ما أطيب الإسلام وأحسنه، وما أخبث الكفر وأقبحه وما أكرم السنة وأضل البدعة


 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

ويا فوز الموحدين ويا شقاء المشركين

وما أسعد المتَّبعين وما أتعس المبتدعين

الحمد لله الذي حكم فعدل، وقضى فأحكم، فلم يسوِّ بين الحق والباطل، ولا بين الطيب والخبيث، ولا بين العالم والجاهل، فقال: \"أَفَمَن كَانَ مُؤمِنًا كَمَن كَانَ فَاسِقًا لا يَستَوُونَ\"، وقال: \"قُل لاَّ يَستَوِي الخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ\"، وقال: \"قُل هَل يَستَوِي الَّذِينَ يَعلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعلَمُونَ\"، وضرب الأمثال، وأورد الأخبار، وقصَّ القصص للعبرة والاعتبار.

من أصدق الأمثال وأجلاها تمثيله للإيمان بالشجرة الطيبة المثمرة، والكفر بالشجرة الخبيثة النكدة: \"أَلَم تَرَ كَيفَ ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ, طَيِّبَةٍ, أَصلُهَا ثَابِتٌ وَفَرعُهَا فِي السَّمَاء. تُؤتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ, بِإِذنِ رَبِّهَا وَيَضرِبُ اللهُ الأَمثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُم يَتَذَكَّرُونَ. وَمَثلُ كَلِمَةٍ, خَبِيثَةٍ, كَشَجَرَةٍ, خَبِيثَةٍ, اجتُثَّت مِن فَوقِ الأَرضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ,\".

وصلى الله وسلم على رسوله القائل: \"ومن رغب عن سنتي فليس مني\".

ما أطيب كلمة التوحيد، وما أخبث كلمة الكفر وما أنتنها، فمن قبحها وخبثها ونتنها أن الكافر الأصلي والمرتد لا يريدان أن يوصفا بذلك، أو يرميا بها.

فإذا وصفت الكافر والمنافق بما وصفه به ربه، وبما يعتقده، بأنه كافر أو منافق، غضب عليك، وثار، وانتفشت أوداجه، بينما أنك لم تعد وصف الله لهم، وحكم الله عليهم: \"لَّقَد كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ,\"، \" لَقَد كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللهَ هُوَ المَسِيحُ ابنُ مَريَمَ\"، \"إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن أَهلِ الكِتَابِ وَالمُشرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا\"8، \"وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ وَبِاليَومِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤمِنِينَ. يُخَادِعُونَ اللهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم وَمَا يَشعُرُونَ. فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللهُ مَرَضاً وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكذِبُونَ\".

بينما يفرح المؤمن ويُسرٌّ إذا وصف بذلك، بل لا يرضى بغير الإسلام ديناً، ولا بالإيمان بديلاً، ولا أن يسمى بغير الاسم الذي سماه إياه به ربه: \"هُوَ سَمَّاكُمُ المُسلِمينَ\".

وكذلك الأمر بالنسبة للسنة والبدعة، فما من أحد من أهل القبلة إلا ويدعي الانتساب إلى السنة والاعتصام بها، مهما كانت درجة مخالفته لها، وذلك لأن السنة هي الإسلام، هي الشريعة، ولذلك حض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على التمسك بها والعض عليها، فقال: \"عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة\".

ما أكرم السنة وأحبها إلى النفوس، وما أضل البدعة وأكرهها، حتى أن أئمتها الكبار المنشئين لها والمقلدين لا يحبون أن ينسبوا إليها أويوصفوا بها، وحق لهم كرهها وبغضها، ولكن ادعاء السنة وحده لا يكفي، والتنصل من البدعة لا يخلص منها ولا ينفع صاحبها.

وخطورة البدعة تكمن في الآتي:

أولاً: لا يقبل الله لصاحب البدعة عمل، لا صرفاً ولا عدلاً، أي لا فرضاً ولا نفلاً، بحكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: \"من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد\"، وفي رواية: \"من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد\".

 

ثانياً: من العسير أن يتوب صاحب البدعة عن بدعته.

ثالثاً: البدعة على من سنها أولاً، وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة، لا ينقص ذلك من أوزار متبعيه شيئاً، كما صح في ذلك الخبر، ولهذا قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: \"ما من نفس تقتل ظلماً إلا كان على ابن آدم الأول كفل منها، لأنه أول من سن القتل\".

رابعاً: إثم البدعة مركب، لأنه ما من بدعة إلا وتقوم على أنقاض سنة.

خامساً: البدعة تعتبر تشريعاً مضاهياً لشرعة محمد - صلى الله عليه وسلم -، ولهذا رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عمرو بن لؤي الخزاعي يجر قصبه في النار، لأنه أول من غيَّر ملة إبراهيم وإسماعيل - عليهما السلام -، بأن سيَّب السائبة وبحر البحيرة.

سادساً: من شؤم البدعة على الرغم من تفاوتها، إذ هناك بدع كفرية، وأخرى محرمة، وأخرى مكروهة، إلا أنها كلها ضلال، لا فرق بين صغيرها وكبيرها، وحقيرها وجليلها.

قال رجل لابن عمر - رضي الله عنهما -: والله إني لأحبك في اللهº فقال له ابن عمر: \"والله إني لأبغضك في الله، لأنك تبغي في أذانك وتأخذ عليه أجراً\"، والمراد بالبغي في الأذان التمطيط، وكان مذهب ابن عمر أن المؤذن يحتسب ولا يأخذ أجرة.

ودخل ابن عمر مسجداً ليصلي فيه الصبح، وكان معه مجاهد، فثوب المؤذن التثويب البدعي، وهو أن يقول بين الأذان الثاني والإقامة: حي على الصلاة، حي على الفلاح، الصلاة خير من النومº فما كان من ابن عمر إلا أن قال لمجاهد: هيا بنا نخرج من هذا المسجد الذي ابتدع فيه هذه البدعةº ومعلوم أن الخروج من المسجد بعد الأذان لا يجوز إلا بعد الصلاة أو لأمر هام ضروري.

وعطس رجل بحضرة ابن عمر، فقال: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول اللهº فقال له ابن عمر: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، ولكن ما هكذا علمنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

أقول: أين هذه البدع التي أنكرها ابن عمر وزجر منها بالنسبة للطوام العظام والبدع الكفرية الجسام التي يمارسها قطاع كبير من المسلمين اليوم، كالاستغاثة بالأموات، والتمسح بقبور الصالحين، والطواف حولها، ومن الرقص، والتواجد، والضرب بالطبول، والنذر، والذبح، والخوف، والرجاء لغير رب الأرض والسماء، ولا يعترض على ذلك أحد.

والويل لمن حذر من ذلك ونبه عليه، فإنه يوصف بالكفر والضلال، وببغض الأولياء والصالحين، وبالابتداع في الدين، ويهجر ويعزل.

بل يظن البعض أن المرء إذا شهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وصلى، وصام، عُصم من الشرك والابتداع، بل لا يعترف البعض أن هناك شركاً أو ابتداعاً، وإن كانت هناك بدع فهي بدع حسنة، نحو الحوليات والموالد.

حدث كل ذلك لسكوت العلماء وطلاب العلم، ومنافقتهم للواقع، وإيثارهم للسلامة، ومجاراة الحكام والمسؤولين لتلك العوائد، بل دعمها والمشاركة فيها.

ومن ثم لا يحل لك أن تصف شخصاً بأنه أشرك أو ابتدع مهما اقترف من أسباب ذلك، وهذا من باب المكابرة، ولا يغير في المضمون شيئاً، فهناك شرك وتوحيد، وسنة وبدعة، والشرك بين، وأسبابه واضحة، ومظاهره معلومة معروفة.

وكذلك السنة معلومة، والبدعة معروفة، ولذلك احتال أهل البدع على ما ابتدعوه بأن حسنوها بعقولهم، ولم يستطيعوا أن ينكروا أنها بدعة، وقد حكم صاحب الشريعة على كل البدع بالضلال، وقضى عليها بالبطلان.

فمن أراد السلامة فعليه أن يسلك سبيلها، وهو المحجة البيضاء ليلها كنهارها، ومن أراد سوى ذلك فعليه ببنيات الطريق، ولن يضر والله إلا نفسه، ولن يخدع إلا شخصه، والكيِّس من راجع نفسه وحاسبها واتهمها، والجاهل المغرور من أتبع نفسه هواها، وقلد دينه الرجال، وعطل عقله، وأغفل العمل بالآثار.

فمن كان على ما كان عليه رسول الهدى وصحبه الأبرار فهو الموحد السني، ومن خالف ما كان عليه فهو المشرك المبتدع، ورحم الله مالكاً عندما قال: ما لم يكن في ذلك اليوم ديناً فلن يكون اليوم ديناً.

فمن تعبد الله بعبادة لم يتعبده بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصحبه الكرام فهي البدعة المردودة التي حذر منها رسول الإسلام.

اللهم من كان من هذه الأمة يظن أنه على الحق فرده إلى الحق حتى يكون من أهله.

اللهم بصِّر الجاهل، واهد الضال، ورد الغاوي، واغفر الزلات، وبدل الحسنات سيئات، وعجل بقبول التوبات، وجنبنا الغرور والمكابرات، وصلى الله وسلم على نبي الشفاعات وماحي الضلالات، وعلى آله وأصحابه ومن والاهم وحذر من البدع والمخالفات.

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply