بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:
فإن الله - عز وجل - قد حرم دماء المسلمين و أمولهم و أعراضهم و حرم الظلم على نفسه وجعله بين عباده محرما، وحفظ كرامة المسلم حيا كان أو ميتا وجعل عرضه حصنا منيعا لا يطاله إلا مبتلى، وحذر كل الحذر من الولوغ في أعراض المسلمين (وأربى الربا استطالة المسلم في عرض أخيه), و إن من عجائب هذا الزمان خروج فئام من الناس ممن ينتسبون للعلم والدعوة قد اجترؤوا على أعراض إخوانهم في ميدان الدعوة، جرأهم على ذلك قلة علم و فقه بالدين و وسواس من الشيطان بأنهم هم حماة الدين وحراس العقيدة مع شيء من الهوى وحب التشفي وبقايا حسد ظهر في الأقوال و الأفعال في إشارة واضحة لما في القلوب. ولا ينتهي العجب من هؤلاء حين يصبح هم أحدهم تتبع السقطات و استغلال الزلات كالذباب الذي لا يقع إلا على القاذورات و الجعلان لا يرضى بأكثر من أن يدس رأسه في الرجيع، ونسي هؤلاء بل قل تناسوا قول النبي - صلى الله عليه وسلم - :( يا معشر من أسلم بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه لا تؤذوا المسلمين و لا تعيروهم و لا تطلبوا عثراتهم فإنه من يطلب عورة المسلم يطلب الله عورته و من يطلب الله عورته يفضحه ولو في جوف بيته).
أين حب الستر على المسلمين عامة والدعاة خاصة يعمد أحدهم إلى تراث عالم أو داعية لينقب فيه عله أن يجد خطأ يفرح به أو زلة يرفع بها رأسه ويجعلها مدارا لحديثه مع جلسائه، تراهم خراجين ولاجين على رؤوسهم و مشايخهم في ذلك بأوراق جمعوا فيها ما استطاعوا أن يجمعوه من سقطات ألسنة الدعاة الصادقين الذين تحملوا في سبيل دعوتهم إلى الله الكثير من الأذى و الضيم ثم تصدر الأحكام الجائرة على هؤلاء الدعاة: فلان مبتدع، فلان ضال مضل، فلان ليس من أهل السنة، فلان كذا وكذا.......... ألم يسمع هؤلاء بما قال أبو بكر الصديق - رضي الله عنه -: ( لو لم أجد للسارق و الزاني و شارب الخمر إلا ثوبي لأحببت أن أستره عليه), والله ستير يحب الستر، وهؤلاء لو لم يجدوا على أخيهم من الستر إلا هذا الثوب لتشبثوا به وحاولوا أن ينزعوه ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
أوليس الفرح بسقطة عالم والغبطة بزلة داعية من الفرح بالمعصية وإن أظهر الشامتون ما أظهروا من التدين وحب الخير وليس ذلك بشافع لهم فيما يقولون أو يفعلون. وما نراه اليوم حاصلا في الساحة الدعوية ومنتديات الإنترنت من التهارش والتخاصم, ونهش الأعراض, ورقص على الكرامة, واستباحة حمى حرمه الله لهو حقا مما يجرح النفس ويدمي الفؤاد، ولو انصرف هؤلاء إلى ما ينفعهم في الدنيا و الآخرة وتركوا المراء والجدال لكان خيرا لهم ولكن لعله ضرب من البلاء و العقوبة العاجلة أن يشغلوا بأخطاء غيرهم عن خاصة أنفسهم. و لك أن تعجب أخي الحبيب حينما تعلم أن هؤلاء يتفقون في منهجهم مع العلمانيين وذلك في النيل من الدعاة والحط من قدر أهل العلم و الخير، بل زادوا على ذلك أنهم إنما يفعلون ذلك تديننا وعبادة، ويحرصون على أن يجمعوا ما يستطيعون جمعه ليدعموا هواهم ودعواهم، و أي عبادة هي الولوغ في أعراض المسلمين؟!
إن هؤلاء الضحايا من العلماء والدعاة ـ والذين أصبحوا حمى مستباحا وعرضا رخيصا ومقصدا لكل رام بسهم النكران ـ ليسوا بمعصومين من الخطأ بل هم بشر يخطئون ويصيبون, وما أخطئوا فيه لا يعدوا كونه نزرا يسيرا حري به أن يغرق في بحور حسناتهم, وإن كان هؤلاء الراقصون لا يقنعون بمثل هذا الكلام.
السؤال البريء و الذي يطرح نفسه هنا: هل غاب عن هؤلاء قول النبي - صلى الله عليه وسلم - في حاطب بن أبي بلتعة النبي - صلى الله عليه وسلم -: ( وما يدريك لعل الله أن يكون قد اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم ), وقوله في عثمان - رضي الله عنه - بعد أن جهز جيش العسرة: ( ما ضر ابن عفان ما عمل بعد اليوم) سيئاتهم غمرت في بحور لا أقول بحر حسناتهم. يستدلون بقصة نوح الجامع في رفض منهج الموازنات بين الحسنات والسيئات ويتركون ما مضى من الأدلة السالفة الذكر و غيرها كثير ويستغلون سقطة الداعية وزلة العالم ليضعوه في قائمة المبتدعة زعموا، وما أسهل ذلك على من في قلبه مرض من حسد وغيره نسأل الله العافية والسلامة.
إن دعاة بلغ صوتهم الآفاق ونفع الله بهم و أنقذ بهم أمما من الناس كثير لجدير بهم أن يناصحوا فيما أخطئوا فيه, وينبهوا على ما زلت به أقوالهم و أفعالهم، لا أن يجرحوا، و يشهر بهم، وينافق عليهم عند ولاة الأمر، ويفرح بأخطائهم، وتلوكهم الألسن و يلغ في أعراضهم الغادي و الرائح, و الأعجب من ذلك أن تعقد من أجل ذلك المحاضرات والدروس وليس هذا والله من منهج السلف الذي يتمسح به هؤلاء الراقصون على كرامة أهل العلم والدعوة. بل الذي نعرفه عن السلف أن الواحد منهم يتحاشى أن يقول للكذاب كذاب وما أسهلها عند هؤلاء الراقصون, بل يبحث عما هو ألطف عبارة و ألين قولا، والأصل أن يبين فضل هؤلاء الدعاة ومنزلتهم ومكانتهم و قدم سبقهم في الدعوة إلى الله وجهودهم في نشر الخير ثم يقال بعد ذلك: لكنهم أخطئوا في كذا وكذا و الصواب هو كذا وكذا وهذا هو الذي عرفناه من منهج السلف وأئمة الخلف، و الزعم بأن هؤلاء الدعاة لا يقبلون نصيحة الناصح وتذكير المذكر ليس إلا محض افتراء، بل هم أقرب الناس إلى الاستجابة للنصيحة و اتباع الحق والحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق بها.
غريب والله أمر هذه الطائفة فهي إن لم تشتغل بمثالب الآخرين و أخطاء الغير فهي لا تجد غضاضة في أن تشتغل بنفسها كالنار تأكل بعضها إن لم تجد ما تأكله، ولذلك فليس غريبا أن يظهر في كل فترة جماعة جديدة تدعي أنها على الحق ومنهج السلف و أن غيرها قد جانب الصواب، والحق أنها إنما خرجت خداجا من رحم الجماعة الأم أشد فتكا وأعظم جرأة وأكثر خطرا إلا من رحم الله.
أخي طالب الحق:
إن السلفية الحقة هي التي تجمع الأمة ولا تفرقها، وتشرح الصدور ولا توغرها, و هي التي تنقد الخطأ ولا تجرح الشخص، تبني ولا تهدم، العدل منهاجها لا مدح غال ولا ذم جارح. وليس من هدي السلف و أئمة الخلف أن يتنكروا لإخوانهم من الدعاة والمصلحين و السائرين على منهج الأنبياء والمرسلين في إيصال دعوة الله إلى الناس. ما رأينا الإمام ابن باز - رحمه الله - يوما ما يلمز أحدا من الدعاة بألفاظ جارحة كقول البعض عن أحد الدعاة الذائع صيتهم و المعروف بقدم السبق في مضمار الدعوة إلى الله يقول عنه: لا عقل له، لو كان له عقل،....... وغيرها الكثير الكثير وما سمعنا الألباني, ولا العثيمين و لا أحد من أئمة هذا الدين في هذا العصر وغيره من العصور يتلفظ بمثل هذه الألفاظ بل لم نسمع منهم إلا التوجيه والنصح والإرشاد، و يا ليت أن هؤلاء الجارحون حين يتمسحون بهؤلاء الأئمة يأخذون بأقوالهم و يقنعوا بآرائهم و أقوالهم في الدعاة و العلماء, و الواقع أنهم إنما يتبعونهم فيما وافق هواهم فهم يجعجعون و ينعقون حول بيان إيقاف المشائخ الفضلاء: سلمان, و سفر, وغيرهم كالعمر, و غيره ويملئون الدنيا ضجيجا و صراخا عليه في الوقت الذي يعمون أبصارهم ويصمون آذانهم عن تزكياتهم لنفس هؤلاء الدعاة, و الصحيح أنه لا تعارض بين الموقفين أعني موقفي الأئمة إذ أن بيان خطأ المخطئ لا يلغي كل حسنة له و لا يكون مبررا للنيل من كرامته والقدح في دعوته بل حتى مقاصده ولا مبررا لجمع أخطائه والتنقيب عن زلاته والتي في كثير من الأحيان ليست إلا من قبيل سوء الظن به, وتحميل أقواله وأفعاله ما لا تحتمل من التأويلات الفاسدة المغرضة. لماذا تقوم هذه الطائفة بتبديع رؤوس بعض جماعات الدعوة وبعض السائرين على منهجهم في الوقت الذي يسكتون فيه ولا ينبسون ببنت شفه عن بعض أقربائهم والذين يعتبرون رؤوسا في هذه الجماعة في هذا العصر وإن كانوا لا يعلنون ذلك صراحة، ما هذا الظلم وما هذا الحيف أين أتباع السلفية, وأين أخلاق السلف التي يتمسحون بها, ألم تردعهم عن هذا الظلم وتردهم عن الباطل إلى الحق. و النصيحة لهؤلاء أن يتقوا الله في أعراض إخوانهم وأن لا يتيحوا فرصة للمتربصين بأهل الدعوة و الخيرº لأن يرتعوا في أعراضهم ويوجهوا سهامهم إليهم، وعليهم أن يعلموا أنهم بفعلهم ذلك يفرحون الأعداء أكثر مما ينصرون الإسلام وعليهم أن يتذكروا أن (الظلم ظلمات يوم القيامة ) وليربعوا على أنفسهم قليلا ويسأل كل واحد منهم نفسه: هل ترضى أن يشهر بأخطائك مثل ما شهرت بأخطاء هؤلاء الدعاة؟ هل ترضى أن يسقط أحد ما لك من الحسنات ويتناسى ذلك كله لموقف وقفته أو رأي رأيته؟ هل ترضى أن يقال في أخيك لأبيك و أمك مثل ما قلت في أخيك في مضمار الدعوة و الخير؟ أليس من الأولى بك أن تشتغل بالدعوة إلى الله, وتشتغل بخاصة نفسك بدل أن تشتغل بأخطاء غيرك؟
أسأل الله للجميع الهداية والتوفيق والسداد و أسأله - سبحانه - أن يرينا الحق حقا و يرزقنا اتباعه و أن يرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه والله أعلى وأعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - وعلى آله وصحبه أجمعين والحمد لله رب العالمين.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد