بسم الله الرحمن الرحيم
هناك الإرهاب وهناك مكافحة الإرهاب وهناك السياسات التي صنعت الإرهاب ولا تزال تساهم في صنعه.في المقابل هناك مستفيدون، وطبعاً متضررون، من الإرهاب ومن مكافحته ومن السياسات التي تتيح ظهور أشكال جديدة من الإرهاب.
مؤتمر الرياض لمكافحة الإرهاب يطمح إلى فتح كل الملفات، الأمنية والسياسية والاجتماعية، أملاً في وضع خطط لمعالجة هذه الظاهرة التي يتقاذفها الجميع محاولين التخفف من مسؤوليتها. فالقول مثلاً إنها إسلامية أو عربية، أو حتى قصرها على منطقة معينة أثبت أنه حكم مبتسر وغير دقيق. وأصبح الجميع يعرف أنها قضية دولية ترفدها منظمات وعصابات لا علاقة لها بأي دين أو عقيدة.
الملف مفتوح والمراجعة ضرورية، هذا ما يثبته مؤتمر الرياض الذي بات الأول من نوعه منذ هجمات 11 أيلول (سبتمبر) وما تبعها من حروب وتعديات على الحقوق المدنية هنا وهناك. كان يفترض أن تنبري الأمم المتحدة لمثل هذه المراجعة، بل كان من الطبيعي أن تتصدى لها الولايات المتحدة، لكنهما لم تفعلا. أما الحرب على الإرهاب التي خاضتها أميركا مستندة إلى شرعية المنظمة الدولية وإلى تحالف دولي واسع فقد توصلت إلى أقصى ما تستطيعه بالوسائل العسكرية، إلا أن النجاح في المرحلة الأفغانية ما لبث أن تحول إلى كارثة في المرحلة العراقية. وبين هذه وتلك مررت إسرائيل خطتها الوحشية مستغلة الحرب على الإرهاب للإجهاز على الشعب الفلسطيني ولتجديد احتلالها لأرضه، فقدمت بذلك مساهمتها التخريبية في مجال مكافحة الإرهاب.
وعلى رغم أن هذه الحرب كانت أميركية، بل على رغم الاصطفاف الدولي ضد الإرهاب، إلا أن الجميع توقع، ولا يزال يتوقع، أن تطرح الولايات المتحدة الأسئلة الصحيحة لفهم الظاهرة وتحديدها. إلا أن التحقيقات الأميركية، بمستوياتها المختلفة، اهتمت فقط بأميركا ولم تلامس إلا لماماً البعد الخارجي، لأنه يتطلب منها تغييرات أساسية في سياستها. ولم يسع أحد إلى إيجاد تبريرات «شرعية» للإرهاب، فالمجتمع الدولي لا يقر أساليب «القاعدة» أو سواها أياً تكن الذرائع. ولم يدر في بال أحد أن يراهن على الإرهاب وسيلة للتغيير أو مشروعاً للمستقبل، بل إن المتوافق عليه هو أن منطق الدولة محكوم بأن ينتصر، لئلا تسود شريعة الغاب. ومع ذلك، لم يكن ممكناً التغاضي عن ممارسات أميركية وبريطانية وإسرائيلية أثارت الغضب والاستنكار وطرحت التساؤلات عن حدود استخدام القوة وأخلاقيته.
أخيراً، بلغت هذه التساؤلات أقصاها مع فضائح التعذيب والجدل الواسع الذي رافقها، خصوصاً في المجتمعات الغربية. ولم يعد هناك أي شك في أن فظائع معسكر الاعتقال في غوانتانامو تبدو كأنها مبرمجة لتأجيج الإرهاب لا لمعالجته. والأخطر أنها لم تثن نزلاء في هذا المعتقل عن العودة إلى أنشطتهم السابقة بعد إطلاقهم من دون أن توجه إليهم أي تهمة، فقد استخدموا لاختبار أسوأ وأبشع الإهانات المنهجية، ثم تركوا ليتحول كل منهم إلى مشروع ثأر كامن. لكن ظاهرة التعذيب دقت أجراس الإنذار في كل مكان، إذ إنها لفتت الأنظار خصوصاً في الغرب إلى تدهور الروادع الأخلاقية ومخاطر حصول تراجعات في الاحتكام إلى القوانين، وتحديداً إلى هبوط المستوى الخلقي للتعبئة العسكرية إلى حد أن ضابطاً كبيراً لم يتردد في القول إن القتل «متعة».
الخبراء الذين حشدهم مؤتمر الرياض مدعوون إلى انتهاز الفرصة الثمينة المتاحة، فهذه المرة الأولى التي يواجهون فيها المشكلة بعيداً عن الضغوط والتوترات. ومن شأنهم أن يتوافقوا على أمرين حاسمين: الأول أنه إذا كانت مشكلة الإرهاب عالمية، وليست فقط أميركية، فقد حان الوقت لتعاون جماعي يمكن أن يشكل اقتراح ولي العهد السعودي إنشاء مركز دولي لمكافحة الإرهاب إطاره الفاعل. والثاني، أن تعقيدات هذه المشكلة تتطلب معالجات ومساهمات على كل المستويات، فلا يصح الاعتماد على الأمن وحده، ولا تجوز الاستثناءات، لا لإسرائيل ولا لغيرها، كما لا يصح اعتبار السياسات الخارجية للدولة العظمى الوحيدة من المقدسات التي لا تمس ولا تعدّل متى توفر اقتناع بأنها لا تساهم ايجابياً في مكافحة الإرهاب.
لا شك أن مؤتمر الرياض يشكل منعطفاً مفيداً في الحرب على الإرهاب، لا لمواصلتها على النحو الذي شهدناه حتى الآن، وإنما لتصويبها وجعلها إستراتيجية دائمة تخضع للمراجعة باستمرار. والمهم أن تتعامل الدول المشاركة بجدية وحكمة مع التوصيات التي سيقرها هذا المؤتمر، لأنه في الأساس ليس مهرجاناً كلامياً ولا هو حفلة علاقات عامة للمملكة العربية السعودية، فمشكلة الإرهاب قائمة وجدية ومن الأفضل أن تصحح الجهود لمكافحتها بدل مراكمة الأخطاء التي جعلتها كابوساً دولياً.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد