نحو خروج من مأزق الطائفية


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

إن ما تشهده ساحة المسلمين اليوم يسر العدو ويحزن الصديق ويفرح مبتغي شقاء الأمة وفرقتها يسوء محب الدين والقرآن ونبي الإسلام محمدٍ, - صلى الله عليه وسلم - والأئِمة المهديين وآل البيت الطاهرين والصحب الأكرمين والمتبعين بإحسان. إن ما يجري مصيبةٌ عُظمى في الأمة ومجدها وناصع تاريخها وصادق فتوحاتها وسير أئِمتها وخلفائِها ورجالاتها وعوامل بنائها واجتماعها إن استمزاج ذلك وقبوله والسماح به ناهيكم بالتمكين له كل ذلك إعانةً وخيانة ومسلك عدائي لا تصلح به دنيا ولا يقوم به دين إن وحدة المسلمين لا تقوم على التحريش والتحريض واستدعاء المسالب لطرب وإبراز المناقب لآخر و الانكفاء على العصبية والرموز المذهبية والنعرات الطائِفية إن ذلكم وربكم هو قاصمة الظهر وهو الذي ينبذ الأمة خارج التاريخ.

يجب التفكير الجاد الصادق الأمين دينياً وفكرياً وسياسياً وأمنياً فلا يستهين عالم و لا مفكر ولا سياسي ولا صاحب رأي أو قلم بهذه الألغام الخطرة المدمرة التي إن لم تحاصر وتكبت فإنها والله ستجعل الأمة شذر مذر وسوف تعيش في ظلامٍ, دامس ومستقبلٍ, أشد ظلاماً في الدين والدنيا إلا أن يرحمنا الله إن العدو الخارجي والغازي الأجنبي لم يوجد الخلافة في الأمة ولكنه وجد فيه أرضاً خصبة ليزرع مكره وكيده فيمزق الأمة ويفتت القوة ويستبد بالسيطرة.

إن نجاح العدو في استثمار الخلاف ليس لشدة ذكائه وعظم دهائه فحسب ولكن لتقصير الأمة وقد يكون لعظم غفلتها وسذاجتها وأخشى أن أقول لضعف دينها وقلة أمانتها فحذاري ثم حذاري أن تزج الأمة في الزلزال الطائفي والبركان المذهبي يجب الإصرار ثم الإصرار على نهج الوحدة والعيش الجماعي والتعايش السلمي وأمن ديار الإسلام والحفاظ على بيضة المسلمين وعدم التمكين للعدو المتربص.

نعم ثم نعم إن هناك سلبيات وعوائق ونكسات تعترض المسيرة غير إن وجودها أمر طبيعي لتأثيرات التاريخ وسلبيات التراث عند مختلف الأطراف والفئات والمذاهب والطوائف. إن من الخذلان والخيانة ألا ينظر طالب علم أو مثقف أو مشتغل بتاريخ الفرق والمذاهب في أهل الإسلام إلا إلى صور بعض المظالم والتقاتل والمسالب والنقائص كيف إذا كان مثل هذا الاشتغال والنظر يتوجه إلى تاريخ صدر الإسلام وسير السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار وتابعيهم بإحسان, والأئِمة والخلفاء ممن - رضي الله عنهم - ورضوا عنه، كيف وقد قالت الحكماء من تلمس عيباً وجده ومن اشتغل بعيوب الآخرين هلَك وأهلك، كيف إذا كانت عيوب نبلاء، وعثرات كرام، وأخطاءً هي من طبائع البشر والأمم والسياسات، كيف وقد نزع الله ما في صدورهم من غل وألَّف بين قلوبهم.

إن من النصح للأمة والصدق في جمع الكلمة من العالم المؤمن والمفكر الناصح والمحب للدين والأمة وللمصطفى وآله وأصحابه إعادة النظر في روايات التكفير والتحريف والسب والطعن وروايات الغلو والشطح والانحراف والتراث الأسطوري الخرافي الذي تعج به كتب الغلاة والمتعصبين وأشباههم مما يستدعي محاولةً جادة لاستبعاد ذلك الركام الأسود الذي يدعو إلى سب الصحابة والنيل من القرابة واحتقار التاريخ المجيد والمسيرة المضيئة لديننا ورجالاتنا وأئِمتنا وخلفائنا وفتوحاتنا، يجب هدُ ورد الروايات المدسوسة والبدع والمنكرات المفضوحة التي لم يكن هدف واضعيها ولا غرض مقترفيها إلا هدم الدين والعقيدة ونشر الفرقة والتناحر بين المسلمين، في مقابل ذلك يجب التوجه نحو العرض الحقي المشرق الصحيح الثابت لمجتمع الصحابة والقرابة ومن تبعهم بإحسان، ففي كتبنا جميعا روايات صحيحة مضيئة يثبتها النقل ويصدقها العقل ويألفها حس المؤمن والدلق الطيب النصوح وتتفق معها آي القرآن الكريم وهدي محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - وهدايته وتوجيهه وسيرته.

وإن من العجب العجاب وما يدفع الريب والارتياب ويسر الصديق ويؤكده منهج التحقيق أن الناظر والباحث كلما تقدم متوغلاً في القدم راجعاً إلى عصور الإسلام الأولى يجد التطابق والتماثل والتواد والتحابب من آل بيت رسول الله- صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- وصحابة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم وكلما تأخر بالأمة الزمن بدت ألسنة الدخان ومناطق الظلام وصور التشويش والتحريش ومظاهر العنف الفكري والتعصب المذهبي والطائفي.

وهذا إيراد لنماذج يبتهج معها قلب المؤمن ويأنس بذكرها محب الدين وتقر بها عين المشفق على الأمة نهج إيماني سارت عليه تلك المواكب الإيمانية الخيرة والقدوات الحسنة من الصحب والقرباء فليس في قلوبهم ولا في صدورهم غل بل كانوا على حق والخير إخوانا وأعوانا هذا أبو بكر يقول لعلي - رضي الله عنهم - جميعاً والذي نفسي بيده لقرابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحب إلي أن أصل من قرابتي، ويقول ارقبوا محمداً - صلى الله عليه وسلم - في آل بيته، ويقول أفتنا يا أبا حسن ثم انظروا إلى هذه الصورة الحميمة الرقيقة فقد صلى أبو بكرٍ, - رضي الله عنه - العصر ثم خرج يمشي فرأى الحسن يلعب مع الصبيان فحمله على عاتقه وأخذ يرتجز: \"بأبي شبيهٌ بالنبي لا شبيهٌ بعلي\" وعلي - رضي الله عنه - معه يضحك، أما عمر - رضي الله عنه - فهو الذي يقول لولا علي لهلك عمر ولا مكان لابن الخطاب في أرضٍ, ليس فيها ابن أبي طالب، وحينما وضع الديوان ليوزع بيت المال بدأ بآل بيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد ظن الناس أنه يبدأ بنفسه بل قال ضعوا عمر حيث وضعه الله فكان نصيبه في نوبة بني علي وهم متأخرون عن أكثر بطون قريش، أما عائشة - رضي الله عنها - فأفصح الطرق في مناقب علي - رضي الله عنه - كان من روايتها فقد روت حديث الكساء في فضل علي وفاطمة والحسن والحسين - رضي الله عنهم - أجمعين، وكانت تحيل السائلين والمستفتين إلى علي - رضي الله عنه -، وطلبت - رضي الله عنها - بعد استشهاد عثمان - رضي الله عنه - أن يلزم الناس علياº فقد سألها عبد الله الخزاعي من يبايع؟ فقالت إلزم علي - رضي الله عنه -، وقال رجل لعبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - إني لأبغض علياً فقال ابن عمر أبغضك الله أتبغض رجلاً سابقةً من سوابقه خيرٌ من الدنيا وما فيها.

هذه بعض الدرر المتلألئة من ماء الصحب الكرام في علي - رضي الله عنه - وآل البيت الأئمة الكرام الأطهار، أما علي - رضي الله عنه - وآل البيت فا سمعوا إلى دررٍ, من دررهم في الصحب الكرام عن أبي جحيفة وهو الذي كان علي - رضي الله عنه - يسميه أبا الخير قال: قال لي علي - رضي الله عنه -: يا أبا جحيفة ألا أخبرك بأفضل هذه الأمة بعد نبيها قال: فقلت: بلى قال أبو جحيفة: ولم أكن أرى أن أحداً أفضل منه قال: أفضل هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر وبعد أبي بكر عمر وبعدهما آخر ثالث لم يسمه، وفي الصحيحين عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: وضِع عمر على سريره يعني بعد وفاته فتكثفه الناس يدعون ويصلون قبل أن يُرفعº قال ابن عباس - رضي الله عنهما -: وأنا فيهم فلم يروني إلا ورجل أخذ بمنكبي فإذا علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - فترحم على عمر وقال: ما خلَّفت أحداً أحب إلي أن ألقى الله بمثل عمله منك أي والله إن كنت لأظن أن يجعلك الله مع صاحبيك وحسبت أني كثيراً أسمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: ذهبت أنا وأبو بكر وعمر ودخلت أنا وأبو بكر وعمر وجئت وخرجت أنا وأبو بكر وعمر، أما عائشة - رضي الله عنها - فإن علي - رضي الله عنه - كان يكرمها ويجلها ويحفظ لها مكانها من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقد وقف رجلان على باب دارها في البصرة فقال أحدهما: جزيتي عنا أمن عقوقاً وقال الآخر: يا أمنا توبي فقد أخطأتي فبلغ ذلك علي - رضي الله عنه - فبعث القعقاع بن عمر إلى الباب فأقبل بمن كان عليه فأحالوا على الرجُلين فا ضربهما مائة سوط وأخرجهما من ثيابهما.

ويروي جعفر بن محمد عن أبيه - رضي الله عنهم - جميعاً قال: لقد رأى علي - رضي الله عنه - طلحة في وادٍ, ملقى أي بعد الحرب فنزل فمسح التراب عن وجهه وقال: عزيز علي أبا محمد أن أراك مجندلاً إلى الله أشكو عُجري وبُجري فترحم عليه ثم قال ليتني مت قبل هذا بعشرين سنة وكان يقول: إني لأرجو أن أكون والطلحة والزبير ممن قال الله فيهم: (ونزعنا ما في صدورهم من غل إخواناً على سررٍ, متقابلين)، ولما سأل - رضي الله عنه - عن أهل النهروان من الخوارج أمشركون هم؟ قال: هم من الشرك فروا قيل: أمنافقون هم؟ قال: إن المنافقين لا يذكرون الله إلا قليلاً، قيل فما هم يا أمير المؤمنين قال: إخواننا بغوا علينا.

والموضوع ذو شجون والحديث مضيئاٌ ممتعاٌ في كتب الصحاح والتاريخ الثابت الموثق في كتب أهل الإسلام كلهم مليء بما بين أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأهل بيته والتابعين بإحسان من مودة ومحبة واعتراف بالفضل متبادل.

ولم يقف الإعجاز والحب والمودة عند الأقوال على أهميتها وعظيم أثرها وصدق مخرجها ولكنهم سجلوا لنا من الأفعال والسلوك ما يتغنى به في الاقتداء ولزوم الأدب وحسن الأسوةº فرسول الله - صلى الله عليه وسلم - تزوج عائشة وحفصة ابنتي أبي بكر وعمر ورمله بنت أبي سفيان وعلي تزوج فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وعلى اله وصحبه وسلم وعثمان تزوج رقية وأم كلثوم ابنتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعلي - رضي الله عنه - سم ثلاثةً من أبنائه أبا بكر وعمر وعثمان وزوج ابنتيه فاطمة وأم كلثوم لعمر ابن الخطاب - رضي الله عنهم - أجمعين والحسن بن علي سمى أولاده أبا بكر عمر وطلحة والحسين سمى ولده عمر والحسن تزوج أم إسحاق بنت طلحة بن عبيد الله وتزوج حفصة بنت عبد الرحمن بن أبي بكر ومعاوية بن مروان بن الحكم الأموي تزوج رمله بنت علي وعبد الرحمن بن عامر بن كريز الأموي تزوج خديجة بنت علي واستمر هذا المسلك الراشد إلى أجيال متعاقبة فهذا الإمام جعفر الصادق - رضي الله عنه - وعن أبائه جده لأمه أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - فأمه فروه بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر وأم القاسم هي أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر ولهذا كان الإمام جعفر يقول: ولدني الصديق مرتين وجعفر بن موسى الكاظم - رضي الله عنه - وعن أبائه سمى ابنته عائشة.

إن هذه الأجيال المباركة في قرون الإسلام المفضلة لم يسموا أولادهم وفلذات أكبادهم لمصالح دنيوية ولا ابتغاء مناصب ومطامع ولكنهم سموهم بأسمائهم وصاهروهم في أنسابهم لأنهم رجال كرام يقتدى بهم بل كانت المصاهرة والمزاوجة مثالاً شامخاً ونموذجا يحتذى في سلامة الدين وصفاء القلوب وتلمس رضا الله ورضا رسوله - صلى الله عليه وسلم - ورضا أهل لبيته ورضا أصحابه.

نعم والله إن هذا الترابط والتراحم والتلاحم الأسري المبارك من آل بيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومن الصحابة وذرياتهم والتابعين بإحسان نسباً وصهراً كله تجسيد للمودة وإخوة الدين وأقوى إتباع سنن سيد المرسلين.

من ذلك كله يجب أن تفجر أنهار السلسبيل الدافق من ثقافة التسامح والقبول المتبادل والنظر إلى إيجابيات التاريخ والرجال يجب الزرع والنشر للصور الحقيقية المشرقة الجامعة المانعة لا أن تتبع العثرات والزلات والهفوات التي لا يمكن أن يخلو منها بشر أو أمة أو دولة أو سياسة هذا أذا كانت ثابتة واقعة فكيف إذا كانت مدسوسة مكذوبة أو كانت تفسيراً لمغرض أو تأويلاً لصاحب هوى أو قليل علم أو دين، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولا إخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم).

إن الشكوى من تيارات ثلاثة: الغلاة والجفاة والغزاة، فالغلاة سلكوا مسالك التعصب والعنف والتكفير والقتل والتفجير، والجفاة يريدون قطع الأمة وبترها عن دينها ووصولها وأصالتها وثوابتها، أما الغزاة فيتخذون بين هذين الفريقين سبيلاً لتمزيق الأمة وهز ثوابتها وفرض ثقافتهم والعبث بثروات الأمة ومقدراتها.

إن الحساب السياسي المسئول والأمانة الدينية الصادقة والحس الوطني والتبصر العقلاني يقضي بالتحري الكامل من خداع النفس والذات والذي يتصور به هذا المخدوع أن الغزاة سوف يقفون عند قطر دون قطر أو دولة دون دولة، كم هي المناطق المشتعلة اليوم في ديار المسلمين في أفغانستان والعراق ولبنان والسودان والصومال وكنت كتبت فلسطين ثم شطبتها، لن تنعم المنطقة ولن تستقر الأمة ولن يتحقق الأمن والأمان إلا بالوحدة والاجتماع والتعايش الكريم.

إن ما يجري في الساحة من أحداث نذير خطير لا تفيد فيه مسكنات قد تأخر معاناة ولكنها لا تمنع وقوعها من أجل هذا كله أيها المسلمون فيجب أن تكون وحدة المسلمين والحوار والتعايش فيما بينها على اختلاف مذاهبها ومكوناتها يجب أن يكون غايةً كبرى وهدفاً أساساً ومصلحةً عليا ونهجاً ثابتاً وخطةً دائمة لا تقبل المساومة إن مما ينبعث في المنطقة من روائح الطائفية المنتنة الهوجاء يجب أن ينبذه أهل العلم والإيمان والفضل والعقل والرأي والصلاح يجب الحفاظ على كيان الأمة في أهلها وأمنها ومحاصرة كل بوادر فتنة وسد أبوابها، على كل صادق في دينه وناصح لأمته وساع بجد وإخلاص وإيمان لمصلحتها أن يعلن براءته إلى الله - عز وجل - من كل دعوة تخاصم شريعة الله وتجاهر في عدائها في تاريخها وصحابتها وأئمتها ورجالها وصالح سلفها يجب أن يعلن أن مثل هذه الدعوات والمسالك إما نهج استعماري أو مسار نفاقي أو طريق زندقة أو مسلك جاهل، إنها عند التحقيق لا يمكن أن تجتمع مع عصر الإسلام والدين والتوحيد والنهج الذي جاء به محمد - صلى الله عليه وسلم -.

وعلى الرغم من هذه الأجواء المستهرة والظروف القاسية فها هي سلسبيل أنهار التسامح والوئام أبت إلا أن تسيل وتتدفق فالخير فيها للأمة مترسخ والآمال فيها عراب كبرى وطريق الإصلاح والتصالح واضح أبلج ونماذج مبشرة والحقائق الناصعة ظاهرة ماثلة فها هو رجل الأمة والدين والدولة والمبادرات الكبرى ولي أمر هذه البلاد خادم الحرمين الشريفين وراعيهما الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود وجه نداءه الحار الصادق المخلص يوم العاشر من المحرم الحرام إلى إخوانه قيادات الشعب الفلسطيني وفصائله، فهو الرجل حين تشتد الخطوب وهو القائد بإذن الله حين تعصف المهمات ورجل العروبة والإسلام والإنسانية وجه نداءه ليجتمعوا في رحاب بيت الله الحرام في البلد الحرام وفي الشهر الحرام ليبحثوا ويتحاوروا بصدق وإخلاص وأمانة وتجرد ومسئولية وألتزم لهم - حفظه الله - أن يهيأ لهم أجواء الحوار المثالية بمنأى عن أي تدخلات أو ضغوطات أو تأثيرات، أجواء محبة وأخوة وحيادية في الموقف وحرية في القرار مع تقديم كل سبل العون وأدواته وبذل المشورة والتعاطي الإيجابي، وعلى بركة الله وبعونه وتوفيقه التأم الشمل واجتمع الأشقاء الفرقاء على طاولة الحوار والسلام في بلد الإسلام في وساطة نزيهة لم تستغل القضية ولم ترم كسباً شخصياً أو سياسياً.

أيها القادة الفلسطينيون حفظكم الله وسددكم، لقد كنتم عند حسن الظن وأحسب أنكم صدقتم الله فصدقكم وقد قال الله في الصالحين والمصلحين: (إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما) وأحسب أنكما أردتما الإصلاح فوفقكما الله بنواياكم الصالحة وبحسن عملكم وترفعكم عن ضغوطات النفس. وبعزمات الرجال ملكتم القدرة على حل الخلاف والحفاظ على المكتسبات والتمسك بالمنجزات، لقد نجحتم بفضل الله أولاً، ثم بفضل الرعاية الملكية الكريمة وجهودكم المخلصة وعملكم الدؤوب فحصل الاتفاق وتحقق الوئام وشفى الله صدور قومٍ, مؤمنين، وأذهب غيض قلوبكم، وأغاظ الأعداء والمتربصين، إنكم الصبارون الجبارون صبارون للحق والعدل وجبارون أمام الظلم والباطل فهنيئاً لكم يا خادم الحرمين الشريفين وهنيئاً لسمو ولي عهدكم وهنيئاً لكل قيادات العرب والمسلمين وهنيئاً لكم أيها القادة الفلسطينيون، وهنيئاً لشقيقنا وحبيبنا الشعب الفلسطيني العزيز الأبي الصابر المجاهد المرابط، وهنيئاً لشعب المملكة العربية السعودية بلاد الحرمين الشريفين، ولشعوب العرب والمسلمين كافة، ولكل محبي السلام قيادات وشعوباً.

إنها وقفة تاريخية وموقف مشرف وإنجاز عظيم تم في ليلة مباركة هي ليلة الجمعة من الشهر الحرام في البلد الحرام، إنها وقفة تؤكد تأكيداً لا شك فيه أن الكاسب هو الجميع ولو كانت خسارة أو فشل لا قدر الله لكان على الجميع ولكان الكاسب هو العدو المتربص، وكم استغل المحتل من ثغرات وعثرات، وكم حرص على تعميق الخلاف وبث المشاحنات ولقد أقدم في أثناء خلافاتكم على تهديد المسجد الأقصى بحفرياته الظالمة، ولكن اتفاقكم واجتماعكم بإذن الله كفيل بأن تعود الأمور إلى نصابها ويرجع الحق إلى أهله بإذن الله.

وبعد يا خادم الحرمين الشريفين إن نهجكم هذا دليل ساطع على أن الإجراءات الصادقة الناصحة المخلصة هي المصدر الرئيس لحل مشكلات العرب والمسلمين فهناك مناطق في ديار العروبة والإسلام ساخنة تحتاج إلى مثل هذا الحضن الدافئ والجهد الصادق، وتغليب الحق والمصلحة العليا مع الحكمة والتكافل فبارك الله في الجهود وسدد الخطى وأعز الإسلام وأهله.

 

 

----------------------------------------

نص خطبة الدكتور صالح بن حميد في الحرم المكي يوم الجمعة 22/1/1428هـ

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply