين لا الفاحشة، قال ابن كثير: إن نساء الأنبياء معصومات عن الوقوع في الفاحشة لحرمة الأنبياء. قال ابن عباس: (كانت خيانتهما أنهما كانتا على غير دينهما، فكانت امرأة نوح تطلع على سرّ نوح، فإذا آمن مع نوح أحد أخبرت الجبابرة من قوم نوح به، وأما امرأة لوط فكانت إذا أضاف لوط أحدًا أخبرت به أهل المدينة ممن يعمل السوء). وصلة الزوجية لم تنفع ولو كانت مع نبيّ، قال - تعالى -: {فَإِذَا نُفِخَ في الصٌّورِ فَلاَ أَنسَـابَ بَينَهُم يَومَئِذٍ, وَلاَ يَتَسَاءلُونَ}[المؤمنون: 101].

2- موالاة أعداء الله خيانة: تروي كتب السيرة أن حاطب بن أبي بلتعة عندما تجهز النبي لفتح مكة أرسل رسالة لقريش مع امرأة يُعِلمهم بسير النبي، وجاء الوحي إلى رسول الله يخبره بالخبر، فنادى رسول الله: ((يا علي))، قال: لبيك يا رسول الله، ((يا زبير))، قال: لبيك يا رسول الله، ((انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ، فإن بها ظعينة ومعها كتاب فخذوه))، وذهبا كالسهمين مسرعين، ووجدا تلك المرأة تُنيخ راحلتها، فاقترب الزبير وقال: أي أختاه معك رسالة فأخرجيها، قالت: ما معي شيء، قال عليّ: يا امرأة، إنّ الذي أرسلنا ما كذب قطّ، وهو صادق فيما يقول، أخرجي الرسالة، قالت: ما معي شيء، قال: والذي نفسي بيده، إما أن تخرجيها، وإما أن أجردك من ثيابك حتى أراها، صاحت بكل صوتها وهي مشركة: لا، إياك أن تجرّدني، فأنا عربية حرة لا أتجرّد من ثيابي.

يا الله، إن في شوارعنا من يتجرد من ثيابه، لقد تجردوا وتزينوا وتسفهوا، وللخنا باعوا واشتروا، ثم يقولون: هم عرب.

قال: سنجردك من ثيابك، قالت: لا بل أخرج الرسالة، قال: أخرجيها، قالت: أديرا وجهيكما، وكشفت وأخرجت الرسالة وسلّمتها، وعاد الشابان إلى الجيش، هنالك فتح الرسول الرسالة وقرأها عليّ: من حاطب بن أبي بلتعة إلى أهل مكة، إن النبي قد جاءكم بجيش لا قبل لكم به فخذوا حذركم.

عقدت محكمة ميدانية، جيء بحاطب، ((يا حاطب ما هذا؟)) بكى حاطب وأشهَد الله أنه لم يفعل ذلك خيانة، إنما له أهل ضعاف، أراد أن لا تقتلهم قريش إذا سمعوا أن الجيش قد جاء، فأرسل الرسالة ليحافظ على أهله، فقال عمر: يا رسول الله، هذا رجل كذاب، دعني أضرب عنقه، قال: ((إنه قد شهد بدرًا، وما يدريك لعل الله أن يكون قد اطّلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم؟!)) وفي رواية: ((فقد وجبت لكم الجنة)) متفق عليه.

 

وينادي حاطب وهو ينظر إلى المسلمين: والله ما خنت الله ورسوله، والله ما نويت ذلك ولا خطر لي ذلك. نحن الآن من أجل أرصدةٍ, في بنوك اليهود من أجل جاهٍ, نطلبه من الكافرين نخون أمة المسلمين بأجمعها. وأنزل الله - تعالى -براءة لحاطب فقال له: {يا أَيٌّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا عَدُوّى وَعَدُوَّكُم أَولِيَاء تُلقُونَ إِلَيهِم بِالمَوَدَّةِ وَقَد كَفَرُوا بِمَا جَاءكُم مّنَ الحَقّ إلى آخر الآية} [الممتحنة: 1].

يا حاطب، إن عدوك هو عدوي، وإن عدوي هو عدوك، أنت مؤمن يا حاطب.

من هنا عاد حاطب إلى صفوف المؤمنين، وصار الصف بلا خيانة.

3- خيانة الشريعة: فلا تُطَبّق، بل تعزل عن حياة المسلمين، وهذه الخيانة عمّت وطمّت، أين الشريعة في الدساتير العلمانية؟! أين الشريعة في الاقتصاد الربوي؟! أين الشريعة في الإعلام التحلٌّلِي؟! أين الشريعة في السلم والحرب والتعليم والقضاء؟! وما شريعة القرآن إلا عهود ومواثيق بين الله وعباده، وقد دعانا رب العزة إلى الوفاء فقال: {يا أَيٌّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا أَوفُوا بِالعُقُودِ} [المائدة: 1]، {وَاذكُرُوا نِعمَةَ اللَّهِ عَلَيكُم وَمِيثَـاقَهُ الذي وَاثَقَكُم بِهِ إِذ قُلتُم سَمِعنَا وَأَطَعنَا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصٌّدُورِ} [المائدة: 7].

4- ومن الخيانة خيانة الأعراض، ومن الخيانة في الأعراض النظرة الحرام، قال - تعالى -: {يَعلَمُ خَائِنَةَ الأعيُنِ وَمَا تُخفِى الصٌّدُورُ} [غافر: 19]، قال ابن عباس: (هذا الرجل يدخل على أهل بيت وفيهم امرأة حسناء، فإذا غفلوا نظر إليها، وإذا فطنوا غضَّ بصره)، فكيف بالزنا؟! وقد حرم الله الزنا ونهى عن مقاربته ومخالطة أسبابه فقال: {وَلاَ تَقرَبُوا الزّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً} [الإسراء: 32].

5- خيانة الكسب: والمسلم الحق يحرص على الحلال في مطعمه ومشربه، فلا غش ولا خداع ولا كذب، جاء في حديث أن رسول الله مر على صُبرَة طعام أي: كُومة، فأدخل يده فيها، فنالت أصابعه بللاً، فقال: ((ما هذا يا صاحب الطعام؟!)) قال: أصابته السماء يا رسول الله، قال: ((أفلا جعلته فوق الطعام كي يراه الناس؟! من غش فليس مني)) رواه مسلم.

6- ومن معاني الخيانة أيضًا أن يستغلّ الرجل منصبه الذي عُيِّن فيه لجرّ منفعة إلى شخصه أو قرابته، فإن التشبّع من المال العام جريمة، قال رسول الله: ((من استعملناه على عمل فرزقناه رزقًا فما أخذ بعد ذلك فهو غلول)) رواه أبو داود.

ذكر صاحب الحلية أن عمر بعث إليه أميره في الشام زيتًا في قرب ليبيعه ويجعل المال في بيت مال المسلمين، فجعل عمر يفرغه للناس في آنيتهم، وكان كلما فرغت قِربة من قِرَب الزيت قلبها ثم عصرها وألقاها بجانبه، وكان بجواره ابن صغير له فكان الصغير كلما ألقى أبوه قربة من القِرب أخذها ثم قلبها فوق رأسه حتى يقطر منها قطرة أو قطرتان، ففعل ذلك بأربع قرب أو خمس فالتفت إليه عمر فجأة، فإذا شعر الصغير حسنٌ ووجهه حسن فقال: ادّهنت؟ قال: نعم، قال: من أين؟ قال: مما يبقى في هذه القرب، فقال عمر: إني أرى رأسك قد شبع من زيت المسلمين من غير عوَض، لا والله لا يحاسبني الله على ذلك. ثم جره بيده إلى الحلاق وحلق رأسه، خوفًا من قطرة وقطرتين.

7- ومن الخيانة أن يُسنَد عمل إلى غير أهلِه، قال النبي: ((من استعمل رجلاً على عصابة وفيهم من هو أرضى لله منه فقد خان الله ورسوله والمؤمنين)) رواه الحاكم (4/92-93) وصححه، وفي إسناده حسين بن قيس ضعّفه المنذري في الترغيب (3268) وضعَّفه الألباني.

فلا يُسند منصب إلا لصاحبه الحقيق به، ولا تُملأ وظيفة إلا بالرجل الذي ترفعه كفايته إليها، فلا اعتبار للمجاملات والمحسوبيات، حتى الصحبة لا ينظر إليها، انظروا كيف راعى النبي ذلك، فحين قال أبو ذر: يا رسول الله، ألا تستعملني؟! قال: فضرب يده على مَنكِبي ثم قال: ((يا أبا ذر، إنك ضعيف، وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة، إلا من أخذها بحقها وأدَّى الذي عليه فيها)) رواه مسلم (1825).

8- ومن معاني الخيانة أن يستغل الإنسان ما حباه الله من مواهب خصه بها أو أموال وأولاد رُزقها في معاصيه بدلاً من تسخيرها في قرباته واستخدامها في مرضاته، ولذا عقَّب - سبحانه - نهيه عن الخيانة بقوله: {وَاعلَمُوا أَنَّمَا أَموالُكُم وَأَولَـادُكُم فِتنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِندَهُ أَجرٌ عَظِيمٌ} [الأنفال: 28]، ولذا كان من الخيانة تضييع الزوجة والأولاد، فلا يؤدبهم ولا يأمرهم بالمعروف ولا ينهاهم عن المنكر، {يا أَيٌّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا قُوا أَنفُسَكُم وَأَهلِيكُم نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالحِجَارَةُ عَلَيهَا مَلَـئِكَةٌ غِلاَظٌ شِدَادٌ لاَّ يَعصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُم وَيَفعَلُونَ مَا يُؤمَرُونَ} [التحريم: 6].

أين الأمانة ممن ينصب في بيته أجهزة الاستقبال الفضائي التي تفسد الشيوخ فضلاً عن الشباب، والتي تبث من البرامج ما يغضب الله - عز وجل -، ويسعى جاهدًا لنقض عرى الإسلام عروة عروة، وغرس تقاليد الكفار وعاداتهم ومحاربة الفضائل الشرعية؟! أين هذا من أمانة الأولاد؟! فليتقِ الله من هذا شأنه، ولينظر إلى حديث رسول الله فيما روى البخاري ومسلم من حديث مَعقِل بن يَسار أن النبي قال: ((ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت هو غاشُّ لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة))، وأي غش ـ أيها المسلمون ـ أكبر من نصب الدش في المنزل وجعله متاحًا للقاصرين من الأطفال والنساء والمراهقين؟!

يا حسرة على العرب، اليهود يُعدّون أبناءهم للحرب، والعرب يُرَقِّصُون أبناءهم، فبينما يعلن اليهود عن فتح مكاتب في عدد من البلدان استنفارًا لشبابهم لينقلوهم في جسور جوية إلى فلسطين لتدريبهم على القتال إضافة إلى تدريبهم جميع اليهود المحتلين لفلسطين، وهذا لا شك على أنهم يستعدون لحرب شاملة في المنطقة، يَرُدٌّ العرب بترقيص بناتهم وأبنائهم في المسارح والمراقص بقيادة المغنين والمغنيات، ونقل ذلك بدون حياء ولا خجل في فضائياتهم الداخلية والخارجية مباشرة أو تسجيلاً.

9- ومن الخيانة أيضًا عدم حفظ العبد جوارحه وحواسه عن معصية الله - تعالى -، وجوارحنا ـ أيها المسلمون ـ أمانة، فلسانك ـ أخي المسلم أختي المسلمة ـ أمانة، إن حفظته من الكذب والغيبة والنميمة والسخرية بالناس والتجسس عليهم والقذف والفحش واستعملتَه في ذكر الله وتلاوة القرآن وفي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إن فعلت ذلك فقد أديت أمانة لسانك وجنّبتَ نفسك عذاب الله في الدنيا والآخرة. وعيناك أمانة عندك، فإن جنبتهما النظر إلى ما حرم الله واستعملتهما فيما يعود عليك بالنفع فزت دنيا وأخرى. وأذناك أمانة لديك، فجنبهما الاستماع إلى ما يغضب الله من سماع اللهو والغناء والغيبة والنميمة، واستعملهما في الاستماع إلى الموعظة الحسنة وذكر الله وتلاوة كتابه، إذا فعلت ذلك ـ أخي المسلم ـ فقد أديت أمانة أذنيك. ورجلاك أمانة، فلا تمشِ بهما إلى أماكن اللهو والفسق والفجور وأماكن الظلم والزور والاعتداء والمنكر، وسِر بهما إلى صلاة الجماعة في المسجد وصلة الرحم والإصلاح بين الناس وإلى الجهاد في سبيل الله. ويداك أمانة، فلا تمدَّهما إلى ما يغضب الله، واعمل بهما أعمالاً تعود عليك بالنفع في الدنيا والآخرة. والبطن أمانة فلا تدخل فيه ما حرم الله من المال. والفرج أمانة فقد مدح الله الحافظين لفروجهم، وأخبر أنهم مفلحون ومن أهل جنة الفردوس، فقال - تعالى -من سورة المؤمنين: {وَالَّذِينَ هُم لِفُرُوجِهِم حَافِظُونَ إِلاَّ عَلَى أَزوَاجِهِم أو مَا مَلَكَت أَيمَانُهُم فَإِنَّهُم غَيرُ مَلُومِينَ فَمَن ابتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُم العَادُونَ} [الممنون: 5-7] أي: المعتدون. والمال أمانة، فاحذر أن تبذره وأن تصرفه فيما حرم الله، وأنفقه على المساكين، وأخرج منه الزكاة. وهكذا ـ أيها المسلمون ـ ما وهبنا الله إياه من جوارح وعقل كلها أمانات، ((لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن عمره: فيم أفناه؟ وعن علمه: فيم فعل فيه؟ وعن ماله: من أين اكتسبه؟ وفيم أنفقه؟ وعن جسمه: فيم أبلاه؟)) أخرجه الترمذي وقال الترمذي: \"حديث حسن صحيح\"، وله شواهد كثيرة، وقد صححه الألباني في السلسلة الصحيحة.

10- ومن معاني الخيانة أن لا تحفظ حقوق المجالس التي تحضرها، فتدع لسانك يفشي أسرارها وينشر أخبارها، فكم من حبال تقطعت ومصالح تعطلت لاستهانة بعض الناس بأمانة المجلس، قال - عليه الصلاة والسلام - فيما رواه أبو داود عن جابر بن عبد الله: ((إذا حدث الرجل بالحديث ثم التفت فهي أمانة)).

حتى العلاقات الزوجية في نظر الإسلام مجالسها تصان، فما يحوي البيت من شؤون العشرة بين الرجل وامرأته يجب أن يطوى في أستار مسبلة، لا يطلع عليها أحد مهما قرب، روى أحمد في مسنده عن أسماء بنت يزيد أنها كانت عند رسول الله والرجال والنساء قعود عنده، فقال: ((لعل رجلاً يقول ما فعل بأهله، ولعل امرأة تخبر بما فعلت مع زوجها))، فأرم القوم أي: سكتوا وَجِلِين، فقلت: إي والله يا رسول الله، إنهم ليفعلون، وإنهن ليفعلن، قال: ((فلا تفعلوا، فإنما مثل ذلك مثل شيطان لقي شيطانة فغشيها والناس ينظرون)) رواه أحمد (6/456-457) قال الهيثمي في مجمع الزوائد (4/294): \"وفيه شهر بن حوشب، وحديثه حسن، وفيه ضعف\" وله شواهد يتقوى بها، انظر: إرواء الغليل (2011).

11- ومن الخيانة خيانة العالم لعلمه، فالعلم أمانة في عنق العلماء، إن بيَّنوه للناس وصانوه من التحريف والتلاعب كانوا أوفياء لأقدس أمانة، وإن لم يفعلوا كانوا مرتكبين لأبشع صور الخيانة، {وَإِذ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَـاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَـابَ لَتُبَيّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاء ظُهُورِهِم وَاشتَرَوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً فَبِئسَ مَا يَشتَرُونَ} [آل عمران: 187].

12- ومن معاني الخيانة خيانة الودائع التي وصى الله بها من فوق سبع سماوات: {إِنَّ اللَّهَ يَأمُرُكُم أَن تُؤدٌّوا الأمَـانَـاتِ إِلَى أَهلِهَا} [النساء: 58]، ويدخل في ذلك أداء الديون، فالمماطلة بها خيانة.

انظروا إلى رسول الله كيف استخلف ابن عمه علي بن أبي طالب ليُسَلم إلى المشركين الودائع التي حفظوها عنده، مع أنهم آذوه واضطروه إلى ترك أرضه.

والخيانة متى ظهرت في قوم فقد أذنت عليهم بالخراب، فلا يأمن أحد أحدًا، ويحذر كلُ أحد من الآخر، فلا يأمن صديق صديقه، ولا زوج زوجه، ولا أب ولده، وتترحل الثقة والمودة الصادقة فيما بين الناس، وقد جاء في الآثار: \"لا تقوم الساعة حتى لا يأمن المرء جليسه\".

وينقطع المعروف فيما بين الناس مخافة الغدر والخيانة، ومن قصص العرب أن رجلاً كانت عنده فرس معروفه بأصالتها، سمع به رجل فأراد أن يسرقها منه، واحتال لذلك بأن أظهر نفسه بمظهر المنقطع في الطريق عند مرور صاحب الفرس، فلما رآه نزل إليه وسقاه ثم حمله وأركبه فرسه، فلما تمكن منه أناخ بها جانبا وقال له: الفرس فرسي وقد نجحت خطتي وحيلتي، فقال له صاحب الفرس: لي طلب عندك، قال: وما هو؟ قال: إذا سألك أحد: كيف حصلت على الفرس؟ فلا تقل له: احتلت بحيلة كذا وكذا، ولكن قل: صاحب الفرس أهداها لي، فقال الرجل: لماذا؟! فقال صاحب الفرس: حتى لا ينقطع المعروف بين الناس، فإذا مرّ قوم برجل منقطع حقيقة يقولون: لا تساعِدوه لأن فلانًا قد ساعد فلانًا فغدر به. فنزل الرجل عن الفرس وسلمها لصاحبها واعتذر إليه ومضى.

وأما موقف المسلم من الخيانة فأن تُربى القلوب على مخافة الله وخشيته، مر عمر يتفقد رعيته ليلاً وإذا به يسمع امرأة تقول لابنة لها: اخلطي الماء باللبن، فقالت البنت: لقد نهانا عمر عن ذلك، فقالت أمها: وما يدري عمر؟! قالت البنت: إن كان عمر غائبًا فإن ربه حاضر. تقع هذه الكلمة في قلبه، فيجمع وُلدَه ويعزم على أحدهم أن يتزوج هذه الفتاة، فيتزوجها ولده عاصم، فيكون من ولده عمر بن عبد العزيز الذي ملأ الدنيا عدلاً.

أما موقف المسلم الخونة فهو جهادهم، قال - تعالى -: {يا أَيٌّهَا النَّبِىٌّ جَـاهِدِ الكُفَّـارَ وَالمُنَـافِقِينَ وَاغلُظ عَلَيهِم وَمَأوَاهُم جَهَنَّمُ وَبِئسَ المَصِيرُ} [التوبة: 73]، وقد قدَّمت أن الخائن منافق. ويدخل في ذلك دخولاً أوليًا عدم ممالأة الخونة أو الدفاع عنهم، وَلاَ تَكُن لّلخَائِنِينَ خَصِيمًا [النساء: 105].

ومن لوازم النصر عليهم إصلاح نفوسنا، ففي سورة الإسراء بعد أن ذكر الله - سبحانه - قصة الإفسادَين لبني إسرائيل عقَّب - سبحانه - قائلاً: {إِنَّ هَـذَا القُرءانَ يِهدِى لِلَّتِى هي أَقوَمُ} [الإسراء: 9]، ويتساءل المفسرون عن العلاقة بين الإفسادين والقرآن هنا، ويجيب بعضهم: إنه لكي تنتصر الأمة الإسلامية على اليهود لا بد أن تعود إلى القرآن، تقرؤه وتتعلمه وتفهمه وتتدبره وتعمل بما فيه وتتخذه منهاجًا يحكم حياتها، فيفتح القرآن كنوزه لهذه الأمة، فتُهدَى للتي هي أقوم، وتكون جديرة بنصر الله.

فعلينا ـ أيها المؤمنون ـ أولاً: العودة للقرآن الكريم، بأن نحافظ على الورد اليومي للقرآن الكريم، ونحضَّ أزواجنا وأولادنا على ذلك، ونحرص على تحفيظ الأولاد القرآن الكريم، فيخرج جيل قرآني رباني جديد، ونحرص على إحياء مجالس القرآن الكريم في المساجد وتعليمه للناس، والعمل المستمر من أجل أن يُحكَّم فينا هذا القرآن.

وثانيًا: مجاهدة النفس وحملها على الاستقامة، فمعادلة النصر في القرآن هي:{إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُركُم وَيُثَبّت أَقدَامَكُم} [محمد: 7]، ففي هذه الآية معركتان: المعركة الثانية: {يَنصُركُم وَيُثَبّت أَقدَامَكُم}، هي معركة يدبرها الله ويديرها ويخرج نتائجها، ونتيجتها النصر والتمكين. أما المعركة الأولى: {إِن تَنصُرُوا اللَّهَ} فميدانها النفس البشرية، والذي يدير هذه المعركة هو الفرد نفسه، ويخرج نتائجها بنفسه، والنتيجة هي الاستقامة. فلا نصر ولا تمكين إلا بعد الاستقامة، فعلينا أن نجاهد أنفسَنا ونحملها على الاستقامة ونبعدها عن مواطن المعصية التي تؤخر نصر الله.

ثالثًا: إحياء نفسية المقاومة والجهاد، فينبغي على الأمة لتقوم بواجب النٌّصرة أن تكسر تلك القيود النفسية والمادية التي كُبلت بها، وتحطم تلك الأغلال التي تمسك بخناقها وتجعلها أسيرة الذل والهوان السرمدي وتحول بينها وبين سبيل الخلاص، وهذا هو الجهاد، تلك الكلمة التي تنخلع عند سماعها قلوب الأعداء، حينئذ فقط تلوح بوارق النصر، وتهب نسمات الجنة، ويغدو الخروج من تيه الذل والاستعباد رمية حجر، ونعرف معنى الحياة العزيزة التي حُرمنا منها منذ عقود طويلة، حتى غدت حلمًا بعيد المنال وضربا من ضروب المحُال، وندرك ثاراتنا الجاثمة على قلوبنا جثوم الجبال الرواسي، {قَـاتِلُوهُم يُعَذّبهُمُ اللَّهُ بِأَيدِيكُم وَيُخزِهِم وَيَنصُركُم عَلَيهِم وَيَشفِ صُدُورَ قَومٍ, مٌّؤمِنِينَ وَيُذهِب غَيظَ قُلُوبِهِم} [التوبة: 14، 15].

وأما غير ذلك فصيحات تتبخّر، وصرخات تتبعثر، لم تكن بالأُولى، ولن تكون الأخيرة، وما هي إلا همهماتُ محموم ونفثات مصدور، سرعان ما يعودُ سيرتَه الأولى، فلا كان ولا صار.

رابعا: المقاطعة، ففي هذا الجانب علينا أن نقاطع كل السلع الأجنبية عامة، والسلع اليهودية والأمريكية خاصة، فكل دولار يكسبونه من سلعة يبيعونها لنا يذهب جزء منه لشراء السلاح الذي يُقتل به شعب فلسطين، فيجب نشر ذلك بين الناس، وتفعيل هذا السلاح والرضا بالبدائل المحليّة، فلا يرتفع سعر الدولار على حساب دمائنا.

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply