بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله جعل العزةَ والسعادةَ لمن أطاعه واتقاه، وجعل الذلةَ والشقاءَ على من خالف أمرَه وعصاه، وأشهد أن إلا إله إلى الله وحده لا شريك له، جعل المغفرةَ والأجرَ لمن يخشاه، وأشهد أن محمد عبده ورسوله، صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه ومن والاه.
أما بعد: فيا أيها المسلمون: اتقوا الله - تعالى -، وتوكلوا عليه، فأن من اتقى الله وقاه، ومن توكل عليه كفاه.
معشر المسلمين: إن دينَ الإسلام دينٌ مستهدفٌ من قبل أعدائه في كل زمان ومكان، فأعداءُ الله ورسولِه والمؤمنين لا يألون جهدًا في تشويه الإسلام، وإفسادِ أعماله في المسلمين، بشتى الطرقِ والوسائل، ويتربصون بالمؤمنين والمؤمنات الدوائرَ بين حينٍ, وآخر.
ولقد وجه الكفارُ كل إمكاناتهم الماديةِ والمعنويةِ لمحاربةِ الإسلامº وذلك ببث أفكارهمُ الإلحاديةِ، التي تمحق القيمَ والأخلاقَ، وقد شاركهم في هذا المضمارِ أناسٌ محسوبون على الإسلام وعلى أهله من المنافقين، وهنا يكمن الخطرُ، حيث تأثر هؤلاء المفتونون بأفكار الكفار، وآمنوا بها وسيلةً للرقي والتقدمِ، واتخذوا من حالة المسلمين الراهنةِ وما هم عليه من تأخرٍ, وركودٍ,، وسيلةً للطعن في الإسلام، وعدمِ صلاحيته نظامًا للحياة، وإن لم يقولوا ذلك صراحةً، وإنما يظهرُ ذلك باعتراضهم على بعض شرعِ الله - تعالى -.
من ذلك: اتهامُهمُ الإسلامَ بظلم المرأةِ المسلمة، ومنعِها من حقوقها، وباحتقارها وإثارتُهمُ الفتنَ بين المسلمين، ودعوتُهم إلى تحرير المرأة والمطالبةِ بحقوقها.
فمتبعوا الشهوات في الحقيقة يريدون ذهابَ الحياءِ من النساء ليستمتعوا بفتنتهن ويكرهون استقامتهن على الخير والستر، ولذلك يسعون في تحقيقِ ما يريدون بشتى الوسائل بتحريضها على التمرد من قيودِ الرجل، والمطالبةِ بالاستقلالية والمشاركةِ في الأعمال.
أيها المسلمون: إن غرضَ المنافقين من حثهم المرأةَ على المشاركةِ في شتى المجالات هو إخراجُها من بيتها لتخالطَ الرجالَ، وتُظهرَ زينتَها، وإن استجابةَ المرأةِ لذلك فيه فسادُ الدينِ والأخلاق، وظهورُ الفتن، كما هو الحاصلُ في كثيرٍ, من بلادِ العالم، وقد كَتَبت إحدى الصحفِ الغربيةِ تقريرًا عن ارتفاعِ نسبةِ الجريمة بين النساءِ المتبرجات، أو بعبارةٍ, أخرى بين ما يسمى بالنساءِ المتحررات، فقالت الصحيفةُ: إن ارتفاعَ نسبةِ الجريمة بين النساء يوجد بكثرةٍ, في حركاتِ التحرر النسائية، ثم قالت: إن منحَ المرأةِ حقوقًا متساويةً مع الرجل يشجعها على ارتكابِ نفس الجرائم التي يرتكبها الرجل، بل إن المرأةَ التي تتحررُ تُصبحُ أكثرَ ميلاً لارتكابِ الجريمة[1].
ولتحذر المسلمةُ من المنحدر الذي تردت فيه المرأةُ في بلادِ الكفر باسم الحرية، فبسبب هذه التسميةِ الزائفة استخدم الرجالُ المرأةَ مصيدةً لجمعِ المال، ومطيةً لتحصيلِ المتعةِ واللذة، وبعد أن يستنفذوا منها أغراضَهم يتخلوا عنها، وتبقى هي وحدَها تعاني من مرارةِ الذُلِ والمهانة.
أيها المسلمون: إن المرأةَ إذا انهارت أخلاقُها، وشذَ سلوكُها، وآثرت حياةَ التبرج والسفور والعبث والاختلاط، على حياةِ الطُهر والعفاف، وانخدعت بالأبواق الماكرةِ والأصوات الناعقة، فقد انهارت من ورائها الأمةُ، وانحلت الأسرةُ، وانتشر الفسادُ، وعمت الفتنُ، وضاعت الفضائلُ، وحلت النكباتُ، وكثرت الجرائمُ والموبقات، لأن أكثر ما يفسد الأخلاقَº تبرجُ النساءِ، وإظهارُ مفاتنهن أمام الرجال، عن أسامةَ بنِ زيدٍ, - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ما تركتُ بعدي فتنةً هي أضرُ على الرجال من النساء))[2].
أيها المسلمون: إن الواجبَ على المسلمين وخاصةً ولاتَهم ومسئوليهم هو منعُ أسباب الفساد قبل استفحاله، والنهيُ عن المنكر، والأخذُ على أيدي السفهاء، ومنعُهم من خرق سفينة المجتمع، قبل أن تصيبَ الفتنُ والعقوباتُ الظالمين وغيرَهم.
قال الله - تعالى -: ((وَاتَّقُوا فِتنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُم خَاصَّةً وَاعلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ العِقَابِ)) (الأنفال: 25)..
نسأل الله - تعالى -أن يعيذنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يعيذنا من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمدُ لله رب العالمين، والعاقبةُ للمتقين، ولا عدوانَ إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، نَزَّلَ الكتابَ وهو يتولى الصالحين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، سيد المرسلين، وإمام المتقين، صلوات الله وسلامه عليه، وعلى آله وأصحابه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فيا أيها المسلمون اتقوا الله - تعالى -º بفعل أوامره واجتناب نواهيه، واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون.
معشرَ المسلمين: من الجوانب التي تولاها الإسلام بالعناية والرعاية، وأحاطها بسياج منيع من الصيانة والحماية، الجانبُ المتعلق بالمرأة وشئونها، ومسؤوليتِها في الأمة، ومكانتِها في المجتمع، وما لها من حقوق، وما عليها من واجبات، لأن المرأةَ هي التي يقوم عليها عمودُ الأسرة، فإذا طابت نشأتُها، واستقامت تربيتُها، وصلح حالُها، كانت الأمةُ رفيعةَ المكانة عاليةَ القدر، لأن المرأةَ هي الأمُ الرؤوف المشفقة، والزوجةُ المؤنسة، والأختُ الكريمة السارة، والبنتُ اللطيفة البارة.
أيها المسلمون: لقد أعطى الإسلامُ المرأة حقوقَها كاملةً، وهي مكرمةٌ معززة، مصونةٌ من الابتذال، ومحفوظةٌ أنوثتها من الاستغلال، فالإسلام لا يستغل أنوثة المرأة في التخلي عن عفتها وطهارتها، مقابل تشغيلها في الأعمال والوظائف، كما هو الحال في الحضارة الغربية.
إن المرأة في المجتمعات الغربية بل وفي بعض الدول العربية مع الأسف إذا تزوجت فإنها تفقد اسم أبيها وعائلتها الذي هو عنوانُ هويتها، واستقلالُ شخصيتها، وتُلحق بعائلة زوجها، وهذا أمر بالغ الدلالة على حقيقة تبعية المرأة وذلتها عند الكفار وعند أتباعهم الموالين، أما في الإسلام فالمرأة لها هويتُها المتميزة، وشخصيتُها المستقلة سواء قبل الزواج أو بعده.
أيها المسلمون: إن المساواةَ المطلَقَةَ بين الرجل والمرأة جمعٌ بين مختلفين، ولقد فرق الله بينهما في قوله: ((وَلَيسَ الذَّكَرُ كَالأنثَى)) (آل عمران: 36).
فتحميلُ المرأة أعمالاً هي من خصائص الرجال يعتبر مصادمةً للفطرة، وإفسادًا للمرأة، وجنايةً على المجتمع.
إذ للرجل من الوظائف والخصائص ما يليق به، وللمرأة كذلك.
فمواهبُ الرجل واستعداداته الفطرية لا تماثل مواهب المرأة، ولا تطابق استعداداتها الفطرية، فالرجل في الغالب يمارس مهنتَه خارجَ المنزل،
وهو مكلف في السعي لطلب الرزق، وعمارة الأرض، لينفق على أهله، ويوفر لهم كل مطالبهم واحتياجاتهم الدينية والدنيوية من التعليم والإرشاد، وإيجاد السكن، وتوفير اللباس والغذاء والدواء، بينما المرأة معفاة من هذه المطالب والتكاليف لتتفرغ لمهمتها الأساسية وهي رعاية البيت، والعناية بالشئون الداخلية من تربية وتوجيه وخدمة، ليكون البيت سكنًا وراحة، مع ما تتحمله من حمل وإرضاع، وعناية بالأطفال. وغير ذلك مما يتعلق بها مما لا يقوم به غيرها.
فعلى المرأة المسلمة أن تحذر مما يكتبه متبعوا الشهوات، ومثيروا الشبهات الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا، وعليها أن تستمسك بالدين الحق، وأن تعتصم بالله - تعالى -، وأن تأخذ العبرة من أحوال الكفار والكافرات، يقول أحد الكتاب الكفار لما رأى من تبرج النساء عندهم وما حصل من الشرور والمشاكل من جراء ذلك وما علمه عند المسلمين من سلامة من ذلك بسبب تحفظ المسلمات، قال: إني أغبط المسلمين على صونهم لنسائهم.
نسأل الله أن يحفظنا ونساءنا من كل بلاء وفتنة، وأن يوفقنا للعلم النافع والعمل الصالح وشكر كل نعمة.
عباد الله: ((إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلٌّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيٌّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلٌّوا عَلَيهِ وَسَلِّمُوا تَسلِيمًا)) (الأحزاب: 56).
اللهم صلِ وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد وارض اللهم عن الصحابة أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وإحسانك ورحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين، وأذل الشرك واخذل المشركين، ودمر أعداءك أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين، اللهم أصلح ولاة أمرنا وولاة أمور المسلمين، ووفقهم لعمل الخير وجلساء الخير، وأعذنا اللهم وإياهم من سوء الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم اصرف عنا وعن المسلمين نزول الداء والبلاء، وكف عنا شرور الأعداء، ونسألك اللهم خشيتك في الغيب والشهادة، وكلمة الحق في الغضب والرضا، والقصد في الفقر والغنى، اللهم وأصلح أحوال المسلمين، ويسر أمورهم، وأرخص أسعارهم، واشف مرضاهم وعاف مبتلاهم، وارحم موتاهم، واقض الدين عن مدينهم.
اللهم اجعل لنا ولكل مسلم ومسلمة، من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا، ومن كل بلاء عافية، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.
----------------------------------------
[1] المرأة بين دعاة الإسلام وأدعياء التقدم (الطبعة الرابعة 1407 هـ) للدكتور / عمر بن سليمان الأشقر(ص 27) نقلاً عن صحيفة (النيويورك تايمز) في إبريل 1975 م.
[2] صحيح البخاري، كتاب النكاح، باب: ما يتقى من شؤم المرأة، حديث رقم: 4808. وصحيح مسلم، كتاب الذكر والدعاء، باب: أكثر أهل الجنة الفقراء، وبيان الفتنة في النساء، حديث رقم:2740.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد