هبوا للعمل الإغاثي


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الخطبة الأولى:

 الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين..

 

أمّا بعد: فاتّقوا الله عباد الله، واعلموا أنَّ التقوى حصنٌ منيع، وبها يتحقَّق الحال الوديع والمآل البديع، ومَن صدف عنها فقد باء بالوَبال الذريع والمصير الشنيع والعذاب الفظِيع.

 

أيّها المسلمون، الأمّة الحصيفةُ الواعيَة هي التي تُحسِن الإفادةَ من أزماتِها وأخذَ الدروس والعبَر من نكباتها، ولقد كشفتِ النوازل الأخيرة على أمّتنا عن عِبرٍ, ومواقفَ لا ينبغي أن تمرَّ دون تذكٌّرٍ, واعتبار، يأتي في طليعتِها أنّ الأمّة في هذه المراحل الحرِجة والمنعطفاتِ الخطِرة من تأريخها أحوجُ ما تكون إلى صدق اللَّجَوء إلى الله - سبحانه -، لجَوء الواثِق بموعوده الحقّ، المؤمِن بأنَّ التدافع بين القوى سنّة دائمة ما دامَت السموات والأرض، وأن النّصر والغلبةَ رهين نصرِ الأمّة لدينها وتعظيمها لشريعتِها واستمساكها بكتابِ ربّها وسنّة نبيّها.

 

وثمّة أثر آخرُ مهمّ يجدر التذكير بِه وهو أنّ التحديّات الكبرى التي وُوجهَت بها أمّتُنا يجِب أن تثمِر وعيًا متسامِياً في صفوف أبنائِها ويقظةً رشيدةً لدى مفكِّريها وأهلِ الرأي فيها، تتطلّبُ حسنَ استثمارها وترشيدها، ليتمَّ بعدُ توظيفُها في بناء الأمّة بناءً محكمًا يسدٌّ ثغراتِ الضّعف والوهن التي ينفذ منها الخُصوم، ويحمل الغيورين على أمّتهم أن يوظِّفوا طاقاتِ أبنائها في برامجِ عملٍ, جادّة مؤصّلة لنصرة العقيدة والملّة والذبّ عن بيضة الأمّة ورعاية مصالحِها والحفاظِ على أمنِها ومقدَّراتها ونصرةِ قضاياها ومقدّساتها، كيف وقد سقطتِ الأقنِعة وتكشّفت الحقائقُ وبان زيفُ الشعاراتِ وظهَر للمخدوعين والمنهزمين مِن بني جلدتِنا نماذجُ التحضّر والتمدٌّن المزعوم والتقدّم والرقيِّ الموهوم.

 

لقد آن الأوانُ أن تعيدَ الأمّة النّظرَ وتشخِّص مرحلةَ الخطر، فيكونَ لها من مواقفِ المحاسبة والمراجعة في برامجِها ومناهجها ما يتناسَب وفقهَ النّوازل والمواقف المستجدّة، معتقدةً عقيدةً لا يشوبها ريبٌ ولا امتراء أنَّ دينَها ثوابتها وقيَمها هي القواعد الكبرى التي تنطلِق مِنها في عِلاج أزماتِها والخروج من نكبَاتِها.

 

معاشرَ المسلمين، ها قد تقشَّعت سحابةُ الخَطب أو كادت، فهلاّ أدركتِ الأمّة ماذا يراد بها ولها وما كادت؟! وإنّكم ـ يا رعاكم الله ـ إن استعصمتُم بحبلِ ربّكم لن تتفرَّقوا غَدًا، وإن اهتديتُم لوحدتِكم في محنتِكم هذه لن تضِلّوا بإذن الله أبدًا.

 

إخوةَ الإسلام، لئِن وضعتِ الحرب على العراق أوزارَها وأُطفِئ لهيبُها وأخمِد أُوارُها فقد كان ولا زال ببالِغ الأسَى حظٌّ إخوانِكم منها تجرّعَ مرارتِها واصطلاء نارها وآثارها، ممَّا يؤكِّد أنَّ من الواجبات المتحتِّمات في هذه المرحلة بالذّات استنهاض هِمم الأمّة لنصرة إخوانِهم المستضعفين، وتضميد جراح المنكوبين، وإغاثة الملهوفين، مواساةً لهم وإسهامًا في رفعِ المعاناة عنهم وإمدادِهم بما يحتاجونه من أصناف العَون المختلفة وألوان المساعدة في جميع أوجُه البرّ المتعدّدة، فهلمٌّوا ـ أيّها الكرماء الأوفياء والنّبلاء الأسخياء ـ إلى ميدانِ التراحم الوريف ومضمارِ التعاطف الشّفيف، آسُوا بعطائكم جراحَهم، وبدِّدوا ببذلِكم أتراحَهم، وغيرُ خافٍ, عليكم أنَّ إحسانَكم إليهم يخفِّف عنهم الأوضارَ ويسرِّي عنهم الشوائبَ والأكدار، فأغيثوا الفقيرَ والمحروم، وضمِّدوا جراحَ المكلوم، وخفِّفوا عن الملتاعِ المهموم، ودونكم القرآن الكريم فإنَّ عبابَه بالآيات الحاثّة على ذلك ماخِر، وهاكم بحر السنّة العطرة فإنّه كذلك بحمد الله زاخِر، يقول الحقّ - سبحانه -: \"وَمَا تُنفِقُوا مِن خَيرٍ, فَلاِنفُسِكُم وَمَا تُنفِقُونَ إِلاَّ ابتِغَاء وَجهِ اللَّهِ وَمَا تُنفِقُوا مِن خَيرٍ, يُوَفَّ إِلَيكُم وَأَنتُم لاَ تُظلَمُونَ\" [البقرة: 272].

 

إنّ ما تنفقون في البرّ والإغاثة من المَال هو الذي يُدَّخر لكم في الحال والمآل، يقول في الحديث الصحيح: ((المسلم أخو المسلم، لا يظلِمه، ولا يُسلِمه، ولا يخذُله. مَن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرّج عن مسلم كربَة فرّج الله عنه كربةً من كرَب يوم القيامة، ومن ستر مسلمًا ستره الله يوم القيامة))[1]، ((والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه))[2]، ويصِف اتحادَ وتضامنَ المجتمع المسلم المتوادّ والمتعاطف بإعجاز نبويٍّ, مُبهِر، فيقول – صلى الله عليه وسلم -: ((ترى المؤمنين في توادِّهم وتراحمِهم وتعاطفهم كمثل الجسدِ الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسَد بالسّهر والحمّى)) مخرَّج في الصحيحين[3]، وفي مسند الإمام أحمد عن عثمان - رضي الله عنه - قال: إنَّا ـ والله ـ قد صحِبنا رسولَ الله في السّفر والحضر، فكان يواسينا بالقليل والكثير[4]. نعم فداه أبي وأمي، \"وَمَا أَرسَلنَـاكَ إِلاَّ رَحمَةً لّلعَـالَمِينَ\" [الأنبياء: 107]، وفي مأثور الحِكم: \"صنائعُ المعروف تقي مصارعَ السوء\".

 

إخوةَ العقيدة، وإنَّ إخوانًا لكم في الدّين في بقاع شتّى لا سيّما في الأرض المباركة فلسطين وبلاد الرّافدَين قد مسّتهم البأساء والضرّاءُ وتجرَّعوا علقمَ القَهر والعناء، فتذكَّروا مِنهم الثكالى النّائحات والأيامى الباكيات والأمّهات المولّعات، تذكَّروا منهم البنوّةَ المشرَّدة والأبوَّة الملتاعة الممزّقة، تذكّروا منهم المرضى والعجزَة والزمنَى لا يجِدون الدواء، تذكّروا الأنقاضَ والأشلاء والدّموع الهامية والأجساد الدّاميَة، تذكَّروا اللاجئين الحفاةَ والمجرَّدين الجوعى العراة، بل تذكَّروا الرغدَ الرّغيد الذي تنعمون به والأمنَ الوطيد الذي تتفيّؤون ظلالَه، أقواتُكم بحمد الله معجَّلة، وأوقاتُكم بالهناء والصّفاء محجّلة، فأمِدّوا ـ رحمكم الله ـ إخوانَكم بالمال والغذاء والكِساء والدّواء، يقول المولى - سبحانه -: \"وَمَا أَنفَقتُم مّن شَيء فَهُوَ يُخلِفُهُ وَهُوَ خَيرُ الرَّازِقِينَ\" [سبأ: 39]، وعند الإمام مسلم من حديث أبي مسعود الأنصاري - رضي الله عنه - قال: جاء رجل بناقة مخطومة إلى رسول الله فقال: هذه في سبيل الله، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((لك بها يومَ القيامة سبعمائة ناقة، كلٌّها مخطومة))[5]، الله أكبر، عطاءٌ غير مجذوذ، وتجارةٌ رابِحة لن تبور.

 

ألا وإنّ مِن حقِّ إخوانِنا علينا خاصّة في فلسطين وبلاد الرافدين رفدَهم بالتذكير بأهميّة الجدّ في إصلاح أحوالِهم وجمعِ صفوفِهم وتوحيدِ كلمتهم وتجاوز ما بينهم من خلافات والاهتمام ببنيتِهم الداخليّة والحفاظ على أمنِ ومصالح بلادِهم وتفويتِ الفرصة على أعدائهم والعناية بموروث حضارتِهم ومعطيات تأريخهم ومقدّراتهم وصيانة حقوقِهم ومكتسباتِهم واجتماعِهم على الكتابِ والسنّة، ليتحقَّق لهم الخير الذي ينشدون والأمن الذي إليه يتطلّعون، وليتمكَّنوا بإذن الله من الصّمود في وجهِ الاحتلال.

 

وإنَّ مِن الخذلان العظيم للمسلمين أن تُسمَع شكواهم ويعلوَ أنين مِحنتهم فلا يجيب بعض النّاس إلا بهزِّ كتفَيه وثنيِ عِطفيه والنّوم ملءَ جفنيه، وكأنّ الأمر لا يعنيه في قليلٍ, ولا كثير، والله المستعان.

 

إخوةَ الإيمان، إنّ وشيجة الأخوّة الإسلاميّة الحقّة المتمثِّلة في قوله - سبحانه -: \"إِنَّمَا المُؤمِنُونَ إِخوَةٌ\" [الحجرات: 10]، وقوله - جل وعلا -: \"وَالمُؤمِنُونَ وَالمُؤمِنَـاتِ بَعضُهُم أَولِيَاء بَعضٍ,\" [التوبة: 71] هي التي تدفع المسلمَ بقوّة لكشف ضوائق إخوانِه، فلا يهدأ بالُه ولا تطمئنّ نفسه حتّى يفرَّج ما بهم من همٍّ, ويزولَ ما ألمّ بهم من غمٍّ, وتنجاب عنهم الكرَب والظُلم.

 

ومن آلاءِ المنعِم المتفضِّل - سبحانه - أنَّ هذا المهيَعَ الإسلاميّ المكين الراميَ بنوره وصفائه ورحمته ومواساتِه في آفاق النّبوّة الفيحاء ومداراتِ السلف الكرامِ النّبلاء لهو صفوةُ المشاعر الرقيقة التي يدّخرها المسلم لأخيه المسلم وإن شطَّ مزارُه وكان في منأًى عن العِلل والأوصاب، فكيف بمَن هدّت الأرزاءُ منه القامَة ودَمَحت المِحن منه الهامَة، بعدَ أن لوّعت بالحرقة فؤادَه وفرَت بالقَهر أكبادَه، فلك الله يَا شعبَ فلسطين، ولكَ الله يا شعبَ العراق، ولكِ الله أيّتها الشعوبُ المستضعَفَة في كلّ مكان، فلن يضيِّعَكم الله، فاصبِروا وصابِروا وأبشِروا وأمِّلوا، واشتدّي أزمةً تنفرِجي.

 

معشر المسلمين، إنَّ دروبَ الإحسان والتفانيَ فيها آفاقٌ واسعة خلاّبة، تنعَم فيها النفوس المسلمة الرضيّة بجمال السّعَة وبُعد المدى وجلال العاقِبة، وإنّ العمل الخيريَّ والإغاثيّ إيمانٌ مُسعِد وخُلق كريم لأَلَقِ اليقين مُصعِد، كيفَ وهو تدرّجٌ في سُلّم النّجاح، وصعود إلى مراقي الفلاح، فالله - عز وجل - يقول: \"وَافعَلُوا الخَيرَ لَعَلَّكُم تُفلِحُونَ\" [الحج: 77]. كما أنّه يرفع المسلمَ إلى أعلى الكمالاتِ في براءةِ النفوس من الشّحّ والإمحال، وبسط الرّاحة بالبذل والنّوال، وهو مِن الأدلة على كمالِ الإيمان وحسنِ الظّنّ بالله - سبحانه -.

 

إنّ الإحسانَ والبرَّ والحنوَّ على الفقراء والمنكوبين والمشرَّدين واللاجئين والثكالى واليتامى مِن جرّاء الحروب والكوارثِ وآثار الخطوب والحوادث ليمثِّل أنقى وأبقى وأغلى وأعلى مثالٍ, للبريّة، يتصوّره قلبٌ برّ رحيم وضمير يقِظ كريم، وليت شِعري كم هي مضيئة مُشرقةٌ، ومِن أغلال الشحِّ والأنانيّة معتَقَة، تلك الصّورة الخلاّبة خصوصًا إذا قورِنت بصورةِ الحِقد الدّفين الذميم والهدم والتّشريد اللئيم.

 

أمّة الإسلام، ولقد سَرى في الأسمَاع وجرى في الأصقَاع أنَّ الأعمالَ التي تجمِّل الحياةَ وتُعليها وتقِف بِها في مستوى الإِجلال وتحييها هي الأعمالُ التي تنزَّهت عن المآربِ الدنيويّة الخاصّة والمنافعِ الذاتيّة القاتِمة، وشمَخت عن علّة الرّياء واستجداء السّمعة والثّناء. أجَل، هي الأعمالُ التي كان الرجاءُ منها مرضاةَ الله وجزيلَ ثوابه، دون منٍّ, أو إيذاء، ليلُها كنهارها، لا تخفَى إلاّ على العُشو، ولا تعزب إلاّ على البُله، ظاهرُها العطفُ والإحسان، وباطنها الرّحمة والحَنان، قد صاغت مجتمَعَنا المسلمَ في نسيجٍ, محكَم بديع ومنظومةٍ, فريدَة متألِّقة. إنّها الأعمال الخيريّة الإغاثيّة على تنوّع دروبِها ووفرةِ ضروبها.

 

ألاَ بورِكت بلادٌ لا زالت بالأمنِ مأنوسة، وبتحكيم شرعِ الله محروسة، سبَّاقةً للخير، سبّوحةً للعطاء، سائرةً على مبدئها المثاليّ المتفرِّد المنبثقِ من دينِنا الإسلاميّ الحنيف ومنذ الأزل في إغاثة المرزوئين ومساعدةِ المنكوبين ومساندةِ المستضعفين وتبنّي قضايَا المسلمين على ثَرى المعمورة، تضامُنًا مع سائر المجتمعاتِ عند حلول المِحن والمصائب والملِمّات.

 

وها هو التأريخ يدبِّج بأبهى مظاهرِ الأخوّة والرّحمة ثالثةً ورابعة بإنفاذ القوافلِ الإغاثيّة والعطاءات النقديّة والطبّيّة والعينيّة المتنوّعة لبلاد الرافدَين التي أثخنَها الكَرب، وكذا لأختِها من قبلُ فلسطين، كما وَصل لبلاد منكوبةٍ, من قبل، جَعله الله خالصًا لوجهه الكريم، ونسأله في عليائه أن يثقِّل بذلك موازينَ الحسنات، وأن يزيدَ الجميعَ سدادًا وتوفيقًا، كما نسأله - تعالى -أن يجزيَ الباذِلين والمؤثِرين خيرَ الجزاء وأوفاه، وأن يجعلنا وإيّاهم ممَّن وُهِب التوفيقَ وهُدِي إلى سواء الطّريق.

 

آمينَ آمينَ لا أرضَى بواحدةٍ, حتّى أضيفَ إليها ألفَ آمينَا

 

بارك الله لي ولكم في القرآن والسنّة، ونفعني وإيّاكم بما فيه من الآيات والحكمة، أقول قولي هذا، وأستغفِر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كلّ ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه، فيا لَفوز المستغفرين، ويا بشرى للتّائبين.

 

الخطبة الثانية:

 الحمد لله الكريمِ الرّؤوف، أوصانا بالتّراحم وأجزلَ الثوابَ لذوي الإحسان والمعروف، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له - سبحانه - له أشرفُ الأسماء وأسنَى الوُصوف، وأشهد أن نبيّنا محمّدًا عبد الله ورسوله خير من أغاث الملهوف، وأعان على النوائب والصّروف، صلى الله وسلّم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه فرسانِ الوغى والزّحوف، وأئمّة الهدى والصّفوف، ومن اتّبع آثارَهم بصدقٍ, إلى يوم الدين.

 

أمّا بعد: فاتّقوا الله عباد الله، واعلموا أنَّ إسعافَ المكلومِ والبرَّ إلى المحرومِ نِعمَ الذّخرُ والبِضاعَة، وقد أوبَق بنفسه من فرّط في ذلك وأضاعَه.

 

أيّها الإخوة الأحبّة في الله، إنَّ العملَ الخيريّ والإغاثيّ المؤسَّس على تقوًى من الله ورضوان ونورٍ, من كتابِه لهو طريقٌ ميمون مبارَك، وخلُق إسلاميّ في الذؤابة من الجلال والجمال، وأهلُ الإسلام هم أهلُ الإغاثة حقًا ومعنى، ألم تَروا أنّهم لا يرجون من ذلك جزاءً ولا شكورا، ولا سُمعَة ولا ظهورًا، بل يَرجون المقامَ الكريم والنَّعيم المقيم. إنّهم يرجون معيّة الله التي أنبأ بها في كتابه: \"إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوا وَّالَّذِينَ هُم مٌّحسِنُونَ\" [النحل: 128]، وما أعظمَ أن يكونَ الله مع عبده، إذًا لتحقَّقت له الغَلَبة، واستنار طريقهُ، وكانت صفقتُه رابِحة وحاله صالحة، واستطاع أن يكونَ المرآةَ العاكسةَ للصّورة العمليّة المثلى للإسلام.

 

أيّها الإغاثيّون النبلاء، أيّها الخيِّرون الكُرماء، إنّ الأشواك المسمومةَ بالأباطيل والاختلاقات التي تنشَر في دروب هذه الأعمالِ الصالحات من قِبَل الكاشحين والأعداء لتُرنِّق سَلسَال هذا المشرب لن تبلغَ أرَبَها بإذن الله، ودونَها في ذلك خرطُ القتاد وعيٌّوق الثّريَّا، وما إثارةُ الزّوبعةِ ضدَّ العمل الخيريّ والإغاثيّ بدعاوي مغرِضة إلاّ من سنّة التدافع بين الحقّ والباطل، وما وقَف الباطل تلقاءَ الحقّ الصّراح إلا اندَحَر محجوجًا وولَّى خاسئًا ممجوجًا.

 

وثمَّة ـ يا عباد الله ـ ملحظٌ مهمّ يحسُن التنبيه عليه في هذا المقام، وهو أنَّ أهميّة العمل الخيريّ في مثل هذه الأزمات يُعطي تجربةً رائدة تنتهِجها الأمّة في مستقبَل أزماتِها، فلا بدَّ أن يكون العمل الخيريّ ومؤسَّساته على مستوى المرحلةِ ومتطلّباتها، مما يؤكِّد ضرورةَ وضع الخطَط بعيدةِ المدى عبرَ هيئاتٍ, عُليَا ومجالسَ تنسيقيّة موثوقَة، مع التّأكيد على الجوانب العقديّة والفكريّة التي تتطلّبها المرحلة والأحوال، حيث تركّز على تفريغِ قوّة الأمّة المعنويّة في تحقيق مصالحها الشرعيّة.

 

وأمرٌ آخر من الأهميّة بمقدار، وهو أنَّ الأعمالَ الخيريّة على تنوّع مشاربِها العَذبة إنّما تنبثق من عقيدتِنا الإسلاميّة الراسِخة وآصرتِنا الإيمانيّة المتينةِ وما يُمليانه علينا مِن التّواصي بالخير والرّحمة، وهي أعمالٌ لا ينصرف معنَى الإحسان والمحبّة والإنسانيّة إلاّ إليها، ومَن يظنّ غيرَ هذا فقد أبعد النّجعة وظنَّ ظنَّ السّوء بالأمّة، وَلاَ يَحِيقُ المَكرُ السَّيّىء إِلاَّ بِأَهلِهِ [فاطر: 43]، وكان الله في عونِ العاملين المخلِصين لدينِهم وأمّتهم.

 

ألا وصلّوا وسلِّموا ـ رحِمكم الله ـ على نبيّ الرحمة والهدى، الرّسول المجتبى والنبيّ المصطفى والحبيب المرتَضى، كما أمَركم بذلك ربّكم - جل وعلا -، فقال - تعالى -قولاً كريمًا في محكم التّنزيل وأصدق القيل: إِنَّ اللَّهَ وَمَلَـائِكَـتَهُ يُصَلٌّونَ عَلَى النَّبِىّ ياأَيٌّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا صَلٌّوا عَلَيهِ وَسَلّمُوا تَسلِيماً [الأحزاب: 56].

 

اللهمّ صلِّ وسلِّم وبارك على نبيّنا وحبيبنا محمّد بن عبد الله، صاحبِ المقام المحمود والحوض المورود واللّواء المعقود، وعلى آله الطيبين الطّاهرين، وصحابته الغرّ الميامين...

 

_______________________

[1] أخرجه البخاري في المظالم (2442)، ومسلم في البر (2580) من حديث اين عمر - رضي الله عنهما -، وليس فيه: ((ولا يخذله)).

[2] جزء من حديث أخرجه مسلم في الذكر والدعاء (2699) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.

[3] أخرجه البخاري في الأدب (6011)، ومسلم في البر (2586) من حديث النعمان بن بشير - رضي الله عنه -.

[4] أخرجه أحمد (1/69) عن عباد بن زاهر عن عثمانرضي الله عنه، وصححه الضياء في المختارة (1/480-481)، وقال الهيثمي في المجمع (7/228) بعدما عزاه أيضا لأبي يعلى: \"رجالهما رجال الصحيح غير عباد بن زاهر وهو ثقة\".

[5] أخرجه مسلم في الإمارة (1892).

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply