بسم الله الرحمن الرحيم
إنَّ الحمدَ للهِ نحمدهُ ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهديهِ اللهُ فلا مُضل له، ومن يُظلل فلا هادي له.
وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدهُ لا شريك له، وأشهدُ أن محمداً عبده ورسوله - صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم - تسلمياً كثيراً.
عباد الله:
إنَّ في البلادِ المسلمةِ اليومَ، مشكلةً من أعضلِ المشاكل، وأعمقها أثراً في حياةِ الأمةِ المسلمة، أنَّها مشكلةُ عزوفِ الشبابِ عن الزواج، والتي تتلخصُ في كلماتٍ,، وهي أنَّ في المسلمينَ آلافاً مؤلفةً من البناتِ في سنِّ الزواج، لا يجدنَ الخاطب، وآلافاً مُؤلفةً من الشبابِ لا يُريدُونَ الزواجَ أو لا يجِدُون البناتِ هذه المشكلةَ الظاهرة، إن لم يتنبه إليها المُسلمون، ويفتحُوا لها طرقَ العلاجِ بالحلالِ، فإنَّهُ لن يجدَ الشبابُ للوصولِ إلى حاجاتهم الغريزيةِ إلاَّ سلوكَ طريقِ الحرام، لأنَّ من النتائجِ الحتميةِ الظهور، والتي لا يُنكِرها عاقلٌ مسلم، إنَّ الفسادَ الخُلقي سببٌ في قلةِ الزواج، وقلةِ الزواجِ سببٌ في الفسادِ الخلقي.
عباد الله:
مشكلةَ عُزوفِ الشبابِ عن الزواجِ ما هيَ أسبابهُ وأضراره.
إنَّ من أسبابِ عُزوفِ الشبابِ عن الزواجِ تلك العاداتَ الشنيعةِ التي القصدُ منها الفخرُ والخيلاء، والتسابقُ إلى التبذيرِ والإسراف، ولو سُئلَ كثيرٌ من العزابِ اليومَ ما منعكم من الزواج؟ لكانَ جوابُ الكثيرِ منهم في صوتٍ, واحدٍ, غلاءُ المهورِ غلاءُ المهور، لقد صارَ بعضُ الناسِ الآنَ يزيدُ في تطويرِ هذا الأمرِ ويدخلُ في المهرِ أشياءَ جديدة، تزيد الأمرَ كُلفَةً ومشقة، حتى أصبحَ المهرُ في الوقتِ الحاضرِ مما يتعسرُ أو يتعذرُ على الكثيرِ من الناس، فتجدُ الشابَ يُتعِبُ نفسهُ في عنفوانِ شبابه، ولا يكادُ يُدرِكُ ما يحصلُ به المرأة التي تحصنهُ، كل هذا بسببِ هذا التصاعدِ الذي لا داعيَ لهُ في المهورِ، جاءَ رجلٌ إلى النبيِّ فقال إنِّي تزوجتُ امرأةً من الأنصار، فقال له النبي: على كم تزوجتها؟ قال على أربع أواقٍ, ((يعني مائةً وستينَ درهما \" فقال له النبيٌّ على أربعٍ, أواق!! كأنَّما تَنحتُونَ الفضةَ من عُرض الجبل ما عندنا ما نعطيك)) رواه مسلم.
وقال عمر: ((لا تُغلوا صُدُق النساءِ، فإنَّها لو كانت مكرُمةً في الدنيا أو تقوى في الآخرةِ، كانَ أولاكُم بها النبي)) رواه الخمسة وصححه الترمذي
فيا أيٌّها الأبُ المبارك:
لقد رضيتَ بالله رباً وبالإسلامِ ديناً، وبمحمدٍ, نبياً، وإنَّ من دين الإسلامِ وشريعةِ ربنا، ومنهجِ نبينا التيسيرَ في المهورِ، هاهو ذا- صلى الله عليه وسلم - يقول: ((أعظمُ النكاحِ بركةً أيسرُهُ مؤنة)).
فإن كنتَ صادقاً في دعواكَ فهات برهان ذلك بالإتباع!؟
وسببٌ آخر للمشكلةِ وهو التعذرُ بمواصلةِ الدراسة، إنَّ الكثيرَ من الشبابِ لا يرغبُونَ في الزواجِ بحجةِ أنَّ الزواجَ يحولُ بينهم وبين مواصلةِ الدراسة، وهذهِ حجةٌ داحضة، بل الصحيحُ العكس، لأنَّهُ ما دام أنَّ الزواجَ تحصلُ به مزايا كثيرة، منها السكونُ والطمأنينةُ وراحةُ البال، وقُرةُ العين، فهذا مما يساعدُ الطالب على التحصيل، لأنَّهُ إذا ارتاحت نفسُهُ وصفا فكرهُ وهدأ بالُهُ، ساعدَ ذلكَ التحصيلُ العلمي لدى الطالب، أمَّا عدمُ الزواجِ فإنِّهُ في الحقيقةِ هو الذي يحولُ بينهُ وبينَ من يُرِيدُ التفوقَ العلمي، لأنَّهُ مشوشُ الفكر، مضطربُ الضمير، قلقُ النفس، إن فتحَ كتاباً ليقرأ بدأ يقرأ في بحرِ أفكارهِ وخطرا تهِ وهوا جيسه.
سببٌ ثالث: وهُو ما يُردِدُهُ بعضُ أربابِ الأفكارِ اللقيطة، الذينَ ينفثُونَ سُمُومَهم عبرَ قنواتٍ, مُتعددة، كالمقالاتِ والقصصِ الأدبية، والمسلسلات التلفازية، التي يُقررون من خلالِها مُشكلاتِ الزواجِ وسلبياتهِ التي يزعمون. فالشابُ إذا قرأ أو شاهدَ مثل هذه الأخبارُ والمشاهد، لسانُ حالهِ يقول: لماذا أقحمُ نفسي في مثلِ هذا؟ أنا غنيُّ عن ذلك؟
لكننا نقولُ: إنَّ للزواجِ مزايا وحسناتٍ, ترجح على ما ذكروهُ من مشاكلٍ, وسلبيات، وليس في الدنيا شيءٌ إلاَّ ويقابلهُ شيءٌ، نحنُ لا نقولُ إنَّ الزواجَ لا مشاكل فيه كلا، فهذا بيتُ خير الخلق وصفوةُ الأمة- صلى الله عليه وسلم - لم يخلو بيتهُ من ذلك، ولو كانت الدنيا تصفُو لأحدٍ, لصفت لأنبيائهِ ورسله، لكن في الزواجِ مصالحَ ومنا فعَ ترجحُ على هذهِ المشاكلِ والسلبيات، وبالتالي تُنسيها.
أين هؤلاءِ الذين أغفلوا منافعَ الزواج ومصالحهِ عندما يعودُ الإنسانُ إلى بيتهِ وهو مثقلُ الجسمِ من التعبِ والنصب، ويستقبلهُ أهلهُ باستقبالٍ, كُلَّهُ فرحٌ واستبشارٌ بقدومه، فينسى الإنسانُ تعبهُ ونصبه، أينَ هُم من سُرورِ القلبِ، وفرحَ النفس؟ أينَ هُم من تحصينِ الفرجِ وقضاءِ الوطرِ وحمايةَ العرض، هل اغفلُوا ذلك كلهُ وغيرهُ كثيرٌ من أجلِ مُشكلةٍ, تزولُ في يومها، فليعتبر المؤمنُ من ذلكَ، والتجربةُ خيرُ برهان.
وسببٌ رابع: وهُو عدمُ الرغبةِ في تحملِ المسؤولية: يعزفُ بعضُ الشبابِ عن الزواجِ لأنَّهُ مسؤوليةٌ عظيمة، وارتباطٌ وقيد، نعم إنَّ الزواجَ مسؤوليةً لابدَّ من مُراعاتها، وكيانٌ لابدَّ من تلبيةِ رغباته، كما أنَّهُ ارتباطٌ لكنهُ ارتباطٌ من نوعٍ, آخر، ارتباطٌ يشعرُ الإنسانُ من خلالهِ بأنَّ لهُ سكنٌ يسكنُ إليه، وبيتٌ يتوددُ إليه، يجدُ فيه الأنس والألفة، يجدُ فيه الاستقرارَ والسكينة، يجدُ فيه الأبناءَ والأحفاد، يجدُ فيه الطاعةَ والإتباعَ وغيرُ ذلك، أضف إليها أنَّهُ قُربةٌ وأجر، قربةٌ إذا أراد الإنسانُ به إحصانَ فرجهِ عن مُحرماتِ الله، وأجرٍ, إذا وضعَ نطفتهُ فيما أحلهُ الله.
أيٌّها الشاب:
قارن بينَ هذا الذي تحملَ المسؤوليةَ لكن وجدَ لهذه المسؤوليةَ لذةٌ وسعادة، مع ذلك الذي لا زوجةَ له ولا ولد، فراراً من المسؤولية، إنَّ رحمتهُ بالناسِ مفقودة، وشفقتهُ عليهم غيرَ موجودة، لا يهمَهُ إلاَّ بطنهُ وظهره، ولا يجمعُ من المالِ إلاَّ ما يكفيهِ لحياته، هو عالةٌ على أهلهِ في صغره، وغيرَ مأمولٍ, في كبره، إذا طالَ عُمرهُ فغيرَ مُلتفتٍ, إليه، وإذا ماتَ فغيرَ مبكيٍّ, عليه! كيفَ به إذا اشتعلَ الرأسُ شيباً، وبلغَ من العُمرِ عتياً، فمن يُعينَهُ ويقضي حوائجهُ، لا تغتر الآنَ بزهرةِ الشبابِ، لكن تأمل مستقبلَ حياتِكَ كيف تكون؟ وقارن ذلك بمن رضيَ بشيءٍ, من المسؤولية، وأصبحَ قريرُ العينِ في شبابهِ وشيبه!! أرادَ ابن عُمر أن لا يتزوجَ، فقالت له حفصة: يا أخي لا تفعل تزوّج، فإنَّ وُلدَ لك ولدٌ كانوا لكَ أجراً، وأن عاشوا دعوا الله لك،
وسببٌ خامس: وهو الاستغناءُ بالحرامِ عن الحلال: يلجأ بعض الشبابِ هداهم الله إمَّا إلى طُرقٍ, سريِّةٍ, خفيةٍ, لإبرازِ ضرامِ الشهوة، التي حرمها جمهورُ أهل العلم، عملاً بقولهِ - تعالى -: ((فَمَنِ ابتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ العَادُونَ)) (سورة المؤمنون: 7).
وإما الاغترافُ من حمأةِ اللذةِ المحرمة، وسلوكِ سبلَ الضلالِ، لتُبذلَ فيها الصحةُ والشبابُ في لذةٍ, عارضةٍ,، ومتعةٍ, عابرة، ثم هو لا يشبعُ، بل كُلما واصلَ واحدةً زادهُ الوصالُ نهماً، كشَّاربِ الماءِ المالح، لا يزدادُ شرباً إلاَّ ازداد عطشا، فيستغني بذلك عن ما أحله الله لهُ وأباحهُ، لكن لو تأملَ المسكينُ حالهُ لعلمَ أنَّهُ قد جلبَ العارُ والشنارُ على نفسهِ في الدنيا والآخرة.
هذه بعض أسبابِ عزوفِ الشبابِ عن الزواجِ، ولهذه المشكلةِ أضرارٌ وأضرار، فمن ذلك: بقاءُ الكثيرِ من النساءِ عوانسَ في البيوت، مما يترتبُ على ذلكَ قلةَ النسل، ومن أضرارهِ انتشارُ الزنا، لأنَّ الشابَ لا يجدُ للوصولِ إلى قضاءِ حاجتهِ الغريزيةِ إلا سلوك الحرام، ومن أضرارهِ انطواءُ الشابِ على نفسه، وعلى أوهامِ شهوته، والتفكيرِ فيها وتغذيتها بالرواياتِ الرخيصة، والأفلامِ الساقطة، والمجلاتِ الماجنة، وأحلامِ اليقظةِ، ورؤى المنامِ حتى ينتهي الحالُ به إلى الهوس، أو انهيارِ أعصابه، وهذا كُلَهُ نتيجةَ ما نحسٌّهُ اليومَ من جُمودٍ, في حركةِ الزواج، حتى أصبحت العزوبةُ الممقوتةُ أصلاً لدى عددٍ, من الشبابِ ليس بالقليل، فاتقوا الله يا عباد الله، وتجاوزوا تلك العقباتِ، ويسِّروا الزواج، و إلاَّ بيقت بناتُكم في بيوتِكم بلا أزواج، وبقيَ أبنائَكم في منازلكم بلا زوجاتٍ,، أعوذُ بالله من الشيطان الرجيم ((وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنكُم وَالصَّالِحِينَ مِن عِبَادِكُم وَإِمَائِكُم إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)) (سورة النور: 32).
بارك الله لي ولكم.
الخطبة الثانية
عباد الله:
إننا نستطيعُ أن نُقسِمَ الشبابَ بالنسبةِ إلى الزواجِ والباءةِ إلى قسمين:
قسمٌ صادقٌ وهو من يعجزُ عن الإتيان بشروطِ الآباءِ المعجزةِ لزواج بناتهم، فيضعونَ العراقيلَ تلو العراقيلَ في سبيلِ ذلك، وهُو قد بذلَ جُهدَهُ، وسخَّرَ طاقَتهُ في محاولةِ الزواجِ، فهذا لا كلامَ لنا فيه، إلاَّ أن نسألَ اللهَ له أن يسر له الزوجة الصالحة التي تقر عينه.
وإمَّا القسمُ الثاني من الشبابِ وهُم المُعرضينَ عن الزواجِ بأسبابٍ, تتساقطُ تدريجياً، وبتلقائيةٍ, تامةٍ, قبل أن يسقطها النقدُ والتمحيص، فإذا ادَّعى وتحججَ بغلاءِ المُهور، وهُو حقُّ أريدَ به باطل، فتجدهُ يُكذِّبُ نفسهُ بنفسه، عبرَ سفرَاتهِ المتكررة، إلى خارج البلاد، ليتمتع بالحرية البهيمية، وإنَّكَ لتراهُ مجيباً للسفر، منفقاً على المومساتِ مع تقتيره على نفسه، وإذا عادَ إلى بلادهِ عاد إلى جمعِ المالِ والعودةِ به إلى الخارج مرةً أخرى، وأنتَ ترى بعض الزاعمينَ بتكاليفِ الزواج، تَراهم يركبُون السيارات الفاخرة، والملابس الرائقة، يصرفُ أموالهُ ويبددها في سبيلِ ذلك، وإذا ناقشتهُ في الزواجِ قال إنَّ المهور غالية، والبعضُ من هؤلاءِ الشبابِ عاطلٌ باطل، لا همَّ له إلا مطاردة النساءِ في الأسواق، والحديثِ عبر الهاتفِ ليلاً ونهاراً؟ لم ذلك كله؟ لأجلِ الشهوة، فلماذا لا يتزوجُ ويمنعُ نفسه منه؟ يقول لا أستطيع أن المهور غالية؟ فأين أنتَ؟ أينَ عملك؟ أم تريد أن نعطيكَ المرأةَ على طبقٍ, من ذهب، تنامُ بالنهارِ وتسهرُ بالليل، وتقولُ زوجوني زوجوني أو اتركوا لي الحبلَ على الغارب، أعاكس الفتيات وأسعى للحصول منهنَّ على موعد، وما أكثر المواعيد؟ وما أكثر اللقاءات؟
نسألُ الله أن يعصم ذريتنا من الزلل.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد