بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، الحمد لله العلي الوهاب، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الرحيم التواب، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله النبي الأواب، وعلى آله وأصحابه خير الأصحاب والأحباب، والتابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الحساب، يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون \"، \" يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحده وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً \"..أما بعد:
فأوصيكم ونفسي أيها الناس بتقوى الله، فهي المنجية من عذاب أليم، والموصلة لرضوان الرحمن الرحيم، فالتقوى سيبل الرشاد، للحاضر والباد، فاتقوا الله أيها العباد.
أيها المسلمون: لقد تفضل الله على عباده بنعم لا تحصى، ومنن لا تستقصى، فكل نعمة يراها العبد على نفسه هبة من الله، قال - تعالى -: \" وما بكم من نعمة فمن الله \"، واعلموا أن هناك نعماً خص الله بها فئة من الناس وحرمها فئة أخرى، ابتلاء منه - سبحانه -، وتمحيصاً لعباده، ليميز الخبيث من الطيب، قال - تعالى -: \" ولله ملك السموات والأرض يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء إناثاً ويهب لمن يشاء الذكور * أو يزوجهم ذكراناً وإناثاً ويجعل من يشاء عقيماً إنه عليم قدير \"، فمن أعظم النعم على الإنسان بعد نعمة الإسلام، نعمة الولد، ولا سيما الولد الصالح، نعمة الولد لا يعرف قدرها إلا من حُرمها، فكم من الناس من مُنع نعمة الأبوة والأمومة، فتراه يسعى جاهداً ليلاً ونهاراً، بكل ما أوتي من جهد ومال للحصول على الولد الذي فقده، ولكن قدرة الله - تعالى -فوق الطاقات والأموال المهدرات، لأنه - سبحانه - عليم قدير، يختبر العباد، ويمتن على الإنسان، فاصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون.
أيها الناس: أولادنا ثمار قلوبنا، وعماد ظهورنا، وفلذات أكبادنا، وأحشاء أفئدتنا، وزينة حياتنا، قال - تعالى -: \" المال والبنون زينة الحياة الدنيا \"، الأولاد قرة الأعين، وبهجة الحياة، وأنس العيش، بهم يحلو العمر، وعليهم تعلق الآمال، وببركة تربيتهم يستجلب الرزق، وتنزل الرحمة، ويضاعف الأجر، عَن أَبِي هُرَيرَةَ - رضي الله عنه -، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: \" إِذَا مَاتَ الإِنسَانُ انقَطَعَ عَنهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِن ثَلَاثَةٍ, إِلَّا مِن صَدَقَةٍ, جَارِيَةٍ, أَو عِلمٍ, يُنتَفَعُ بِهِ أَو وَلَدٍ, صَالِحٍ, يَدعُو لَهُ \" [أخرجه مسلم]، وقد أحسن من قال:
إنما أولادنا بيننا *** أكبادنا تمشي على الأرض
لو هبت الريح على بعضهم *** لامتنعت عيني عن الغمض
وقَالَ - صلى الله عليه وسلم -: \" وَإِنَّ لِوَلَدِكَ عَلَيكَ حَقًّا \" [أخرجه مسلم]، فاحذروا أيها الناس من التفريط في تربية الأبناء، أو التخلي عن المسؤولية تجاههم، فهذا هو الغدر، وتلكم هي الخيانة، وذلكم هو الغش الموصل إلى النار، أخرج البخاري ومسلم واللفظ للبخاري من حديث مَعقِل بن يَسَارٍ, - رضي الله عنه - قَالَ: سَمِعتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: \" مَا مِن عَبدٍ, استَرعَاهُ اللَّهُ رَعِيَّةً فَلَم يَحُطهَا بِنَصِيحَةٍ, إِلَّا لَم يَجِد رَائِحَةَ الجَنَّةِ \"، فارعوا أبناءكم، وأدوا أماناتكم، وانصحوا لأولادكم، فكلٌ مسؤول عن رعيته.
أمة الإسلام: الشباب عماد الأمة، وعزها المجيد، ومجدها التليد، الشباب قوة الشعوب، وحصنها الحصين، ودرعها المتين، هم سبب الفتوحات، وأساس الانتصارات، ومن قرأ التأريخ، وتصفح كتب السير والمغازي، لرأى رأي المنصف العاقل الرشيد، كيف أن الشباب في صدر الإسلام وبعده كانوا لبلاد الكفار فاتحين، وعن بلاد الإسلام مناضلين ومنافحين، تجدهم محاربين، وتراهم مقاتلين، تهابهم الأعداء، ويحبهم من في السماء، \" يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة واعلموا أن الله مع المتقين \"، وأخرج الشيخان في صحيحيهما من حديث عَبدِالرَّحمَنِ بنِ عَوفٍ, - رضي الله عنه - قَالَ: بَينَا أَنَا وَاقِفٌ فِي الصَّفِّ يَومَ بَدرٍ,، فَنَظَرتُ عَن يَمِينِي وَعَن شِمَالِي، فَإِذَا أَنَا بِغُلَامَينِ مِنَ الأَنصَارِ حَدِيثَةٍ, أَسنَانُهُمَا، تَمَنَّيتُ أَن أَكُونَ بَينَ أَضلَعَ مِنهُمَا، فَغَمَزَنِي أَحَدُهُمَا فَقَالَ يَا عَمِّ: هَل تَعرِفُ أَبَا جَهلٍ,؟ قُلتُ: نَعَم، مَا حَاجَتُكَ إِلَيهِ يَا ابنَ أَخِي، قَالَ: أُخبِرتُ أَنَّهُ يَسُبٌّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لَئِن رَأَيتُهُ لَا يُفَارِقُ سَوَادِي سَوَادَهُ، حَتَّى يَمُوتَ الأَعجَلُ مِنَّا، فَتَعَجَّبتُ لِذَلِكَ، فَغَمَزَنِي الآخَرُ فَقَالَ لِي مِثلَهَا، فَلَم أَنشَب أَن نَظَرتُ إِلَى أَبِي جَهلٍ, يَجُولُ فِي النَّاسِ، قُلتُ: أَلَا إِنَّ هَذَا صَاحِبُكُمَا الَّذِي سَأَلتُمَانِي، فَابتَدَرَاهُ بِسَيفَيهِمَا فَضَرَبَاهُ حَتَّى قَتَلَاهُ، ثُمَّ انصَرَفَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأَخبَرَاهُ، فَقَالَ: \" أَيٌّكُمَا قَتَلَهُ؟ \" قَالَ كُلٌّ وَاحِدٍ, مِنهُمَا: أَنَا قَتَلتُهُ، فَقَالَ: \" هَل مَسَحتُمَا سَيفَيكُمَا؟ \" قَالَا: لَا، فَنَظَرَ فِي السَّيفَينِ، فَقَالَ: \" كِلَاكُمَا قَتَلَهُ سَلَبُهُ لِمُعَاذِ بنِ عَمرِو بنِ الجَمُوحِ \"، وَكَانَا مُعَاذَ بنَ عَفرَاءَ، وَمُعَاذَ بنَ عَمرِو بنِ الجَمُوحِ \"، وعَنِ ابنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - عَرَضَهُ يَومَ أُحُدٍ, وَهُوَ ابنُ أَربَعَ عَشرَةَ سَنَةً فَلَم يُجِزهُ، وَعَرَضَهُ يَومَ الخَندَقِ وَهُوَ ابنُ خَمسَ عَشرَةَ سَنَةً فَأَجَازَهُ \" [أخرجه البخاري]، وفي قصة إمامة عَمرِو بنِ سَلَمَةَ - رضي الله عنه - لقومه حيث قَالَ: قال النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: \" فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ، فَليُؤَذِّن أَحَدُكُم، وَليَؤُمَّكُم أَكثَرُكُم قُرآنًا \"، فَنَظَرُوا فَلَم يَكُن أَحَدٌ أَكثَرَ قُرآنًا مِنِّي، فَقَدَّمُونِي بَينَ أَيدِيهِم وَأَنَا ابنُ سِتٍّ, أَو سَبعِ سِنِينَ \" [أخرجه البخاري]، هكذا كان شباب الإسلام، حماة لأوطانهم، مدافعين عن أعراضهم، مقاتلين لأعدائهم، متبعين لسنة نبيهم، متمسكين بدينهم، شباب تعتمد عليهم أمتهم، يرهبهم عدوهم، ذلكم هو الشباب المسلم الأبي، وعندما يقلب الحصيف بصره، وينقل اللبيب عينه، لا يجد اليوم إلا شبابأً قد وهنتهم حمى الغرب، وضربتهم شمس التقدم الزائف، وطغت عليهم حضارة الكفر، فقُذف في قلوبهم الوهن، فبدأوا يهرفون بما لا يعرفون، تراهم سكارى وما هم بسكارى، \" رضوا بأن يكونوا مع الخوالف وطبع الله على قلوبهم فهم لا يعلمون \"، أشباب اليوم هم شباب الأمس، إذا أردتم الجواب، ومعرفة الصواب، فسلوا المدارس عن طلابها، والأعمال عن موظفيها، سلوا المساجد عن روادها، سلوا الخرابات عن ساكنيها، والاستراحات عن مرتاديها، فعند جهينة الخبر اليقين.
أيها المسلمون: لقد عجز الغرب الكافر اليوم عن إبعاد المسلمين عن دينهم بقوة السلاح، لكنه استولى على العقول، ولا سيما عقول الشباب، فبُثت القنوات، وعُملت المخططات، وأُنشئت الدراسات، كل ذلك للإطاحة بشباب الإسلام، ويا للأسف فقد تحقق للكفار ما أرادوا، ونالوا من شبابنا ما ناولوا، ولكن لم يكن ليتم ذلك إلا بمعاونة وسائل الإعلام المسلمة، ومشاركة أولياء جهلة ظلمة، تنصلوا عن التربية، واهتموا بسفاسف الحياة، فأصبح لدينا جيل تنكر لدينه، وخرج من عقيدته، وتبرأ من أهله وعشيرته، وتخلى عن عاداته، وانخلع من تقاليده، فهانحن نرى قطعاناً من الناشئة، رائحة إلى مدارسها وغادية، لا يعرفون معروفاً ولا ينكرون منكراً، بل تغيرت أفهامهم، وانتكست أوضاعهم، فسدت طبائعهم، وقلدوا أعداءهم، وقد قال رَسُول اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: \" لَيسَ مِنَّا مَن تَشَبَّهَ بِغَيرِنَا، لَا تَشَبَّهُوا بِاليَهُودِ وَلَا بِالنَّصَارَى \" [أخرجه الترمذي]، وانظروا إلى الشباب والشابات عبر الشوارع والطرقات، تأملوا تلكم الموضات والقصات، سلاسل وقبعات، دخان ومخدرات، أشكال غريبة، وهيئات مريبة، شباب تائهون حائرون، تنكب للأرصفة، وتدمير للمنشآت والأبنية، سرعة فائقة، أغان صاخبة، تصرفات طائشة، إزهاق لأرواح الأبرياء، وإذا حل الليل، واحلولك الظلام، أتوا البيوت من ظهورها، والسيارات من زجاجها، والمحلات بعد تكسيرها، يا سبحان الله، كأننا لا أمن ولا أمان، تصرفات غوغاء، وأعمال هوجاء، ونتائج شنعاء، فأين المسؤولية والمسؤولين؟ وأين الأمانة والمؤتمنين؟ \" يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون * واعلموا أنما أموالكم وأولادكم فتنة وأن الله عنده أجر عظيم \"، وعَن عَبدِاللَّهِ بنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: \" أَلَا كُلٌّكُم رَاعٍ, وَكُلٌّكُم مَسئُولٌ عَن رَعِيَّتِهِ، فَالإِمَامُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ, وَهُوَ مَسئُولٌ عَن رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ, عَلَى أَهلِ بَيتِهِ وَهُوَ مَسئُولٌ عَن رَعِيَّتِهِ، وَالمَرأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى أَهلِ بَيتِ زَوجِهَا وَوَلَدِهِ وَهِيَ مَسئُولَةٌ عَنهُم، وَعَبدُ الرَّجُلِ رَاعٍ, عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسئُولٌ عَنهُ، أَلَا فَكُلٌّكُم رَاعٍ, وَكُلٌّكُم مَسئُولٌ عَن رَعِيَّتِهِ \" [متفق عليه]، وكم من المسؤولين من فرطوا في مسؤوليتهم، وأضاعوا أماناتهم، وأهملوا أولادهم ومن تحت ولايتهم، \" إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولاً \"، فالتفريط في أمانة رعاية الشباب والناشئة، خيانة عظمى، ومصيبة كبرى، وحتماً ستحط رحالها بالأمة، وربما كانت أحداث التفجيرات، وما سبقها وتبعها من كوارث وانحرافات، ومواجع وفاجعات، ربما كان سببها الإهمال في تربية الشباب، وعدم العناية بالناشئة من الفتيان والفتيات، لقد انزلق الشباب المسلم في براثن الفضائيات والرذيلة، وسقطوا في مستنقعات العار والفضيحة، ووقعوا في بؤر الإسفاف، ومراتع الاستخفاف، وما تلكم التجمعات الفاشلة حول المحلات التجارية، وعند أركان البيوت، والهروب من المدارس، والتواجد في الأزقة وأماكن قضاء الحاجة، والتعرض للمسلمين وأذيتهم، إلا دليل على أن هناك خللاً يجب سده، وخرقاً يجب رقعه، فلابد من رأب الصدع، وترميم جدار التربية، ألا فاتقوا الله أيها الآباء، فأنتم عند ربكم موقفون، وعن ذريتكم مسؤولون، قال - تعالى -: \" وقفوهم إنهم مسؤولون \"، وقال - تعالى -: \" ثم لتسألن يومئذ عن النعيم \".
أيها الناس: لقد تفاقم الوضع، وتعاظم الأمر، وتطاير الشرر، عندما تخلى الآباء عن مسؤولية التربية الصحيحة، وأهملوا الإلمام بأسس العناية السليمة، فليست التربية عنف كلها، ولا رخو جلها، بل: شدة في غير عنف، ولين في غير ضعف، هكذا هي التربية، أما أن يعتقد أب، أو تظن أم، أن التربية تكبيل بالسلاسل، وضرب بالحديد والمناشير، وسجن في غرفة مظلمة مدلهمة، فيخرج لنا جيل تسيل دماؤه، وتنتفخ أوداجه، يخاف من خياله، ويهرب من ظله، ويغضب ويثور لأتفه الأسباب، فيكن العداء لأمته، والبغضاء لوطنه، فليس ذلك بمطلوب ولا مرغوب، ألا فاعلموا أيها الناس أن شريعة الإسلام لم تأت بمثل هذا العنف والجبروت، والهجية والعنجهية، بل الإسلام دين الرحمة والرأفة، لاسيما الرحمة ببني الإنسان، أخرج أبو داود من حديث عُروَةَ بنِ الزٌّبَيرِ، أَنَّ هِشَامَ بنَ حَكِيمِ بنِ حِزَامٍ,، وَجَدَ رَجُلًا وَهُوَ عَلَى حِمصَ، يُشَمِّسُ نَاسًا مِنَ القِبطِ فِي أَدَاءِ الجِزيَةِ ـ يحبسهم في الشمس ـ فَقَالَ مَا هَذَا؟ سَمِعتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: \" إِنَّ اللَّهَ يُعَذِّبُ الَّذِينَ يُعَذِّبُونَ النَّاسَ فِي الدٌّنيَا \"، وقال رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: \" إِنَّمَا يَرحَمُ اللَّهُ مِن عِبَادِهِ الرٌّحَمَاءَ \" [متفق عليه]، فاتقوا الله أيها الآباء في فلذات الأكباد، ولا يقودنكم الغضب لظلم أبنائكم والإساءة إليهم، ثم تطلبون صلاحهم وطاعتهم، فذلكم النقيض وضده، ولا يلتقي النقيضان، وربما كان هناك آباء فقدوا زمام التربية، فانحل أبناؤهم، وضاع أولادهم، فلم ينصاعوا لأوامرهم، وهذا أمر مشاهد وملموس، فهؤلاء الشباب الذين تجاوزوا العشرين من أعمارهم أو أقل، تراهم في الطرقات، وفي السيارات، ضياع وتيه، تعرفهم بسيماهم، قبلتهم الملاعب، وتجارتهم المثالب، شرهم أكثر من خيرهم، آذوا الجار، وامتحنوا القريب وبعيد الدار، إذا سألت عن أخبارهم، تنبؤك عنها طواقيهم وقبعاتهم، غطرسة وعربدة، أينعت رؤوسهم وحان قطافها، فأين عنا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، لقد فقدت الأمة درته، وسُلبت هيبته، فمن ضعف أمام أبنائه، فلا يتركهم هملاً وسبهللاً، بل يخبر عنهم الجهات المختصة حتى يكفون شرهم عن الناس، والدولة الرشيدة رعاها الله، اهتمت بالآباء منذ نعومة أظفارهم، فلن تعجز في هذا المضمار من ردع سفلة الشباب الضائع، وسفهاء الطبائع، قال ابن القيم - رحمه الله -: \" من أهمل تعليم ولده ما ينفعه وتركه سدى، فقد أساء إليه غاية الإساءة، وأكثر الأولاد إنما جاء فسادهم من قبل الآباء وإهمالهم لهم، وترك تعليمهم فرائض الدين وسننه، فأضاعوهم صغاراً فلم ينتفعوا بأنفسهم، ولم ينفعوا آباءهم \"، قال القائل:
عَوِّد بنيك على الآداب في الصِّغَر *** كيما تَقَرَّ بهـم عينـاك في الكِبـَرِ
فإنمـا مَثَـل الآداب تـجمعها *** في عنفوان الصبا كالنقش في الحَجَر
معاشر المسلمين: إن الغيور ليتساءل: كيف لأب أنيطت به أمانة عظيمة ينام قرير العين، يكتحل بالنوم ملء جفنيه، وأبناؤه خارج منزله، بل ربما بناته وزوجاته؟ فقولوا لي بربكم أي أب هذا؟ وأي تربية تلك؟ ألا ترون أن ذلك الأب يحتاج إلى أدب وتربية، بلى، ولذا قال الله - تعالى -: \" ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه فأعرض عنها ونسي ما قدمت يداه إنا جعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقراً وإن تدعهم إلى الهدى فلن يهتدوا إذاً أبداً \"، نعوذ بالله من الضلال بعد الهدى، ومن الظلام بعد النور، فلا بد من رعاية الشباب والناشئة حتى يكونوا نواة صالحة لدينهم ومجتمعهم، ولبنة بناء لعقيدتهم وأمتهم، فاتقوا الله معشر العباد، واحفظوا وصية الله لكم في الأولاد، وتذكروا موقفكم يوم المعاد: \" يَومَ لاَ يُغنِى مَولًى عَن مَّولًى شَيئاً وَلاَ هُم يُنصَرُونَ \"، فأنتم مسؤولون عن انحراف الشباب، ومحاسبون عن تربيتهم أمام رب الأرباب، اللهم انفعنا بالقرآن العظيم، وبهدي النبي الكريم، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم من كل ذنب ومعصية، ومن كل إثم وخطيئة، فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله الذي خلق البشر، وأمر بطاعته كما أخبر، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له يعلم العلن والمخبر، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أرسله ربه إلى الأسود والأحمر، صلى الله وسلم عليه ما بزغ نجم وظهر، وعلى آله وأصحابه الميامين الغرر، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم المستقر... أما بعد:
فيا أيها الشباب: اتقوا الله وراقبوه، واخشوه وتوبوا إليه، فأنتم محاسبون على أعمالكم، مؤاخذون بأقوالكم، أفحسبتم أنما خلقناكم عبثاً وأنكم إلينا لا ترجعون، واحفظوا وصية نبيكم - صلى الله عليه وسلم - لكم، فعَن أَبِي سَعِيدٍ, الخُدرِيِّ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: \" إِيَّاكُم وَالجُلُوسَ فِي الطٌّرُقَاتِ \" قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ: مَا لَنَا بُدُّ مِن مَجَالِسِنَا نَتَحَدَّثُ فِيهَا، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: \" فَإِذَا أَبَيتُم إِلَّا المَجلِسَ، فَأَعطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهُ \" قَالُوا: وَمَا حَقٌّهُ؟ قَالَ: \" غَضٌّ البَصَرِ، وَكَفٌّ الأَذَى، وَرَدٌّ السَّلَامِ، وَالأَمرُ بِالمَعرُوفِ، وَالنَّهيُ عَنِ المُنكَرِ \" [متفق عليه واللفظ لمسلم]، وعَن عَبدُ اللَّهِ بن مسعود - رضي الله عنه - قال: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، شَبَابًا لَا نَجِدُ شَيئًا، فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: \" يَا مَعشَرَ الشَّبَابِ! مَنِ استَطَاعَ البَاءَةَ فَليَتَزَوَّج، فَإِنَّهُ أَغَضٌّ لِلبَصَرِ، وَأَحصَنُ لِلفَرجِ، وَمَن لَم يَستَطِع فَعَلَيهِ بِالصَّومِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ \" [متفق عليه]، ألا فاعلموا أيها الشباب أن التفحيط والتنطيط، وإيذاء الناس والمارة، والتجمعات الشبابية، والتحزبات الهمجية، والحركات اللا منهجية، لو كانت كل تلك المهازل والمفاسد رفعة في الدرجات، وزيادة في الحسنات، والله لما سبقتم إليها العلماء والعقلاء والفضلاء والنبلاء، ولكنها انحطاط في الخلاق، ونقيصة في الأدب، وعيب في التربية، ومثلبة في الرجولة، فمن هو العاقل الذي يرضى لنفسه بالسفول وضياع الأخلاق، وأن ينظر الناس إليه بعين الازدراء والاستهزاء، بل ربما أدت تلك الأخلاق السيئة، والانحرافات المشينة، أقول ربما أدت إلى قطع الصلات مع الله، ومع عباد الله، فالله الله أيها الشباب بطاعة ربكم ووالديكم، والاهتمام بعلمائكم وقادتكم، والعناية بمقدرات وطنكم، وتوفير السلامة للمسلمين، فالمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والتزموا هدي الكتاب العزيز، والسنة المطهرة، وعضوا عليهما بالنواجذ، ففيهما الخير والهدى، والعفاف والغنى، والنور والهدى، وإياكم ومحدثات الأمور وبدعها، فكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وصلوا وسلموا على النبي المختار، سيد الأبرار، صادق الأخبار، فقد أمركم الله بذلك ليل نهار، فقال الواحد القهار: \" إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً \"، اللهم صل على عبدك ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، ودمر أعداء الدين، اللهم من أرادنا وأراد المسلمين بشر وسوء فاجعل كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميراً عليه، اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى ومن العمل ما تحب وترضى، اللهم إنا نسألك من الخير كله، عاجله وآجله، ونعوذ بك من الشر كله عاجله وآجله، اللهم تول أمرنا ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، اللهم اهد شباب المسلمين من بنات وبنين، اللهم رد ضالهم إليك رداً جميلاً، اللهم جنبهم رفقاء السوء، وأصحاب الفساد، اللهم جنبهم الفواحش ما ظهر منها وما بطن، اللهم أجلعنا هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين يا رب العالمين، اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل، ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول وعمل، اللهم انصر المجاهدين في سبيلك في كل مكان، اللهم انصرهم في العراق وأفغانستان، وانصرهم في فلسطين وكشمير والشيشان، وانصرهم في نيجيريا والسودان، اللهم عليك بأعداء الملة والدين، اللهم ارفع عنهم يدك وعافيتك، اللهم أهلكهم بالقحط والسنين، يا رب العالمين، اللهم لا تقم لهم راية، واجعلهم لمن خلفهم عبرة وآية، يا قوي يا عزيز، اللهم وفق ولي أمرنا بتوفيقك، وأيده بتأيدك، واجعل عمله في رضاك، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين، وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد