في ختام الأخوة


 

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الخطبة الأولى:

أما بعد أيها الأخوة المؤمنون:

آية من كتاب الله - سبحانه وتعالى- نتأمل في معانيها، ونتدبر في مراميها، ونرى أثرها وتطبيقها وما يتصل بنا في واقع حياتناº لنختم بذلك الحديث الذي بدأناه في شأن الأخوة الجامعة، والصلة الرابطة بين قلوب المؤمنين والمسلمين محبة ومودة تفيض بها القلوب، وإحساناً ولطفاً تتلفظ به الألسنة، وإكراماً وتودداً يقع بين المسلمين في المعاملة.. فلا يكون للشيطان نزغ بينهم، ولا يكون في القلوب شحناء ولا بغضاء ولا في النفوس نُفرة ولا إدبارº حتى تصلح أحوالنا وتتنزل علينا رحمات ربنا وتقوى صفوفنا ونستطيع - بإذن الله - سبحانه وتعالى- أن نواجه أعداءنا، وأن نُعلي راية ديننا، وأن نقتفي أثار نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -.

 

يقول الحق - جل وعلا -: {قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذاباً من فوقكم أو من تحت أرجلكم أو يلبسكم شِيعا ويذيق بعضكم بأس بعض انظر كيف نصرف الآيات لعلهم يفقهون}.

روى ابن جرير وابن أبي حاتم عن زيد ابن أسلم أنها لما نزلت قال بعض المسلمين لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - عندما نزلت وقال لهم:

(لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض بالسيف، قالوا: يا رسول الله ونحن نشهد ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله! قال نعم، فقال بعضهم: لا يكون هذا أبداً ونحن مسلمون!

 

أي تعجباً مما يؤول به الحال بين المسلمين إذا وقع اختلاف الأهواء واضطراب الآراء وتغاير النفوس وبغضاء القلوب حتى تفضي إلى القتل\" قالوا لا يكون ذلك أبداً ونحن مسلمون فأنزل الله - سبحانه وتعالى-: {انظر كيف نصرف الآيات لعلهم يفقهون * وكذّب به قومك وهو الحق قل لست عليكم بوكيل}.

 

هذه الآية مجال تأمل وتدبر لِما اقتضته سنة الله - سبحانه وتعالى- ومضى به قدره وكل أمره - جل وعلا - حكمة بالغة مستندة إلى علم محيط شامل مشتملة إلى رحمة منه - سبحانه وتعالى- سابغة: {قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذاباً من فوقكم أو من تحت أرجلكم أو يلبسكم شِيعا ويذيق بعضكم بأس بعض}.

روى البخاري في صحيحه من حديث ابن عبد الله - رضي الله عنه - أن هذه الآية لما نزلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: {قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذاباً من فوقكم...}.

قال - عليه الصلاة والسلام -: (أعوذ بوجهك).

{أو من تحت أرجلكم... }.

 

قال: (أعوذ بوجهك).

{أو يلبسكم شِيعا ويذيق بعضكم بأس بعض}.

قال:

(هذه أهون وأيسر).

وفي صحيح مسلم من حديث سعد ابن وقاص - رضي الله عنه - قال: أقبلنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فمررنا على مسجد بني معاوية، فدخل - عليه الصلاة والسلام - فصلى ركعتين فصلينا معه، ثم تفرغ يدعو دعاءً طويلا فسألناه.. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إني سألت ربي ثلاثاً سألته أن لا يهلك أمتي بالغرق فأعطنيها، وسألته أن لا يهلك أمتي بالسِنة - أي بالقحط والجدب - فأعطنيها، وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها).

 

ولله - عز وجل - في ذلك حكمةº فإن هذه هي الأمة الخاتمة التي يمكن أن تزول ولا أن تمحى ولا أن تهلك ولا أن تفنى كما أخبر - عليه الصلاة والسلام -: (لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله).

 

ثم لننظر إلى ما رواه الصحابة في روايات كثيرة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في هذا المعنى وفي معنى ما قدره الله - عز وجل - من هذا التلبيس والتخليط الذي يقع به اختلاف الآراء واضطراب الأمور وفساد الأحوال.

 

روى الإمام أحمد من حديث خباب بن الأرت - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (سألت ربي بأن لا يهلكنا بما أهلك به الأمم من قبلنا وسألت ربي أن لا يظهر علينا عدواً من غيرنا - والظهور معناه الاستيلاء الكامل الشامل والسيطرة التامة العامة - قال فأعطنيها وسألته ألا يلبسنا شِيعاً فمنعنيها).

 

{قل هو القادر}.

قال بعض أهل التفسير: ذلك يقتضي عدم الأمن من مكر الله - سبحانه وتعالى-، وامتلأت القلوب دائماً بخوفه وخشيته، والحرص على تلمس رضاه - جل وعلا - حتى لا يركن المؤمن إلى دنياهº وحتى لا يركن حتى إلى الخير الذي أعطاه الله إياه من علم نافع أو عمل صالحº فإنه متى ركن العبد إلى غير مولاهº حتى وإن ركن إلى إيمانه وإسلامه إذا كان ركونه ركوناً تاماًº فإنه يوشك أن يصاب بعقاب من الله - سبحانه وتعالى- إذ لم يفوض أمره إلى القادر الذي القلوب بين إصبعين من أصابعه يقلبها كيف يشاء.

 

كما أخبر - عليه الصلاة والسلام -: (إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها).

 

هو القادر - سبحانه وتعالى- على كل شيء من أصغر صغير إلى أكبر كبير.. من أقل الأشياء إلى أعظمها فهو - سبحانه وتعالى- القادر على كل شيء على أن يبعث عذاباً من فوقكم، قال أهل التفسير: هو الرجم أو من تحت أرجلكم قالوا هو الخسف.

 

ورُوي عن ابن عباس نظرٌ إلى المعاني المعنوية دون الحسية فقال: \" العذاب من فوقكم أمراء السوء ومن تحت أرجلكم خدم وعبيد السوء \".

إذ تفسد الأحوال من أعلاها إلى أدناها فلا يكون استقامة على شرع الله ولا يكون التزام بهدي رسول الله - عليه الصلاة والسلام - ولا يكون اعتصام بالكتاب والسنة ولا يكون موافقة على الحقº بل تكون الأهواء مستحكمة وتكون النفوس وما تميل إليه هو الذي يسيطر على حياة الناس.

قال القرطبي في تفسيره جامعاً ألواناً من العذاب الذي وقع في الأمم السابقة مما يشهد لهذا قال - رحمه الله - تعالى -: \" من فوقكمº أي بالرجم بالحجارة والطوفان والصيحة والريح كما فُعل بقوم عاد وثمود وقوم شعيب وقوم لوط وقوم نوحº فإنه قد وقعت بهم هذه العقوبات من فوقهم، أو من تحت أرجلكم قال يعني بالخسف والرجفة كما حل بقارون وبأصحاب مدين \".

 

وهذه عقوبات حسية أو معنوية - كما ذكر بعض المفسرين - قال إنها تشمل كل شيءٍ, من هذا وذاك ومال ابن جرير إلى المعنى الأول أي بالمعنى الحسي بشأن الرجفة أو بشأن الخسف أو بشأن الرجم وغيره، وقال وهذا المعنى صحيح والأول أظهر وأقوى.

 

الذي يتأمل حتى في حال الأمم المختلفة من غير أمة الإسلام يرى كيف يكون أنواع هذا العذاب إن كان حسياً أو كان معنوياً أنه من أشد البلاء الذي تستحيل به الحياة جحيما الذي لا تكون فيه سكينة للنفوس ولا طمأنينة للقلوب، ولا هدوء للبال، ولا حُسن في المعاملة، ولا ثقة بين الناس، ولا محبة في القلوب، ولا اطمئنان في النفوسº بل يكون الأمر كما نرى في أحوال هذا العالم اليوم عندما اشتط الناس فيه بعيداً عن هدى الله - سبحانه وتعالى- وتخلف وضعف التزام المؤمنين بدينهم كيف حلت الفرقة والشقاق والشحناء والبغضاء والمكر والكيد والقتل والتعذيب وكثرة الهرج الذي أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه من علامات آخر الزمان.

 

رُوي عن الحسن - رضي الله عنه - قال: \" حُبست - عندما تليت هذه الآية - عقوبتها حتى وقع ذنبها فأرسلت \".

وهذا فقه إيماني من السلف الصالح رضوان الله عليهم عقوبة مقررة لأسباب محددة فإن وقعت الأسباب نزلت العقوبة وذلك ما ينبغي أن نتأمله ونتدبره.

 

ننظر ونتساءل ما بال أمتنا قد تفرقت شِيعاً وأحزابا ما بال ريحها قد ذهبت وبال قوتها قد ولت! ما بال أفرادها قد تقطعت أواصرهم، وانقطعت علائقهم.. نبحث عن الأسباب والأسباب بين أيدينا ظاهرة بينة في كتاب الله - عز وجل -.

 

ولننظر إلى المعنى الذي نحب الوقوف عنده طويلا: {أو يلبسكم شِيعاً ويذيق بعضكم بأس بعض}.

 

هذا الأمر الذي اقتضت حكمة الله - عز وجل - أن يكون في هذه الأمة كما قال - عليه الصلاة والسلام -: (إن الشيطان قد يئس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب ولكن في التحريش بينهم).

إيغار القلوب وإثارة ضغائن النفوس حتى يكون هناك الإغراء بالشحناء والبغضاء فيكون ما يكون مما نرى في أحوال أمتنا اليوم.

 

{أو يلبسكم شِيعاً}.

أكثر أهل التفسير على أنه من اللبس أي الخلط أي تختلط أموركم ولا تستقيم أحوالكم قال بعض أهل التفسير: \" والمراد الاختلاط والاضطراب وذلك بزوال الأمن ودخول الفساد في أمور الأمة \".

 

{ويذيق بعضكم بأس بعض}.

قال لأن ذلك من عواقب ذلك اللبس أي أن اللبس والاختلاط يُفضي إلى التقاتل.

وقال القرطبي - رحمه الله - في كلام نافع ماتع قال: \" يلبسكمº أي يخلط عليكم أمركم فيجعلهم مختلفي الأهواء، وذلك بتخليط أمرهم وافتراق أمرائهم في طلب الدنيا فنتج عن ذلك أن يذيق بأسهم بأس بعض أي بالحرب والقتل في الفتنة \".

 

وذلك ما أشرنا إليه مراراً وتكراراً فيما في شأن ما يتعلق بالأخوة الإيمانية التي ذكرنا أن وجودها هو الكفيل باجتماع الأمة ووحدتها وهو الكفيل أيضاً بتكافلها وتعاونها وهو الكفيل أيضاً - بإذن الله - سبحانه وتعالى- بنجدتها ونصرتها بعضها لبعض فليست هذه الأخوة أمر سهلº لأن نزعها يُفضي إلى هذه الصورة المذكورة في العقاب الرباني عند مخالفة أمر الله - سبحانه وتعالى- بالاختلاط والاضطراب في الآراء والأهواء الذي يُفضي إلى أن تكون الأمة شِيعاً أي فرقا فإذا كانت هذه فرقة وتلك فرقة وبينهم اختلاف أدى ذلك إلى التقاتل وإلى أن يقتل بعض المسلمين بعضا.

 

ولنعلم أن هذا واقع في حياة الأمة ليس في حاضرها بل قد وقع عبر تاريخها في فترات كثيرة.

روى أهل التفسير عن سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - عندما تليت هذه الآية قال:

(أربعٌ - أي أربعٌ يقصد العذاب - من فوق ومن تحت والتفرق شِيعا والتقاتل من بعد ذلك \"، قال: \" ووُجد ألبسوا شِيعاً وذاق بأسهم بأس بعض، وبقيت اثنتان لابد منهما واقعتان الرجم والخسف).

 

أشار سعدٌ قال بعد خمساً وعشرين سنة من وفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أُلبسوا شِيعا وذاق بعضهم بأس بعض.

 

والقرطبي المفسر الذي يسبقنا بقرون متعاقبة يقول عندما ذكر أن بعض أهل التفسير قالوا هذه الآية في الكافرين، وقال بعضهم في المسلمين، وقال بعضهم هي عامة في المسلمين والكافرين، ونقل عن الحسن البصري أنه قال هي في أهل الصلاةº يعني في أهل الإسلام. قال القرطبي: \" وهو الصحيحº فإن المشاهد الموجود - يُخبر عن عصره وزمانه - فقد لبسنا العدو في ديارنا واستولى على أنفسنا، وديارنا مع الفتنة المستولية علينا بقتل بعضنا بعضا، واستباحة بعضنا أموال بعض \".

 

ولننظر إلى أهم الآثار في هذا الاقتتال والاختلاف إنه ضعف الأمة وهيمنة أعدائها فإن أعدائنا لا ينتصرون علينا بقوتهم وإنما باختلافنا ولا ينتصرون علينا بعدتهم وعتادهم وإنما بتفرقنا ولا ينتصرون علينا بدهائهم ومكرهم، وإنما بأن نكون نحن أعداءً بعضنا لبعض ولم يكن لشذاذ الأرض الملعونين في كتاب الله - سبحانه وتعالى- شراذم البشرية أراذلها أن يتحكموا في أمة يزداد تعدادها على ألف مليونº فيذلوها ويرغموا أنفها ويمرغوا عزتها في الرغام ويستعلوا عليها بكل أنواع الاستعلاء الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والعسكري والإعلامي إلا عندما تفرقت الأمة شِيعاً، وما تفرقت شِيعا إلا بعد أن اختلفت أهواء، وما اختلفت أهواءً إلا بعد أن مُلئت قلوبها بالشحناء والبغضاء..

 

ذلكم هو الأمر الأول أثر الإيمان في المحبة والولاء لله - عز وجل - ولأهل الإيمان والإسلام.. أثر الإيمان في أخوة الإيمان {إنما المؤمنون إخوة} التي تمسك الأخ إلى أخيه، وتلم الأمة إلى الأمة، أو الجماعة إلى الجماعة، أو الفئة إلى الفئة.. فإذا بالمسلمين شرقاً وغرباً أفراداً وجماعات أعراقاً وأنساباً لغات بكل أنواع الاختلاف أمة واحدة.. أمة لا إله إلا الله محمدٌ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

 

ذلك هو السبب الأعظم والأساس الأكبر الذي وقع به على الأمة من البلاء شيءٌ كثير، والله - سبحانه وتعالى- قال في هذه الآية: {هو القادر}.

قال السعدي في تفسيره: \" قادرٌ على ذلك كله فأحذروا على الإقامة على معاصيه فيصيبكم من العذاب ما يتلفكم ويمحقكم \".

 

فهذه الآية كأنما هي إشارة للأنواع التي يؤول إليها أمر ما يتعلق بالمحبة الإيمانية والأخوة الإسلامية إذا اضطربت أحوالها، وقلنا شيئاً من آفاتها في سوء الظن وسوء القول، وهذا الذي نذكره أبلغ سوءٍ, في الفعل وهو أن يرجعوا كفاراً يضرب بعضهم رقاب بعض.

 

قال شرّاح الحديث: \" ليس المقصود بالكفر على الضرورة هنا كفر الملة، ولكن من المعاني المذكورة في ذلك أن تفعلوا فعل الكفار فتشابههم إذ الكفار يقتلون المسلمين وأنتم تدعون الإسلام وتقتلون المسلمين \".

 

نسأل الله - سبحانه وتعالى- أن يعصمنا من الزلل، وأن يحمينا، وأن يجنبنا سخطه وعقوبته، وأن يسلك بنا سبيل طاعته ورضوانه، وأن يحفظ علينا إيماننا، وأن يزيد أخوتنا، وأن يؤلف بين قلوبنا، وأن يوحّد بين صفوفنا.

 

الخطبة الثانية:

أما بعد أيها الأخوة المؤمنون:

وإن من أعظم ما يوصى به استشعار معاني الأخوة الإيمانية والحرص على الرابطة الإسلامية، وفعل كل ما يؤلف بين القلوب، ويؤاخي بين النفوس، ويجعل المسلمين أمة واحدة.

 

وقد تحدثنا طويلاً أنه قد صار في القلوب شيءٌ من الانقباض، وفي الصدور شيءٌ من الضيق، وفي النفوس شيءٌ من النُفرة.. وانتقل ذلك فإذا بالعلائق واهية ضعيفة، وإذا بالصلات منقطعة منبتة، وإذا بالاختلاف متسع ومنتشر.. وذلك كله مؤذنٌ بالعذاب الحسي والمعنوي الذي تذوق الأمة الإسلامية كثيرٌ من ويلاته، ويتسلط عليها بموجب ذلك أعدائهاº حتى أصبحت كل فئة منهم كأنها أمة وحدها لا شأن للناس بها ولا صلة لها بالمسلمين.. فها نحن اليوم نرى ونسمع كل يوم أحداثاً جساماً تحيق بفئة أو بمجموعة أو ببلد من بلاد الإسلام ولا نسمع أحد يذكر ذلك بكلام، ولا يعترض عليه بقول، ولا يؤلب على مواجهة الأعداء ولا شيئاً من ذلك إلا في أقل القليل الذي - كما يقولون - يكون كتحلة القسم أو كنوع من المواراة والمجاملة.. فهذه قضية فلسطين نعرفها ونحن نرى كل يوم ما يدور حولها، وفيها وعليها من المؤامرات التي تغير الحقائق، وتبدل أمر الدين وتغير واقع التاريخ، وتزور كل شيءٍ, بأسماء وهمية وبمغالطات وكأن الأمور لا شيء فيها!

 

والشيشان التي تُدك البيوت اليوم فوق أهلها، والتي أصبحت السماء فوقهم كأنها نيران تتساقط ولا من محرك ولا من متحدث!

 

وكل ذلك وغيره هو من آثار هذه المخالفات ومن آثار ذلك البعد عن دين الله وعن هدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وفي كل ذلك عبرة لكل معتبر ودرس لكل متأمل ولا يقولن أحدٌ كما نقول دائماً: \" وماذا عساي أن أفعل؟ وإن فعلت شيئاً فماذا عسى أن يؤثر؟ وإن أثرّ فماذا عسى أن يغير؟ \"

فأقول: لو قال كل واحدٍ, ذلك لضللنا كما نحن لا كما كان صحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا كما كان خيار أسلافنا من أمة الإسلام الذين كان كل واحد منهم يرى أنه كأنه المسئول الأول والأخير عن هذه الأمة.

 

لما وقعت الردة ورأى الصحابة الأمور انتقضت من هنا وهناك، فأرادوا أن يهدئوا الأمور، وأن يختاروا الطريق الأيسر أو الأسلم أو الأطول.. فإذا بصديق الأمة - رضي الله عنه - أبو بكر ذلك الرجل الوديع الخاشع الباكي اللين الهين إذا به يُعلنها تدون في سمع الزمان والتاريخ:

\" والله لو منعوني عقال بعيرٍ, كانوا يؤدونه لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - لقاتلتهم عليه ولو كنت وحدي \".

 

فكان رأيه واجتمع الصحابة من ورائه وفي أوقاتٍ, وجيزة والقلوب ما زالت تنزف حزناً على فقد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لكن اتباعه ورفع رايته ونشر دينه وتبليغ سنته كان عندهم أعظم من كل شيءٍ,.. فسيّر أحد عشر جيشاً ما دار العام دورته إلا وقد استتبت الأمور، وعلت راية الإسلام، وانتهت مادة هذا النزاع والشقاق، وتوجهت الجيوش إلى فتح فارس والروم..

أنّى للأمة أن توجه جهدها للدعوة أو للجهاد إلى خارج الأمة وهي تعاني من هذا الاضطراب والاختلاف في داخلها؟!

 

وهكذا رأينا المواقف العظيمة من الأئمة والعلماء كما وقف الإمام أحمد في يوم الفتنة، وكما كان موقفه عظيماً رد الله - عز وجل - بثباته الأمة وغيّر أحوالها كلها.. في موقف رجل واحد كانت له تلك الوقفة العظيمة.

 

ونحن في أنفسنا نرى القصور وفي معاملاتنا.. نرى المخالفة فلو بدأ كلٌ منا بنفسه فأصلحها، وبقلبه فملأه إيماناً بالله وخشية له، وحباً لرسوله - صلى الله عليه وسلم -، ومحبة للمؤمنين والتماساً للأعذار لهم، وإحسان ظن بهم، ورغبة في الإحسان إليهم، والمعونة والمساعدة لهمº لتغيرت الأحوال شيئاً فشيئا، ولحقت فينا سنة ربنا: {إن الله لا يُغير ما بقومٍ, حتى يُغيروا ما بأنفسهم}.

 

نسأل الله - عز وجل - أن يغير نفوسنا وقلوبنا إلى ما يحب ويرضى.. نسأله - جل وعلا - أن يجعل نفوسنا مطمئنة بقضائه وقدره راضية بقسمه ورزقه.

 

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply