يوميات مسلم (30) أخلاقيات الموظف مع المراجعين


بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله ذي الجلال والإكرام تعظيماً واجلالاً ومهابة وحباً، أحمده - سبحانه - وأشكره أمر بحسن الخلق وجعله لرضوانه سلماً وقربا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له يرجى ولا ند له يدعى، وأشهد أن نبينا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله أكمل الخلق خلقاً وأعلاهم ذكراً صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن سار على النهج يقتفي أثراً. أما بعد: فاتقوا الله عباد الله فبالتقوى تتنزل عليكم الرحمات وتعم بلادكم الخيرات وعدكم بذلكم ربكم بقوله: {وَلَو أَنَّ أَهلَ القُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوا لَفَتَحنَا عَلَيهِم بَرَكَاتٍ, مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرضِ وَلَكِن كَذَّبُوا فَأَخَذنَاهُم بِمَا كَانُوا يَكسِبُونَ} (الأعراف: 96).

 

أيها الأحبة في الله عشنا معكم في سلسلة يوميات مسلم حال المسلم منذ الاستيقاظ من النوم وحتى ذهابه للعمل وتقيده بساعات الدوام عبر تسعة وعشرين خطبة، واليوم في الخطبة الثلاثين من هذه السلسلة نتحدث عن أخلاق الموظف المسلم مع المراجعينºفأقول أخي الموظف الحبيب إن الله قد اختارك ووضعك في هذا المكان بفضله وإحسانه فهل لك أن تذكر يوم أن تجلس على كرسي عملك كم من الشباب يتمنون عملاً أي عمل ولكنهم لا يجدونºنهشتهم البطالة بفراغها ووساوسها يبحثون عن القليل من المال ليسدوا به حاجاتهم الأساسية فلا يجدون، وأنت نعم أنت بفضل الله تجد وظيفة ودخلاً ومالاً فهل شكرت نعمة الله؟.

 

أخي الموظف الحبيب هل علمت أن الله قد فتح لك باباً للصدقة لا يكلفك قرشاً واحداً أتعلم ما هو؟. تعال واستمع له من نبيك وحبيبك سيدي أبا القاسم صلوات ربي وسلامه عليهº أخرج الترمذي بسنده عَن أَبِي ذَرٍّ, - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -:((تَبَسٌّمُكَ فِي وَجهِ أَخِيكَ لَكَ صَدَقَةٌ وَأَمرُكَ بِالمَعرُوفِ وَنَهيُكَ عَن المُنكَرِ صَدَقَةٌ..)(الترمذي، البر والصلة، ح(1879)(قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ).وفي صحيح مسلم عَن أَبِي ذَرٍّ, - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ لِيَ النَّبِيٌّ - صلى الله عليه وسلم -: ((لَا تَحقِرَنَّ مِن المَعرُوفِ شَيئًا وَلَو أَن تَلقَى أَخَاكَ بِوَجهٍ, طَلقٍ,))(مسلم، البر والصلة..، ح(4760)).

 

فالله أكبر ما أعظمه من كنز غفل عنه أصحاب الوجوه العابسة المقطبة. فعلى فرض أنه في كل يوم تلتقي أخي الموظف الحبيب بعشرة مراجعين ابتسمت في وجه كل واحد منهم كسبت عشر حسنات، ولو كان معك عشر زملاء في العمل ابتسمت في وجه كل واحد منهم ابتسامة واحدة كسبت عشر حسنات أخرى، ولاحظ أخي أن كل ابتسامة بصدقة وكلما تكررت زاد رصيدك من الحسنات، وكلما زاد رصيدك من الحسنات ترقيت في سلم الرضوان الإلهي وما يدريك قد تصل لرتبة المحبة بمثل تلك الحسنات فتدخل فيمن قال الله فيهم في الحديث القدسي الذي أخرجه الإمام البخاري في صحيحه عَن أَبِي هُرَيرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: ((إِنَّ اللَّهَ قَالَ مَن عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَد آذَنتُهُ بِالحَربِ وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبدِي بِشَيءٍ, أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افتَرَضتُ عَلَيهِ وَمَا يَزَالُ عَبدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ فَإِذَا أَحبَبتُهُ كُنتُ سَمعَهُ الَّذِي يَسمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبصِرُ بِهِ وَيَدَهُ الَّتِي يَبطِشُ بِهَا وَرِجلَهُ الَّتِي يَمشِي بِهَا وَإِن سَأَلَنِي لَأُعطِيَنَّهُ وَلَئِن استَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ وَمَا تَرَدَّدتُ عَن شَيءٍ, أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدٌّدِي عَن نَفسِ المُؤمِنِ يَكرَهُ المَوتَ وَأَنَا أَكرَهُ مَسَاءَتَهُ))(البخاري، الرقاق، (6021)).

 

وإن لم تصل لتلك الرتبة فلا أقل أن تجد تلك البسمات في ميزان حسناتك يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم فيثقل ميزانك فتكون من أصحاب الجنان واستمع لربك يعدك بقوله {إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجرَ مَن أَحسَنَ عَمَلًا أُولَئِكَ لَهُم جَنَّاتُ عَدنٍ, تَجرِي مِن تَحتِهِمُ الأَنهَارُ يُحَلَّونَ فِيهَا مِن أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ, وَيَلبَسُونَ ثِيَابًا خُضرًا مِن سُندُسٍ, وَإِستَبرَقٍ, مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الأَرَائِكِ نِعمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَت مُرتَفَقً} (الكهف: 30-31)، وهناك كنز آخر تستطيع أن تتصدق به على نفسك الكلمة الطيبة مع المراجعين فقد قالها حبيبك وحبيبي وقرة عيني صلوات ربي وسلامه عليه فيما أخرجه الإمام البخاري عَن أَبِي هُرَيرَةَ - رضي الله عنه - عَن النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: ((.. وَالكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ وَكُلٌّ خَطوَةٍ, يَمشِيهَا إِلَى الصَّلَاةِ صَدَقَةٌ وَدَلٌّ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ))(البخاري، الجهاد والسير، ح(2677)).

 الله أكبر الكلمة الواحدة فانظر أخي كم كلمة تتكلم بها خلال ساعات عملك فلما لا تجعلها كلها طيبة لتكسب بها صدقات؟.

أخي الحبيب هل لي أن أقترح عليك أن تجعل إلى جوارك ورقة وقلماً لتسجل عليها مدى تحسنك في استخدام الكلمة الطيبة مع المراجعين؟. ثم دلالتك على الطريق صدقة وهذا مجال جديد لكسب الحسنات فأنت قد تدل مراجعاً لا يعرف الإجراءات المطلوبة فتنال بها صدقة، أو تدل مراجعاً لا يعرف المكتب المختص بإنهاء معاملته فتكسب به صدقة. معاشر المؤمنين ليس ذلك قصراً على الموظفين فقط فإن المعلمين والمعلمات يدخلون في ذلك فإذا تبسم المعلم أو المعلمة في وجه ثلاثين تلميذاً في الصف كسب بالابتسامة الواحدة ثلاثين حسنة وإذا كان ذلك في وقت الانصراف أو الفسحة وقد تجمع جميع التلاميذ في مكان واحد كسب بعددهم وهكذا مع الكلمة الطيبة وهكذا مع تعليم الطالب الذي أتى ليسأل عن أمور لم يدركها في الفصل، بل والله إني لا أعرف بعض الزملاء يفرح بالطالب الذي يسأله خارج الصف فيقول ذاك نأخذ عليه الأجرة أي التدريس في الصف- وهذا هو مجال كسب الأجر، وهكذا أحبتي في الله يستطيع كل مسلم أي كان مجال عمله السائق في سيارته والحرفي في حرفته والتاجر في متجره والطالب في مدرسته والزوجة في بيتها ومع زوجها وأولادها يستطيعون الاغتراف من هذا الكنز العظيم من خلال الابتسامة والكلمة الطيبة والدلالة على الخير.

فهيا أحبتي لنقول لذاك الذي يظن أن الابتسامة والكلمة الطيبة تنقص من هيبته ومكانته فاستبدلها بالعبوس والكلمة الجافة وأحياناً غير الطيبة كم فاتك من الأجر ومن الإقتداء بخير البشر نبيك - صلى الله عليه وسلم -. أخرج الإمام الترمذي في سننه عَن جَابِرٍ, - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: ((إِنَّ مِن أَحَبِّكُم إِلَيَّ وَأَقرَبِكُم مِنِّي مَجلِسًا يَومَ القِيَامَةِ أَحَاسِنَكُم أَخلَاقًا وَإِنَّ أَبغَضَكُم إِلَيَّ وَأَبعَدَكُم مِنِّي مَجلِسًا يَومَ القِيَامَةِ الثَّرثَارُونَ وَالمُتَشَدِّقُونَ وَالمُتَفَيهِقُونَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَد عَلِمنَا الثَّرثَارُونَ وَالمُتَشَدِّقُونَ فَمَا المُتَفَيهِقُونَ قَالَ المُتَكَبِّرُونَ))(الترمذي، البر والصلة، (1941)[قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ]).

 

الخطبة الثانية

الحمد لله وسع كل شيء علماً، أحمده - سبحانه - وأشكره أنعم علينا بنعمه كرماً منه وفضلاً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن نبينا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله أكمل البرية خُلقاً وأعظمها برا. صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: فاتقوا الله عباد الله واجعلوا من الابتسامة والكلمة الطيبة وحسن الخلق ديدناً لكم تفوزوا في الدنيا والآخرة، فكم نسمع وتسمعون من ثناء عاطر ودعاء بظهر الغيب لموظفين وموظفات و مدرسين ومدرسات يسعدوا به وهم لا يشعرون ووالله ما وسعوا الناس بأموالهم ولكنهم وسعوهم بأخلاقهم بابتساماتهم بكلماتهم الطيبات، وكم مر على كل واحد منا أنه خرج من عند موظف مسروراً مشروح الصدر على الرغم من أنه لم يقض حاجته ولكن لأنه استقبله بطيب الكلام و حسن الخلق، وكم من موظفين عياذاً بالله لا يتمنى المراجعون الدخول عليهم وإذا قيل له معاملتك عند فلان قال إن الله وإن إليه راجعون واحتسب مصيبته عند الله، وكم من طلاب وطالبات يفرحون بدرس الأستاذ المبتسم صاحب الكلمة الطيبة، ويكرهون درس الأستاذ العبوس صاحب الألفاظ السيئة وهكذا. ولكن أحبتي لا تعني الابتسامة والكلمة الطيبة الوصول لضعف الشخصية الذي يجعل ضعفاء النفوس يتجرأون فلكل مقام مقال. والكلام في هذا المجال يطول ولكن حسبي ماذكرت والعاقل على نفسه بصير.

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply