مفهوم العنف وعلاقته بمصطلح الإرهاب والمقاومة المشروعة


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

1) التباس المصطلحات والمفاهيم:

كثرت فتن هذا الزمان وتعاظمت وتفاقمت، ومن أخطرها فوضى المصطلحات والمفاهيم التي وصل التباسها حتى إلى بعض دعاة الإسلام وطلاب العلم فيه، وهذا مصداق قول حذيفة: [ما الخمر صرفاً بأذهب لعقول الرجال من الفتن] وقد وضع - رضي الله عنه - وهو الخبير بشأن الفتن معياراً لذلك فقال: [إذا أحب أحدكم أن يعلم أصابته الفتنة أم لا فلينظر فإن كان رأى حلالاً ما كان يراه حراماً فقد أصابته الفتنة وإن كان يرى حراماً ما كان يراه حلالاً فقد أصابته]، وفي الحديث عن معاذ مرفوعاً: [أنها ستكون فتنة فقال فكيف لنا يا رسول الله وكيف نصنع؟ قال: ترجعون إلى أمركم الأول]، وعن أبي أمامة مرفوعاً [ستكون فتنة يصبح الرجل فيها مؤمناً ويمسي كافراً إلا من أحياه الله بالعلم]، ومصداق ذلك في قوله - تعالى -{وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون}، والمطلوب أمام هذا اللبس والالتباس بيان الحق وإظهار الحقيقة وكشف الشبهة وتزييف الزيوف.

 

1) من المستفيد من تذويب المفاهيم والمصطلحات وعدم تحديدها؟

رغم وجود اتفاق دولي على مفهوم المقاومة المشروعة للدول والشعوب إلا أن المجتمع الدولي لم يتمكن التوافق على تعريف محدد لمفهوم الإرهاب..

 

وسبب ذلك:

أ. اختلاف المفاهيم والرؤى حول العنف والإرهاب.

ب. اختلاف المعايير العملية المتعلقة بهذه القضايا.

ت. أن مصطلح (استخدام القوة) ليس مجرد مصطلح حسن بذاته أو مستقبح لذاته.

ث. استفادة بعض الدول من ذوبان هذه المفاهيم وعدم تحديدها، وخاصة أمريكا وإسرائيل، وذلك للتحرك السياسي والعسكري والاقتصادي ضمن مفهوم فضفاض يفصلونه حسب مرادهم.

ج.  استفادة بعض الحكومات المحلية لتصفية خصوماتها تحت طائلة هذه المفاهيم غير المحددة.

ح. غلبة الفكر البرغماتي والمادي القائم على مفاهيم نفاقية (الوصول للكسب بأي طريقة) و (إظهار ما لا يستبطن) و (تطبيق معايير مزدوجة) و (النسبية الأخلاقية) ومن أبشع من يطبق هذه المفاهيم [الحكومة الأمريكية] ومن خلفها [اللوبي اليهودي] وهذه الحكومة القائمة اليوم والتي يدعي أصحابها أنهم مسيحيون يرجعون إلى الإنجيل ويطبقونه، لا يلتفتون للنص الموجود فيه والقائل (المنافقون هم الذين يطبقون على غيرهم معايير يرفضون تطبيقها على أنفسهم) انظر كتاب هيمنة الإعلام التشومسكي ص72

 

2) هل يوجد تعريف أمريكي للإرهاب؟

يذكر تشومسكي نصاً مأخوذاً من الكتابات الرسمية الأمريكية فيه تعريف للإرهاب هو:

[الاستخدام المحسوب للعنف أو التهديد باستخدام العنف لتحقيق أهداف ذات طبيعة سياسية أو دينية أو أيديولوجية عن طريق التخويف أو القهر أو نشر الذعر]، وعند السؤال لماذا لا يصبح هذا التعريف الرسمي الأمريكي قابلاً للاستعمال أو النشر يجيب تشومسكي: هناك سببان:

أولاً: لأنه شرح دقيق لسياسة الحكومة الرسمية، دقيق جداً في واقع الأمر ص74 من كتاب هيمنة الإعلام.

ثانياً: أنه يعطي جميع الإجابات الخاطئة فيما يتعلق بمن هم الإرهابيون، فلا بد من التخلي عن التعريف الرسمي والبحث عن تعريف أكثر تعقيداً وتطوراً يعطي الإجابات الصحيحة ص75 وهذه الإجابة الصحيحة هي - فقط - أي ما تريده السياسة الأمريكية فقط.

 

3) تسلسل موجز للمفهوم:

* في عام 1937م طرح موضوع تحديد مفهوم الإرهاب على هيئة الأمم فأدى ذلك إلى استنتاج أن الاستعمار هو أحد أهم دوافع أعمال المقاومة التي يسميها المستعمرون والمحتلون بالإرهاب.

 

* 1960م صدرت أول توصيات بمنح البلدان والشعوب المستعمرة استقلالها وعرفت هذه التوصيات باسم (تصفية الاستعمار).

 

* كان هناك الإقرار العالمي بحق تقرير المصير في ولاء الأمم المتحدة، وفي الاتفاقيات الدولية المعلنة بحقوق الإنسان ومنها الميثاق الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والميثاق الآخر الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية عام 1966م

 

* وتطور ذلك إلى عقد السبعينات حيث المدلولات في الأمم المتحدة التي أكدت أن من أهم الأسباب الجوهرية لاستخدام العنف هو استمرار الاستعمار في السيطرة والهيمنة على المناطق التي كانت خاضعة له، تلك الهيمنة التي تتضمن إنكار حق الشعوب في تقرير مصيرها، نتج كل ذلك أن الأمم المتحدة فدمت فهماً معيارياً موضوعياً يرد الظاهرة إلى أسبابها ودوافعها، وميزت بين الإرهاب بوصفة جريمة دولية والمقاومة المسلحة بوصفها نشاطاً مشروعاً لحركات التحرر الوطني.

 

* 1973م وضعت مبادئ لإضفاء مشروعية ورعاية للمقاتلين الذين يكافحون ضد السيطرة الاستعمارية والاحتلال الأجنبي والنظم العنصرية.

 

* 1974م اعترفت الجمعية العامة للأمم المتحدة بحقوق الشعب الفلسطيني.

 

* 1995م اعترفت الجمعية العامة للأمم المتحدة بحق الشعب الفلسطيني في استرجاع حقوقه بالوسائل المتاحة بما في ذلك الكفاح المسلح (وهناك مجموعة من القرارات في هذا الاتجاه تجيز اللجوء للقوة بأشكالها المختلفة في حالات الدفاع الشرعي ضد الاحتلال، بوصفها وسيلة لتحقيق تقرير المصير وتحصيل الاستقلال الوطني).

 

* اتجهت الولايات المتحدة في الآونة الأخيرة إلى توسيع مفهوم الإرهاب ليشمل أعمال المقاومة والجهاد والكفاح المسلح المشروع، وخاصة بعد اتفاقية أوسلو 1993م ثم رسخت ذلك بعد مؤتمر شرم الشيخ 1996م حيث ضغطت في اتجاه إدانة أعمال المقاومة المسلحة الفلسطينية وإدخالها تحت مسمى الإرهاب.

 

* بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 تشجعت الإدارة الأمريكية فخلعت قفازات السلوك الدبلوماسي واستخدمت العنف والتهديد والضرب والحصار العسكري والاقتصادي وحيث صبت سخطها وعنفها على العرب والمسلمين دولاً وحركات وأفراداً، واستغل اللوبي اليهودي هذا الاتجاه ليحرض العالم كله ضد كل ما هو عربي وإسلامي.

 

* وبتحوله من مجرد مبدأ سياسي إلى حق قانوني أصبح من اللازم على كل دولة أن تمتنع عن القيام بأي عمل إجباري يحرم الشعوب غير المستقلة من حقها في تقرير مصيرها سواء أكانت تحت الاحتلال أم الاستعمار.

 

* أمام هذه الجهود المتكررة من الأمم المتحدة لتحديد مفهوم الإرهاب وعدم خلطه بحق المقاومة ومشروعية رد العدوان وقفت الولايات المتحدة سلبية، ومتلونة، وساعية إلى إلغاء المعايير والمفاهيم وإحلال الانتقائية محلها، لتنفرد بتصنيف أعمال العنف كما تريد.

 

* وعلى إثر ذلك سعت دول ومنظمات وشخصيات فكرية من جمع بلدان عالمية مختلفة لتحديد مفهوم الإرهاب، وفصل ذلك عن المضامين الإنسانية المشروعة للمقاومة والجهاد.

 

* إن إيجاد المفهوم المحدد للإرهاب يساعد على حفظ حق المستضعفين والمظلومين والمقهورين وحفظ حق الشعوب في العدوان وحفظ هذا الحق الشرعي ضمان لاستمرار هذه المقاومة وضمان مساندة دولية لها.

 

* يجب أن ينطلق تعريف الإرهاب من منطلقاتنا وقيمنا الإسلامية، إظهاراً للحق الموجود في هذه الأسس والمنطلقات، ومنعاً للخلط والتلبيس، وإبعاداً للمفاهيم المغلوطة من قبل أي طرف، وكل ذلك يأتي عبر الالتزام بالمبادئ الدينية والأخلاقية الأساسية التي تمثلها قيمنا الحضارية.

 

4) مفهوم العنف والإرهاب:

الإرهاب المرفوض هو [استخدام غير مشروع للعنف أو التهديد باستخدامه لأسباب غير مشروعة، لبث الرعب بين الناس وإخافتهم وتعريض حياة الأبرياء للخطر، سواء أقامت بذلك دولة أم فئة أم فرداً].

 

والإرهاب والعنف بهذا التعريف مناف للشرائع السماوية، وخاصة شريعة الإسلام القائمة على الحق والعدل والرحمة والإحسان، ومخالف للقوانين الأرضية لما فيه من تجاوز على حقوق الإنسان.

 

5) الإرهاب والجهاد والمقاومة المسلحة:

بناء على التعريف السابق نجد أن الإرهاب والعنف يختلف كلياً عن حالات اللجوء للقوة المسلحة في إطار المقاومة المسلحة.

 

والجهاد في النصوص الشرعية الإسلامية له عدة معانٍ, منها مقاومة العدو بالسلاح وبذل الجهد والطاقة في القتال في سبيل الله بالنفس والمال لنصرة الإسلام والمسلمين..

 

ويشمل عدة أمور منها:

أ.  قتال من قاتل المسلمين.

ب. قتال من احتل ديارهم أو أخرجهم منها.

ت. قتال ردع للمعتدين، أو دفع عدوان واقع.

ث. القتال للدفاع عن النفس أو المال أو العرض أو الدين.

وللقتال في سبيل الله أحكام تفصيلية وآداب وضوابط تمنع العدوان في الجهاد، والتعدي والتجاوز للحد المشروع وهي مبسوطة في كتب علماء الإسلام.

ولا يختلف الجهاد في الإسلام - في الجملة - عن ما جاء في المقررات الدولية التي وضعت أسساً لحق مقاومة العدوان ورد الطغيان، واستعمال المقاومة المسلحة لرد الاحتلال والاستعمار.

 

فقد أكدت الجمعية العامة للأمم المتحدة في قرارها 3246 في 14/12/1974م حق الشعوب في الكفاح المسلح لتتحرر من الاحتلال، وأكدت أن أي محاولة لقمع الكفاح المسلح ضد السيطرة الأجنبية والاحتلال هي مخالفة لميثاق الأمم المتحدة ولإعلان مبادئ القانون الدولي الخاصة بالعلاقات الدولية والتعاون بين الدول وللإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

 

6) الإرهاب والعنف المسلح داخل البلدان الإسلامية:

بناء على التعريف السابق وما تمهد من مفاهيم حول هذه القضية نستطيع القول: بأن العنف المسلح الذي تمارسه بعض الفئات ضد المواطنين أو المقيمين أو الحكومات ليس مشروعاً، ولا يعتبر من الجهاد في سبيل الله، ولا من المقاومة المسلحة المشروعة، بل هو إرهاب مرفوض وعنف غير مشروع، لما يتضمنه من سفك لدماء معصومة وإتلاف وتدمير وتخريب وزعزعة للأمن وخلخلة في البلاد، ولما يمكن أن يجره من مفاسد سياسية واقتصادية، وما ينتجه من فرص للتدخل الأجنبي، وما يؤدي إليه من تقسيم للمجتمع وإهدار للقدرات، وانشغال بالمآسي والجراحات على حساب النمو والتطوير.

وهذا يوجب الإدانة ويحتم السعي لحفظ أرواح الناس وأموالهم ومصالحهم، كما يتوجب على الحكومات أن تسعى في إصلاح الفساد السياسي والمالي والإداري والإعلامي، واحترام عقيدة الناس، وتحقيق العدل بينهم في المال والأعمال والقضاء وسائر مناشط الحياة، وحفظ مقدرات البلدان من الإسراف والعبث والاحتكار، وإبعاد شبح الملاحقة والمطاردة والمراقبة والاعتقال التعسفي، وإتاحة الفرصة للناس في التعبير المشروع عن أرائهم ومواقفهم السياسية والفكرية.

 

وكما يجب أن يوقف إرهاب الأفراد والفئات وعنفها، فإنه يجب كذلك إيقاف إرهاب الدولة وعنفها والحد من تفاقم هاتين الدائرتين التي تغذي إحداهما الأخرى.

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply