بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله بيده الحكم والأمر، يحي الأرض بعد موتها بالقطر، أحمده - سبحانه - وأشكره على نعمه التترى وآلائه العظمى التي فاقت العد والحصر، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له أقسم في كتابه بالفجر، وأشهد أن نبينا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أولي العزيمة في الأمر وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: فاتقوا الله عباد الله قال الله في محكم التنزيل: [...وَمَا تَفعَلُوا مِن خَيرٍ, يَعلَمهُ اللّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيرَ الزَّادِ التَّقوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الأَلبَابِ] [البقرة: 197].
معاشر المؤمنين كان الحديث في الحلقات الماضية من سلسلة يوميات مسلم عن الاستيقاظ لصلاة الفجر واليوم وفي الخطبة الرابعة من هذه السلسلة سيكون الحديث عن الخروج للصلاة فأقول: أخي الأب الحبيب احرص على أن تخرج أنت وأبناؤك معاً للصلاة حتى ولو ترتب على ذلك شيء من التأخر في أول الأمر، لأن عدو المؤمنين قد يستغل خروجك وحدك ويأتي للولد ويقول له إن أباك قد خرج للصلاة وهو لا يعلم هل صليت في المسجد أم لا فعد للنوم مرة أخرى، أو على الأقل يزين له الصلاة في المنزل ثم النوم، ففي بقائك معه واصطحابه للخروج عوناً له على الشيطان، وحتى يعتاد الخروج بنفسه بعد ذلك، ولعل مما يعين على تسهيل خروج الأولاد مبكرين لصلاة الفجر بعد غرس أهمية هذا الأمر فيهم أن تشعل المنافسة بينهم وأن لم يكن إلا واحداً فلا بأس أن تشعل المنافسة بينك وبينهºكأن تترك له المجال يوماً ليسبقك للخروج ثم تقول له لقد كسبت اليوم أجراً أكثر مني بأن بكرت للصلاة وأدركت تحية المسجد وقرأت شيئاً من القرآن بينما فاتني ذلك، ولا بأس من وضع بعض الجوائز للمبكرين من الأبناء والبنات ولدورهم في إيقاظ الأسرة لصلاة الفجرºأيها الأحبة في الله ها نحن نرى في الواقع سباقاً محموماً بين الناس على أمور الدنيا فهل لنا أن ننشأ سباقاً محموماً على أمور الآخرة في بيوتنا؟.
أيها الأب الحبيب اجعل من خروج ابنك معك لصلاة الفجر خروجاً غير عادي، اجعل له طعماً خاصاً عند الابن ليحرص عليهº فعلى سبيل المثال اجعل من عادتك أن تطيبه بشيء من الطيب وتضعه بجوار أنفه بعد الخروج من المنزل فهذا يربط في ذهنه الخروج بتلك الرائحة الطيبة، بالإضافة إلى تأثير ذلك الطيب في تنشيط خلايا المخ، أو اجعل يدك في يده منذ الخروج من البيت وحتى المسجد بلمسة حانية لا يجدها إلا في الخروج لصلاة الفجر، ونحو ذلك. وقد يقول قائل إن أولادي عددهم كثير فكيف اهتم بواحد واترك الباقين نقول تبدأ بالأكبر حتى يتعود ثم تنتقل للأصغر والأصغر وهكذا... أيها الأب الحبيب ثق أنك إن نجحت في تعويد أبنائك على صلاة الفجر وأدائها في جماعة فإن الصلوات الأخرى سيسهل تعويدهم عليها كثيراً، ثم عند خروجك أخي الحبيب سن لك حال فتحك الباب أن تقول دعاء الخروج من المنزل أخرج الإمام أحمد في مسنده عن عثمان بن عفان ? قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((مَا مِن مُسلِمٍ, يَخرُجُ مِن بَيتِهِ يُرِيدُ سَفَرًا أَو غَيرَهُ فَقَالَ حِينَ يَخرُجُ بِسمِ اللَّهِ آمَنتُ بِاللَّهِ اعتَصَمتُ بِاللَّهِ تَوَكَّلتُ عَلَى اللَّهِ لَا حَولَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ إِلَّا رُزِقَ خَيرَ ذَلِكَ المَخرَجِ وَصُرِفَ عَنهُ شَرٌّ ذَلِكَ المَخرَجِ))(أحمد، مسند العشرة المبشرين بالجنة، ح(441)). وعند ابن ماجة من حديث أَبِي هُرَيرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: ((إِذَا خَرَجَ الرَّجُلُ مِن بَابِ بَيتِهِ أَو مِن بَابِ دَارِهِ كَانَ مَعَهُ مَلَكَانِ مُوَكَّلَانِ بِهِ فَإِذَا قَالَ بِسمِ اللَّهِ قَالَا هُدِيتَ وَإِذَا قَالَ لَا حَولَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ قَالَا وُقِيتَ وَإِذَا قَالَ تَوَكَّلتُ عَلَى اللَّهِ قَالَا كُفِيتَ قَالَ فَيَلقَاهُ قَرِينَاهُ فَيَقُولَانِ مَاذَا تُرِيدَانِ مِن رَجُلٍ, قَد هُدِيَ وَكُفِيَ وَوُقِيَ))(ابن ماجة، الدعاء، ح(3876)). الله أكبر ماذا تريد أكثر من ذلك؟. هديت وكفيت ووقيت بكلمات بسيطات فأين من ينفقون المال الكثير في التأمين وغيره للحصول على الكفاية أين هم من مثل هذه الكنوز؟. ثم وأنت تسير للصلاة تتذكر توجيه نبيك وحبيبك لك بقوله: ((إِذَا أُقِيمَت الصَّلَاةُ فَلَا تَأتُوهَا تَسعَونَ وَأتُوهَا تَمشُونَ عَلَيكُم السَّكِينَةُ فَمَا أَدرَكتُم فَصَلٌّوا وَمَا فَاتَكُم فَأَتِمٌّوا))(البخاري، الجمعة، ح(857)). فتمشي وعليك السكينة، وبينما ترفع قدماً وتضع قدماً تذكرت قول الحبيب المصطفى - صلى الله عليه وسلم -: ((مَن تَطَهَّرَ فِي بَيتِهِ ثُمَّ مَشَى إِلَى بَيتٍ, مِن بُيُوتِ اللَّهِ لِيَقضِيَ فَرِيضَةً مِن فَرَائِضِ اللَّهِ كَانَت خَطوَتَاهُ إِحدَاهُمَا تَحُطٌّ خَطِيئَةً وَالأُخرَى تَرفَعُ دَرَجَةً))(مسلم، المساجد ومواضع الصلاة، ح(1070)). فكأني بك تقارب بين الخطى مستشعراً خطاياك وهي تتساقط أمام عينيك كأنها ورق شجر جاف فارق غصنه في فصل الخريف، كأني بك وأنت تخطو نحو المسجد تسمو روحك وتعيش كأنك بكل خطوة من تلك الخطوات ترتقي سلم درجات الجنان فتنتقل من جنة لجنة أفضل وأعلا وأجمل وكلمات الحبيب - صلى الله عليه وسلم - تتردد في أذنك وهو يقول: ((أَلَا أَدُلٌّكُم عَلَى مَا يُكَفِّرُ اللَّهُ بِهِ الخَطَايَا وَيَزِيدُ بِهِ فِي الحَسَنَاتِ قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ إِسبَاغُ الوُضُوءِ عَلَى المَكَارِهِ وَكَثرَةُ الخُطَى إِلَى المَسَاجِدِ وَانتِظَارُ الصَّلَاةِ بَعدَ الصَّلَاةِ))(ابن ماجة، الطهارة وسننها، ح(421)). كأني بك وقتها وقد تمنيت من فرط شوقك أن يكون المسجد بعيداً لتستكثر من ذلك الخير. وبينما أنت تسير شعرت بوحشة مصدرها تلك الظلمة التي يحملها الليل في أحشائه شعرت بها على الرغم من الإضاءة الصناعية الموجودة في الشارع عندها سرت رهبة في جسدك وارتجف فؤادك وخاطبت نفسك فقلت يانفس كيف يكون حالي مع ظلمة يوم المحشر الرهيب وهذا حالي من ظلمة الدنيا؟. لكن صُبَّ على قلبك برد الاطمئنان يوم أن تذكرت تلك البشرى التي جاءت في الحديث الموقوف: ((بَشِّر المَشَّائِينَ فِي الظٌّلَمِ إِلَى المَسَاجِدِ بِالنٌّورِ التَّامِّ يَومَ القِيَامَةِ))(الترمذي، الصلاة، ح(207) قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ مِن هَذَا الوَجهِ مَرفُوعٌ هُوَ صَحِيحٌ مُسنَدٌ وَمَوقُوفٌ إِلَى أَصحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَلَم يُسنَد إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -). فتصورت نفسك وقول الله جل جلاله: [يَومَ تَرَى المُؤمِنِينَ وَالمُؤمِنَاتِ يَسعَى نُورُهُم بَينَ أَيدِيهِم وَبِأَيمَانِهِم بُشرَاكُمُ اليَومَ جَنَّاتٌ تَجرِي مِن تَحتِهَا الأَنهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الفَوزُ العَظِيمُ [الحديد: 12]]. ينطبق عليك، فقلت في نفسك الله أكبر كل هذا بتلك الخطوات لصلاة الفجر فخفق قلبك بقوة وعنف حباً لهذه الصلاة التي تعود عليك بتلك الثمار العظيمة، ولمت نفسك فقلت يانفس كم فرطت.. وفرطت من قبل في هذه الصلاة العظيمة يا نفس لا مجال بعد اليوم للتفريط فيها، وعاهدت ربك بينك وبين نفسك على أن لا يحول بينك وبينها شيء إلا أن تغلب عليها. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: [إِنَّ المُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللّهَ وَهُوَ خَادِعُهُم وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاَةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذكُرُونَ اللّهَ إِلاَّ قَلِيلاً [142] مٌّذَبذَبِينَ بَينَ ذَلِكَ لاَ إِلَى هَـؤُلاء وَلاَ إِلَى هَـؤُلاء وَمَن يُضلِلِ اللّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً [النساء: 143]].
الخطبة الثانية
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن نبينا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم. أما بعد: فاتقوا الله عباد الله واعلموا رحمني الله وإياكم أن التهاون في صلاة الفجر من أبرز علامات النفاق في القلب أخبركم بذلكم نبيكم وحبيبكم بقوله: ((لَيسَ صَلَاةٌ أَثقَلَ عَلَى المُنَافِقِينَ مِن الفَجرِ وَالعِشَاءِ وَلَو يَعلَمُونَ مَا فِيهِمَا لَأَتَوهُمَا وَلَو حَبوًا لَقَد هَمَمتُ أَن آمُرَ المُؤَذِّنَ فَيُقِيمَ ثُمَّ آمُرَ رَجُلًا يَؤُمٌّ النَّاسَ ثُمَّ آخُذَ شُعَلًا مِن نَارٍ, فَأُحَرِّقَ عَلَى مَن لَا يَخرُجُ إِلَى الصَّلَاةِ بَعدُ))(البخاري، الآذان، 617). فيا من نور الله قلبه بالإيمان وأبعده عن النفاق حاسب نفسك إن فاتتك يوماً صلاة الفجر أو شعرت بثقل نحوها فقل يا نفس هذه أول علامات النفاق وإني لا أرضى أن أكون من المنافقين يا نفس إن الله قال في كتابه \" [وَنَفسٍ, وَمَا سَوَّاهَا[7]فَأَلهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقوَاهَا[8]قَد أَفلَحَ مَن زَكَّاهَا[9]وَقَد خَابَ مَن دَسَّاهَا [الشمس: 10]]. وإني مستعين بالله على تزكيتك، يجب عليك أخي الحبيب في حال شعورك بشيء من ذلك أن تقلق وأن تفزع إلى ربك وأن تردد الدعاء القرآني: [رَبَّنَا لاَ تُزِغ قُلُوبَنَا بَعدَ إِذ هَدَيتَنَا وَهَب لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحمَةً إِنَّكَ أَنتَ الوَهَّابُ [آل عمران: 8]].
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد