بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد الخلق أجمعين، نبينا محمد عليه أفضل الصلاة والتسليم... أما بعد:
منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر ونحن نقرأ ونسمع عن حملات الهجوم والانتقاد الشرسة للمناهج الدراسية في بلادنا سواءاً من أبناء جلدتنا من كتاب وصحفيين ومثقفين، أو من أعدائنا في الخارج، مما يدفع المرء أن يتساءل: ما هو مصدر ومكمن الخلل؟ وأين كانت هذه الحملات المطالبة بالتغيير قبل أزمة سبتمبر؟ وهل حقيقة أن ما يسعى إليه أصحاب هذه الحملات نابع من غيرة على الدين وعلى مستقبل البلاد والمسلمين والقضاء على الإرهاب العالمي والتطرف المتفشي بسبب هذه المناهج التي تدرس في بلاد المسلمين كما يزعمون؟
لقد أصبحت هذه المناهج هي الشماعة التي يعلق عليها المنهزمون والضعفاء فشلهم، وأصبحت السبب الرئيسي لكل ما يجري في العالم بأسره من الجرائم والمصائب والنكبات والتخريب والفساد على حد قولهم، وقادت هذه الحملة أمريكا وطبل لها المطبلون، وسخر الصحفيون والمفكرون أقلامهم وطاقاتهم لمساندة هذه الادعاءات الباطلة، وهل يراد فعلاً بهذه الجلبة محاربة الإرهاب وإحلال السلام العالمي كما يظهرون؟
كلا لن ولم تكن هذه غايتهم، بل جل اهتمامهم وغاية أطماعهم وأهدافهم هو طمس معالم ديننا وتاريخنا، وإبعاد المسلمين عن مصدر قوتهم وإيمانهم المستمد من القرآن لتصبح أمتنا الإسلامية شخصية بدون هوية، وإفقادهم عزتهم وزرع الخور والانهزامية في نفوسهم، وبث أفكارهم المسمومة وأخلاقياتهم المنحلة في شبابنا قال الله - تعالى-: (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم)(1)، فغايتهم ورضاهم أن نسلك طريقهم ونتبع دينهم.
قد هيئوك لأمر لو فطنت له فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل
"ولا يقف مراد الغربيين عند حد قبولنا عقلية الغرب فحسبº بل يتعداه إلى محاولة خلق دائرة فكر تهدم بناء المسلمين والعرب، وتنتقص فكرهم، وتشيع فيهم الشبهات والمثالب، ثم لا تدفعهم إلى أي جانب من جوانب البناء أو النهضة أو أي فكر آخر"(2)، ويكمن هذا العداء للإسلام واضحاً في الحروب والدمار التي سببته أمريكا في أفغانستان والعراق، فقد أظهرت نواياها الخبيثة والدفينة بكل استكبار واستعلاء بالرغبة في السيطرة والهيمنة على العالم بأسره، وكسح أي قوة تعترضها أو تشكل خطراً على زعامتها للعالم والتي تتمثل في القوة الإسلامية، فمن جملة ما يؤيد هذا ما قاله الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش: "كانت الولايات المتحدة على مدى قرنين من الزمان هي مثل العالم الأعلى في الحرية والديمقراطية، وقد حملت أجيال متعددة راية النضال للحفاظ على الحرية، وتعظيم المكاسب التي حققتها... واليوم وفي عالم يتحول بسرعة شديدة فإن زعامة الولايات المتحدة لا غنى عنها"(3)، نحن أمة تستمد ثقافتها ومنهجها وجميع علومها من كتاب الله الذي به صلاح كل من تمسك بما فيه من تعاليم وأحكام وتشريعات قال الله – تعالى-: (إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم)(4) أي في كل شؤون الحياة يهدي للتي هي أقوم، في الاقتصاد، وفي السياسة، وفي الاجتماع، وفي الإعلام، وفي الإدارة، وفي كل الأمور، وقد بين هذا الدكتور عمر الأشقر بقوله: "أما الثقافة الإسلامية فإن أصولها العقائدية والأخلاقية والعملية وحي إلهي رباني، فالإسلام هو الذي أنشأ عقائد الأمة الإسلامية وتصورها وأخلاقها وقيمها، وهو الذي حدد مسارها وبين منهجها ووضع لها قانونها وأقام لها الضوابط التي تعصم الفكر من الانحراف، وهيمن الإسلام على الدراسات الإنسانية، وقوم الفنون التي تمارسها الأمة"(5)، وإن ما يحزن القلب، وتدمع له العينين شفقة على من ينخر في صرح الإسلام القويم من داخل أسوارها من المنتسبين إلى الإسلام والمسلمين، "إنك حين تنظر في أي قضية من قضايا الإسلام وبخاصة في أزمنة الضعف والاضطهاد للمسلمين فإنك تجد أن رؤوس النفاق يتبينون فيها ويكشرون عن أنيابهم، فيظاهرون المشركين والعلمانيين، ويؤيدونهم ويسخرون كل ما أعطاهم الله - تعالى - في نصرتهم"(6).
فيتجلى لنا الآن أن مناهجنا ليست السبب في كل ما رميت به وما نسب إليه زوراً وبهتاناً، ولكن السبب وراء هذه الدعاوى من بعض أبنائنا هي الانهزامية النفسية، والشعور بعقدة المغلوب عندهم، ويصف هذا الشعور ابن خلدون بقوله: "إن المغلوب مولع أبداً بالإقتداء بالغالب في شعاره وزيه ونحلته وسائر أحواله وعوائده، والسبب أن النفس تعتقد الكمال فيمن غلبها وانقادت إليه، إما لنظرة بالكمال، أو لما تغالط به من أن انقيادها ليس لغلب طبيعي وإنما هو لكمال الغالب" وقد تقدمت البلاد الأوروبية والأمريكية في القرنين السابقين في حقول العلم والتقنية وازدهرت ازدهاراً باهراً فيهما، ولكن العالم الإسلامي على العكس قد بات مرتكساً ومتقهقراً في هذا المضمار من أجل الضعف والغفلة والتكاسل بعد إحراز النجاح في العلوم الطبيعية والتجريبية في ماضيه العريق، وأهم أسباب هذا التخلف تكمن في البعد عن الإسلام، وعدم تنفيذ أمره باستعمار الأرض، وترك العلوم التي كان آباؤنا أساتذة فيها، ومن جملة الأسباب الجهود غير المباركة التي بذلها أعداؤنا ليحولوا دون الوصول إلى العلوم التي نرتقي بها"، ولكي تتخلص الأمة الإسلامية من هذا الضعف والخور والانهزامية لابد من السعي الدؤوب لإيجاد الحلول المناسبة، ولتغيير هذا الواقع المر الذي نعيشه، بعد أن كنا نقود الأمم أصبحنا نقاد ونسير ابتداءاً بالعودة والرجوع إلى الدين، والتمسك بتعاليمه الشاملة لجميع وشتى أمور الحياة قال الله - تعالى -:(اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً)(7) أي الإسلام حيث أكمل الله - تعالى - لنا ديننا فلا نحتاج إلى دين غيره.
يقول الدكتور عبدالله الخاطر: "لا بد من التربية على الإيمان الصحيح، وأول خطوة في طريق الألف ميل هذه هي التزام المسلمين شباباً وشيوخاً, صغاراًً وكباراً, رجالاً و نساءاً بهذا الدين الالتزام الصحيح، وأن يتربوا على هذا الدين الحقيقي الذي يجعلهم لا يخافون إلا من الله - سبحانه وتعالى -، وهذه العقيدة الإسلامية التي هي ليست فكرة فقط موجودة في الأذهان ولكن يجب أن تكون حقيقة"(8) لا ننكر أن مناهج العلوم التجريبية أو الطبيعية التي تدرس في مدارسنا وجامعاتنا بحاجة إلى إعادة صياغتها لتتوافق مع ديننا ومنهجنا الإسلامي، ويؤيد هذا الندوة التي عقدت في مدينة الرباط في 8 فبراير 1984 باسم (ندوة جعل الثقافة الإسلامية محور مناهج التعليم) فقال مدير المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة الأستاذ عبد الهادي أبو طالب: "ليس الهدف من برنامج (جعل الثقافة الإسلامية محور مناهج التعليم) زيادة حصص مادة التربية الإسلامية أو تعميمها في جميع مراحل التعليم، وانما إعادة صياغة المنهج المدرسي كله على أسس إسلامية، وتأليف مفرداته، وصوغ معطياته من منظور إسلامي، وصبغ التعليم كله بالصبغة الإسلامية لخلق جيل متماسك الشخصية، محدد الهوية، واثق بنفسه، مؤمن برسالته" مهما عصفت بأمة الإسلام من مصائب وحروب وما تلاقيه من الكيد لها في شتى المجالات الإنسانية والاقتصادية والسياسية والتربوية والثقافية والإعلامية وغيرها فسيبقى الإسلام هو الدين الصالح لجميع الشعوب والأمم، وسيظهر وسيحكم الأديان كلها، فالمستقبل لهذا الدين الحق قال الله - تعالى -:(هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله)(9)، وقد أدرك حقيقة هذا الأمر بعض علماء الغرب ومنهم (باول شتمز) فقال: "سيعيد التاريخ نفسه مبتدئاً من الشرق عوداً على بدء من المنطقة التي قامت فيها القوة العالمية الإسلامية في الصدر الأول للإسلام، وستظهر هذه القوة التي تكمن في تماسك الإسلام ووحدته العسكرية، وستثبت هذه القوة وجودها إذا ما أدرك المسلمون كيفية استخراجها والاستفادة منها، وستقلب موازين القوى لأنها قائمة على أسس لا تتوافر في غيرها من تيارات القوى العالمية"(10).
____________________________
1. سورة البقرة : آية 120.
2. "شبهات التغريب" لأنور النجدي : 13.
3. "النظام الدولي" لياسر أبي الشبانة: ص 31.
4. سورة الإسراء : آية 9.
5. "نحو ثقافة إسلامية أصيلة" للدكتور عمر سليمان الأشقر: ص 68 ، 99.
6. "هكذا علم الأنبياء لا إله إلا الله" لسلمان بن فهد العودة: ص 77.
7. سورة المائدة : آية 3.
8. "الهزيمة النفسية عند المسلمين" للدكتور عبد الله الخاطر : ص 47.
9. سورة التوبة : آية 33.
10. "الإسلام قوة الغد العالمية" لـ باول شتمز.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد