لبيك اللهم لبيك (1)


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

المحتويات

  • مقدمة
  • وقفات حول التلبية
    1. 1.    الوقفة الأولى: في التلبية استجابة لله
    2. 2.    الوقفة الثانية: في التلبية إعلان للتوحيد
    3. 3.    الوقفة الثالثة: في التلبية إعلان بالانتماء للدين
  • الحج وإبراهيم عليه السلام
    1. 1.    أولاً: الولاء لملة إبراهيم
    2. 2.    ثانياً: البراءة من الشرك
    3. 3.    ثالثا: الولاء والبراء
  • وقفات حول النحر
    1. 1.    الوقفة الأولى : النحر يربي على الأمتثال
    2. 2.    الوقفة الثانية :النحر يعد النفوس
    3. 3.    الوقفة الثالثة : النحر لغير لله شرك
    4. 4.    الوقفة الرابعة :العبرة بالمضمون
  • وقفات حول محظورات الأحرام
    1. 1.    الوقفة الأولى : حين يلبس الحاج إحرامه ويلبي نداءه لله عز وجل
    2. 2.    الوقفة الثانية : المحرمة والحجاب
    3. 3.    الوقفة الثالثة : بين الصيد ودماء المسلمين
  • وقفات حول الدعاء
  • وقفات عامة
    1. 1.    الوقفة الأولى:الحج يربي على الانضباط
    2. 2.    الوقفة الثانية: الورع المفقود
    3. 3.    الوقفة الثالثة: التخلف الحضاري

4.  الوقفة الرابعة : بذرة خير بحاجة إلى من يستثمرها

 


مقدمة


الحمد لله نحمده و نستعينه ونستغفره ونتوب إليه، نعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله ، أما بعد:-


فهذه هي أول ليلة من هذا الشهر الحرام- شهر ذي القعدة-، ونحن نستقبل جميعا وإياكم موسما عظيما وأياما فاضلة من أيام الله سبحانه وتعالى، تلك الأيام التي فضلها الله عز وجل على سائر الأيامº فما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلي الله عز وجل من هذه الأيام العشر من ذي الحجة ، وأفضل عمل صالح يؤدى في هذه الأيام هو الحج إلى بيت الله الحرام، ومن ثم أحببت أن نقف في هذه الأمسية وفي هذا الدرس حول بعض المعاني المتعلقة بهذه الشعيرة العظيمة.
فلا نريد هنا نتحدث عن أحكام الحج وآدابه، ولا ماينبغي أن يفعله الحاج، ولا عن الأخطاء التي يقع فيها الحجاج -وهي جوانب مهمة ونحتاج إلى الحديث عنها كثيرا- وحين أختار ألا أتحدث عنها فإن هذا لايعني بحال أني أرى أن ما أقوله أولى من ذلك، ولكني أردت أن أطوف وإياكم في هذه الأمسية حول واقع المسلمين الذين يفدون إلى بيت الله الحرامº لنأخذ بعض الدروس وبعض الوقفات التي نتأمل فيها واقعنا جميعا، وخاصة واقع أولئك الحجاج الذين يلبون نداء الله عز وجل ويأتون إلى هذا البيت ملبين.

 


وقفات حول التلبية:

 

 

  1. 1.    الوقفة الأولى: في التلبية استجابة لله:

  2. ما إن يخلع الحاج ملابسه ويرتدي ملابس الإحرام حتى يجهر بالتلبية: لبيك اللهم لبيك لبيك لاشريك لك لبيك، إنه يعلن استجابته لله عز وجل استجابة بعد استجابة، يعلن استجابته لنداء الله عز وجل ولأمره ويكرر هذا ويصدح به على رؤوس الملأ، ويتعبد إلى الله عز وجل بهذا الذكر.
    لكنك حين ترقب حال هذا الذي يلبي ترى له شأناً آخر مع حدود الله عز وجلº فهو يتجرأ على أن يتجاوز حدود الله عز وجل ، يتجرأ على أن يخالف أمر الله سبحانه وتعالىº فيرى الأمر واضحاً أمامه مما أمر الله عز وجل به وافترضه عليه، ومع ذلك يترك هذا العمل عمداً ، ويرى الأمر مما نهاه الله عز وجل عنه وحذره منه بأليم العقاب ومع ذلك يتجرأ على مخالفته،فأين تلك الاستجابة التي كان يعلنها وهو يقول لبيك اللهم لبيك ؟ أين ذلك الخضوع الذي لم يكتف بأن يكون سرًا في نفسه بل أعلنه على رؤوس الملأ استجابة لله عز وجل بعد استجابة، وخضوعاً لله سبحانه وتعالى بعد خضوع ؟

  3. إنه لو تأمل هذا المعنى لعاد به كثيراً ولفكر مليًّا وهو يجهر بهذا الدعاء وهذا الذكر، لعادت به الذاكرة إلى حياته تلك التي يسطرها بالصفحات المخالفة لأمر الله عز وجل ، وعلم أن الدافع الذي يدعوه لاستجابة أمر الله عز وجل على رؤوس الخلائق ينبغي أن يدفعه إلى الاستجابة لأوامر الله عز وجل ونواهيه في سائر حياته.

 

 

  1. 2.    الوقفة الثانية: في التلبية إعلان للتوحيد:

  2. لقد كان أهل الجاهلية يعلنون الشرك االصراح وهم يلبون ويجاهرون بهº فيقولون في تلبيتهم: لبيك لاشريك لك إلا شريكاً هو لك تملكه وما ملكº فجاء الإسلام بتلبية التوحيد والإخلاص والبراءة من الشركº إنه إعلان للبراءة من الشرك بكل صوره وأبوابه: من الشرك في ربوبية الله عز وجلº فالله سبحانه وتعالى هو وحده المتصف بصفات الجلال والتعظيمº فاعتقاد أن أحداً من البشر يشاركه سبحانه وتعالى الخلق أو الرزق، أو أنه يملك الضر والنفع هو إشراك مع الله عز وجل المتفرد بالربوبية.

  3. وكم يتجرأ بعض المسلمين الذين يعلنون هذا الدعاء صباح مساء: لبيك لاشريك لك لبيك، كم يتجرأ هؤلاء على الشرك بالله عز وجل في مقام ربوبيته º فيعطون تفويضاً إلى من يسمونهم بمشائخ الطرق أو غيرهم في التصرف في الكون، أو يعتقدون أن فلاناً ينفع أو أن فلاناً يضر أو أن فلانا بيده هذا الأمر أو ذلك، أو يعتقدون بأن هناك من يملك التشريع للناس والتحليل والتحريم وهذا كله خرق لسياج التوحيد واستخفاف بالله عز وجل وعظمته وهو القائل :( أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله) (وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلونكم وأن أطعتموهم إنكم لمشركون ) .

  4. إنها قضية واضحة كل الوضوح لالبس فيها ولاغموض، ولامجال فيها للمجادلة والمراء، فمن أعطى حق التشريع والإباحة لأحد غير الله فقد خرق سياج التوحيد وأشرك بالله عز وجل في ربوبيته، ويصدق على أولئك قول الله عز وجل :( اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله والمسيح ابن مريم ) ، فما بال هذا الرجل الذي يعلن التلبية يتجرأ في الإشراك بالله عز وجل ومنازعة الله سبحانه في ربوبيته وأمره (ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين)، وقد قرن الله عز وجل الحكم بشرعه بعبادته وحده فقال :(إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه).
    والتوجه لغيره سبحانه بالدعاء وطلب الحاجة إعلان ممن فعل ذلك أنه يجهل قدر الله عز وجل وأنه لا يعظم الله عز وجل حق تعظيمه وهو القائل :(وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا) ،وهو القائل :( ذلكم الله ربكم له الملك والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير إن تدعوهم لا يسمعوا دعائكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم ولا ينبئك مثل خبير)، فما بال البعض ممن يعلن البراءة من الشرك هاهنا ويكررها ،ما باله حين يعود إلى بلاده يتوجه إلى غير الله عز وجل فيدعو غير الله عز وجل ويتوجه إلى غيره سبحانه وتعالى.

 

 

  1. 3.    الوقفة الثالثة: في التلبية إعلان بالانتماء للدين:

  2. من سنن التلبية الجهر بهاº فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:\"أفضل الحج العج والثج\"، والمقصود رفع الصوت بالتلبية وإراقة الدم في سبيل الله عز وجل، حين أحرم أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم ما بلغوا الروحاء حتى بحت أصواتهم،إنه مشهد جميل وصوت شجي وندي، حين تملأ الميادين والأزقة والطرقات بالتلبية والتوحيد لله عز وجل.
    لكنك ترى المسلم الذي يجهر بالتلبية ويعلنها ويكررها ويرفع بها صوته ،تراه حين يعود بعد ذلك إلى بلده يستحي أن يجهر بما ينبغي أن يجهر بهº فهو يستحي أن يعلن انتمائه الحقيقي وولاءه لدينه، يستحي أن يصلي النافلة –وربما صلاة الجماعة- يستحي أن يترك معاقرة الخمرة ،يستحي أن يفعل ذلك أمام الناس وهو الذي كان يجهر بالتلبية لله عز وجل.
    إن هذا الشعور الذي يدفع المسلم للجهر بالتلبية ينبغي أن يدفعه إلى أن يجهر بانتمائه لدينه، وأن يعلنها صريحة واضحة أمام الناس، هاأنا مسلم أدعو الله عز وجل وأدعو إليه وأنتمي لدينه، هاأنا مسلم أتعبد الله عز وجل بفعل ما أمر وأجتنب ما نهى ولو خالف ما عليه الناس.

 


الحج وإبراهيم عليه السلام:


الحج يربط المسلم ويذكره بنبيه إبراهيم عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة وأتم التسليمº فهو الذي بنى البيت، وهو الذي أذن بالناس فجاءوا رجالا وركبانا، جاءوا على كل ضامر من كل فج عميق يستجيبون لهذا النداء.


وحين يشرب الحاج ماء زمزم يتذكر أنه نبع بين يدي إسماعيل حين تركه الخليل وودعه فنادته أمه قائله: إلى من تتركنا؟ فلا يجيب إبراهيم ولا يلتفت إليها ثم تسأله فتقول:\"أالله أمرك بهذا؟\" فيقول: نعم فتقول: إنه لا يضيعنا، وتبقى تلك المرأة مع ولدها إسماعيل، وحين يفارقها إبراهيم يرفع يديه إلى السماء ويدعو الله عز وجل :(وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا البلد آمنا واجنبني وبني أن نعبد الأصنام رب إنهن أضللن كثيرا من الناس فمن تبعني فانه مني ومن عصاني فانك غفور رحيم. ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم) ، وتأتي حين يجوع ولدها ويبكي وتذهب ذات اليمين وذات الشمال، فتصعد الصفا وتصعد المروة.


فيتذكر هذه المعاني وهو يطوف بالبيت، ويصلي خلف المقام، ويسعى بين الصفا والمروة، ويشرب ماء زمزم، وهو ينتقل بين المناسكº فيشعر أنه يرتبط ارتباطا وثيقاً بإبراهيم عليه السلام، وهذا يعني أموراً عدة، منها:

 

 

  1. 1.    أولاً: الولاء لملة إبراهيم:

  2. يشعر المسلم -الذي يلبي نداء الله وأمره بالحج- بالانتماء والولاء لإبراهيم عليه السلام والحنيفية التي جاء بها إبراهيم، وهو الذي دعا الله عز وجل بقوله: (ربنا وابعث فيهم رسولاً منهم يتلو عليهم آياتك) ، إن إبراهيم هو الذي سمانا المسلمين من قبل، هو الذي أمر الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم وأمته من بعده أن ينتسبوا وينتموا إليه، فما بالنا نرى هذا المسلم الذي يأتي إلى البيت حين يعود إلى بلاده يوزع ولاءه ذات اليمين وذات الشمال، فهو تارة ينتمي لاتجاه قومي، وتارة لاتجاه وطني، وتارة ينتمي إلى منهج علماني، وكلها مناهج تعارض الملة الحنيفية التي جاء بها إبراهيم عليه السلام.
    إنه الذي كان يطوف بالبيت وكان يصلي خلف المقام وكان يطوف بين الصفا والمروة، هو الذي لا يستحي الآن أن يعلن بين الناس أنه قومي أو وطني أو علماني، إنه هو الذي يستقبل البيت الذي بناه إبراهيم كل يوم خمس مرات، ويردد في صلاته كما صليت على آل إبراهيم، كما باركت على إبراهيم.

  3. و يأمر الله أمة محمد صلى الله عليه وسلم أن تجهر بها صريحة وتعلنها واضحة في وجه من يدعوها لمنهج منحرف (وقالوا كونوا هودا أو نصارى تهتدوا قل بل ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين)، ولئن كان الله عز وجل قد أمر المخاطبين بها لأول مرة أن يقولوها في وجه من يدعوهم للنصرانية واليهودية، فالأمة اليوم مدعوة لأن تقولها لكل من يدعوها لمذهب ماديº فأمة الإسلام حزب واحد وجماعة واحدة وأمة واحدة، لا يعرف فيها المسلم الولاء إلا لمنهج واضح المعالم ذلك المنهج الذي اختطه إبراهيم عليه السلام (ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين).

 

 

  1. 2.    ثانياً: البراءة من الشرك:

  2. إن منهج إبراهيم وملة إبراهيم لها معلم بارز وشعار ظاهر بينه الله لورثة إبراهيمº فقد اختصم اليهود والنصارى وكل منهم يدعي أنه سائر على منهج إبراهيم فجاء الوحي (ما كان إبراهيم يهوديًّا ولا نصرانيًّا ولكن كان حنيفاً مسلماً وما كان من المشركين) ، إن مجرد نزاع هؤلاء على الانتماء له والإدعاء بالسير وراءه أعظم دليل على سمو الانتماء لهذا النبي الكريم.
    وفي سورة الأنعام يقول حين أعلن بطلان ألوهية ما سوى الله (إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفاً وما أنا من المشركين) ،وفي سورة النحل يصفه الله عز وجل بذلك (إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفاً وما كان من المشركين) ، ثم يأمر الله عز وجل نبيه - والأمر له أمر لأمته من بعده - (ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين).
    أترى بعد ذلك أن أولئك الذين يصرفون العبادة لغير الله يحق لهم أن ينتسبوا وينتموا لإبراهيم؟ ومع هذا التأكيد لملة إبراهيم فيوحي الله إليه محذراً إياه من الشرك ومبيناً له أن من أهم مقتضيات حج بيت الله الحرام إعلان البراءة من الشرك والخلوص منه ( وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت ألا تشرك بي شيئا وطهر بيتي للطائفين والقائمين والركع السجود) ، ثم يخاطب الله عز وجل أمة الإسلام في ثنايا آيات الحج (فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور حنفاء لله غير مشركين به ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق) ، وقد أخبر الله عز وجل في كتابه وهو العليم الحكيم أن كثيراً ممن يدعي الإيمان يقع في الشرك فقال :(وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون)، فما بال بعض من يحج إلى البيت وينتسب لإبراهيم يقعون في الشرك ويتوجهون لغير الله عز وجل؟ أيظن أولئك أن مجرد الانتساب للإسلام كافٍ, لخلاصهم من الشرك وقد قال الله :(وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون )، أيظنون أن مجرد إقرارهم بالإيمان والدين كافٍ, وقد أخبر الله عز وجل أن أنبيائه لو أشركوا لحبطت أعمالهم :( ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين).

  3. لقد حكى الله عز وجل عن المشركين وهم يتوجهون لأوثانهم بالعبادة قولهم بأنهم ما كانوا يقصدون عبادة تلك الأوثان بل يتخذونها وسيلة وزلفى إلى الله عز وجل :(والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى ) ، فبالله عليكم ما الفرق بين أعرابي كان في ذلك العصر يتوجه إلى حجارة يركع لها ويسجد لها ويرى أنها تقربه إلى الله زلفى، وبين رجل في عصر القرن العشرين في عصر العلم والوعي أصبح يطوف على رفات مضت عليه السنون ويعتقد أن صاحب هذا الضريح أو هذا الرفات يقربه إلى الله زلفى ومنزلة إليه عز وجل؟
    إنه الشرك بالله عز وجل الذي جاء هذا الدين لمحوه، وهو الذي أرسل نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم لإبطاله والقضاء عليه، فما أجدر المسلم بعد ذلك وقد أجاب نداء إبراهيم فجاء ملبياً، جاء حاجًّا لله عز وجل، ما أجدره أن يحرص على أن يتعلم ملة إبراهيم، وأن يحرص على أن يعرف هذا الطريق وهذه الملةº ليبتعد عن موجبات الشرك صغيره وكبيره.

 

 

  1. 3.    ثالثا: الولاء والبراء:

  2. لقد ورثت الأمة الإسلامية من أبيها إبراهيم عقيدة البراءة من المشركين وعداوتهم (قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العدوة والبغضاء أبداً حتى تؤمنوا بالله وحده ) فقد أعلنها إبراهيم صريحة واضحة: كفرنا بكم، وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء.
    وتنزل آيات البراءة من المشركين في موسم الحج، ويرسل النبي صلى الله عليه وسلم من يقرأها في الموسم ( براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين فسيحوا في الأرض أربعة أشهر واعلموا أنكم غير معجزي الله) ، فهل يدرك المسلم وهو يلبي نداء إبراهيم أن من واجبه أن يقطع الولاء لكل مشرك وكافر ولو كان أقرب قريب؟ وألا يوالي إلا من كان حنيفا مسلما؟

  3. هل يدرك المسلم وهو يلبي، وهو يستجيب لنداء إبراهيم، ويستقبل البيت الذي بناه إبراهيم خمس مرات هل يدرك أن ملة إبراهيم قائمة على البراءة من كل كافر بالله عز وجل ، ومن كل مشرك أيًّا كان كفره وشركه سواء أكان يهوديًّا أم نصرانيا ، سواء أكان وثنياً أم مرتداً مادام كافرا بالله عز وجل؟

 


وقفات حول النحر:


النحر من أعظم ما شرع الله عز وجل في هذه العبادة العظيمة في الحج لقولة سبحانه :( ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام) ،(ولكل أمة جعلنا منسكاً ليذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الأنعام)، فالنحر عبادة عظيمة لله سبحانه وتعالى ولهذا سمى الله عز وجل هذا اليوم بيوم النحر وهو أفضل أيام الحج، بل وهو أفضل أيام العام وهو يوم الحج الأكبر ، وهو الذي قال فيه صلى الله عليه وسلم: \" أفضل الأيام يوم النحر \" فتسميته بالنحر دليل على عظم هذه العبادة وعلو شأنها ولنا مع النحر وقفات.

 

 

  1. 1.    الوقفة الأولى:النحر يربي على الامتثال:

  2. النحر يذكر المسلم بإبراهيم عليه السلام حين أمره الله عز وجل بذبح ابنه الذي رزقه الله إياه على حين كبر، وكانت امرأته عاقراً فرزقه الله عز وجل إياه بعد أن يأس من الولد، وحين بلغ معه السعي والسن التي يفرح فيها الوالد بولده ويستبشر به أمره الله عز وجل أن يقوم بذبح ابنه ، ولو أمر أن يقتله أو يرسله إلى معركة يقتل فيها فقد يهون الأمر عليه، أما أن يمارس هو ذبح ابنه فالابتلاء أعظم ، ويستجيب إبراهيم لأمر الله دون تردد، و يسعى إبراهيم عليه السلام إلى أن يشرك إسماعيل في الابتلاء ، فيعرض عليه الأمر ويستشيره
    ( يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى ) إنه وهو يسأله هذا السؤال لم يكن ليوقف استجابته لأمر الله عز وجل على موافقة إسماعيل ، حاشا وكلا، لكنه يريد أن يشاركه إسماعيل في الابتلاء وما كان من ابنه إسماعيل إلا أن قال:( باأبت افعل ما تأمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين)وحين استسلم كلُّ من إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام لله عز وجل ، و لم يبق بعد ذلك أن تراق تلك النفس ، النفس التي شاء الله عز وجل أن يكون من ذريتها هذه الأمة التي تحج إلى بيت الله عز وجل وتحمل رسالة الله، ويخصها بخاتمة شرائعه( وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماما ) وحين نعود إلى واقع هذا المسلم الذي ينحر الدم لله عزوجل استجابة لأمره تبارك وتعالى وتأسيًّا بإبراهيم ، نراه في الاستجابة لأمر الله عز وجل تراه يبدي العلل والحجج الواهية ويناقش ويبدي ويعيد في تسليمه لأمر الله عز وجل.

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply