رسالة إلى العقلاء ( 2 )


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الخطبة الأولى:

أما بعد أيها الأخوة المؤمنون:

حديث إلى العقلاء..نواصل إرساله إلى الأمهات والآباء وإلى البنات والأبناء في أمر تأسيس الأسرة المسلمة، وفي أمر الزواج الشرعي والسنة النبوية الهادية المرشدة.

وقد سلف لنا بعض هذا الحديث عندما كان الحديث عن الصورة المثلى للزواج، وتكوين الأسرة في منهج الإسلام.

وعندما تحدثنا قليلاً عن أسس الاختيار التي وضعها شرع الله - عز وجل - بإرشاد المصطفى - صلى الله عليه وسلم - للأمةº حتى تأسس الأسرة على أسسٍ, قويمة متينة، فيها عوامل الاستمرار والبقاء، وفي ثناياها أسباب النجاح والصلاح بإذن الله - سبحانه وتعالى -.

 

ونمضي في الحديث مع بعض التوجيه والتركيز على الخطوات التي يمر بها هذا الزواج والتأسيس للأسرة المسلمة لنربط هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - وحكم الإسلام بما هو واقعُ في بيئاتنا وما هو شائعُ بين أسرنا مما يوافق ذلك أو يفارقه ويخالفه.

 

وأول هذه الخطوات:

خطوة الخطبة:

التي هي بداية الطريق وقد سلف لنا حديثُ في ذلك، إلا أني أجمعه وأزيد عليه واربطه بالواقع لكثرة الشكوى من المخالفات والمفارقات لشرع الله - عز وجل -.

إن المرء - أيها الأخوة الأحبة - إذا أراد سفراً أو إذا عزم أن يشارك أحداً في تجارةº فإنه يبذل غاية الجهد والوسع في السؤال والتحري عن رفيق السفر وشريك العمل بصورةٍ, ربما وصلة إلى درجة المبالغة.

فهو يبحث عن الأمانة، وعن الصدق والصيانة وعن حسن المعاملة، وعن جميل الوفاءº إضافة إلى سؤاله عن الأصل والفصل وغير ذلك.. فكيف يسأل كل هذا السؤال، ويتحرى كل هذا التحري في سفرٍ, هو أمرٌ عارضٌ من عوارض الحياة الدنيا ينتهي بمدته، وينقضي بانتهاء رحلته، ويسألك ذلك في أمرٍ, من أمور الدنيا.. تجارةٌ يمتد زمنها يطول أو يقصر، تفشل أو تنجح ثم لا يأخذ هذا الأمر فيما هو أجل وأعظم، وفيما هو عند الله - سبحانه وتعالى - أجل وأعظم وأنفع وأحكم.. في أمر الزواج!

ذلك أن كثيراَ من الأسر تفرّط في هذا الجانب، وتقنع باليسر من المعلوماتº بل ربما تغرها المظاهر ويبعد عنها أمر التقويم الشرعي.. فتقع حينئذٍ, في المشكلة، فإذا كانت مشكلة المسافر مع صاحبه يمكن أن تنتهي بأن يذهب كل واحدٍ, في سبيله، والتاجر مع شريكه أن يفضا شراكتهما، ويأخذ كل واحدٍ, منهما ماله فأين وكيف يمكن بعد وقوع الخلل في عدم التحري والسؤال في شأن الزواج أن ينفصم هذا العقد الغليظ الذي شرعه الله - عز وجل - وأحكمه وغلظه بشرعه وآياته وهدي رسوله - صلى الله عليه وسلم -!

{وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعضِ وأخذنا منكم ميثاقاَ غليظا}.

ما وصف ميثاقُ بهذا الوصف إلا هذا الميثاق الذي هو عقد الزواج.

فماذا نرى في أحوال كثيرِ من الأسر؟

إنها قد تغتر بالمظاهر الجوفاء - كما مر بنا في حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - لما مرّ به الرجل فسأل بعض من كان معهم عنه - وكان رجلاً ذا منظر جميل وهيئة حسنة وثراءٍ, ظاهر - فقالوا : إن هذا حريٌ إن شفع أن يشفع، وإن قال أن يسمع، وإن خطب أن ينكح!

ثم مرّ أخر - وليس له مثل تلك الهيئة بل هو دونها، لا يتميز بمثل هذه المظاهر الخلابة، والألوان البراقة - فقالوا عندما سألهم النبي - عليه الصلاة والسلام - عنه : مثل هذا حري إن شفع أن لا يشفع، وإن قال أن لا يسمع، وإن خطب أن لا ينكح!

فقال - عليه الصلاة والسلام - : (إن هذا خيرُ من مائة من مثل هذا) أو كما قال - عليه الصلاة والسلام -.

 

ليبين أن المظهر لا يكفي بل قد جعل الله - عز وجل - المظاهر الفارغة سمتاً من سمات أهل النفاق : {وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم كأنهم خشبُ مسندة يحسبون كل صيحة عليم هم العدو فاحذرهم قاتلهم الله}.

ليست هذه المظاهر ينبغ على الآباء والأمهات والأبناء والبنات أن ينظروا إليها فكم رأينا من زواجاتِ فشلت، وأصبحت من وراءها شحناء وبغضاء، وخصامُ ونزاع.. ذلك أن الأب لم يكلف نفسه أن يسأل عن رجلٍ, يريد أن يعطيه ابنته بشرع اللهº لتبقى معه في مسيرة الحياة، وكذلك أحياناً يفعل ذلك الشاب عندما تغره المظاهر.. فلا يسأل عن المخابر وعن ما وراء هذه الظواهر ويقع حينئذٍ, هذا العناء والبلاء.

 

وثانيةٌ من الخطوات ذكرها النبي - صلى الله عليه وسلم - لتكون أساساً إلى طريقٍ, صحيحٍ, يؤدي إلى نتيجةٍ, نافعةٍ, صالحةٍ, بإذن الله - عز وجل -.

في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عند الإمام مسلم قال : (جاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبره أنه تزوج امرأة من الأنصار فقال له - عليه الصلاة والسلام - : (أنظرت إليها؟ ) قال : لا قال : (فانظر إليها فإن في أعين الأنصار شيئا).

وفي روايةِ أخرى عند الترمذي بيان تعليل هذا النظر فقال - عليه الصلاة والسلام - : (فإنه حريُ أن يؤدم بينكما).

(ومعنى أن يؤدم بينكما) أن يحصل الوئام والوثاق والصلاح.

 

وقال - عليه الصلاة والسلام - : (إذا خطب أحدكم امرأة فإذا استطاع أن ينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل). أخرجه أبو داود والحاكم وصححه وحسن سنده الحافظ بالفتح.

قال الجمهور في هذه المسألة : \" لا بأس أن ينظر الخاطب إلى المخطوبة \". قالوا : \" ولا ينظروا إلى غير وجهها وكفيها \".

وهذا القول الشائع عن الجمهور، وهو سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - التي سأل عنها أصحابه، ثم وجههم إليها، ثم بين لهم العلة فيها، ثم دعاهم إلى فعلها - ولو من طريقٍ, غير مباشرة - ما دام القصد هو أن يكون ذلك سبباً من أسباب الوئام والوفاق.

 

وهنا نجد نظرتان مختلفتان، وواقعان مريران في حياة كثير من الأسر المسلمة :

فمن مُنكرٍ, لهذه السنة بفعله، رافض لها بواقعهº فهو يرفض هذه الرؤية الشرعية، ويري أن يزوّج الرجل دون أن يرى زوجته إلا في يوم دخلتها.

وكما قلت في شأن السفر - أو في أي أمرٍ, عارض - فإنك لا تأبى أن ترتبط بإنسانٍ, بأي عقدٍ,، أو أي مصلحةِ حتى تراه وتنظر إليهº فإن العناوين تبدو أحياناً من وجوهها، وإن النفوس قد تقبل وتنبسط أو تدبر وتنقبض لأمور نفسية لها أثرها سيما في أمور الزواج والعشرة.

وهذا لا شك أنه نوع خطيرٌ من الإعراض عن سنة النبي - عليه الصلاة والسلام -.

 

وأمر أخر توسع فيه المتوسعون وترخص فيه المترخصون، وتساهل فيه المتساهلونº بل قد تجاوزوا كل ذلك حتى ارتكبوا الحرام البين الواضح.

وذلك في شأن : العادة الغربية والتقاليد الكفرية والعادات الديوثية

التي جاءت إلى بلاد المسلمينº فزعزعت من حصانة أسرهم، وقوضت بعض عمد حياءهم، فإذا ببعض الأسر لا ترى مانعاَ أن يرى الخاطب مخطوبته، لا يرى وجهها وكفيها، ولا يكفي شعرها وذراعيها بل يخلو بها، ويمضي معها ويختبرها وتختبره كما يزعمون حتى يكون الزواج على أساس متين.. زعموا ذلك وما علموا أن شرع الله هو الحكيم الذي يحكم كل أمر!

وكثيرُ ما تقع من هذا بلايا ورزايا ومشكلاتٍ, وفضائح.. نعلم كثيراً منها، ونعرف قصصاً من واقع حياتنا منها.

 

ومعلوم أن أي أمرِ قبل انعقاده يشعر أو يعمل كل طرفٍ, على إنجاحه ولو بأية وسيلة، فصاحب صفقة تجارية إذا أراد أن يبيع قبل البيع زيّن البضاعة، وأظهر محاسنها وسلّط عليها الأضواء، وربما رخّص في سعرها إذا استطاع رغبةً في أن يلزم المشتري بشرائهاº فإذا اشتراها فلا عليه بعد ذلك إن كان ذا نيةٍ, سيئةٍ, ما فيها من عيبٍ,، وما وراءها من خللٍ,.. وغير ذلك.

 

والأمر كذلك في أمر الزوجين في فترة الخطبة التي هي تسمى فترة اختبار، أو فترة اختيار - كما يزعمون - فإن المرأة تظهر له أحسن ما عندها من معسول القول، وجميل المنظر وحسن الثياب.

وأما هو فإنه يعدها بالوعود الكثيرة، ويظهر لها من شهامته ورجولته وبطولته وغير ذلك.. ما أكثره غير صحيحِ ولا واقع أو على أقل تقديرº إنما دفع إليه الرغبة في الوصول إلى ما وراء ذلك من العقد والزواج، ثم تمضي الحياة بحقيقتها ومشاغلها ومشكلاتها ومعاناتها، فإذا هي على غير هذه الوعود الحالمة وعلى غير هذه الخيالات الواهمة، وحينئذٍ, يقع الأمر الوخيم، كما وقع في الأول عندما يأتي إلى امرأةٍ, لم يرها ولم ينظر إليها، فيدخل عليها فتنقبض منها نفسه، أو يسمع منها قولاً لا يعجبه.. فيجمع هذا إلى هذا فيكون بدايةً في التصدع في بنيان الأسرة أو على عكس ذلك يحصل مثل هذا، ثم يأتي الواقع فيكون على خلافه فيحل أيضاً مثل هذا التصدع وأما الشرع الحكيمº فإنه - كما أخبر - عليه الصلاة والسلام - ينظر إلى ما يدعوه إلى زواجها من رؤية وجهها.

 

وفيه مجمع محاسنها ورؤية هيئتها مقبلةَ ومدبرةº ليرى أن ليس فيها من عيبٍ, ولا عرجٍ, ولا عوجٍ, أو سمنٍ, أو غير ذلك.. فحينئذِ إذا أقبل فإنه يقبل عن علم وبينة، وإذا امتنع فإنه لا يكون قد هتك ستراً، ولا فضح أمراً، ولا اطلع على عورة.. وهذا هو شرع الله - عز وجل - ينبغي أن نأخذ به، وأن لا نجعل في واقعنا هذه المفارقات التي أتت علينا بكثيرٍ, من المشكلات.

 

وهناك هذا الإفراط وذلك التفريط، وكثيراً ما يتأثر الناس في هذا بالوسائل الإعلامية التي تغزو العقول والقلوب، وتضعضع القيم في النفوس.

وكثيراً ما يقرؤون ذلك على صفحات المجلات، ومن خلال المقابلات وفي بعض الصحف ونحو ذلك ونقول : نحن عندنا من كتاب ربنا، ومن سنة نبينا - صلى الله عليه وسلم -، ومن حياء نسائنا، ومن كرم رجالنا، ومن عظمة وحسن سلائقنا ما نترفع به عن مثل هذه السفاسف، التي قد اتبعتها أقوام.. فرأينا ما مضى به حالهم، وما وصلوا إليه من الغاية التي يترفع عنها الحيوانات ومن ليسوا من البشر من غير أصحاب العقول.

كل ذلك داخل في عموم قوله - جل وعلا - : {ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشةَ ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى}.

فكل مخالفة لأمر الله إنما هي مشقة وعناء، وكل تنكب لهدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إنما هو فتنة وبلاء، والحق كل الحق، والخير كل الخير، والصلاح كل الصلاح فيما جاء عن الله وعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

 

وثالثةِ من الخطوات المهمة أخبرنا به النبي - عليه الصلاة والسلام - فيما صح عنه عند الشيخين - أنه قال - عليه الصلاة والسلام - : (لا تنكح الأيم حتى تستأمر وتنكح البكر حتى تستأذن).

إلى العقلاء من الآباء والأمهات شرع الله جعل للبنات في أمر زواجهن رأياً، وجعل لهن فيه خياراً بل فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - ما هو أعظم من ذلك كما ورد في الحديث، عن خنساء بنت خذام أن أباها زوجها من دون إذنها - وهي ثيب - فأتت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبرته بذلك، فردّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نكاحها.

 

وذلك لأن أمر القبول والإيجاب هو أساس هذا العقد وليس الإيجاب كافياَ من قبل الولي! بل لا بد أن يكون من قبل المرأة نفسها ثيباَ كانت أو بكرا وليس بضرورة التصريح بذلك بل يكفي فيه ما يشر بالرضا والقبول إشعارا ظاهرا بيناَ لا شبهة فيه.

بل يحسن بولي الأمر من الأبي أو الأم أن ينوع السؤال، وأن يعطي فترةً من الإمهال، وأن يعاود مرة أخرى التحسين أو التقبيح، أو عرض المحاسن والمساوئ، أو عرض المزايا أو غير ذلكº حتى تكون البنت على بينة من أمرها، غير مغلوبةٍ, على رأيها، ولا مقهورة في زواجهاº فإنه إن وقع ذلك كان أيضاً سبباً من أسباب الشقاء والبلاء في غالب الأحوال.

 

ولذلك هذا الأمر أيضاً ينبئنا عن عظمة هذا الدين، وعن أخذ الأسباب الكفيلة بكل ما يحقق أسباب النجاح لهذا الزواج، ومن ذلك اعتبار رأي المرأة والبنت في هذا.

 

وهنا أيضاً أمران آخران فيهما تطرف أو إفراط وتفريطº فمن مجبرٍ, للبنت على زواجها، لا تعرف من زوجها حتى اسمه، ولا اسم أهله، ولا وظيفته ولا عمله المهم أن يرضى عنه أباها، وأن يعرف ما سيغنم من مالٍ, إذا كان ينظر إلى هذا، ثم لا تلبث أن تفاجأ بهذا الرجل الذي لم تعرف عنه شيئاً أو لم تقبل به بصورةٍ, أو بأخرى.

 

وأمرٌ أخر هو أن يترك للبنت كامل الحرية من غير أن يُعطى لها ما يقسم عاطفتها من الانجرافº فإن بعض بنات اليوم تؤثر عليهن العاطفة من خلال بعض الأساليب غير الشرعية، التي قد تقع أحياناً فثمة مكالمات، وثمة مراسلات ومخاطبات، وثمة إغراءاتٍ, واغواءات تقدّم من الأبناء للبنات، ومن الشباب للشابات، فإذا جاء هذا الخاطب رضيت به، وأصرت عليه دون أن تستمع إلى مقتضى الشرع، أو إلى ما يستلزمه العقل، أو إلى ما ينصح به الأب.. فنقول للعقلاء من البنات ليس الأمر دائماَ هو هذه العاطفة المشبوبة ولا هذه الكلمات المكتوبة ولا تلك العبارات المعسولةº فإن الأمر أعظم من ذلك وإن الحياة الزوجية أجل من أن يقرر فيا بمثل هذه الأساليب العاطفية.

 

فلذلك ينبغي للأب أن يعطي للبنت حريتها في أخذ قرارها لكنه ينبغي أن يخلص لها رأيه، وأن يعطيها خبرته ولذلك جاء الشرع الحكيم باشتراط الولي في عقد النكاحº حتى لا يغرر بالمرأة.

وكم نرى اليوم فيما يعرض على الناس في كثيرِ من الأفلام والتمثيليات.. أن فلانة أحبت فلان، وأن أباها منعها منه، وقد يظهر في سبب المنع حجة واضحة، أو دليلُ شرعي، أو أمرُ عقليُ مقنع.. ومع ذلك تقفز هذا الحاجز! وتذهب - كما نرى ونسمع - مع ذلك الرجل لتتزوج كيف شاءت، ونعجبُ من أمورٍ, ليس لها أثرٌ، ولا قولٌ في الشرع إلا ما خالف أو شذ، فتجده يقول لها ذلك العاقل : قولي زوجتك نفسي، فتقول زوجتك نفسي، وكأننا في تمثليةٍ, حقيقيةٍ,، وليس في واقع من أمور الحياة والتي ينبغي أن نعرفها.

هكذا نرى لما اشترط الولي ليعصم المرأة من عاطفتها التي قد تفقدها صواب الرأي.

 

وهذا أمرُ وسط ينبغي أن يكون على هذا النحو، فلا تقهر وتجبر ولا يترك لها الحبل على غالبه من غير نصيحةِ ومن غير إرشادِ حتى تدرك هذه الحقيقة.

وكم وقع من هذا ومن هذا كثير من المشكلات أيضا.

وأمرٌ رابعٌ نراه في واقع حياة كثير من الناس في شأن الخطبة وهو أمر : العادات و التقاليد

التي ليست من شرع الله - عز وجل - وإنما في بعضها تقليدٌ أعمى لما جاء من الغرب أو من الشرق أو من بلاد الكفر هنا أو هناك.

وليس الأمر في ذات هذه الأعمال أو العادات، وإنما فيما استقر في نفوس الناس إما من تعظيمها أو من محبتها أو من فرضيتها ولزومها أو من اعتقاد أمور متعلقةِ بها.

ومن ذلك ما هو معلوم من خاتم الخطبة، أو ما يسمى بـ \" الدبلة \" أو غير ذلك إنه لا بد منها، وكأن الخاطب لا يعتبر قد خطب شرعاً، ولا قد عقد شرعاً إلا أن يأتي بمثل هذا الخاتم، ويعتبرونه رابطاً فإذا سقط يوماً فكأنما سقط هذا العقد، أو كأنما فسخت هذه الخطبة، وبعضهم يرى في ذلك حضارةً وتقدماً إن كانت هذه هي المزايا.. هذه هي النوايا وهذه هي التوجهات فلا شك من خطأها ومخالفتهاº لأنها تقليدُ واتباعُ وتشبه بأهل الكفر أو أهل الفسقº ولأن فيها معانٍ, ملزمةٍ, غير ما ألزم به شرع الله - عز وجل -.

وكذلك بعض الأمور التي يفعلها الناس تيمناً أو بركةً، فنحن نقول : إن التزام الشرع أعظم يمناً وبركة - كما يقال - في كثيرٍ, من العقود أو الخطب نقرأ الفاتحة، ويرون أن قراءة الفاتحة إحكامٌ للخطبة، أو إبرامٌ للعبد.. أو نحو ذلك!

نقول قد سن النبي - صلى الله عليه وسلم - في مثل هذه الأمور الدعاء المشروع باليُمن والبركة، والرجاء في إتمام الأمر.

 

وبعد أمر الخطبة نجد :

أمر العقد:

وهو الذي شاع أيضاَ في مجتمعاتنا بمسمى \" الملكة \" وهذه أيضاً يطول الحديث عنها.. أوجز بعضاً منها، ولنا معها ومع غيرها من أمور الزواج بقية حديث إن شاء الله - تعالى -.

من أهم هذه الأمور التي ينبغي التنبه لها والحذر منها والابتعاد عنها : طول الفترة بين العقد والدخول

بالزوجة.

فأحياناً تطول هذه الفترة ليست فترة أسابيع ولا شهور.. بل تمتد إلى سنوات! وهذا لا شك أن فيه خللاً وخطراً.

أما الخللº فإن العقد الشرعي هو الذي يقع به الزواج وتحل به الزوجة لزوجها، ويبقى بعد ذلك العرف وإعلان النكاح والدخول.. فتأخيره لغير سببٍ, شرعي هو فصمٌ للمرأة عن زوجها، أو هو منعٌ لإمضاء العقد الشرعي الذي فيه المصلحة وفيه العفاف والحصانة.

 

وثاني الأمور في هذا الخطر : أن زيادة الألفة مع طول العشرة مع كثرة الخلطة قد يقع به.

وهذا قد وقع كثيراً قد يقع به الممنوع في أثناء هذه الفترة المعاشرة بين الزوجين.

ثم إما أن يمضي الأمر بسلامٍ,، وإما أن يكون ذلك الرجل ذئباً خاطفاً سارقاً، فيترك هذه الزوجة ويطلقها بعد أن أخذ شرفها، ونال عفتها، أو أن يحصل أيضاً من وراء ذلك تأخيرٌ، ثم يحصل حملٌ، ثم تأتي الشبه والتهم.. وقد وقع من ذلك قصصُ عرفت أصحابها جاءوا يستفسرون أو يشكون أو يستفتون، أو يطلبون مخرجاًº فإن بعضاَ منهم قد يقع منه ذلك، ثم يشك أهله أو أهلها في أن أمر هذا النكاح أو أمر تلك المعاشرة لن يكن من الزوج لزوجته، ولا من العاقد على من عقد عليها، وهنا تقع كثيرُ من الخصومات والشقاقات والنزاع.. وقد رأينا في الجمعة الماضية كيف زف سعيد بن المسيب - رحمة الله عليه - ابنته في يوم عقدها مباشرةَ من غير كلفةِ ولا عناءِ ولا مشقةِ إلى زوجها حتى لا يمنع الزوج من زوجته.

فكثرة أو مطول هذه المدة فيه خطر وفيه غرر.

 

وكذلك الترخص الكثير الزائد وإن كان العقد من حيث الشرع قد أباح المرأة لزوجها إلا أن أمر العرف والإعلان الدخول له أثره في الحكم الشرعي، فينبغي عدم الترخص الزائد حتى لا تقع مثل هذه الأمور.

وأيضاً في العقد أمور أساسية، ومنها كما نعلم : المهر

فإنه لا يصح عقد بدون مهر، وقد مر بنا حديث عن المهر في حديثنا السابق، وفي مسند الإمام أحمد وسنن النسائي بسند حسن عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : (إن من يمن المرأة تيسير خطبتها وتيسر صداقها).

فمن أسباب النجاح وحصول الوئام - بإذن الله - عز وجل - أمر تيسير المهر، وقد مر بنا مهر النبي - عليه الصلاة والسلام - لأزواجه ومهر بناته رضوان الله عليهن أجمعين.

 

الخطبة الثانية:

أما بعد أيها الأخوة المؤمنون :

ومن الأمور المتعلقة بالمهر والصداق : أمر الشروط، وخاصة أمر المؤخرات

التي يشترطها الأباء أو تشترطها الزوجات وهذا أحياناَ يفعله كثيرُ من الناس بحجةِ يرونها صحيحةَ وهو أنهم يجعلون المؤخر عند الطلاق أو عند الانفصال مبلغاً ضخماً من المال لما يفعلون ذلك؟

قالوا : \" حتى إذا فكر في الطلاق فكر فيما وراءه من هذا المال فيحجم عنه \".

يريدون بذلك حفظ حق ابنتهم أو حفظ حياتها الزوجية! وما علموا أن الأمر ليس كذلك، وإنما الأمر بالتدين ومراقبة الله - عز وجل -، واتباع الشرع الحكيم واقتفاء سنة المصطفى - عليه الصلاة والسلام -.

 

أما من لم يردعه خوف الله ولا مراقبة شرع الله، فلن يردعه شيءٌ من هذه الأمور والشروطº فإنه يحتال عليها وأقل ذلك أن ينكد على المرأة عيشتها وأن يريها كما يقولون نجوم الليل بالنهار، وأن يفعل لها الأفاعيل، وأن يسيمها سوء العذابº حتى تطلب فكاكها منه ولو بأن تدفع له بدلاَ من أن يدفع لها.

فليس مثل هذا يقع به هذا الأمان أو ذلك الضمان.

وأمر أخر أحياناَ يجعل مثل هذا المؤخر إن كان مقسطاً وكثيراً وعظيماً، يجعله عبئاً على الزوج كلما ذكره أو تعسر عليهº فإن هذا العسر وذلك الضيق والتبرر يصبه غضباً على الزوجة، يدعو فيه عليها بالويل والثبور وعظائم الأمور، ثم قد يتجاوز ذلك فيسب أهلها أو ينالوا منهم.. لماذا؟

لأمر هذا المؤخر.

وليس في ذلك من الناحية الشرعية حرمة بل المفروض هو المراعاة التي يحصل بها الوئام بين الزوجين، ولا يقع مثل هذا النزاع مع العلم بأن هناك أمراَ عظيماَ خطيراَ ينبغي التنبه له وقد صح في حديث البخاري عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : (أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج).

أي أحق الشروط في الوفاء شروط عقد النكاح.. فمتى قبل شرطاً أو قبلة شرطاَ فإن الوفاء به لازمُ.

وفي معجم الطبراني الأوسط والصغير بسندِ رجاله ثقات عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : (أيما رجلٍ, تزوج امرأته على ما قلّ من المهر أو كثر، وليس في نفسه أي أن يؤدي إليها حقها خدعها فمات ولم يؤدي إليها حقها لقي الله - عز وجل - يوم القيامة وهو زانٍ,).

 

فهذه شروطُ استحلت بها الفروج، وعقدٌ غليظٌ لا بد من الوفاء به، وإذاً لا بد من نصيحةٍ, مهمةٍ, في هذا المقام :

لا تترخص أيها الزوج - أو أيها الولي - فتقبل بشرطٍ, وأنت ترى أنك لا تستطيع الوفاء به، أو تقول بعد ذلك يحله الحلال أو تريد في نفسك ألا تفيء به وإنما تريد أن يمضي العقد وأن يتحقق الزواج.

أحياناً يرى الأب في هذا الرجل زوجاً مناسباً وكلما شرط شرطاً وافقه لأنه يريد أن يزوجه.

أو يرى الزوج في المرأة زوجةً مناسبة فكلما شارط شرطاً وافق عليه ليتزوجها، ثم بعد ذلك لم ينتبه لعظمة هذه الشروط، وأيما شرطِ وافق شرع الله - عز وجل - وجب الوفاء به.

فينبغي أن لا يكثر الأولياء من الشروط المعقدة، وأن لا يتساهل الأزواج في قبولها إذا علموا أنهم لا يستطيعونهاº حتى لا تكون هذه الشروط حجر عثرة في أمر الزواج وفي مسيرة الحياة.

وهذا أمرُ يقع به دائماً كثيرُ من النزاع والخلاف فينبغي التنبه له، وهذه بعض المسائل اليسيرة في أمر العقد ولنا تتمة حديثٍ, إلى العقلاء إن شاء الله - عز وجل -.

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply