يوميات مسلم (1)


 

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي خلق فسوى والذي قدر فهدى والذي أخرج المرعى فجعله غثاء أحوى، أحمده - سبحانه - وأشكره على ما منَّ به علينا وأعطى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن نبينا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم. أما بعد:

فإني أوصيكم معاشر المؤمنين ونفسي بوصية الله للأولين والآخرين إذ قال - سبحانه -: {..وَلَقَد وصَّينَا الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ مِن قَبلِكُم وَإِيَّاكُم أَنِ اتَّقُوا اللّهَ وَإِن تَكفُرُوا فَإِنَّ لِلّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرضِ وَكَانَ اللّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا}(النساء: 131).

أيها الأحبة في الله ما منا من أحد إلا وهو يتمنى ويحرص على أن يعيش حياته وفق ما يرضي ربهºمن هنا ستكون بإذن الله سلسلة من الخطب تجتهد في بيان نموذج عملي لحياة المسلم من لحظة استيقاظه وحتى نومه مرة أخرى.ونبدأ من لحظة الاستيقاظ تلك اللحظة التي تتكرر مع كل واحد منا يومياً وقد تتكرر في اليوم أكثر من مرة تنبه لها من تنبه فتفكر بها واعتبر وغفل عنها من غفل فأعرض وأدبرº فهل تنبهت أخي في كل مرة تستيقظ فيها من نومك إلى ما في ذلك الاستيقاظ من عبر، أنت قبل الاستيقاظ كنت جثة ملقاة على السرير قد تغط في نوم عميق لا تشعر بما يدور حولك لا فرق بينك وبين الميت إلا أن أنفاسك تتردد في صدرك، فإذا استيقظت عدت للحياة مرة أخرى وكم ممن تعرف وممن لا تعرف مات وهو نائم، جاء أهله ليوقظوه فما استيقظ إلا في القبر{اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنفُسَ حِينَ مَوتِهَا وَالَّتِي لَم تَمُت فِي مَنَامِهَا فَيُمسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيهَا المَوتَ وَيُرسِلُ الأُخرَى إِلَى أَجَلٍ, مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ, لِّقَومٍ, يَتَفَكَّرُونَ}(الزمر: 42).

فإذا استيقظت على صوت منبه أو غيره فمعنى هذا أنك استيقظت ليوم جديد وأنت تسمع، وكم غيرك استيقظ وهو لا يسمع، وإذا حركت يداك لتفرك عينيك فهذا يعني أن يداك تتحرك وكم من نائم استيقظ وقد فقدت يداه القدرة على الحركة، وإذا فتحت عينيك فهذا يعني أنك تبصر وكم من الناس استيقظ وهو لا يبصر، وإذا نهضت من سريرك فهذا يعني أنك تستطيع الحركة وكم من الناس استيقظ وهو لا يستطيع الحركة، فمن ذا أمدك بهذه النعم إنه الله.. إنه الله.. إنه اللهºفلا أقل من أن تفتتح يومك بحمده فتقول: ((الحَمدُ لِلَّهِ الَّذِي أَحيَانَا بَعدَ مَا أَمَاتَنَا وَإِلَيهِ النٌّشُورُ)) (البخاري، الدعوات، ح(5837)). فهل لك أن تقول تلك الكلمات وأنت تعيشها متذكراً نعم الله عليك، متصوراً باستيقاظك من النوم قيام الناس لرب العالمين: {وَنُفِخَ فِي الصٌّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الأَرضِ إِلَّا مَن شَاء اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخرَى فَإِذَا هُم قِيَامٌ يَنظُرُونَ(68)وَأَشرَقَتِ الأَرضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشٌّهَدَاء وَقُضِيَ بَينَهُم بِالحَقِّ وَهُم لَا يُظلَمُونَ(69)}(الزمر). مادمت قد حييت ليوم جديد بسمع وبصر ونعم فلا أقل من أن تحدث نفسك وتشارطها في بداية اليوم فتقول: يا نفس هذا ربي قد أنعم عليَّ بهذه النعم وإني مسؤول عما تكسب، يا نفس إن ربي قال في كتابه: {وَلاَ تَقفُ مَا لَيسَ لَكَ بِهِ عِلمٌ إِنَّ السَّمعَ وَالبَصَرَ وَالفُؤَادَ كُلٌّ أُولئِكَ كَانَ عَنهُ مَسؤُولاً}(الإسراء: 36). يا نفس إن استخدمتها في غير طاعة الله بما أجيب على سؤال من لا تخفى عليه خافية؟. يا نفس إني أخاف إن عصيت ربي أن تسحب مني تلك النعم وأنا أودٌّ استمرارها وزيادتها فلا هناء في العيش بدونها، يا نفس أن ربي وعد وربي لا يخلف الميعاد فقال: {وَإِذ تَأَذَّنَ رَبٌّكُم لَئِن شَكَرتُم لأَزِيدَنَّكُم وَلَئِن كَفَرتُم إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ}(إبراهيم: 7).

أخي الحبيب استيقظت من نومك فهل تعلم أن عدوك إبليس قد عقد على قافيتك ثلاث عقد وهاهو نبيك وحبيبك - صلى الله عليه وسلم - يرشدك لطريق الخلاص منها بقوله: ((يَعقِدُ الشَّيطَانُ عَلَى قَافِيَةِ رَأسِ أَحَدِكُم إِذَا هُوَ نَامَ ثَلَاثَ عُقَدٍ, يَضرِبُ كُلَّ عُقدَةٍ, عَلَيكَ لَيلٌ طَوِيلٌ فَارقُد فَإِن استَيقَظَ فَذَكَرَ اللَّهَ انحَلَّت عُقدَةٌ فَإِن تَوَضَّأَ انحَلَّت عُقدَةٌ فَإِن صَلَّى انحَلَّت عُقدَةٌ فَأَصبَحَ نَشِيطًا طَيِّبَ النَّفسِ وَإِلَّا أَصبَحَ خَبِيثَ النَّفسِ كَسلَانَ))(البخاري، الجمعة، ح(1074)). فها هو الخيار بيدك أخي إما أن تصبح نشيطاً طيب النفس وإما أن تصبح خبيث النفس كسلان والناس بين هاذين الصنفين لا ثالث لهما، وكأنك ترى وتلمس ذلك في وجوه زملائك في العمل، وأول خطوة تفعلها بعد الاستيقاظ الذهاب إلى دورة المياه لقضاء الحاجة فلتدخلها بقدمك اليسرى ثم تقول دعاء دخول الخلاء كما علمك إياه نبيك وحبيبك - صلى الله عليه وسلم -: ((اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِن الخُبُثِ وَالخَبَائِثِ))(البخاري، الوضوء، ح(139)). والخبث والخبائث المقصود بهم ذكران الجن وإناثهمºفالحمام أحد مساكنهمºوكم من الناس دفع ثمناً غالياً نتيجة إهماله لهذا الدعاءºجاء رجل تلبسته امرأة من الجان لأحد المعالجين بالقرآن فلما خاطبها وسألها عن سبب إذائها له قالت هو وطيء على أحد أولادي أثناء دخوله الحمام، فقال لها: المعالج لم كنتِ في الطريق ولم تنحِ أولادك عنه، فقالت لو قال الدعاء لتنحينا عن طريقه، ثم بعد خروجك من دورة المياه تقول أيضاً الدعاء المأثور: ((غُفرَانَكَ))(الترمذي، الطهارة، ح(7)[قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ]). وعند ابن ماجة الزيادة بقوله: ((الحَمدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذهَبَ عَنِّي الأَذَى وَعَافَانِي))(ابن ماجة، الطهارة وسننها، ح(297)). نعم تحمد الله أن أخرج منك هذا الأذى ولك أن تتصور كيف لو احتبس هذا الأذى في بطنك أكثر من ثلاثة أيام ماذا سيحصل لك هل يهنأ لك عيش أو تطيب لك حياة، والله لوددت أن تدفع الدنيا بأكملها ليخرج منك هذا الأذى. فها هو الله قد أذهب عنك الأذى فهل شعرت بالنعمة؟. وبعد الانتهاء من الدعاء تبدأ الوضوء بسم الله وتبدأ بغسل يديك ثلاث مرات لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((إِذَا استَيقَظَ أَحَدُكُم مِن نَومِهِ فَلَا يَغمِس يَدَهُ فِي الإِنَاءِ حَتَّى يَغسِلَهَا ثَلَاثًا فَإِنَّهُ لَا يَدرِي أَينَ بَاتَت يَدُهُ))(مسلم، الطهارة، ح(416)). وسن لك في الوضوء أن تستنشق وتستنثر بقوة ثلاث أي تسحب الماء في أنفك بقوة ثم تنثره ثلاثاً لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((إِذَا استَيقَظَ أُرَاهُ أَحَدُكُم مِن مَنَامِهِ فَتَوَضَّأَ فَليَستَنثِر ثَلَاثًا فَإِنَّ الشَّيطَانَ يَبِيتُ عَلَى خَيشُومِهِ))(البخاري، بدء الخلق، ح(3052)). فتخيل أخي وكأنك تنظر إلى الشيطان الحقير وهو يطير من أنفك مع الاستنثارº ناهيك عما في ذلك من فوائد صحية فإن أغلب من يعانون من التهابات الجيوب الأنفية يكون علاجهم في الاستنثار، كما يخبر بذلك أطباء مختصون في هذا المجال، وبعد الانتهاء من الوضوء استمع معي لهذا الحديث: ((مَا مِنكُم مِن أَحَدٍ, يَتَوَضَّأُ فَيُبلِغُ أَو فَيُسبِغُ الوَضُوءَ ثُمَّ يَقُولُ أَشهَدُ أَن لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ إِلَّا فُتِحَت لَهُ أَبوَابُ الجَنَّةِ الثَّمَانِيَةُ يَدخُلُ مِن أَيِّهَا شَاءَ))(مسلم، الطهارة، ح(345)). الله أكبر هل حافظت أخي على هذا الدعاء؟. هل تصورت بعد كل وضوء حال قولك هذا الدعاء أبواب الجنة الثمانية مفتوحة لك تناديك؟. ثم استمع معي أخي الحبيب لهذه البشرى معطرة بعطر النبوة المبارك: ((مَا مِن مُسلِمٍ, يَتَوَضَّأُ فَيُحسِنُ وُضُوءَهُ ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي رَكعَتَينِ مُقبِلٌ عَلَيهِمَا بِقَلبِهِ وَوَجهِهِ إِلَّا وَجَبَت لَهُ الجَنَّةُ))(الحديث السابق). أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبٌّنَا اللَّهُ ثُمَّ استَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيهِمُ المَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحزَنُوا وَأَبشِرُوا بِالجَنَّةِ الَّتِي كُنتُم تُوعَدُونَ}(فصلت: 30).

 

الخطبة الثانية

الحمد لله وكفى يجزي أهل الوفاء بالتمام والوفاء وسلام على عباده الذين اصطفى، وأشهد أن لاإله إلا الله وحده لاشريك له يبتغى ولاند له يرتجى وأشهد أن نبينا وحبيبنا محمداً الحبيب المجتبى والنبي المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الأطهار الحنفاء. أما بعد: فاتقوا الله عباد الله واحرصوا على تطبيق شريعة ربكم بكل تفاصيلها ما استطعتم تسعدوا في دنياكم وأخراكم، عَن أَبِي هُرَيرَةَ - رضي الله عنه - عَنهُ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ لِبِلَالٍ, عِندَ صَلَاةِ الفَجرِ: ((يَا بِلَالُ حَدِّثنِي بِأَرجَى عَمَلٍ, عَمِلتَهُ فِي الإِسلَامِ فَإِنِّي سَمِعتُ دَفَّ نَعلَيكَ بَينَ يَدَيَّ فِي الجَنَّةِ قَالَ مَا عَمِلتُ عَمَلًا أَرجَى عِندِي أَنِّي لَم أَتَطَهَّر طَهُورًا فِي سَاعَةِ لَيلٍ, أَو نَهَارٍ, إِلَّا صَلَّيتُ بِذَلِكَ الطٌّهُورِ مَا كُتِبَ لِي أَن أُصَلِّيَ))(البخاري، الجمعة، ح(1081)). فما أسهله من عمل وما أعظمه من أجر، أحبتي في الله علموا أولادكم وأزواجكم وربوهم على تطبيق منهج الإسلام في جميع أمور حياتهم وكونوا قدوة لهم في ذلك، وللحديث بقية نتابع فيها حياة المسلم خلال اليوم في الخطب القادمة وأسأل الله أن يوفقني وإياكم لما فيه الخير والسداد.

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply