بسم الله الرحمن الرحيم
الخطبة الأولى
أمّا بعد: فاتَّقوا الله ـ عبادَ الله ـ حقَّ التقوىº فمن اتَّقى ربه نجا، ومن أعرضَ عنه هَوى.
أيّها المسلمون، العلمُ بالله أحَد أركانِ الإيمان، بل هو أصلُها وما بعدَها تبَعٌ لها، ومعرِفَة أسماء الله وصفاتِه أفضلُ وأوجَب ما اكتسبَته القلوب وحصَّلته النفوسُ وأدركته العقول، قال ابن القيّم - رحمه الله -: \"أطيَبُ ما في الدنيا معرفتُه - سبحانه - ومحبَّته\"[1].
والقرآنُ كلّه يدعو الناسَ إلى النظر في صفات الله وأفعالِه وأسمائه، قال شيخ الإسلام - رحمه الله -: \"والقرآن فيه من ذِكر أسماء الله وصِفاته وأفعالِه أكثَر مما فيه من ذكرِ الأكل والشّربِ [والنكاح في الجنّة]\"[2]، والله يحبّ من يحبّ ذكرَ صفاته، وقد بشَّر النبي الذي كان يقرَأ سورةَ الإخلاص بأنَّ الله يحبّه لما قال: إني لأحِبّها لأنها صِفةُ الرحمن. رواه البخاري[3].
وأسماؤه - سبحانه - أحسَن الأسماء، وصفاته أكمَل الصفاتِ، ( لَيسَ كَمِثلِهِ شَيءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ ) [الشورى: 11]، وحقيقٌ بكلِّ مسلمٍ, معرفتُها وفهم معانيها.
فربٌّنا - تعالى -هو الرّحمن الرّحيم، وسِعت رحمته كلَّ شيء، ورحمتُه أوسَع صفاتِه، ((خلق مائةَ رحمةٍ,، وأنزل منها إلى الأرضِ رحمةً واحِدة بين الجنّ والإنس والبهائمِ والهوام، فبِها يتعاطَفون، وبها يتراحمون، وبها تعطِف الوحش على ولَدِها حتى ترفَع الدابة حافِرَها عن ولدِها خشيةَ أن تصيبَه)) متفق عليه[4]. وما مِن أحدٍ, إلاّ وهو يتقلَّب في رحمةِ الله، وكلّ نعمة تراها هي مِن رحمته، وكلٌّ نقمة صرِفَت فهي من آثار رحمتِه، قال ابن القيّم - رحمه الله -: \"وكان هذا الكتابُ (إنَّ رحمتي سبَقت غضبي) كالعهد من الله - سبحانه - للخَلق، ولولاه لكان للخلقِ شأنٌ آخر\"، ومَن كان قريبًا مِنَ الله كانت رحمةُ الله أولى به.
وهو - سبحانه - الملِك، المتصرِّفُ بخَلقه كما يشاء، لا يتحرَّك متحرّكٌ ولا يسكن ساكِن إلاّ بعلمه وإرادَته، يأمُر وينهى، يعِزّ ويذلّ بلا ممانَعة ولا مدَافعة، لا يعجِزه فيهما شيء، ففوِّض إلى الملكِ أمورَكº فبِيَده المقاليد، وتوكَّل عليه في جميعِ أحوالِك تجِده قريبًا.
وهو القُدّوس، المنزَّه عن النقائِصِ الموصوفُ بصفاتِ الكمال، فلا إلَه معَه يُدعى، ولا وَلِيّ معه يُنادَى.
وهو السّلام، السالِمُ من جميع العيوب وخَلَل الأوصاف، جميع المخلوقاتِ تُنزِّه ربَّنا من ذلك، قال - عز وجل -: ( يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرضِ ) [الجمعة: 1].
وهو - جل وعلا - المؤمِن، خَلقُه آمِنون من أن يَظلِمَهم أو يَبخَسهم حقَّهم، فتزوَّد منَ التّقوَى فالأعمالُ محفوظةٌ مضَاعَفة.
وهو المهَيمِن على خلقِه، مطَّلِعٌ على خفاياهم وخَبايا صدورِهم، فلا تأمَن مكرَ الله إن عَصَيتَه.
وهو الشّهيدُ على أقوالِ وأفعال عِباده، ( وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ, عَمَّا تَعمَلُونَ )[البقرة: 74].
هو العزيزُ، لا يُغلَب، عزَّ كلَّ شيءٍ, فقَهَره، ذلَّت الصِّعاب لعِزَّته، ولانت الشدائد لقوَّتِه، إذا قضى الأمرَ في السماءِ ضَرَبتِ الملائكة بأجنِحَتها خضعانًا لقولِه كأنّه سِلسِلة على صفوان، من دنا منه بالطّاعة عزَّ، قال - سبحانه -: مَن كَانَ يُرِيدُ العِزَّةَ فَلِلَّهِ العِزَّةُ جَمِيعًا [فاطر: 10]، ومن بارزه بالمعصِيَة ذلَّ، فلا تنظُر إلى المعصيةِ وانظر إلى من عصيتَ.
وهو العليٌّ الأعلَى، (إِلَيهِ يَصعَدُ الكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالعَمَلُ الصَّالِحُ يَرفَعُهُ )[فاطر: 10].
هو الجبَّار، جبَر خلقَه على ما يُريد، لا يمتَنِع منهم أحدٌ، ( إِنَّمَا أَمرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ ) [يس: 82]، قال للسَّماء وللأرضِ: ائتِيا طوعًا أو كرها، قالتا: أتَينَا طائعين. وهو - سبحانه - جابِرُ قلوبِ المنكَسِرين.
هو الكبير، كلٌّ شيءٍ, دونَه، ولا شيءَ أعظم ولا أكبر منه، ( وَالأَرضُ جَمِيعًا قَبضَتُهُ يَومَ القِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ ) [الزمر: 67]، ((يجعل السمواتِ على إصبِع، والأرضَ على إصبِع، والجبال والشجرَ على إصبع، والماء والثرَى على إصبِع، وسائر الخلقِ على إصبع)) متفق عليه[5].
هو المتكبِّر وحدَه، ولا يليق الكِبرُ إلاّ به، ومن تكبَّر من خلقه فمأواه سقَر، قال - جل وعلا -: ( أَلَيسَ فِي جَهَنَّمَ مَثوًى لِلمُتَكَبِّرِينَ ) [الزمر: 60]. والعبدُ واجبٌ عليه التذلٌّل والخضوع لربِّه والتواضعُ لعباده.
وهو الخالِقُ، أوجدَ الكونَ وأبدعه، فأبهَر مَن تأمَّله، خلاَّقٌ أتقَنَ ما خلَق، فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحسَنُ الخَالِقِينَ [المؤمنون: 14].
هو البارِئ، بَرَأ الخلقَ مِن عدَمº نجومٌ وشمس وقمَر وخَلقٌ في الأفُق، كلُّ في فلَكٍ, يَسبحون، أَدهشَت من تفكَّر فيها وتذكَّر.
وهو المصوِّر، صوَّر خلقَه على صفاتٍ, مختَلفة وهيئاتٍ, متباينة كيفَ شاء( ، فَمِنهُم مَن يَمشِي عَلَى بَطنِهِ وَمِنهُم مَن يَمشِي عَلَى رِجلَينِ وَمِنهُم مَن يَمشِي عَلَى أَربَعٍ, )[النور: 45]، وخلَق الإنسان في أحسنِ صورةٍ,، ( لَقَد خَلَقنَا الإِنسَانَ فِي أَحسَنِ تَقوِيمٍ, ) [التين: 4]. هو المصوِّر وحرَّم التصويرَ على خلقه، وتوعَّد المصوِّرينَ مِن خلقِه ولعَنَهم، قال - عليه الصلاة والسلام -: ((لعن الله المصوِّرَ)) رواه البخاري[6]، وقال: ((كلٌّ مصوِّرٍ, في النار)) متفق عليه[7].
وهو الغفور، يمحو ذنوبَ مَن أنابَ إليه من عبادِه وإن تناهَت خطاياه، غفَر لسحرَةِ فِرعون كُفرَهم وسِحرهم ومُبارَزَتهم لنبيِّهم بسجدةٍ, واحِدة لله مقرونةٍ, بتَوبة، ( وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهتَدَى )[طه: 82].
وهو القهَّار، الخلقُ تحت قَهرِه وقَبضته، ينزع روحَ من شاء متى شاء، لا يقع في الكونِ أمرٌ إلا بمشيئتِه ولو سعَى العبد إلى تحقيقه.
هو الفتَّاح، يَفتح أبوابَ الرزق والرحمة وأسبابها لعبادِه، ويفتح عليهم المنغَلِقَ من أمورهم وأَحوالهم.
وهو الرزَّاق، يرزُقُ العبدَ من السماء والأرض، ( قُل مَن يَرزُقُكُم مِن السَّمَوَاتِ وَالأَرضِ قُل اللَّهُ ) [سبأ: 24]، عمَّ برِزقِه كلَّ شيء، فما من دابَّة في الأرض إلاّ على الله رِزقُها، رزَقَ الأجنّةَ في بطونِ الأمّهات، ورزق السِّباع في القِفار والطيورَ في أعالي الأوكار والحيتانَ في قعر البِحار.
وهو الوهَّاب، يعطِي من أراد ما شاءَ، بِيده خزائن السّموات والأرض، وهَب ذرّيّةً طيّبة لأنبياء بعد بلوغِهم عِتيًّا من الكِبَر، وسأل سليمان ربَّه الوهّاب مُلكًا لا يَنبَغي لأحدٍ, مِن بعدِه، فوهبه آياتٍ, وعِبرًا مِنَ العطاءº رِيح وجِنّ وعَين قِطرٍ, مسخَّرات بأمرِه.
وهو العليم، يعلَم السرائر والخفيَّاتِ، لا يخفَى عليه قول ولا فعلٌ مما يجتَرِحُه العباد، (إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيءٍ, عَلِيمٌ )[العنكبوت: 62].
هو السَّميع، يسمَع النّجوَى وما أعلِنَ والسرَّ وما أخفَى، إن جهرتَ بِقولِك سمِعَه، وإن أَسرَرتَ به لصاحِبِك سمعه، وإن أخفَيتَه في نفسك علِمَه.
هو البصير، يرَى خَوافِيَ الأمور وإن دقَّت، لا يعزُب عنه مثقالُ ذرة وإن خفِيَت، يرى في ظُلَم الليل ما تحت الثّرَى، ويُبصِر قَعرَ البحر في الدّهماء.
هو الظاهر والباطن، لا يخفى عليه دَبيبُ النملة السوداءِ على الصخرةِ الصّمّاء في اللّيلةِ الظّلماء، إن فعلتَ فِعلاً ظاهرًا رَآك، وإن عَمِلت باطنًا ولو في جوفِ بيتِك أبصرَك، إِنَّ رَبَّكَ لَبِالمِرصَادِ [الفجر: 14]. ومن علِم أنَّ الله مطَّلِع عليه استَحَى أن يراه علَى معصِيَة.
هو الحكيم، لا يدخُل في أحكامه ولا تشريعَاته خللٌ ولا زَلَل، وليس لأحدٍ, أن يراجعَ أحكامَ الله أو ينتَقِصها أو يضَعها للجدل، ( وَاللَّهُ يَحكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكمِهِ ) [الرعد: 41]، بل الواجب التسليمُ والإذعان لها والانقياد إليها، إِنَّ اللَّهَ يَحكُمُ مَا يُرِيدُ [المائدة: 1]، ولا يصلُحُ لعباده سِوى شرعه المطهَّر، ومَن سَخِر بدينه أو شرعِه أذلَّه الله.
هو اللّطيف، يَلطُف بعباده، يسوق الرزقَ إليهم وهم لا يشعرون.
وهو الخبير بأمورِ العِباد، لا يخفَى عليه شيءٌ، مطَّلِع على حقيقةِ كلِّ أمر، ( فَاسأَل بِهِ خَبِيرًا )[الفرقان: 59].
وهو الحليم، لا يعجِّل العقوبةَ على عبادِه بِذنوبهم، ولا يحبِس إنعامَه وأفضاله عنهم بخطيئاتهم، يَعصونه ويرزُقهم، يذنِبون ويمهلهم، يجاهِرون ويستر عليهم، فلا تغترَّ بحلمِ الله وكَرَمه عليك، فقد يبغَتُك العذاب، (يَا أَيٌّهَا الإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الكَرِيمِ ) [الانفطار: 6].
وهو العظيم، إذا تكلَّم بالوحي أخذَتِ السموات منه رجفةٌ أو رِعدةٌ شديدة خوفًا من الله - عز وجل -، فإذا سمِع ذلك أهلُ السموات صُعِقوا وخرّوا لله سجَّدًا.
وهو الشّكور، يعطي الجزيلَ على اليسيرِ منَ العمل، ويَغفِر الكثيرَ مِنَ الزَّلَل، فلا تحقِر أيَّ عملٍ, صالح وإن قلَّ، فالحسنة تتضَاعَف، قال - سبحانه -: ( وَمَن يَقتَرِف حَسَنَةً نَزِد لَهُ فِيهَا حُسنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ ) [الشورى: 23].
وهو الحفيظ، يحفَظ أعمالَ العباد ويحصِي أقوالَهم، ( لا يَضِلٌّ رَبِّي وَلا يَنسَى ) [طه: 52]، ويحفَظ عبادَه من المهالِكِ والمعاطِبِ، حفِظ يونسَ وهو في بطن الحوت في لُجَجِ البِحار، وحفِظ موسى وهو رضيعٌ في اليمّ، فتوكَّل على الله في حِفظ نفسك وأولادك، فلا تعاويذَ شركيّة، ولا تمائم ولا سَحَرَة ولا كُهّان.
وهو القويّ، لا يعجِزه شيء، قوِيّ في بطشِه، قال ابن جريرٍ, - رحمه الله -: \"إذا بطَش بشيءٍ, أهلَكَه\"[8]، أمرَ جبريلَ بقلبِ قريةٍ, عاتِيَة بالفواحش قوم لوطٍ, فَعَلا بها بطَرَف جناحه ثم قلَبَها بمن فيها، وجعلها آيةً للاعتبار عبرَ القرون، (وَإِنَّكُم لَتَمُرٌّونَ عَلَيهِم مُصبِحِينَ وَبِاللَّيلِ أَفَلا تَعقِلُونَ ) [الصافات: 137، 138]. ومن تأمَّل قوّةَ من عصى تركَ ما عصَى.
وهو - سبحانه - الشافي، يشفي ويُعافي من الأمراضِ والأسقام، ( وَإِذَا مَرِضتُ فَهُوَ يَشفِينِ ) [الشعراء: 80]، والأدوية أسبابٌ يجب أن لا يتعلَّقَ القلب بها.
وهو المنَّان، يبدأ بالعطاءِ قبلَ السؤال.
والله - سبحانه - هو المحسِن، غمَر الخلقَ بإحسانه وفضلِه.
هو الكريم، يعطي ويجزل في العَطاء، ليس بينه وبين خلقِه حِجاب، فاسأل وربٌّك الأكرَم، وإذا فتَح الرزقَ على عبدِه لم يمنَعه أحدٌ، قال - سبحانه -: ( مَا يَفتَح اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَحمَةٍ, فَلا مُمسِكَ لَهَا ) [فاطر: 2]. وهو حيِيّ، ((إذا سأَلَه عبدُه عطاءً ورفع إليه يدَيه يستحِي أن يردَّهما صِفرًا)) رواه أحمد[9].
وهو الرقيب، لا يغفل عن خَلقِه ولا يضيِّعهم، ( وَمَا كُنَّا عَن الخَلقِ غَافِلِينَ ) [المؤمنون: 17]، مطَّلِع على ما أكَّنَته ضمائِرُهم، قال الحسن البصري - رحمه الله -: \"رحِم الله عبدًا وقَف عند همِّه، فإن كان للهِ مضَى، وإن كان لغيرِه تأخَّر\"[10]. فقِف وقفةً عند كلِّ عمَل، فإن كان لله فتقدَّم، وإن كان لغيره فتأخَّر.
وهو الودود، يتودَّد إلى عبادِه بالنّعَم وترك العصيانِ، ومن ترَك شيئًا لأجلِه أعطاه المزيدَ. وهو ذو محبَّةٍ, لعبادِه الصالحين، يحِبٌّ التوابين منهم والمتوكِّلين والصابِرين.
وهو المجيد، ذو مَجدٍ, ومَدح وثَناء كريمٍ,، لا مجدَ إلا مجدُه، وكلٌّ مجدٍ, لغيره إنما هو عطاءٌ وتفضٌّل منه - سبحانه -.
وهو الحميدُ، مستَحِقُّ للحمد والثناءِ بفعالِه، يُحمَد في السراء والضراءِ، وحمدُه من أجلّ الأعمال، قال - عليه الصلاة والسلام -: ((والحمدُ لله تملأ الميزانَ، وسبحان الله والحمد للهِ تملآن أو تملأ ما بين السمواتِ والأرض)) رواه مسلم[11].
وهو - سبحانه - الحيٌّ القيّوم، قائِم بأمرِ جميع الخلائق، ( يَسأَلُهُ مَن فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرضِ كُلَّ يَومٍ, هُوَ فِي شَأنٍ, ) [الرحمن: 29].
هو أحدٌ، لم يزل وحدَه، ولم يكن معه غيرُه، وتوحَّد بجميع الكَمَالاتِ، لا يشاركه فيها مشارِك.
وهو الصّمَد، تصمُد إليه الخلائق في حاجاتِها، وتبُثّ إليه شكواها، وتضع بين يدَيه ملِمّاتها.
وهو السيِّد، إليه الملجَأ وحدَه عند الشّدائد والكرُوب.
وهو القدير، تامّ القدرةِ والنّفوذ على كلِّ شيء، قال لنارٍ, محرِقة: ( كُونِي بَردًا وَسَلامًا عَلَى إِبرَاهِيمَ ) [الأنبياء: 69]، فكانت كما أمَر، وأمر بحرًا زاخرًا بالأمواجِ أن يكون طريقًا يبَسًا لموسى، ثم عادَ بحرًا على أكملِ حالٍ,.
هو البَرّ، يحسِن إلى عبادِه ويصلح أحوالَهم، بَرّ بالمطيع في مضاعَفَة الثواب، وبَرُّ بالمسِيء في الصّفحِ والتجاوُز، ( إِنَّهُ هُوَ البَرٌّ الرَّحِيمُ ) [الطور: 28].
وهو التّوَّاب، لا يردٌّ تائبًا، مَن جاء إليه في ليلٍ, أو نهار قَبِلَه بل وأحبَّه،( إِنَّ اللَّهَ يُحِبٌّ التَّوَّابِينَ ) [البقرة: 222].
وهو العفُوّ، مهما أسرَفَ العبد على نفسِه بالعِصيان ثمّ تاب عفَا عن ذنوبِه.
وهو الرّؤوف بجميع خلقِه، يغدِق عليهم الأرزاق الدّارَّةَ وإن عصَوه رأفَةً منه بهم، ( إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ) [الحج: 65].
وهو الغنيّ، لا حاجةَ له إلى خلقِه، يدُه ملأَى لا تَغيضها نفقَةٌ، سَحَّاء الليلَ والنهارَ، يقول - عليه الصلاة والسلام - فيما يروِيه عن ربِّه: ((يا عبادِي، لو أنّ أوَّلَكم وآخِرَكم وإنسَكم وجنَّكم قاموا على صعيد واحدٍ, فسألوني فأعطيتُ كلَّ إنسان مسألتَه ما نقص ذلك ممّا عندي إلاّ كما ينقص المخيطُ إذا أدخِل البحر)) رواه مسلم[12].
وبعد: أيّها المسلمون، فبأسمائه - تعالى -الحسنَى يُدعى، وبها وبصفاتِهِ العُلى يثنَى، والله يحبّ مَن يدعوه ويحمده، وأكمَلُ النّاس عبوديّةً المتعبِّد بجميع الأسماء والصفاتِ. وأسماؤُه - تعالى- لا حصرَ لها، منها تسعةٌ وتسعون اسمًا من أحصاها بالعلم بمعناها والعمَلِ بمقتضاها دخلَ الجنّة.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ( وَلِلَّهِ الأَسمَاءُ الحُسنَى فَادعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلحِدُونَ فِي أَسمَائِهِ سَيُجزَونَ مَا كَانُوا يَعمَلُونَ ) [الأعراف: 180].
بارَك الله لي ولكم في القرآنِ العظيم، ونفَعني الله وإيّاكم بما فيهِ من الآياتِ والذكر الحكيم، أقول ما تَسمَعون، وأستغفِر الله لي ولَكم ولجميع المسلِمين من كلّ ذنب فاستَغفروه، إنّه هو الغفورُ الرّحيم.
----------------------------------------
[1] الجواب الكافي (ص168)، وروضة المحبين (ص166).
[2] درء التعارض (3/61).
[3] صحيح البخاري: كتاب التوحيد (7375) عن عائشة - رضي الله عنها -، وأخرجه مسلم أيضا في الصلاة (813).
[4] صحيح البخاري: كتاب الأدب (6000)، صحيح مسلم: كتاب التوبة (2752) عن أبي هريرة - رضي الله عنه - نحوه.
[5] صحيح البخاري: كتاب التفسير (4811)، صحيح مسلم: كتاب صفة القيامة (2786) عن ابن مسعود - رضي الله عنه -.
[6] صحيح البخاري: كتاب اللباس (5962) عن أبي جحيفة - رضي الله عنه - قال: لعن رسول الله آكل الربا وموكله والواشمة والمستوشِمة والمصوِّر.
[7] صحيح البخاري: كتاب البيوع (2225)، صحيح مسلم: كتاب اللباس (2110) واللفظ له عن ابن عباس - رضي الله عنهما -.
[8] جامع البيان (7/64).
[9] مسند أحمد (23715) من حديث سلمان - رضي الله عنه - بمعناه، وأخرجه أيضا أبو داود في الصلاة (1488)، والترمذي في الدعوات (3556)، وابن ماجه في الدعاء (3865)، وقال الترمذي: \"حديث حسن غريب، ورواه بعضهم ولم يرفعه\"، وصححه ابن حبان (876)، وهو في صحيح الترغيب (1635).
[10] رواه البيهقي في الشعب (5/458).
[11] صحيح مسلم: كتاب الطهارة (223) عن أبي مالك الأشعري - رضي الله عنه -.
[12] صحيح مسلم: كتاب البر (2577) عن أبي ذر - رضي الله عنه -.
الخطبة الثانية
الحمدُ لله على إحسانه، والشّكر له على توفيقِه وامتنانِه، وأشهد أن لا إلهَ إلاَّ الله وحدَه لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أنَّ نبيَّنا محمّدًا عبده ورسولُه، صلّى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلَّم تسليمًا مزيدًا.
أمّا بعد: أيّها المسلمون، مِفتاح دَعوةِ الرّسلِ وخُلاصة رسالتهم معرِفَة المعبودِ بأسمائه وصفاته وأفعالِه، ومعرفةُ الله وما يستحِقّه من الأسماء الحسنى والصفاتِ العلى والأفعال الباهِرَة يستلزِم إجلالَه وإعظامَه وخَشيتَه ومهابَتَه ومحبَّته والتوكّلَ عليه والرضا بقضائِه والصبرَ على بلائه، وعلى قَدرِ المعرفة يكون تعظيم الربِّ في القلبِ، وأعرفُ الناس به أشدٌّهم له تعظيمًا وإجلالاً، ومن عرَف أسماء الله وصفاتِه علِم يقينًا أنَّ المكروهاتِ التي تصيبُه والمحنَ التي تنزل به فيها مِن ضروبِ المصالح التي لا يحصِيها علمُه، والله يحِبٌّ موجِبَ أسمائه وصفاتِه، فهو كريمٌ يحبّ الكريم من عبادِه، حليم يحبّ أهلَ الحِلم، عليمٌ يحبّ العلَماء، شكور يحبّ الشاكرين.
ثمّ اعلموا أنَّ الله أمركم بالصلاةِ والسلام على نبيِّه، فقال في محكم التنزيل: ( إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلٌّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيٌّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلٌّوا عَلَيهِ وَسَلِّمُوا تَسلِيمًا [الأحزاب: 65].
اللّهمّ صلِّ وسلِّم وبارك على نبيِّنا محمّد، وارضَ اللّهمّ عن خلفائه الراشدين...
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد