بمناسبة تأخر نزول المطر


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الخطبة الأولى:

أما بعد..

فاتقوا الله عباد الله وتوبوا إليه فإن تقوى الله - جل وعلا - تنجيكم من الكروب والشدائد وتوجب لكم الخير وعظيم الفوائد فاتقوا الله ربكم أيها المؤمنون لعلكم ترشدون عباد الله إن ربكم الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم بيده ملكوت كل شيء وخزائنه وهو الجواد الكريم يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء وهو البر الرحيم لا إله إلا هو له القدرة النافذة والحكمة البالغة في تدبير خلقه وأمر مملكته يسأله من في السموات والأرض كل يوم هو في شأن يعطي لحكمه ويمنع لحكمه وهو أحكم الحاكمين وأرحم الراحمين وأعلم العالمين، أرحم بعباده منهم بأنفسهم وأرحم بهم من آبائهم وأمهاتهم تولى - جل وعلا - تدبير أمر عباده بموجب علمه وحكمته ورحمته كما قال - تعالى - جل ذكره \" وَلَو بَسَطَ اللَّهُ الرِّزقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوا فِي الأَرضِ وَلَكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ, مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ \"(1) فهو - جل وعلا - يختار لهم ما يصلحهم يبتليهم - سبحانه - بالسراء لعلهم يشكرون ويبتليهم بالشدة والضراء لعلهم يتوبون ويستغفرون، فله الحمد على عطائه ومنعه وعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً أيها المؤمنون عباد الله تعلمون رحمني الله وإياكم ما حصل من تأخر المطر عن وقته في كثير من البلاد حتى اقشعرت الأرض وصوح نبتها وغيض الماء، وعظم الضرر جفت الأبدان وهزلت الأنعام ويبست الأشجار فلا إله إلا الله على حلمه بعد علمه، ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون فما أصابكم عباد الله بما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير فما نزل بلاء إلا بذنب عظة وتذكرة \"وَلَقَد أَخَذنَا آلَ فِرعَونَ بِالسِّنِينَ وَنَقصٍ, مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُم يَذَّكَّرُونَ \"(2) أيها المؤمنون إنكم في أعظم ضرورة إلى ربكم - جل وعلا - فأنتم الفقراء المساكين المحاويج إليه ليس لكم غنى عن فضله يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد فلا غنى بكم عن رحمته ونعمته فلا يغرنكم يا عباد الله أن أحدكم في هذه الأيام المتأخرة يجد الماء بلا عناء فما هو إلا أن يفتح صنبور المياه حتى يحصله، فاتقوا الله عباد الله فإن عذاب الله إذا جاء لا يرد عن القوم المجرمين فها هي البلاد التي تجري من تحتها الأنهار تضع الخطط والدراسات بمواجهة قلة موارد الماء فاتقوا الله عباد الله احذروا غضبه وشديد عقابه فهو القائل \"قُل أَرَأَيتُم إِن أَصبَحَ مَاؤُكُم غَوراً فَمَن يَأتِيكُم بِمَاءٍ, مَعِينٍ,\"(3) خذوا أيها المؤمنون بأسباب الرحمة والمغفرة عسى الله أن يبدل ويجيب سؤلكم حالكم أيها المؤمنون إن نزول الرحمة وحصول الغيث أسباباً شرعية لابد من أخذها واعتبارها فمن تلك الأسباب تقوى الله فو الله ما استجلبت الخيرات ولا استدفعت البليات بمثل تقوى الله رب الأرض والسموات قال - تعالى -: \" وَلَو أَنَّ أَهلَ القُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوا لَفَتَحنَا عَلَيهِم بَرَكَاتٍ, مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرضِ \"(4) فمفتاح بركات السماء وخيرات الأرض تقوى الله العزيز الحكيم وقال - تعالى -:\" وَلَو أَنَّ أَهلَ الكِتَابِ آمَنُوا وَاتَّقَوا لَكَفَّرنَا عَنهُم سَيِّئَاتِهِم وَلَأَدخَلنَاهُم جَنَّاتِ النَّعِيمِ وَلَو أَنَّهُم أَقَامُوا التَّورَاةَ وَالأِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيهِم مِن رَبِّهِم لَأَكَلُوا مِن فَوقِهِم وَمِن تَحتِ أَرجُلِهِم مِنهُم أُمَّةٌ مُقتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنهُم سَاءَ مَا يَعمَلُونَ \"(5) فاتقوا الله أيها المؤمنون قوموا بما أوجب الله عليكم من الفرائض والواجبات واجتنبوا المعاصي والسيئات مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر وأطيعوا الله ورسوله لعلكم ترحمون قال الله - تعالى -: \"وَلَو أَنَّ أَهلَ الكِتَابِ آمَنُوا وَاتَّقَوا لَكَفَّرنَا عَنهُم سَيِّئَاتِهِم وَلَأَدخَلنَاهُم جَنَّاتِ النَّعِيمِ\"(6) فإذا أخذتم يا عباد الله بهذه الأسباب فأبشروا فإن الله قد قال \"وَأَلَّوِ استَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسقَينَاهُم مَاءً غَدَقاً \"(7) أيها المؤمنون إن من أسباب نزول الغيث والرحمة الإحسان إلى الخلق قال - تعالى -: \" فَقُلتُ استَغفِرُوا رَبَّكُم إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً \"(8) وقال: ((إنما يرحم الله من عباده الرحماء))(9) فأحسنوا أيها المؤمنون على فقرائكم وأهل الحاجة منهم فإن الجزاء من جنس العمل هل جزاء الإحسان إلا الإحسان وعن أبي هريرة قال: قال: ((بينما رجل يمشي بفلاة من الأرض فسمع صوتاً في سحابة اسق حديقة فلان فتنحى ذلك السحاب فأفرغ ماءه كله حيث أمر فلما سئل صاحب الحديقة عن عمله قال: أتصدق بثلث ما يخرج منها وآكل أنا وعيالي ثلثاً وأرد فيها ثلثاً))(10) رواه مسلم والصدقة تطفئ غضب الرحمن فأحسنوا عباد الله إن الله يحب المحسنين أيها المؤمنون إن من أعظم أسباب نزول الغيث كثرة الاستغفار والتوبة فإن الله - جل وعلا - أمر عباده عند انحباس المطر عنهم أن يستغفروه ويتوبوا إليه فقال - تعالى -: \"فَقُلتُ استَغفِرُوا رَبَّكُم إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً \"(11) وقال - سبحانه – \" وَيَا قَومِ استَغفِرُوا رَبَّكُم ثُمَّ تُوبُوا إِلَيهِ يُرسِلِ السَّمَاءَ عَلَيكُم مِدرَاراً وَيَزِدكُم قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُم وَلا تَتَوَلَّوا مُجرِمِينَ \"(12) فاستغفروا عباد الله ربكم وتوبوا إليه استغفروه استغفاراً صادقاً تهجرون فيه السيئات وتقلعون فيه عن الموبقات الظاهرة والباطنة توبوا إلى الله توبة نصوحاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون.

 

الخطبة الثانية:

أما بعد..

فاتقوا الله عباد الله واعلموا إن من أسباب نزول المطر دعاء الله وسؤاله والإلحاح عليه فإن ربكم قريب مجيب لا يخلف الميعاد فأحسنوا الظن به وأعظموا الرغبة فيما عنده أظهروا الفاقة والحاجة والذل له والانكسار بين يديه فإنه - جل وعلا - ابتلاكم بحبس المطر لعلكم تذكرون فترجعون إليه وتضرعون إليه وفي الحديث ((ضحك ربنا من قنوط عباده وقرب غِيَرِه))(13) أي قرب فرجه - جل وعلا - فادعوا الله أيها المؤمنون أن يغيثكم فإن الله يجيب دعوة الداعي إذا دعاه فعن أنس - رضي الله عنه - قال: دخل رجل يوم جمعة والنبي قائم يخطب فقال: يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السبل فادعو الله يغيثنا فرفع رسول الله يديه ثم قال: اللهم أغثنا اللهم أغثنا قال أنس فلا والله لا نرى في السماء من سحاب ولا فزعة وما بيننا وبين سلع من بيت ولا دار: قال فطلعت من ورائه سحابة مثل الترس فلما توسطت السماء انتشرت ثم أمطرت فلا والله ما رأينا الشمس سبتاً))(14) رواه البخاري ومسلم فألحوا عباد الله على ربكم بالسؤال أن يغيث قلوبكم بالعلم والإيمان وبلادنا بالسيل المبارك النافع اللهم لا إله إلا أنت الغني ونحن الفقراء أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين.

 

----------------------------------------

(1) الشورى: 27.

(2) الأعراف: 130.

(3) الملك: 30.

(4) لأعراف: 96.

(5) المائدة: 66.

(6) المائدة: 65.

(7) الجـن: 16.

(8) نوح: 10.

(9) أخرجه البخاري في الجنائز برقم 1284 وأخرجه مسلم في الجنائز برقم 923 من حديث أسامة بن زيد - رضي الله عنه -.

(10) أخرجه مسلم في الزهد والرقائق برقم 2984.

(11) نوح: 10.

(12) هود: 52.

(13) أخرجه ابن ماجه في المقدمة برقم 181.

(14) أخرجه البخاري في الجمعة برقم 1014 وأخرجه مسلم في صلاة الاستسقاء برقم 897.

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply