نظرات في الهجمة الأمريكية على الإسلام ( 3 )


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

لقد تشاركت الدوائر الأوروبية مع أمريكا في إعلان الحرب الثقافية على الإسلام وأمته وحضارته، فكتبت 'مارجريت تاتشر' رئيسة وزراء انجلترا الأسبق عن 'تحدي الإرهاب الإسلامي الفريد' الذي لا يقف عند أسامة بن لادن وأفغانستان، وإنما يستوطن في إفريقيا وجنوب شرقي آسيا وغيرها من الأماكن، والذي يشمل حتى الذين أدانوا هجمات الحادي عشر من سبتمبر ­ على أمريكا، والذين انتقدوا بشدة أسامة بن لادن وطالبان، لكنهم 'لا يرفضون القيم الغربية وتتعارض مصالحهم مع مصالح الغرب'!، وتصف 'تاتشر' هؤلاء المسلمين الذين 'يرفضون القيم الغربية وتتعارض مصالحهم مع مصالح الغرب' بأنهم 'أعداء أمريكا.. وأعداؤنا'، وتشبههم بالشيوعية، داعية الغرب إلى معاملتهم كما عامل الشيوعية، وتقول: 'إن التطرف الأصولي كالبولشفية في الماضي يمثل مساراً مسلحاً، إنه أيديولوجية عدائية يدفع بها أتباع متشددون ومسلحون بشكل جيد، وكما هو حال الشيوعية فإنها تتطلب تبني استراتيجية طويلة المدي ليتسني هزيمتها'!

 

الوزراء والأدباء:

أما وزير الداخلية في ألمانيا 'أوتوشيلي' فلقد والى التصريحات المعادية للإسلام وأمته وحضارته حتى لقد وصف 'عقيدة الإسلام بأنها هرطقة وضلال'!!  

أما الروائي الفرنسي 'ميشيل هويلبيك' فلقد وصف الإسلام ­ في روايته 'منصة' ­ بأنه 'دين ظهر في الصحراء، وسط الأفاعي والجمال والحيوانات المفترسة من كل نوع'!، ثم استطرد قائلاً: 'هل تعلم كيف أسمي المسلمين؟ إني أسميهم حقراء الصحراء، فهذا هو الاسم الذي يستحقونه'!!

وفي حديثه إلى مجلة 'لوفيجارو' الفرنسية بتاريخ 25/8/2001م قال: إن قراءة القرآن مثيرة للتقزز، وان الإسلام دين عدواني لا متسامح يجعل الناس أشقياء تعساء'!!.

وهو في هذا يسير على خطى 'الأدباء' الذين حققوا شهرتهم في الغرب بالتهجم على الإسلام، من سلمان رشدي، إلى 'نايبول' الذي منحته 'نوبل' جائزتها سنة 2001م.

 

كاشف الغرب:

أما أشهر كتاب ومفكري الاستراتيجية في أمريكا 'صمويل هنتنجتون' الكاشف عن ممارسة الغرب لصدام وصراع الحضارات ضد الحضارات غير الغربية وخاصة ضد الحضارة الإسلامية، والقائل إن خطوط التماس والعلاقة بين الحضارات الغربية والحضارة الإسلامية كانت دائماً وعلى امتداد ثلاثة عشر قرناً خطوطاً دموية ودامية، فلقد وجد أحداث 11 سبتمبر 2001م فرصة لإعلان صحة وتأكيد نظريته في صدام وصراع الحضارة الغربية مع الحضارة الإسلامية، فكتب يقول:

إن عناصر صدام الحضارات متوافرة، وإن ردود الفعل تجاه أحداث 11 سبتمبر تمت في حدود الخطوط والأطر الحضارية بشكل صارم، والصحوة الإسلامية هي رد فعل تجاه الحداثة والتحديث والعولمة، ومع ذلك فإن عصر حروب المسلمين له جذوره في أسباب أكثر عمومية، وهذه الأسباب تعني العقيدة الإسلامية والقناعات الإيمانية في الإسلام'!!

فالمشكلة عنده هي في العقيدة الإسلامية، وفي القناعات الإيمانية الإسلامية التي تنتج العنف والحروب، وهي تنتج هذا العنف المعاصر ضد الحداثة الغربية والتحديث والعولمة.

وهو بذلك التحليل يدعو إلى الاختيار الإسلامي بين العقيدة والإيمان أو العولمة الغربية والحداثة والتحديث!!

 

داعية الصدام

هناك فارق بين الاجتهاد 'المنشئ للحكم' وبين الاجتهاد 'الكاشف عن الحكم'، وعندما كتب 'صمويل هنتنجتون' عن صدام الحضارات لم يكن 'منشئاً' ولا 'مخترعاً' بل ولا مجرد 'داعية' لهذا الصدام ­ في علاقة الغرب الحضاري بالحضارات الأخرى ­ وإنما كان 'كاشفاً عن حقيقة الواقع الذي يمارسه الغرب مع الحضارات غير الغربية، ومع الحضارة الإسلامية على وجه الخصوص، وإلا فليقل لنا الذين يمارون في ذلك ماذا يمارس الغرب مع الشرق على امتداد التاريخ المكتوب، منذ الاسكندر الأكبر '356 ­ 324ق م' في القرن الرابع للميلاد وحتى هذه الحرب التي أعلنتها أمريكا ضد الإسلام وأمته وعالمه في مطلع هذا القرن الواحد والعشرين؟!

إنها سبعة عشر قرناً ­ من القرون الأربعة والعشرين التي مضت منذ الاسكندر ­ مارس الغرب فيها الصدام والصراع والقهر والاضطهاد الحضاري ضد الشرق والشرقيين!! عشرة قرون من الصدام والصراع الروماني والبيزنطي أنهتها الفتوحات الإسلامية، وقرنان من الحروب الصليبية واستعمارها الاستيطاني، وخمسة قرون من الغزوة الاستعمارية الحديثة، بدأت بسقوط غرناطة سنة 1492م والالتفاف الغربي حول العالم الإسلامي، والتهام أطرافه، ثم ضرب قلبه واحتلال بلاده منذ حملة بونابرت على مصر سنة 1798م، إلى هذه الحرب التي تقودها أمريكا هذه الأيام!

 

المنافقون والمغفلون:

ماذا يكون ذلك؟ إذا لم يكن صدام الحضارات وصراعها، هذا الذي 'كشف' عنه 'هنتنجتون' ولم ينشئه أو 'يدعيه' كما كتب كثير من 'المنافقين' و'المغفلين'!!

وكذلك الحال في الفكر الاستراتيجي الغربي، والأمريكي تحديداً مع 'فرانسوا فوكوياما' ذلك الذي أعلن عقب سقوط المنظومة الشيوعية عن وحدة الغرب وتوحده حول الليبرالية الرأسمالية، وعن عقيدة الغرب في أن هذه الليبرالية هي النموذج النهائي للتطور التاريخي الإنساني، التي يجب تبنيها من قبل الجميع إما طوعاً بالتبعية، وإما كرهاً بصدام الحضارة الغربية مع الذين لا يطيعون!.

فالرجل لم يكن مخترعاً لفكرة أن الليبرالية الرأسمالية هي نهاية التاريخ، وإنما كان كاشفاً عن موقف الغرب لحظة انتصاره على الشيوعية، وهي اللحظة التي أعلن الغرب فيها أيضاً أن الإسلام هو العدو الذي حل محل العدو الشيوعي، وبعد عشر سنوات من هذا الإعلان 'الفكري' جاء إعلان 'الحرب' على الإسلام عقب أحداث 11 سبتمبر 2001 في أمريكا.

 

حتى فوكوياما!

وكما فصل 'فوكوياما' في كتابه 'نهاية التاريخ' حقيقة واقع الموقف الغربي من 'فرض' الليبرالية الرأسمالية على العالم، لتكون نموذج نهاية التاريخ، فصل في العدد السنوي لمجلة 'النيوزويك' ديسمبر 2001 فبراير 2002 الموقف الغربي من الحرب المعلنة على الإسلام، وذلك عندما أعلن أن الهدف هو تغيير طبيعة الإسلام، ليكون ليبرالياً حداثياً علمانياً، أي إسلاماً غير متميز عن النموذج الحضاري الغربي، ومن ثم غير رافض للنموذج الغربي ولا مقاوم له، وإنما 'تابع' للحضارة الغربية، وامتداد لنموذجها الحضاري!!

نعم كان 'فوكاياما' صريحاً الصراحة الشجاعة التي نشكره عليها عندما كتب عن 'الحداثة (التي تعني في المصطلح الغربي القطيعة المعرفية الكبرى مع الموروث الديني، وجعل الإنسان سيد الكون، ومحور الثقافة بدلاً من الله، وإحلال العقل والعلم والفلسفة محل الله والدين)، هذه 'الحداثة' كما كتب 'فوكوياما' التي تمثلها الولايات المتحدة وغيرها من الديمقراطيات المتطورة ستبقي القوة المسيطرة في السياسة الدولية، والمؤسسات التي تجسد مبادئ الغرب الأساسية في الحرية والمساواة، وستستمر في الانتشار عبر العالم'.

 

القوة المسيطرة:

وبعد تقرير أن 'الحداثة الغربية' ستبقي القوة المسيطرة في السياسة الدولية، وستستمر هذه السيطرة الحداثية في الانتشار عبر العالم، يناقش 'فوكوياما' قضية القوي والحضارات القابلة لهذه الحداثة الغربية ولمنظومة قيمها، والقوي والحضارات الرافضة لهذه الحداثة وقيمها والتي تمثل 'مشكلة' أمام تعميم هذه الحداثة عبر العالم، فيقول:

'هنالك في الحقيقة أسباب للاعتقاد بأن القيم والمؤسسات الغربية تلقي قبولاً كبيراً لدى الكثير من شعوب العالم غير الغربية، إن لم نقل جميعها'.

 

تعميم النموذج:

وبعد أن يؤكد 'فوكوياما' على النشأة الغربية والمسيحية لهذا النموذج المراد تعميمه وعولمته، وعلى 'العلاقة التاريخية بين كل من الديمقراطية والرأسمالية مع المسيحية، وحقيقة أن الديمقراطية تملك جذورها الثقافية في أوروبا، وأن هذه الديمقراطية الحديثة بشهادة فلاسفة الغرب هي نسخة علمانية للمبدأ المسيحي في المساواة الإنسانية عالمياً ' بعد ذلك يتساءل 'فوكوياما':

'هل هناك ثقافات أو مناطق في العالم ستقاوم أو تثبت أنها منيعة على عملية التحديث'؟

ثم تأتي إجابته لتذكرنا 'بهنتنجتون'، ولتضعهما في موقف واحد، فكلاهما يجتمعان على أن الإسلام هو الحضارة الرافضة لتبني النموذج الحداثي الغربي، وهو الثقافة التي لها 'مشكلة' مع هذه الحداثة الغربية، ومن ثم فإن معركة الغرب وصراعه وحربه إنما هي مع الإسلام.  

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply