بسم الله الرحمن الرحيم
طفرة الأعمال ذات الطابع "الديني" طفت إلى السطح بعيد أحداث الحادي عشر من سبتمبر كنتيجة طبيعة لتفاعل الثقافات مع ما يدور من حولنا من متغيرات في هذا العالم، فأصبحت السمة الغالبة لمعظم الأعمال السينمائية والتلفزيونية العالمية منها وحتى العربية "دينية" و"التاريخية"، تستحضر آلاف السنين الماضية وتوظف صراع الأديان والحضارات في إشارة واضحة إلى صعود وحضور العاطفة الدينية بشكل ملفت.
بقلم طارق ديلواني
من "الطريق إلى كابول"، مرورا بـ" الحور العين" وانتهاء بـ"الطريق الوعر"، يجد المشاهد العربي والمسلم للفضائيات والشاشات العربية منذ أعوام نفسه أمام موجة من الأعمال الدرامية والتلفزيونية التي تتطرق لقضية "الإرهاب" بكثير من التركيز الممنهج.
طفرة الأعمال ذات الطابع "الديني" أو "الحضاري" إن صح التعبير طفت إلى السطح بعيد أحداث الحادي عشر من سبتمبر كنتيجة طبيعة لتفاعل الثقافات مع ما يدور من حولنا من متغيرات في هذا العالم، فأصبحت السمة الغالبة لمعظم الأعمال السينمائية والتلفزيونية العالمية منها وحتى العربية "دينية" و"التاريخية"، تستحضر آلاف السنين الماضية وتوظف صراع الأديان والحضارات في إشارة واضحة إلى صعود وحضور العاطفة الدينية بشكل ملفت. ولذا غصت الساحة بأعمال من قبيل "آلام المسيح" و"مملكة السماء" و"ملوك الطوائف" وغيرها من الأعمال.
في رمضان الماضي، ثارت ثائرة المنتقدين احتجاجا على "الطريق إلى كابول"، بوصفه يمثل إساءة بالغة لحركة طالبان في حين إن صاحب العمل أصر على أن عمله يخدم ويدافع عن الإسلام ويعكس صورته المشرقة والحقيقية.
ومن هنا نشبت أزمة الأعمال الدرامية التي تتناول مفهوم "التطرف" و"الإرهاب" و" التشدد" من منظور ومفهوم غربي لصورة الإسلام، في حين لم يحاول أحد حتى اللحظة السير في الاتجاه المقابل.. أي تصوير عمل يعكس الصورة الحقيقية للإسلام المعتدل السمح.
على أن مجرد تناول هذه الظاهرة في أعمال عربية تنطوي على جرأة حقيقية في الطرح بالنظر إلى الرأي العام في الشارع العربي، الذي تنظر قطاعات كبيرة منه بكثير من التعاطف والمؤازرة لبعض القوى التي تصنف بأنها إرهابية.. فهل هي إذا أعمال درامية موجهة للشارع العربي، الذي يبحث عن الجديد في شاشته الصغيرة، أم أنها مجرد رسائل غزل للغرب الذي يقود حملة ضد "الإرهاب"؟!
إن تتطرق الدراما العربية لمعالجة ظاهرة باتت تشغل كافة العرب والمسلمين أمر لا يختلف عليه اثنان، لكن طريق المعالجة والمضمون والأهداف أمور يختلف حولها كل من تابع ويتابع أولى حلقات المسلسلين الجديدين "الحور العين" و"الطريق الوعر"، واللذان يقدمان جرعة زائدة من تسليط الضوء على معضلة "الإرهاب"!
في "الحور العين" للمخرج السوري نجدة أنزور، نجد تكثيفا دراميا يناقش "قضية الإرهاب" محاولا تعميم ضرره وبلواه على العرب والمسلمين جميعا، بتناول قصة عائلات عربية تسكن في مجمع سكني في مدينة الرياض ويتعرض هذا المجمع لهجوم إرهابي.
ويحاول نجدة انزور البحث في الأسباب التي تدفع إلى "الإرهاب"، ولكن بشكل قاصر ومختزل، ونراه يقع في الخطأ ذاته الذي يقع فيه آخرون بالقول إن الإرهاب صنعة "إسلامية"، ويرتبط تماما بالإسلاميين دون التطرق لأي تداعيات سياسية أو حراك إقليمي في العالمين العربي والإسلامي.
هي إذا عرض للمعاناة الإنسانية التي يخلفها "الإرهاب" دون الخوض عميقا في الأسباب، ودون الاتكاء على الشبهات والنوايا السيئة التي تعلق على شماعة هذا "الإرهاب"، فلا مشاهد تتحدث عن الموقف من الولايات المتحدة الأمريكية، ولا وجهة نظر تعرض الهجمة على الإسلام، وقد يكون سبب هذا خشية أصحاب العمل التحيز لجهة ما أو لموقف سياسي ما... ولكن هل من حياد في قضايا الأمة؟!
ثار الجدل حول "الحور العين" إذا منذ الآن، بدءا من دلالة اختيار مسماه الذي يطلق على نساء الجنة، ومرورًا بموضوعه والقضية التي يناقشها، حيث رأى البعض أن إطلاق اسم "الحور العين" على المسلسل هو نوع من الاستخفاف ببعض ما جاء في القرآن الكريم، كما أن ربط قضية المسلسل التي تعالج الإرهاب بـ"الحور العين" هو نوع من التعسف، وفي رأي هؤلاء أن ذلك يعني استخفافا بما أعده الله للشهداء وعباده الصالحين في الجنة.
أما مسلسل "الطريق الوعر"، فهو نسخة مكررة من " الطريق إلى كابول"، مع اختلافات بسيطة في أسلوب السرد والطرح، فثمة مراسل صحفي من مناصري الأفغان العرب يحاول أثناء الاحتلال الأمريكي لأفغانستان تقويم خط هؤلاء المجاهدين بعد أن اكتشف أنهم انحرفوا عن مسارهم الصحيح!!
فيصبح مناهضاً للفكر المتطرف، ويبدأ الإعداد لبرنامج تلفزيوني حول هذا الموضوع، يبحث فيه الأسباب والدوافع التي أدّت بهذه الجماعات ليس إلى تبني الفكر المتطرف الذي يبيح القتل والإرهاب على حد تعبيره!!، والفيلم مليء بالإدانة للإسلاميين عموما وللفكر التكفيري بشكل خاص، دون التعليق أيضا هنا على جوانب الاحتلال الأمريكي.
القضية إذا ليست مجرد توافق لحظي.. فلقد تغير العالم بأكمله في السنوات الخمس الأخيرة في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر ونما الشعور الديني بين المسلمين والمسيحيين على حد سواء، مثلما تعاظم دور نظرية صراع الحضارات وتجسدت عاطفة الدين تماما في كل شيء حتى وصلت إلى الفن السابع!.
وما نريده حقيقة أن تناقش الأعمال الدرامية "الإرهاب" بشكل مدروس ومتوازن وموضوعي وبتجرد وبرؤية عربية إسلامية بعيدة كل البعد عن المفهوم الغربي والأمريكي لـ"الإرهاب".
ونريد من يناقش القضية لا على أساس أنها جزء أصيل من بنية ديننا الحنيف، بقدر ما نسعى لمعالجة منظومة المجتمع العربي الإسلامي بأكمله والتطرق لفكرة الظلم السياسي أو الإرهاب السياسي، الذي يمارس ضدنا كعرب ومسلمين.. ونحن هنا لا نمارس إرهابا فكريا كما يدعي البعض، بقدر ما نمارس حقا مشروعا في تصحيح صورة مغلوطة عن ديننا الحنيف حتى لدى من يسعون إلى ذات الفكرة ولكن بطرق أخرى.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد