بسم الله الرحمن الرحيم
الخطبة الأولى:
أما بعد:
فيا أيها الناس: اتقوا الله - تعالى - وتوبوا إليه، عباد الله العقل نعمة أنعم الله بها على الإنسان كي يميز به بين الخير والشر والحق والباطل، وبالعقل يتميز الإنسان عن الحيوان وكثيرا ما يرَِد في كتاب الله - جل وعلا - ذكر العقل: إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون.. وأولوا الألباب طلب الله منهم في القرآن فهم مراد الآيات.
وإذا أهمل الإنسان عقله في ضلالات الجهل أودت به الخرافة إلى المهالك العظيمة ومن ظلمات الخرافة تنشأ الأديان المحرفة.
وحديثنا اليوم عن أحد تلك الأديان المحرفة، عن عقيدة ضالة وضلالة رائجة، إنها عقيدة من ضل سعيهم في الحياة الدنيا، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا، إنها النصرانية، تلك العقيدة الباطلة وأولئك القوم الذين وصفهم الله - عز وجل - في أم الكتاب بأنهم الضالون، نقف مع عقيدتهم، ونتأمل تاريخهم المملوء حقدا وبغضا وحربا على الإسلام والمسلمين.
في هذه الديانة المحرفة المشوهة التي ينشب عليها كثير من أهل الأرض نرى كيف يضل النصارى ضلالا بعيدا، حين يقولون بفكرة التثليث، حيث الإله عندهم: الأب والابن وروح القدس، فهم ثلاثة في واحد، وحين تبحث عما يؤيد ذلك في كتبهم أو ديانتهم القديمة فلا تجد من ذلك شيئا.
وإذا رأيت عقيدتهم في النبي عيسى - عليه السلام -، تراهم يرونه ابناً لله تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا.
النصارى هم الذين يقولون بعقيدة صلب المسيح - عليه السلام -، حيث يزعمون أنه عُلَّق على الصليب ودقت يداه بالمسامير، وجعل ينادي على الصليب يا إلهي لم تركتني. وكلّ ذلك كما يزعمون كي يفتدي خطايا بني آدم: يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق.. إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله. وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، فآمنوا بالله ورسله ولا تقولوا ثلاثة انتهوا خيراًً لكم.. [النساء: 171].
\"فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون\" [البقرة: 79].
وتتنوع الخرافة في الديانة النصرانية لتصبح الكنائس متفننة في الأساليب التي يعبثون بها بعقول البشر كتوزيع صكوك الغفران، التي تدخلهم الجنة وتغفر ولهم الذنوب والتي يصرفها القسس الرهبان في الكنائس. إنها النصرانية الحبلى بكل خرافة وضلال سطره الله - عز وجل - في حديثه عنهم في القرآن: لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح بن مريم وقال المسيح يا بني إسرائيل اعبدوا الله ربي وربكم إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار [المائدة: 72].
هي بعض العقائد الفاسدة لأولئك القوم، وقد تكلم القرآن عنهم ورد على ضلالهم، وسماهم كافرين في حين أن بعض المسلمين يتحرج من ذلك.
النصرانية أصبحت خرافة أغارت على نبوة عيسى بن مريم - عليه السلام - فبدلتها، وردّت نهارها ليلا، وسلامها ويلاً، وجعلت الوحدة شركاً بعقيدة الثالوث، وانتكست بالإنسان فعلقت همته بالقرابين وفكره بالألغاز المعمّاة.
ومع هذا الضلال الكبير ترى كثيرا من المسلمين ممن أنعم الله عليهم بدين هو أسمى الأديان وأعزها، تراهم وقد أكرمهم الله بالعقل والمعرفة لا يعرف من ديانة النصرانية إلا ما ينادون به من معاني المحبة والخلاص والتسامح وتسخير حياتهم لخدمة المحتاجين وغير ذلك من الشعارات المشوهة والمبادئ المعلنة في إذاعتهم وكتبهم، وهي ذاتها المبادئ التي أثبتها الإسلام وأمر بها من غير تشويه أو تحريف.
ثم تجد بعد ذلك بعضا ممن أضله الله يسعى لفكرة تقريب الأديان بيننا وبينهم، وكأن الفروق يسيرة يمكن أن تزول في عقد تلك الاجتماعات السياسية الهدف.
إخوة الدين والعقيدة:
إن النصرانية هذا حالها عاش معها المسلمون مرحلة من العداء عبر التاريخ، ووقف النصارى منذ بزوغ فجر الإسلام حربا على الإسلام والمسلمين، فهم من قرر الله عنهم عدم قبول الإسلام، \"ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم\" [البقرة: 120].
وبدأت عداوة النصارى للإسلام يوم أشرق نوره وأسفر صبحه، حين قاتل ملك غسان النصراني رسول الله فوجهوا مائتي ألف مقاتل في مؤتة ليواجه ثلاثة آلاف من صحابة رسول الله وفي اليرموك برز النصارى للمسلمين في مائتين وأربعين ألف مقاتل يحملون الصلبان يتقدمهم القساوسة والرهبان، لكن الله كسر شوكتهم فخرج الروم من الشام ثم أخرجوا من مصر، وكان المسلمون في كل ذلك يعاملونهم معاملة الإسلام فلا يقتلون أسيرهم ولا يرعبون المدن ولا يخوفون أهلها، بل كانوا يرعون لكل ذي حق حقه في ظلال كتاب الله وسنة نبيه حتى دخل كثير منهم في الإسلام، لكن حقد النصارى الكامن في نفوسهم لم يلبث أن تحول إلى تجهيز حملات صليبية لمحاربة الإسلام في عقر داره، وكانوا يسمونها حرب الصليب المقدس برعاية أباطرتهم وقساوستهم، وقارفوا كل ما استطاعوا من الجرائم في جميع البلدان التي دخلوها، فقتلوا في معرة النعمان مثلا أكثر من مائة ألف من المسلمين، ثم سارت جموعهم بمعاونة نصارى الشام إلى بيت المقدس بألف مقاتل فدخلوا بيت المقدس بعد أن أعطوا أهلها الأمان ثم استباحوها ثلاثة أيام قتلوا فيها أكثر من سبعين ألفا من المسلمين وخاضت خيولهم في دماء وأشلاء المسلمين في القدس، واستمروا في القدس تسعين سنة حتى أخرجهم القائد المسلم صلاح الدين.
أما في الأندلس فإنه الحديث الدامي المحزن، حينما سيطر النصارى على غرناطة آخر معقل من معاقل المسلمين في الأندلس فارتكبوا فيها كل شناعة بعد أن أعطوا العهود والوعود واستخفوا بكل حرمة، ونصبوا للمسلمين محاكم التفتيش مهمتها البحث عن المسلمين وإخراجهم من دينهم وتغيير أسمائهم وعاداتهم، حتى استطاعوا أن يمحوا المسلمين من تلك البلاد إلا ما بقي من آثارهم.
ثم عادت بعد ذلك تلك الحملات الصليبية، لكنها في صورة الاستعمار البغيض للبلاد الإسلامية ونهب خيراتها بمسمى الرعاية و الانتداب وتنظيم البلاد، وسلموا بلاد المسلمين التي اصطليت بنارهم لتروا أن حربهم كانت بخبث ودهاء، حرب عقيدة تنطلق من حقد دفين على الإسلام وأهله، بل هو رباط قديم يربط هؤلاء ممن يعاصرنا بالصليبيين القدماء كما يشهد لذلك فعل قادتهم المحدثين، وتحت اسم حرب الهلال والصليب رفع النصارى في بلاد المسلمين شرقا وغربا وشمالا وجنوبا، فقتلوا الأبرياء مثلا في البوسنة والهرسك وكوسوفا تحت اسم التطهير العرقي وحاربوهم في الفلبين، وأبادوهم وهجروهم في أريتريا، ثم هم يسعون بمنظماتهم الكنسية وهيئاتهم الدولية إلى نشر ديانتهم المحرفة الممسوخة والترويج لها بكل ما أوتوا من وسائل وأموال يستغلون بها ضعف وجوع ومرض المسلمين لإخراجهم من دينهم في سبيل لقمة عيش تقيم أودهم، أو دواء يعالج مرضهم، أو كساء يستر عريهم.
إنها مساعدات يقدمها النصارى بيد وباليد الأخرى يقدمون الصليب في وقت غفل فيه المسلمون عما يُكاد لهم، وغرهم ما يرون منهم من تقدم مادي ودنيوي، ويمتد كيد النصارى ليسخّروا مؤساستهم المالية والإعلامية والاجتماعية لإفساد المجتمعات الإسلامية، ولشن حرب شعواء لا هوادة فيها على دين المسلمين وأخلاقهم، بإشاعة التشويه في الإسلام باسم التطرف والإرهاب، فكان لتلك الحرب الأثر الكبير على نفوس المسلمين ومجتمعاته ثم نرى النصارى بعد ذلك أولياء لكل من عادى المسلمين وحاربهم واغتصب أرضهم والذين كفروا بعضهم أولياء بعض...
نراهم وقد تسلطوا بكبريائهم وغطرستهم على قضايا المسلمين بالمكر والخديعة وباسم الحل والانهاء ومحاربة التطرف ويسر السلم فأضاعوا الحق، وقرروا الباطل وخذلوا القضية وأصبح إرهابهم سلاما ونظاما، وأصبح حصار بلدان المسلمين الدائم وتجويع أطفالهم تأديبا وعقابا لا رجعة عنه.
إخوة الإسلام:
يقول الله - تعالى -: \"يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين\" [المائدة: 51].
أيها المؤمنون بالله ورسوله إن قلوب الصليبيين التي أبغضونا بها لا تزال في صدورهم وإن أسلحتهم التي حاربونا بها لا تزال في أيديهم، إن الحقد الذي أعماهم يوم جاءونا غزاة مستعمرين لا تزال تغلي مراجله في صدورهم.
إن عداءهم لنا عداء عقيدة متمكن في النفوس، غائر في الصدور.
ولنعلم إخوتي أننا بالإسلام أعزة أقوياء وبدونه أذلة ضعفاء نهبا لكل معتد أثيم.
إن عز هذه الأمة، ورفعة أهل الحق لا تتم ولن تكون إلا بالعض بالنواجذ على هذا الدين عقيدة وشريعة، صدقا وعدلاً. إحلالا للحلال، وتحريما للحرام، ثباتا في الموقف، وقوة في الولاء والبراء، لا يزعزه تهديد ولا إغراء، ومن رضي بالحياة الهينة، واستثقل حمل الشدائد، وهان دينه عليه فلن يحقق مجدا، أو يحرز عزا، ويحفظ حقا.
نسأل الله - جل وعلا - أن يهدينا إلى الصراط المستقيم صراط الذين أنعم الله عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين.
الخطبة الثانية:
الحمد لله وحده..... أما بعد:
فيا عباد الله: اتقوا الله...
إخوة الإيمان:
حين نتكلم عن النصارى فإننا نبين بذلك عقيدتهم التي ضلوا فيها وضلالتهم وخرافتهم، ونبرز حقيقة عدائهم على مر التاريخ، وإننا بذلك نحذر منهم ونقوي جانب الولاء والبراء في نفوس المسلمين، هذا المبدأ العظيم الذي فقد أو كاد في قلوب كثير من المسلمين حتى رأيت في قلوبهم المودة والقربى للنصارى وغيرهم، وترى البكاء والرثاء بل والترحم لفقدهم وموتهم، وترى الإعجاب برموزهم وفسّاقهم، والرحمة والتأثر لمصابهم.
فهل غفل أولئك عن عدائهم للإسلام وأهله وبغضهم له واستفادتهم منه: \"يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق\" [الممتحنة: 1].
إن عقيدة الولاء للمؤمنين والبراءة من الكافرين حين تقوى في نفوس المسلمين وقلوبهم فلن يكون منهم إلى النصارى أو غيرهم ركون، ولا بهم وثوق، ولن يتخذونهم بطانة أو أولياء.
نسأل الله أن يعز الإسلام وأهله، أن يذل الباطل وأهله.
وصلوا وسلموا يا عباد الله على من أمركم...
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد