كيف تكون محبوبا ؟


 بسم الله الرحمن الرحيم

 

ذكر أنك تحبٌّ أن يحبك الناس، فأحبهم أنت، وبين كيف يعرفون منك هذا الحب؟ امتدحهم. اختر شيئاً جميلاً فيهم وحدثهم عنه. وذكر الحديث منسوباً إلى جميع الرسل والديانات: «أحب لأخيك ما تحب لنفسك».

وأول ما تحب لنفسك هي السعادة والشعور بالرضا، فاجعل الآخرين يشاركونك فيه.

هذا الحب الذي أشار إليه قد جعله النبي - صلى الله عليه وسلم - بين المسلمين من الإيمان فقال: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه»(1).

وجاءت أحاديث كثيرة مفصلة لكثير من حق المسلم على أخيه ومنها: رد السلام، وإجابة الدعوة، وزيارة المريض، وتشميت العاطس، وإبرار المقسم، وعدم الخطبة على خطبته، أو البيع على بيعه، وعدم ترويعه وإخافته، والذب عن عرضه، وإعانته في عمله والصناعة له، وإكرام ضيافته … الخ.

وقد ورد في الحديث: «الراحمون يرحمهم الرحمن»(2)، ومن أعظم الرحمة إخراج الناس من الشقاء إلى السعادة ومن ظلمة الكفر إلى نور الهداية والإيمان.

والنبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه»، وأعظم ما يحب الإنسان لنفسه أن يعيش سعيداً في الدنيا والآخرة فليعمل على أن يعيش الناس كذلك.

قال عبد الله بن مسعود: «كنا إذا افتقدنا الأخ أتيناه، فإن كان مريضا كانت عيادة، وإن كان مشغولاً كانت عوناً، وإن كان غير ذلك كانت زيارة»(3).

ثم قال: إنك تريد استحسان الناس لك، وتريد منهم أن يعترفوا بقدرك وأهميتك، ويهمك أن تكون ذا شأن في دنياك الصغيرة، من أجل ذلك عليك أن تمنح الآخرين ما تحب أن يمنحوه لك.

وهذا صحيح وحق، وقد جاء في الحكمة: «عامل الناس بما تحب أن يعاملوك به».

وبين أنه لا ينبغي لك أن تتصور أنك أرفع من الناس قدراً، فهذا في نظرك أنت لكنه غير صحيح في نظر الآخرين. وكل إنسان يرى نفسه كذلك وأنه شمس الوجود.

إن هذه النظرة الحادة ناتجة من الكبر، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من كبر» فقال رجل: يا رسول الله الرجل يحب أن يكون ثوبه حسناً ونعله حسناً؟ فقال: «إن الله جميل يحب الجمال، الكبر بطر الحق وغمط الناس»(4). بطر الحق أي: رده، وغمط الناس أي: احتقارهم.

ولقد سدَّ الإسلام منافذ الكبر فألغى التفاضل بين الناس بالعنصر أو النسب أو اللون أو البلد، وجعل ميدان التفاضل في تقوى الله - تعالى -والعمل الصالح، قال - تعالى -: {إِنَّ أَكرَمَكُم عِندَ اللَّهِ أَتقَاكُم}(5)، وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا فضل لعربي على أعجمي ولا لأعجمي على عربي إلا بالتقوى»(6).

وقد كان السلف الصالح - رحمهم الله - يحتقرون أنفسهم ولا يرون أنهم أفضل من غيرهم ولا يتباهون بأعمالهم ويدخل نفوسهم داء العظمة، فهذا عمر بن الخطاب كاسر الأكاسرة وقاصم القياصرة يقول عن ولايته وخلافته: «ياليتني خرجت منها لا لي ولا علي». ويقول: «بني الخطاب ويل أمك إن لم يغفر الله لك! ».

ثم إن المؤلف استشهد على ذلك بقصص مارسها بنفسه أو مارسها غيره فنجحت في كسب الناس، وذكر من تلك القصص أنه زار عجوزاً طاعنةً في السن فسألها عن بناء بيتها وامتدح تخطيطه وتنظيمه فأخذ هذا بلبها وبينت أنها شاركت زوجها في بنائه، وأن الناس اليوم لا يعرفون قيمة مثل هذا البنيان المتين، ثم راحت تحدثه عن قصصها ونسيت أتعابها ومرضها في هذه الأثناء.

لقد رتب الإسلام على إدخال السرور والفرح إلى المسلم أجراً واعتبره صدقة من الصدقات، وحث على توقير واحترام الكبير، والعطف والحنان على الصغير، وأمر ببرِّ الوالدين وجعل طاعتهما أولى من الجهاد في سبيل الله.

ففي الحديث: «ليس منا من لم يوقر كبيرنا ويرحم صغيرنا»(7)، وقال - تعالى -: {وَقَضَى رَبٌّكَ أَلَّا تَعبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالوَالِدَينِ إِحسَاناً}(8)، وفي الحديث: «ففيهما فجاهد»(8)، وقال عن الأم: «الزمها، فإن الجنة تحت رجلها»(9).

وأوضح أنه ينبغي أن ينطلق هذا الإعجاب الصادق بحسنات الغير من البيت. الأولى بك أن تبدأ مع زوجتك فهي فرد من الناس، وفيها بعض المساوئ، لكن لها محاسن، فكم من مرة أطريت جمالها مثلاً، أو حسن تنسيقها للبيت، أو حتى لطفها وهي تقول لك: صباح الخير.

وأوضح أن الكلام اللين الطيب يؤدي في النتيجة مؤدى الكلام الخشن، ولكن الأخير يدق إسفينا في درب السعادة الزوجية.

وضرب لذلك مثالاً: بأن زوجتك قدَّمت لك لحماً وكأنه سير من الجلد لعدم طهيها جيداً. فأنت بين أمرين: إما أنت تقول: يبدو أن هذا بسبب شغل شغلك يا زوجتي العزيزة عن إنضاج اللحم كالمعتاد. أو تقول: إن هذا اللحم يخلع الأسنان، أو تظنيني كلباً له أنياب أيتها المرأة!

لقد جعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خير الناس خيرهم لزوجته فقال: «خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي»(11)، وقال عن الذين تقدمت أزواجهم يشكونهم لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - «ليس أولئك بخياركم»(12).

عَن عَائِشَةَ قَالَت: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ مِن أَكمَلِ المُؤمِنِينَ إِيمَاناً أَحسَنَهُم خُلُقًا وَأَلطَفَهُم بِأَهلِهِ»(13).

وأرشد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المسلم إلى أن ينظر إلى المرأة نظرة شاملة من جميع الزوايا والجهات وبين خطر النظر إليها من زاوية واحدة فقال: «لا يَفرَك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خُلُقاً رضي منها آخر»(14).

وأخبرت عائشة - رضي الله عنها - «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يكن فاحشاً ولا متفحشاً...»(15).

ووصف أنس بن مالك - رضي الله عنه - خلق النبي - صلى الله عليه وسلم - في معاملته مع خدمه فقال: «خدمت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عشر سنين، والله ما قال لي أفٍ, قط، ولا قال لي لشيء: لِم فعلت كذا، وهلا فعلت كذا»(16).

وتقول عائشة - رضي الله عنها - في وصفها لخلق النبي - صلى الله عليه وسلم - مع ما يصنع له من طعام: «ما عاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - طعاماً قط، إن اشتهاه أكله وإلا تركه»(17).

وقال ابن عمر - رضي الله عنهما -: «البر شيءٌ هينٌ: وجه طليق وكلام لين»(18).

 

----------------

(1) صحيح البخاري 43، صحيح مسلم 45.

(2) جزء من حديث رواه عبد الله بن عمرو، أخرجه أبو داود في السنن 4941، الترمذي 1924، وقال: «حسن صحيح».

(3) آداب العشرة (ص43).

(4) صحيح مسلم 91.

(5) سورة الحجرات: 13.

(6) جزء من حديث طويل رواه الإمام أحمد في مسنده (5/411)، وقال الهيثمي في المجمع (3/266): «رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح».

(7) أخرجه أحمد في المسند (2/207) من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وصحح هذا الإسناد جمع من العلماء.

(8) سورة الإسراء: 23.

(9) صحيح البخاري 2842، صحيح مسلم 2549.

(10) أخرجه أحمد في المسند (3/429)، والحاكم في المستدرك 2502، وصححه.

(11) أخرجه الترمذي في الجامع 3895 وصححه، وابن ماجه في السنن 1977، وابن حبان في صحيحه (الإحسان 4177)

(12) أخرجه أبو داود في السنن 2146، وصححه النووي في رياض الصالحين (ص 91).

(13) رواه الترمذي 2537.

(14) صحيح مسلم 1469.

(15) صحيح البخاري 3549، صحيح مسلم 3549.

(16) صحيح البخاري 5691، صحيح مسلم 2309.

(17) صحيح البخاري 3370، صحيح مسلم 2064.

(18) رواه ابن أبي الدنيا في الصمت (ص 180)، والبيهقي في شعب الإيمان 8019، وابن عساكر في تاريخ دمشق (31/176-177).

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply