توجيهات إسلامية لزوار المدينة النبوية


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الخطبة الأولى:

أما بعد:

فيا أيها المسلمون الوافدون لطابة، قدِمتم خير مقدَم، وغنمتم خيرَ مغنم، وطاب في طيبة بقاؤكم، وتقبّل الله صالح أعمالكم، وبلّغكم خير آمالكم، حُيِّيتم في دار الهجرة والنصرة بلد المصطفى المختار، ومهاجَر الصحابة الأخيار، وديار الأنصار، فأنتم في هذه البلاد ـ بلاد الحرمين الشريفين وخادمة المسجدين العظيمين ـ بين أهليكم وذويكم ومحبيكم، خِدمتُكم شرفُها، وراحتكم مطلبها، والقيام بما تحتاجون وظيفتها وواجبها، فالديار دياركم، والبلاد بلادكم.

 

أيها الوافدون لطابة، إنكم في بلد هي بعد مكة خير البقاع، وأشرف الأماكن والأصقاع، فاعرفوا حقَّها، واقدروا قدرها، وراعوا حرمتَها وقداستها، وتأدبوا فيها بأحسن الآداب، واعلموا أن الله توعد من أحدث فيها بأشدِّ العذاب، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه -، عن النبي أنه قال: ((المدينة حرم ما بين عَير إلى ثَور، فمن أحدث فيها حدثًا أو آوى محدِثًا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفًا ولا عدلاً)) متفق عليه[1]، فمن أتى فيها إثمًا أو آوى من أتاه وضمّه إليه وحماه فقد عرّض نفسه للعذاب المهين وغضب إله العالمين. وإن من أعظم الإحداث تكدير صفوها بإظهار البدع والمحدثات، وتعكيرها بالخرافات والخزعبلات، وتدنيس أرضها الطاهرة بنشر المقالات البدعية، والكتب الشركية، وما يخالف الشريعة الإسلامية من ألوان المنكرات والمحرمات، والمحِدث والمؤوي له في الإثم سواء.

 

أيها الوافد الزائر لمسجد سيد الأوائل والأواخر، هل فقهت ما يتعلق بهذه الزيارة من أحكام؟ هل علمت الحلال فيها من الحرام أم أنت ممن قلّد العوام، واتبع الطغام، وجهل سنة سيد الأنام، عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام؟

 

أيها الزائر المكرَّم، إليك كلمات منتقاة وتوجيهات مستقاة من الكتاب والسنة، ما هي إلا إشارة وإنارة في أحكام هذه الزيارة، وبالكتاب والسنة يحتمي المسلم من ضلال الضُلال، وجهالة الجُهَّال، وبدع الأقوال، ومحدثات الأفعال.

 

أيها المسلمون، زيارة المسجد النبوي سنة من المسنونات، وليست واجبًا من الواجبات، ليس لها علاقة بالحج ولا هي له من المتمِّمات، وكل ما يُروى من أحاديث في إثبات علاقتها أو علاقة زيارة قبر المصطفى بالحج فهو من الموضوعات والمكذوبات، ومن قصد بشدِّ رحله إلى المدينة زيارة المسجد والصلاة فيه فقصده مبرور، وسعيه مشكور، ومن لم يرُم بشدّ رحله إلا زيارة القبور والاستعانة بالمقبور فقصده محظور، وفعله منكور، فعن أبي هريرة أن رسول الله قال: ((لا تُشَدّ الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى)) متفق عليه[2]، وعن جابر - رضي الله عنهما -، عن رسول الله أنه قال: ((إن خير ما رُكبت إليه الرواحل مسجدي هذا والبيت العتيق)) أخرجه أحمد[3].

 

أيها المسلمون، الصلاة في مسجد المدينة مضاعفة الجزاء، فرضًا ونفلاً في أصحّ قولي العلماء، يقول - عليه الصلاة والسلام -: ((صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواها إلا المسجد الحرام)) متفق عليه[4]، إلا أن صلاة النافلة في البيت أفضل من صلاتها في المسجد حتى ولو كانت مضاعفةº لقوله - عليه الصلاة والسلام -: ((فإن أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة)) متفق عليه[5].

 

أيها الزائر المكرَّم لهذا المسجد المعظم، اعلم أنه لا يجوز التبرك بشيء من أجزاء المسجد النبوي، كالأعمدة أو الجدران أو الأبواب أو المحاريب أو المنبر، بالتمسح بها أو تقبيلها، كما لا يجوز التبرك بالحجرة النبوية باستلامها أو تقبيلها أو مسح الثياب بها، ولا يجوز الطواف عليها، ومن فعل شيئًا من ذلك وجب عليه التوبة وعدم العودة.

 

ويُشرع لمن زار المسجد النبوي أن يُصلي في الروضة الشريفة ركعتين أو ما شاء من النفل لما ثبت فيها من الفضل، فعن أبي هريرة عن النبي قال: ((ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة، ومنبري على حوضي)) متفق عليه[6]، وعن يزيد بن أبي عبيد قال: كنت آتي مع سلمة بن الأكوع فيصلِّي عند الأسطوانة التي عند المصحف، أي في الروضة الشريفة، فقلت: يا أبا مسلم، أراك تتحرّى الصلاة عند هذه الأسطوانة! فقال: فإني رأيت النبي يتحرّى الصلاة عندها. متفق عليه[7].

والحرص على الصلاة في الروضة لا يسوِّغ الاعتداء على الناس، أو مدافعة الضعاف، أو تخطّي الرقاب.

 

ويُشرع لزائر المدينة والساكن بها إتيان مسجد قباء للصلاة فيهº اقتداءً بالمبعوث في أم القرى، وتحصيلاً لأجر عمرة بلا امتراء، فعن سهل بن حنيف قال: قال رسول الله: ((من خرج حتى يأتي هذا المسجد ـ يعني: مسجد قباء ـ فيصلي فيه كان كعدل عمرة)) أخرجه أحمد[8]، وعند ابن ماجه: ((من تطهّر في بيته ثم أتى مسجد قباء فصلى فيه صلاة كان له أجر عمرة))[9]، وفي الصحيحين أن رسول الله كان يأتي مسجد قباء كل سبت ماشيًا وراكبًا فيصلي فيه ركعتين[10].

 

أيها الزائر المكرَّم، لا يُشرع زيارة شيء من المساجد في المدينة النبوية سوى هذين المسجدين: مسجد رسول الله ومسجد قباء، ولا يشرع للزائر ولا لغيره قصد بقاع بعينها، يرجو الخير بقصدها أو التعبد عندها لم تستحبَّ الشريعة قصدتها، وليس من المشروع تتبع مواطن أو مساجد صلى فيها رسول الله أو غيره من الصحابة الكرام لقصد الصلاة فيها أو التعبد بالدعاء ونحوه عندها، وهو لم يأمر بقصدها، ولم يحث على زيارتها، فعن المعرور بن سويد - رحمه الله تعالى -قال: خرجنا مع عمر بن الخطاب، فعرض لنا في بعض الطريق مسجد، فابتدره الناس يصلون فيه، فقال عمر: (ما شأنهم؟!) فقالوا: هذا مسجد صلى فيه رسول الله، فقال عمر: (أيها الناس، إنما هلك من كان قبلكم باتباعهم مثل هذا، حتى أحدثوها بيعًا، فمن عرضت له فيه صلاة فليصل، ومن لم تعرض له فيه صلاة فليمض) أخرجه ابن أبي شيبة[11]، ولما بلغ عمر بن الخطاب أن ناسًا يأتون الشجرة التي بُويع تحتها النبي أمر بها فقطعت. أخرجه ابن أبي شيبة[12].

 

أيها المسلمون، وشرع لزوار المسجد النبوي من الرجال زيارةُ قبر النبي وقبري صاحبيه أبي بكر وعمر - رضي الله عنهما -، للسلام عليهم والدعاء لهم، أما النساء فلا يجوز لهن زيارة القبور في أصح قولي العلماء لما رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن النبي لعن زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسُرج[13]، ولما رواه الترمذي عن أبي هريرة أن رسول الله لعن زوارات القبور[14].

وصفة الزيارة أن يأتي الزائر القبر الشريف فيستقبله بوجهه ويقول: \"السلام عليك يا رسول الله\"، ثم يتقدم إلى يمينه قدر ذراع فيسلم على أبي بكر ويقول: \"السلام عليك يا أبا بكر\"، ثم يتقدم قليلاً إلى يمينه قدر ذراع للسلام على عمر بن الخطاب فيقول: \"السلام عليك يا عمر\". وليحذر الزائر الوقوع في إحدى المخالفات التالية:

المخالفة الأولى: دعاء الرسول أو نداؤه أو الاستغاثة به أو الاستعانة به كقول بعضهم: \"يا رسول الله اشف مريضي، يا رسول الله اقض ديني، يا وسيلتي، يا باب حاجتي\" أو غير ذلك من الأقوال الشركية والأفعال البدعية، المضادَّة للتوحيد الذي هو حق الله على العبيد.

المخالفة الثانية: الوقوف أمام القبر كهيئة المصلي، بوضع اليمين على الشمال على الصدر أو تحته، وذلك فعل محرّمº لأن تلك الهيئة هيئة ذل وعبادة لا تجوز إلا لله - عز وجل -.

المخالفة الثالثة: الانحناء عند القبر أو السجود أو غير ذلك مما لا يجوز فعله إلا لله، وفي الحديث عن قيس بن سعد - رضي الله عنه - قال: أتيت الحيرة فرأيتهم يسجدون لمرزبان لهم، فقلت: رسول الله أحق أن يُسجد له، فأتيت النبي فقلت: إني أتيت الحيرة فرأيتهم يسجدون لمرزبان لهم فأنت يا رسول الله أحق أن نسجد لك، فقال: ((أرأيت لو مررت بقبري أكنت تسجد له؟!)) فقلت: لا، فقال - عليه الصلاة والسلام -: ((فلا تفعلوا)) أخرجه أبو داود[15]، وعن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله: ((لا يصلح لبشر أن يسجد لبشر)) أخرجه أحمد[16].

المخالفة الرابعة: دعاء الله عند القبر، أو اعتقاد أن الدعاء عنده مستجاب، وذلك فعل محرَّم لأنه من أسباب الشرك وذرائع الإفك، ولو كان الدعاء عند القبور أو عند قبر النبي أفضل وأصوب وأحبَّ إلى الله وأجوب لرغبنا فيه رسول اللهº لأنه لم يترك شيئًا يقرب إلى الجنة إلا وحث أمته عليه، فلما لم يفعل ذلك عُلم أنه فعل غير مشروع، وعمل محرم وممنوع، وقد روى أبو يعلى والحافظ الضياء في المختارة أن علي بن الحسين - رضي الله عنهما - رأى رجلاً يجيء إلى فرجة كانت عند قبر النبي فيدخل فيها فيدعو، فنهاه وقال: ألا أحدثكم حديثًا سمعته عن أبي عن جدي عن رسول الله؟! ((لا تتخذوا قبري عيدًا ولا بيوتكم قبورًا، وصلوا عليَّ فإن تسليمكم يبلغني أين كنتم))[17].

المخالفة الخامسة: إرسال من عجز عن الوصول إلى المدينة سلامه لرسول الله مع بعض الزوار، وقيام بعضهم بتبليغ هذا السلام، وهذا فعل مُبتدع، وأمر مخترع، فيا مرسل السلام، ويا مبلغه، كفّا عن ذلك، فقد كُفيتما بقوله: ((صلوا عليَّ فإن تسليمكم يبلغني أين كنتم))[18]، وبقوله - عليه الصلاة والسلام -: ((إن لله في الأرض ملائكة سياحين يبلِّغوني من أمتي السلام)) أخرجه أحمد[19].

المخالفة السادسة: التكرار والإكثار من زيارة قبره، كأن تكون الزيارة بعد كل فريضة، أو في كل يوم بعض فريضة بعينها، وفي هذا مخالفة لقوله - عليه الصلاة والسلام -: ((لا تجعلوا قبري عيدًا))[20]، قال ابن حجر الهيتمي في شرح المشكاة: \"العيد اسم من الأعياد، يقال: عاده واعتاده وتعوّده صار له عادة، والمعنى: لا تجعلوا قبري محلاً لاعتياد المجيء إليه متكررًا تكرارًا كثيرًا، فلهذا قال: ((وصلوا عليَّ فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم))[21]، فإن فيها كفاية عن ذلك\"[22] انتهى كلامه - رحمه الله تعالى -.

وفي كتاب الجامع للبيان لابن رشد: \"سئل مالك - رحمه الله تعالى -عن الغريب يأتي قبر النبي كل يوم، فقال: ما هذا من الأمر، وذكر حديث: ((اللهم لا تجعل قبري وثنًا يُعبد))[23]، قال ابن رشد: فيُكره أن يُكثر المرور به والسلام عليه، والإتيان كل يوم إليه لئلا يُجعل القبر كالمسجد الذي يؤتى كل يوم للصلاة فيه، وقد نهى رسول الله عن ذلك بقوله: ((اللهم لا تجعل قبري وثنًا))\"[24] انتهى كلامه - رحمه الله -.

وسئل القاضي عياض عن أناس من أهل المدينة يقفون على القبر في اليوم مرة أو أكثر، ويسلمون ويدعون ساعة، فقال: \"لم يبلغني هذا عن أحد من أهل الفقه، ولا يُصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولَها، ولم يبلغني عن أول هذه الأمة وصدرها أنهم كانوا يفعلون ذلك\"[25].

المخالفة السابعة: التوجه إلى قبره الشريف من كل نواحي المسجد، واستقباله له كلما دخل المسجد أو كلما فرغ من الصلاة، ووضع اليدين على الجنبين، وتنكيس الرؤوس والأذقان أثناء السلام عليك في تلك الحال، وهذه من البدع المنتشرة، والمخالفات المشتهرة.

فاتقوا الله عباد الله، واحذروا سائر البدع والمخالفات، واحذروا الهوى والتقليد الأعمى، وكونوا من أمركم على بينة وهدى، قال جل في علاه: أَفَمَن كَانَ عَلَىا بَيّنَةٍ, مّن رَّبّهِ كَمَن زُيّنَ لَهُ سُوء عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهوَاءهُم [محمد: 14].

 

جعلني وإياكم من الهداة المهتدين، المتبعين لسنة سيد المرسلين، أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

 

 

 

----------------------------------------

 

[1] صحيح البخاري: كتاب الحج، باب حرم المدينة (1867)، صحيح مسلم: كتاب الحج، باب: فضل المدينة...(1370) واللفظ له.

 

[2] صحيح البخاري: كتاب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة، باب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة (1189)، صحيح مسلم: كتاب الحج، باب لا تُشد الرحال... (1397).

 

[3] مسند أحمد (3/350)، وأخرجه أيضاً الطبراني في الأوسط (740)، وأبو يعلى (2266). وصححه ابن حبان (1616)، وحسّن المنذري إسناد أحمد في الترغيب (2/149). وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (1648).

 

[4] صحيح البخاري: كتاب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة، باب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة (1190)، صحيح مسلم: كتاب الحج باب فضل الصلاة بمسجدي مكة والمدينة (1394) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.

 

 [5]صحيح البخاري: كتاب الأذان، باب صلاة الليل (731)، صحيح مسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب استحباب صلاة النافلة في بيته... (781) من حديث زيد بن ثابت - رضي الله عنه -.

 

[6] صحيح البخاري: كتاب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة، باب فضل ما بين القبر والمنبر (1196)، صحيح مسلم: كتاب الحج باب ما بين القبر والمنبر (1391).

 

[7] صحيح البخاري: كتاب الصلاة، باب: الصلاة إلى الاسطوانة (502)، صحيح مسلم: كتاب الصلاة، باب دنو المصلي من السترة (509).

 

[8] مسند أحمد (3/487)، وأخرجه أيضاً النسائي: كتاب المساجد، باب فضل مسجد قباء والصلاة فيه (699)، وابن أبي شيبة: كتاب الفضائل، باب في مسجد قباء (32524، 32525). وصححه ابن حبان (1627)، والحاكم (3/12)، قال الهيثمي في مجمع الزوائد (4/11): \"وفيه موسى بن عبيدة وهو ضعيف\". وصححه الألباني في صحيح الترغيب (1180، 1181).

 

[9] سنن ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب ما جاء في الصلاة في مسجد قباء (1412).

 

[10] صحيح البخاري: كتاب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة، باب مسجد قباء (1191-1193)، صحيح مسلم: كتاب الحج، باب فضل مسجد قباء... (1399) من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما -.

 

[11] مصنف ابن أبي شيبة (7550).

 

[12] مصنف ابن أبي شيبة (7545).

 

[13] حسن دون قوله ((والسرج))، سنن أبي داود: كتاب الجنائز، باب في زيارة النساء القبور (3236)، سنن الترمذي: كتاب الصلاة، باب ما جاء في كراهية أن يتخذ على القبر مسجداً (320)، وقال: \"حديث حسن\"، سنن ابن ماجه: كتاب ما جاء في الجنائز، باب ما جاء في النهي عن زيارة النساء القبور (1575) دون قوله: ((والسرج)). وانظر: مشكاة المصابيح بتعليق الألباني (740)، والسلسلة الضعيفة (225).

 

[14] سنن الترمذي: كتاب الجنائز، باب ما جاء في كراهية زيارة القبور للنساء (1056) وقال: \"حسن صحيح\"، وأخرجه أيضاً أحمد (2/337)، وابن ماجه: كتاب ما جاء في الجنائز، باب ما جاء في النهي عن زيارة النساء للقبور (1574). وذكره الحافظ في الفتح وقواه بشاهد (3/149)، وحسنه الألباني في صحيح الترمذي (843) ومشكاة المصابيح (1770).

 

[15] صحيح دون ذكر القبر، سنن أبي داود: كتاب النكاح، باب في حق الزوج على المرأة (2140)، وأخرجه أيضاً أحمد (3/158) دون ذكر القبر، وأخرجه الضياء في المختارة (1895) كذلك، وقال المنذري في الترغيب (3/35): \"رواه أحمد والنسائي بإسناد جيد رواته ثقات مشهورون\"، وقال الهيثمي في المجمع (9/4): \"رواه أحمد والبزار ورجاله رجال الصحيح غير حفص ابن أخي أنس، وهو ثقة\". وانظر: صحيح أبي داود (1873)، ومشكاة المصابيح بتعليق الألباني (3266).

 

[16] مسند أحمد (3/158)، وأخرجه الضياء في المختارة (1895). وقال المنذري في الترغيب (3/35): \"رواه أحمد والنسائي بإسناد جيد رواته ثقات مشهورون\"، وقال الهيثمي في المجمع (9/4): \"رجاله رجال الصحيح غير حفص ابن أخي أنس، وهو ثقة. وصححه الألباني في صحيح الترغيب (1936، 1937) وإرواء الغليل (1998).

 

[17] مسند أبي يعلى (469)، الأحاديث المختارة للضياء المقدسي (428)، وأخرج المرفوع منه أحمد (2/367)، وأبو داود: كتاب المناسك، باب زيارة القبور (2042)، قال الهيثمي في مجمع الزوائد (4/3): \"وفيه حفص بن إبراهيم الجعفري ذكره ابن أبي حاتم ولم يذكر فيه جرحاً، وبقية رجاله ثقات\"، وصححه الألباني في صحيح أبي داود (1796) وأحكام الجنائز (ص213) وتحذير الساجد (ص140).

 

[18] تقدم تخريجه في الحاشية السابقة.

 

[19] مسند أحمد (1/441)، وأخرجه أيضاً النسائي: كتاب السهو، باب السلام على النبي (1282)، والدارمي: كتاب الرقاق، باب في فضل الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - (2774) من حديث عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -، وصححه ابن حبان (914)، والحاكم (2/421)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (9/24): \"رواه البزار ورجاله رجال الصحيح\"، وصححه الألباني في صحيح الجامع (2170) وصحيح الترغيب (1664).

 

 [20]تقدم تخريجه في الحاشية رقم (17).

 

[21] تقدم تخريجه في الحاشية رقم (18).

 

[22] انظر شرح المشكاة للملا علي قاري (3/13-14) فله كلام بنحو هذا.

 

[23] أخرجه مالك مرسلاً عن عطاء بن يسار، ووصله أحمد (2/246)، وابن سعد في الطبقات الكبرى (2/241) وغيرهم، وصححه ابن عبد البر في التمهيد (5/42)، والألباني في: تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد (ص24-26).

 

[24] انظر البيان والتحصيل لابن رشد (18/444-445).

 

[25]الشفا بتعريف حقوق المصطفى (2/676).

 

 

 

 

الخطبة الثانية

 

 

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وإخوانه، وسلم تسليمًا كثيرًا.

 

أما بعد: فيا عباد الله، اتقوا الله وراقبوه، وأطيعوه ولا تعصوه، يَـاأَيٌّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّـادِقِينَ [التوبة: 119].

 

أيها المسلمون، ويُشرع لزوار المدينة من الرجال زيارة أهل بقيع الغرقد وشهداء أحدº للسلام عليهم والدعاء لهم، فعن بريدة - رضي الله عنه - قال: كان رسول الله يعلمهم إذا خرجوا المقابر يقول: ((السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، نسأل الله لنا ولكم العافية)) أخرجه مسلم[1].

 

وزيارة القبور إنما شرعت لمقصدين عظيمين، أولهما: للزائر لغرض الاعتبار والادكار، وثانيهما: للمزور بالدعاء له والترحم عليه والاستغفار.

 

ويُشترط لجواز زيارة القبور عدم قول الهُجر وأعظمه الشرك أو الكفر، فعن بريدة عن أبيه أن رسول الله قال: ((كنت نهيتكم عن زيارة القبور، فمن أراد أن يزور فليزر، ولا تقولوا هُجرًا)) أخرجه النسائي[2].

 

فلا يجوز الطواف بهذه القبور ولا غيرها، ولا الصلاة إليها ولا بينها، ولا التعبد عندها بقراءة القرآن أو الدعاء أو غيرهماº لأن ذلك من وسائل الإشراك برب الأملاك والأفلاك، ومن اتخاذها مساجد حتى ولو لم يُبن عليها مسجد، فعن عائشة وعبد الله بن عباس - رضي الله عنهما - قالا: لما نزل برسول الله الموت، طفق يطرح خميصةً على وجهه، فإذا اغتمّ بها كشفها عن وجهه فقال وهو كذلك: ((لعنة الله على اليهود والنصارىº اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)) يحذر ما صنعوا. أخرجه البخاري[3]، وقال - عليه الصلاة والسلام -: ((إن من شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء، والذين يتخذون القبور مساجد)) أخرجه أحمد[4]، وعن أبي مرثد الغنوي قال: سمعت رسول الله يقول: ((لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها)) أخرجه مسلم[5]، وعن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله: ((الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام)) أخرجه أحمد[6]، وفي حديث أنس أن النبي نهى أن يُصلَّى بين القبور. أخرجه ابن حبان[7].

 

ولا يجوز السجود على المقابر، بل ذلك وثنية جاهلية، وشذوذ فكري، وتخلف عقلي، ولا يجوز لزائر تلك القبور ولا غيرها التبرك بها بمسحها أو تقبيلها أو إلصاق شيء من أجزاء البدن بها أو الاستشفاء بتربتها بالتمرغ عليها، أو أخذ شيء منها للاغتسال بها، ولا يجوز لزائرها أو غيرها دفن شيء من شعره أو بدنه أو مناديله أو وضع صورته أو غير ذلك مما معه في تربتها لقصد البركة، ولا يجوز رمي النقود أو شيء من الطعام كالحبوب ونحوها عليها، ومن فعل شيئًا من ذلك وجب عليه التوبة وعدم العودة، ولا يجوز تخليقها ولا تطييبها، ولا القسم على الله بأصحابها، ولا يجوز سؤال الله بهم أو بجاههم وحقهم، بل ذلك توسل محرم من وسائل الشرك، ولا يجوز تطويل القبورº لأن ذلك وسيلة إلى تعظيمها والافتتان بها، ولا يجوز بيع طعام أو طيب أو غير ذلك لمن عُلم استخدامه لها في تلك المخالفات العظيمة، والاستغاثة بالأموات أو الاستعانة بهم أو طلب المدد منهم أو نداؤهم وسؤالهم سدَّ الفاقات وإغاثة اللهفات وجلب الفوائد ودفع الشدائد شركٌ أكبر يخرج صاحبه عن ملة الإسلام، ويجعله من عُبَّاد الأوثان، إذ لا يفرِّج الهموم ولا يكشف الغموم إلا الله وحده لا شريك له جل في علاه، ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبٌّكُم لَهُ المُلكُ وَالَّذِينَ تَدعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَملِكُونَ مِن قِطمِيرٍ, % إِن تَدعُوهُم لاَ يَسمَعُوا دُعَاءكُم وَلَو سَمِعُوا مَا استَجَابُوا لَكُم وَيَومَ القِيَـامَةِ يَكفُرُونَ بِشِركِـكُم وَلاَ يُنَبّئُكَ مِثلُ خَبِيرٍ, [فاطر: 13، 14]، ويقول جل في علاه: ( قُلِ ادعُوا الَّذِينَ زَعَمتُم مّن دُونِهِ فَلاَ يَملِكُونَ كَشفَ الضٌّرّ عَنكُم وَلاَ تَحوِيلاً  أُولَـئِكَ الَّذِينَ يَدعُونَ يَبتَغُونَ إِلَى رَبّهِمُ الوَسِيلَةَ أَيٌّهُم أَقرَبُ وَيَرجُونَ رَحمَتَهُ وَيَخَـافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبّكَ كَانَ مَحذُورًا )[الإسراء: 56، 57].

 

فاتقوا الله عباد الله، واحذروا أفعال عُبَّاد الأوثان، وأولياء الشيطان الذين يعطلون المساجد، ويعظمون القبور والمشاهد، والجؤوا إلى الله، وأنزلوا الشدائد الصعاب والنوازل الصلاب عليه، ( وَإِن يَمسَسكَ اللَّهُ بِضُرّ فَلاَ كَـاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يَمسَسكَ بِخَيرٍ, فَهُوَ عَلَى كُلّ شَىء قَدُيرٌ وَهُوَ القَاهِرُ فَوقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الحَكِيمُ الخَبِيرُ ) [الأنعام: 17، 18].

وصلوا وسلموا على خير البرية وأزكى البشرية، فقد أمركم الله بذلك فقال: ( إِنَّ اللَّهَ وَمَلَـائِكَـتَهُ يُصَلٌّونَ عَلَى النبي يا أَيٌّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا صَلٌّوا عَلَيهِ وَسَلّمُوا تَسلِيماً) [الأحزاب: 56].

اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد...

 

----------------------------------------

[1] صحيح مسلم: كتاب الجنائز، باب ما يقال عند دخول القبور... (974، 975).

[2] سنن النسائي: كتاب الجنائز، باب زيارة القبور (2033)، وقد أخرجه مسلم: كتاب الجنائز، باب استئذان النبي ربه - عز وجل - في زيارة قبر أمه (977) دون قوله: ((ولا تقولوا هجراً))، وصححه بلفظ النسائي كل من: الحاكم (1/376)، والضياء في المختارة (2343)، والألباني في السلسلة الصحيحة (886).

[3] صحيح البخاري: كتاب الصلاة، باب الصلاة في البيعة (436)، وأخرجه أيضاً مسلم: كتاب المساجد، باب: النهي عن بناء المساجد... (529).

[4] مسند أحمد (1/405)، وأصله في البخاري معلقاً: كتاب الفتن، باب ظهور الفتن (7067)، ومسلم: كتاب الفتن، باب قرب الساعة (2949) دون ذكر اتخاذ القبور مساجد.

[5] صحيح مسلم: كتاب الجنائز، باب النهي عن الجلوس على القبر... (972).

[6] مسند أحمد (3/83)، وأخرجه أيضاً الترمذي: كتاب الصلاة، باب ما جاء أن الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام (317)، وقال: \"هذا حديث فيه اضطراب\"، وأخرجه أيضاً ابن ماجه: كتاب المساجد، باب المواضع التي تكره الصلاة فيها (745) كلهم من حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -، وصححه ابن خزيمة (791)، وابن حبان (2321)، والحاكم (1/251)، وقال الحافظ في الفتح (1/529): \"رجاله ثقات، لكن اختُلف في وصله وإرساله، وحكم مع ذلك بصحته الحاكم وابن حبان\". وصححه الألباني في إرواء الغليل (1/320). وانظر مسند أحمد بتحقيق الأرناؤوط وغيره (18/308-309).

[7] صحيح ابن حبان: كتاب الصلاة، باب شروط الصلاة، ذكر وصف التخصيص الأول (1698)، وأخرجه ابن أبي شيبة مرسلاً عن الحسن (36377)، وأبو يعلى (2788) موصولاً، وأخرجه الضياء في المختارة (1872)، وعزاه الهيثمي في مجمع الزوائد (2/27) للبزار، وقال: \"رجاله رجال الصحيح\". وانظر: أحكام الجنائز للألباني (ص270).

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply