بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله عظيم القدر نافذ الأمر، أعلى من شأن صلاة الفجر وأعظم لها المثوبة والأجر، أحمده - سبحانه - على ما تفضل به علينا من النعمة ووعد عليها بالمزيد مع الشكر، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله وتمسكوا بما أنزل إليكم ربكم وابذلوا جهدكم على أن تطبقوه في حياتكم واستمعوا لربكم إذ يقول: {وَكَأَيِّن مِّن قَريَةٍ, عَتَت عَن أَمرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا وَعَذَّبنَاهَا عَذَابًا نٌّكرًا(8)فَذَاقَت وَبَالَ أَمرِهَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمرِهَا خُسرًا(9)أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم عَذَابًا شَدِيدًا فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الأَلبَابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَد أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيكُم ذِكرًا}(الطلاق: 10).
أيها الأحبة في الله عرفنا في الخطبة الماضية ما يفعله المؤمن من لحظة الاستيقاظ وحتى الوضوء وصلاة الركعتين، والسؤال أحبتي من منَّا طبق ما سمع؟. الركعتان بعد الوضوء إن كانت بعد الأذان فهي سنة الفجرºوالسنة فيها صلاتها في المنزل قبل الخروج للمسجد لحديث عائشة - رضي الله عنها - قالت: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي رَكعَتَي الفَجرِ إِذَا سَمِعَ الأَذَانَ وَيُخَفِّفُهُمَا)(مسلم، صلاة المسافرين وقصرها، ح(1187))º تلك الركعتان كان نبيك وحبيبك أخي المسلم يتعاهدهما ويقول فيهما كما في الصحيح: ((رَكعَتَا الفَجرِ خَيرٌ مِن الدٌّنيَا وَمَا فِيهَا))(مسلم، صلاة المسافرين وقصرها، ح(1193))ºوقد حمله أهل العلم على سنة الفجر لأنها هي المشهورة بهذا الاسم، ودل على أهميتها أنه - صلى الله عليه وسلم – ما تركها في سفر ولا حضر، فإن كان استيقاظك على الإقامة في يوم من الأيام لطارئ فاقضها بعد الشروق، فإن خشيت فواتها اقضها بعد الانتهاء من صلاة الفجر ولا يمنع من قضائها أنه وقت نهي عن الصلاة لأنها من ذوات الأسبابºولا يحل لمسلم أن يصلها بعد أن يدخل الإمام في صلاة الفجر لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((إِذَا أُقِيمَت الصَّلَاةُ فَلَا صَلَاةَ إِلَّا المَكتُوبَةُ))(مسلم، صلاة المسافرين وقصرها، ح(1160))، ثم قبل الخروج للصلاة يلزمك أخي المسلم أن توقظ أولادك ممن جاوزوا التاسعة للصلاة فلا يكف أن تخرج أنت وحدك فأنت مسؤول عنهم أخبرك بذلك نبيك وحبيبك - صلى الله عليه وسلم - بقوله: ((..وَكُلٌّكُم رَاعٍ, وَمَسئُولٌ عَن رَعِيَّتِهِ))(البخاري، الجمعة، ح(844)).وستسأل والله عنهم يوم القيامة، والأشد من هذا والأعظم أنهم سيكونون لك خصماء في يوم يجعل الولدان شيباً يقولون ياربنا.. ياربنا خذ لنا بحقنا منه فقد رآنا لا نصلي الفجر فلم يأمرنا بها، وإن من الآباء والأمهات من يتركون أولادهم نياماً لا يوقظونهم لصلاة الفجر من باب الشفقة عليهم، فأقول لهم لو أن ناراً اشتعلت في البيت-لا قدر الله- فهل تترك الأولاد نياماً أم تسارع لإيقاظهم، أي تصرف تقتضيه الشفقة؟. لا شك أنه المسارعة لإيقاظهم، فنار جهنم أشد والله اسمع لربك يصفها لك بقوله: {.. قُل نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدٌّ حَرًّا لَّو كَانُوا يَفقَهُونَ}(التوبة: 81). عجباً لك أيها الأب المشفق لو جاء وقت المدرسة أو الامتحانات لم تشفق عليهم وتدعهم نياماً، فهل موعد المدرسة والامتحانات أهم في نظرك من موعد مع قيوم الأرض والسموات؟. ومن الآباء من لا يوقظ أولاده تجنباً لما يعانيه مع الأولاد من مشقة وتعبº فمنهم من يستجيب ببطء شديد، ومنهم من لا يستجيب، ومنهم من يتحايل، وأحياناً تدخل المرأة معه حين أيقاظها للصلاة في جدال وخصام، فيتجنب ذلك كله، ويتعلل فيقول: لايكلف الله نفساً إلا وسعهاº فنقول لمثل هذا الأخ الحبيب تكاد تكون الصلاة العبادة الوحيدة التي بيَّن الله أن في أمر الأهل والأولاد بها مشقة فأوصاك ربك بوصية فاستمع إليها: {وَأمُر أَهلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصطَبِر عَلَيهَا لَا نَسأَلُكَ رِزقًا نَّحنُ نَرزُقُكَ وَالعَاقِبَةُ لِلتَّقوَى}(طه: 132). ثم دعني أخي الذي تعاني من مشكلات في إيقاظ أبنائك أو زوجك لصلاة الفجر أن أهمس في أذنك فأقول هل أعددت أولادك وأهل بيتك لذلك من قبلº فعلى سبيل المثال هل حدثتهم عن فضل صلاة الفجر وأنها سبب لنور تام لهم يوم القيامة ((بَشِّر المَشَّائِينَ فِي الظٌّلَمِ إِلَى المَسَاجِدِ بِالنٌّورِ التَّامِّ يَومَ القِيَامَةِ)) (الترمذي، الصلاة، ح(207)[قال الترمذي هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ مِن هَذَا الوَجهِ مَرفُوعٌ وهُوَ صَحِيحٌ مُسنَدٌ وَمَوقُوفٌ إِلَى أَصحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَلَم يُسنَد إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -]). هل أخبرتهم بأن صلاة الفجر سبيل لرحمة الله؟. ((المَشَّاءُونَ إِلَى المَسَاجِدِ فِي الظٌّلَمِ أُولَئِكَ الخَوَّاضُونَ فِي رَحمَةِ اللَّهِ(ابن ماجة، المساجد والجماعات، ح (771)). هل أخبرتهم أن صلاة الفجر سبب لشهادة الملائكة لهم عند اللطيف الخبير بأنهم كانوا من المصلين؟. عَن أَبِي هُرَيرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: ((يَتَعَاقَبُونَ فِيكُم مَلَائِكَةٌ بِاللَّيلِ وَمَلَائِكَةٌ بِالنَّهَارِ وَيَجتَمِعُونَ فِي صَلَاةِ الفَجرِ وَصَلَاةِ العَصرِ ثُمَّ يَعرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُم فَيَسأَلُهُم وَهُوَ أَعلَمُ بِهِم كَيفَ تَرَكتُم عِبَادِي فَيَقُولُونَ تَرَكنَاهُم وَهُم يُصَلٌّونَ وَأَتَينَاهُم وَهُم يُصَلٌّونَ))(البخاري مواقيت الصلاة، ح (522)) قل لهم هل تحبون أن يشهد لكم بالنوم فيقال تركناهم وهم نائمون وأتيناهم وهم نائمون؟. هل أخبرتهم بأن من صلى الفجر في جماعة فكأنما قام الليل كله أخبر عن ذلك رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بقُولُه: ((مَن صَلَّى العِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ, فَكَأَنَّمَا قَامَ نِصفَ اللَّيلِ وَمَن صَلَّى الصٌّبحَ فِي جَمَاعَةٍ, فَكَأَنَّمَا صَلَّى اللَّيلَ كُلَّهُ))(مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، (1049)). هل أخبرتهم بأن من صلى الفجر حصل على براءة من النفاق؟. أخبر بذلك الصادق المصدوق - صلى الله عليه وسلم - بقوله: ((لَيسَ صَلَاةٌ أَثقَلَ عَلَى المُنَافِقِينَ مِن الفَجرِ وَالعِشَاءِ وَلَو يَعلَمُونَ مَا فِيهِمَا لَأَتَوهُمَا وَلَو حَبوًا.. ))(البخاري، كتاب الأذان، ح(617)). ثم اسأل نفسك هل ناموا مبكرين؟. وهذه قضية أخرى مع الأسف هناك من ينام أولاده طوال أيام الأسبوع مبكرين بغرض الاستيقاظ للمدارس مبكرين، فإذا جاءت الإجازة الأسبوعية أو الفصلية أو السنوية طال بهم السهر وقد ينامون قبل الفجر بساعة أو نصف الساعة وليته سهر طاعة، كل ذلك السهر بحجة الإجازة، مما يترتب عليه ضياع صلاة الفجر أو حضور الولد لها جسدياً ولكنه نائم أو شبه نائم لا يستيقظ إلا على تسليمة الإمام، فهل يجوز تضييع صلاة الفجر في أيام الإجازة؟. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {أَقِم الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيلِ وَقُرآنَ الفَجرِ إِنَّ قُرآنَ الفَجرِ كَانَ مَشهُودًا}(الإسراء: 78).
الخطبة الثانية:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن نبينا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد: فاتقوا الله عباد الله وحافظوا على الصلوات عامة في جماعة المسجد و خصوا بمزيد من الحرص صلاة الفجر تسعدوا، واعلموا رحمني الله وإياكم أن مما يعين الأولاد والزوجة على الاستيقاظ لصلاة الفجر حثهم على أن يجعلوا آخر عهدهم بالدنيا قبل النوم طاعة كصلاة الوتر وأذكار النوم أو قرءاه شيء من القرآن ومحاسبة النفس وأن يناموا على طهارة، وأن يقرأوا أية الكرسي حين يضجعون على فرشهم، ثم حثهم على التخفف من الطعام والشراب ليلاً وإشعارهم بأهمية صلاة الفجر في حياة المسلم وأنها أساس البركة في اليوم والنجاة يوم القيامة، حثهم على الاهتمام بوضع وسائل للتنبيه من النوم، كضبط ساعة للتنبيه، أو التواصي مع أصدقاء وزملاء لهم ليوقظوهم للصلاة، وبإمكان الآباء أن ينشئوا شبكة من الأولاد والبنات المتواصين على ذلك، إثارة جانب التنافس بين الأبناء في ذلك ورصد جائزة أسبوعية على سبيل المثال لمن لم تفته صلاة الفجر ولو يوماً واحداً خلال الأسبوع، أن يتواصى أهل الحي ويكون هناك تكريم في المسجد مثلاً للولد والبنت الذين يحافظون على صلاة الفجر، ونحو ذلك من المحفزات، واحذِّر الأب من إيقاظ الأبناء بأسلوب الزجر والشدة والسباب والعصى لأن ذلك مما ينفر الأولاد من صلاة الفجر وترتبط في أذهانهم بذلك الأسلوب الخاطئ وإنما لابد من استخدام الأسلوب المحبب والكلمات اللطيفة والصبر على ذلك، ولتعلم أخي الحبيب أن كل من أيقظ مسلماً سواء كان من أهل بيته أو من جيرانه لصلاة الفجر فإن له مثل أجره، كما أحب التنبيه على الآباء بأن تعويدهم أبناءهم على صلاة الفجر من الصغر سوف يدفعهم للمحافظة عليها وتسهل عليهم في الكبر.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد