بسم الله الرحمن الرحيم
الخطبة الأولى:
أمّا بعد: فيا أيّها الناس، اتقوا الله - تعالى - حقَّ التقوى.
عبادَ الله، أمّتُكم أمّة الإسلام أمّةُ القيادةِ والشهادة، \"مّلَّةَ أَبِيكُم إِبراهِيمَ هُوَ سَمَّـاكُمُ المُسلِمِينَ مِن قَبلُ وَفِى هَـذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيكُم وَتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ\" [الحج: 78]، وقال: \"وَكَذالِكَ جَعَلنَـاكُم أُمَّةً وَسَطًا لّتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ\" [البقرة: 143]، وقال جلّ جلاله: \"كُنتُم خَيرَ أُمَّةٍ, أُخرِجَت لِلنَّاسِ\" [آل عمران: 110].
أمّتُكم أمّة الإسلام يجِب أن تكون أمةً قائدة لغيرها، لا منقادةً لغيرها، أمةٌ متبوعَة لا أمّة تابعة، هذا شأنُ الدين الذي نحمِله، والذي لا يقبل الله من أحدٍ, دينًا سواه، \" وَمَن يَبتَغِ غَيرَ الإسلَـامِ دِينًا فَلَن يُقبَلَ مِنهُ \" [آل عمران: 85]، \"وَلِلَّهِ العِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلمُؤمِنِينَ \" [المنافقون: 8]، \"كَتَبَ اللَّهُ لأَغلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِى إِنَّ اللَّهَ قَوِىُّ عَزِيزٌ \"[المجادلة: 21].
أمّةَ الإسلام، صحَّ عنه أنه قال: ((المؤمن للمؤمن كالبنيان يشدّ بعضه بعضًا)) وشبك بين أصابعه[1].
مثلٌ عظيم لما يجِب أن يكون عليه أهلُ الإيمان فيما بينهم، فالمؤمنون بعضُهم أولياءُ بعض، المؤمن ينصر أخاه المؤمِن، المؤمن يحبّ أخاه المؤمِن، المؤمنُ يعين أخاه المؤمِن، المؤمنون يكمِّل بعضُهم بعضًا، ويمدّ بعضهم بعضًا.
دينُ الإسلام نصرتُه والقيامُ به ليس منحصراً بمعيَّن فردٍ, بذاته، ولا جهة معيَّنةٍ,، بل المؤمنون جميعًا مطالبون بالتعاون على البرّ والتقوى، بنصرة دين الله والدعوة إليه والدفاع عنه، وما مِن مسلمٍ, إلا وهو على ثغر من ثغور الإسلام، اللهَ اللهَ أن يُؤتى الإسلام من قِبَله، فكلُّ على ثغرٍ, من ثغور الإسلام، فمن اتّقى الله وقام بما أوجَب عليه ولم يُؤتَ الإسلام من قبله بتفريطٍ, أو زيادة.
أيّها المسلمون، ومن تِلكم الثغور الواجبِ على المسلمين حمايتُها ثغرُ الإعلام ووسائله.
الإعلامُ له دور هامّ في حياة الأمم، ومنذ نشأ الإسلام بمبعث محمد وربٌّنا - جل وعلا - قد عظّم هذا الجانبَ الإعلاميّ، ورفع من شأنِه، فالرسل جميعاً مبلِّغون عن الله، معلِنون عن الله شرعِه ودينه، \"يَـا أَيٌّهَا الرَّسُولُ بَلّغ مَا أُنزِلَ إِلَيكَ مِن رَّبّكَ وَإِن لَّم تَفعَل فَمَا بَلَّغتَ رِسَالَتَهُ \" [المائدة: 67]، أمرٌ من الله لنبيّه بتبليغ الرسالة وإيصال الحقِّ لقلوب الناس، \"فَاصدَع بِمَا تُؤمَرُ وَأَعرِض عَنِ المُشرِكِينَ \" [الحجر: 94].
لقد امتثلَ محمّد أمرَ ربه عندما أمره بالصدع بدعوته وتبليغ رسالتِه، امتثل هذا الأمرَ فاستعمَل كلَّ وسيلة ممكِنة في عهده لإيصال الحقِّ وتوضيح الشرع ودعوة الخلق إلى دين الله. بدأ بعشيرته، فجمع عشيرتَه، وأخذ عليهم الإقرارَ بتصديقِهم له، وبدأ بأقربِهم فأقربِهم، \"وَأَنذِر عَشِيرَتَكَ الأَقرَبِينَ \" [الشعراء: 214]. عرض نفسَه على قبائلِ العرب في الموسِم، ((من يؤويني حتى أبلِّغ رسالةَ ربي وله الجنة؟))[2]، فمِن قابلٍ, منهم قليل، ومن رادّ، ومِن متوقِّف. خرج إلى الطائف من مكّة ليعلنَ رسالةَ الله، ويبلِّغ ما أمِر بتبليغه، فقوبل بالتكذيب والإنكار، وأُلحق به الأذى، فصبر وهو يقول: ((أتأنّى بهم لعلَّ اللهَ أن يخرجَ من أصلابهم من يعبده لا يشرك به شيئاً))[3]. رسالته إعلام للملأ، \"هَـذَا بَلَـاغٌ لّلنَّاسِ وَلِيُنذَرُوا بِهِ\" [إبراهيم: 52].
لقد قام علماءُ هذه الأمّة وسلفنا الصالح بهذه المهمّة، ما بين تعليمِ العلم، والرحلات إلى الآفاق لنشر هذا الدين وإظهاره، فأظهر الله هذا الدين على كلِّ الأديان، على يدِ السابقين الأوّلين ومن سَار على نهجهم، \"لِيُظهِرَهُ عَلَى الدّينِ كُلّهِ وَلَو كَرِهَ المُشرِكُونَ \" [الصف: 9].
أمَّةَ الإسلام، الإعلامُ في هذا العصر تطوّرت وسائله وتعدَّدت، وعظم نشاطُه، ما بين مرئيٍّ,، وما بين مسموع، وما بين مقروء، وما بين وسائل اتصالاتٍ, غيرِ ذلك، ولكن على من تولّى هذا الأمرَ أن يراقب الله ويتّقيَه، ويعلم أن اللهَ سائلُه عن كلّ كلمة نطق بها لسانُه أو خطّها قلمه أو عن [أيّ] أمر ما.
إنَّ المسؤول في الإعلام مِن كاتب مقالٍ, ومُحرِّر ومُعِدِّ برنامَج وناشِرٍ, كلٌّ أولئك مسؤولون، \"مَّا يَلفِظُ مِن قَولٍ, إِلاَّ لَدَيهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ \" [ق: 18].
إذاً فالمطلوب من أولئك تقوَى الله في أنفسهم، وأن يسخّر هذه الوسيلةَ وتستعمَل في نشر هذا الدين وتبصير الأمة وتوعيتها وتثقيفها وتحذيرها ممّا يكيد لها الأعداء.
فالإعلامُ مؤثّر، ولكن الأيدي الأمينة والرجال الصادقون يقومون بواجب إعلامهم ليكونَ الإعلام الإسلاميّ إعلاماً مؤثّراً نافعاً، مِنبرَ توجيه ودعوةٍ, إلى الخير، وتحسٌّسٍ, لمشاكل الأمّة وعلاج لها على ضوء الكتاب والسنّة.
أمّة الإسلام، يجِب أن يتميّزَ إعلامُ الأمّة المسلمة عن غيرِها، ولا يجاري غيرَها، لا نجارِي غيرَنا، بل يكون لإعلامنا تميّز واضح، ومنهجٌ واضح، الدعوة إلى الخير، وتحبيب الإسلام، وعرض محاسنه وفضائله، والتحدّث عن ذلك بكلّ ما يمكن إيصاله للنفوس، فإنَّ هذا من الدّعوة إلى الله، \"ادعُ إِلِى سَبِيلِ رَبّكَ بِالحِكمَةِ وَالمَوعِظَةِ الحَسَنَةِ وَجَـادِلهُم بِالَّتِي هِيَ أَحسَنُ\" [النحل: 125]. يجِب أن تكون له ضوابط شرعيّة، يمتثل أمرَ الله، وينزجِر عمّا نهى الله عنه.
أمّةَ الإسلام، وإنّ أمَةَ الإسلام إذا حرِصت على إعلامها وسخّرته في الخير والدعوة إلى الخير فإنَّ تلك نعمةٌ عظيمة من الله، لإيصال كلمة الحقّ الصادقة، لعرض الإسلام العرضَ الصحيح الخاليَ من جفاءِ الجافين وإفراط المفرطين، الخالي من الغلو والجفاء، عَرضاً لهذا الدّين ومحاسنِه وفضائلِه بما يناسب المجتمعَ المسلم، ليسمع النشء ويرَوا محاسنَ دينِهم يُتحدَّث عنها، فذاك أمرٌ مطلوب.
وهناك ضوابطُ شرعيّة متى وفّق الله المسلمين فضبطوا وسائلَ إعلامهم بها نرجو أن يتحوّل إلى إعلام خيرٍ, وهدى.
فأوّل ذلك الإخلاصُ للهº ليتصوَر رجل الإعلام المسؤوليةَ المناطةَ على عاتقه، وأنّها أمانةٌ يجِب أن يخلِص لله فيها، وأن يبتغيَ بها مرضاتِ الله، وما يقرّبه إلى الله.
أمرٌ آخر أن يكونَ إعلامنا متميّزاً بالصّدق فيما يقول ويحلِّل، فالصدق طريق الخير والهدى، الصّدق يوصِل إلى البرّ، يهدي إلى البرّ، والبرّ يهدي إلى الجنّة، ولا يزال الرّجل يصدق ويتحرّى الصدق حتى يكتَب عند الله صدّيقاً. وليحذر إعلامُ المسلم من الكذِب تحت أيّ ذريعة، سواء سَبق إعلاميّ أو غيرهاº لأنّ الكذب لا يأتي بالخير، يهدي إلى الفجور، والفجور يهدي إلى النّار، لا يعفيك من نقل خبر أنت تعلم أنّه كذب، وإن نقلته عن غيرك، ففي الحديث: ((من حدَّث حديثًا يُرى أنّه كذب فهو أحد الكاذبين))[4].
إنَّ إعلامَنا يجِب أن لا يجاريَ الأممَ الأخرى، وأن يتميّز بواقعيتِه وصدقيته، فما كلّ ما يُنشَر حقّ، وما كلّ ما يُقال صدق، \" يا أَيٌّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا إِن جَاءكُم فَاسِقُ بِنَبَإٍ, فَتَبَيَّنُوا \" [الحجرات: 6].
إنّ الإعلامَ الإسلاميّ واجبُه نحوَ الأحداث الجسيمة والأمور المهمّة أن لا يكونَ متسرِّعًا في كلّ شيء، فما كلّ ما يعلَم يُقال، \" وَإِذَا جَاءهُم أَمرٌ مّنَ الأمنِ أَوِ الخَوفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَو رَدٌّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِى الأمرِ مِنهُم لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَستَنبِطُونَهُ مِنهُم \" [النساء: 83]. ليس المهمّ في الإعلام خبرًا يُتلى أو تحليلا لذلك الخبر، إنّما المهمّ أن يكونَ هذا الإعلام يتفاعل مع المجتمع، يسعى في التوجيه والتثقيف وعرضِ محاسن الدين، وربطِ الأمّة بدينها وأخلاقها وتاريخها المشرِق الذي مضىº حتى يكون لدى شبابِنا رصيدٌ من الخير، فيسمَعوا ما ينفعهم، ويعرفوا ما ينفعهم، ويشاهِدوا ما يسرّهم، وتمتلئ قلوبهم محبّةً للخير والهدى.
إنّ إعلامَنا يجِب أن يتواكبَ مع شريعة الإسلام، وأن لا يظهرَ في إعلام أمّةِ الإسلامِ ما يتنافى مع الشريعةº ليكونَ إعلاماً صادقاً مؤثّراً نافعاً.
إنّ الأحداثَ الجسيمة والأمور المدلهمّةَ إذا كان الإعلامُ صادقاً استطاع بتوفيق من الله تبصيرَ الأمّة وإبعادها عن شبَه الخطر.
إنّ الإعلامَ الإسلاميّ يأخذ على عاتقه تقويةَ الإيمان في النفوس، وربطَ القلوب بربّ العالمين، والبعدَ عمّا يضعف الأمّة ويفتّ في عضدها، كما قال - جل وعلا -: \" لَّئِن لَّم يَنتَهِ المُنَـافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالمُرجِفُونَ فِي المَدِينَةِ لَنُغرِيَنَّكَ بِهِم ثُمَّ لاَ يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلاَّ قَلِيلاً \" [الأحزاب: 60]، وقال: \"فَرِحَ المُخَلَّفُونَ بِمَقعَدِهِم خِلَـافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَن يُجَـاهِدُوا بِأَموالِهِم وَأَنفُسِهِم فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لاَ تَنفِرُوا فِي الحَرّ قُل نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدٌّ حَرّا لَّو كَانُوا يَفقَهُونَ \" [التوبة: 81]. فالإعلامُ الإسلاميّ يقوِّي قلوبَ الأمة، ويثبِّت جأشَها، ويصِلها بربّها، ويرغِّبها في إسلامها، ليكون هذا الإعلام إعلاماً صادِقًا.
أيّها المسلم، لئن احتفلَ أعداء الإسلام بإعلامِهم وسَبقه للأحداث ونقلِه الأخبارَ صدقَها أو كذبَها، صحيحَها أو سقيمها، فإنّ المسلمَ يعتزّ بهذا الدّين الذي يحمِله، ورسالةُ الإعلام الإسلاميّ أصدق رسالةٍ, لنشر هذا الدّين، ويرفع رأسَه بهذا الدّين الذي يقرِّر الخيرَ، يقرِّر الأخلاقَ القيّمة الفاضلة، ويبطِل الدعاوي الباطلة، ينشر الفضيلةَ ويحارب الرذيلة، ويسعى في إصلاحِ الأمّة والدفاع عنها وإزالة كلّ شبهة يدلي بها أعداء الإسلام ليصدّوا بها المسلمين عن دينهم. فحريُّ بإعلام الأمّة أن يأخذَ على عاتقِه الدعوةَ إلى الخير وتوجيهَ الأمّة لما يصلح دينَها ودنياها.
أمّةَ الإسلام، وسائلُ الاتصال تنوَّعت وتعدّدت، وللأسف الشديد قد يستغلّها مرضى القلوب والنّفوس، ممّن لا حياء عندهم، ولا خوفَ من الله، ولا احترامَ لأعراضِ الأمّة، ولم يخشَوا من قولِه - جل وعلا -: وَالَّذِينَ يُؤذُونَ المُؤمِنِينَ وَالمُؤمِنَـاتِ بِغَيرِ مَا اكتَسَبُوا فَقَدِ احتَمَلُوا بُهتَـاناً وَإِثماً مٌّبِيناً [الأحزاب: 58]، وقولِ النبي: ((المسلم من سلِم المسلمون من لسانِه ويده))[5].
فنجِد في بعضِ مواقعِ الاتصالات وبعض الساحات من الكلام البذيء، من الكلام السيئ، من الكلام الباطل، من الافتراءات، من الطّعن في أعراض الناس وتلفيق التّهَم بهم، ذلك أنَّ المتكلّمَ لا يُعرَف اسمه، فهو لا يبالي بما يكتُب، لا يبالي بما ينشُر، فلا خوفَ من الله يردعُه، ولا حياءَ يحول بينَه وبين هذا الباطلº لأنه يستمرئ الطعنَ في الناس والتحدّث عنهم بما يعلم الله أنّهم برآء منه، وَتَحسَبُونَهُ هَيّناً وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ [النور: 15].
فليحذرِ المسلم من الافتراءِ والكذب، ليحذر أن يقولَ في المسلم ما هو بريء منه، ليحذر أن يتَّخذَ من تلكم المواقعِ أداةً للطّعن والتشهير بالأمّة، والتحدّث عنهم بما هم برآء منه، ليكن المانعُ لك خوفَ الله ومراقبةَ أمره، فذاك هو الذي يردعك عن أن تقدِمَ على القيل والقال وافتراءِ الأكاذيب ونشرِ الأمور المخالفَة للشّرع.
فاتَّق الله ـ أيها المسلم ـ في أيّ موقعٍ, أو ساحة كنت، لا تقُل: أنا لا يُعلم اسمي، فأكتب وأكذب وأفتري، والله - جل وعلا - عالم بسرِّك وعلانيتِك، والله سائلك عن كلّ ما قلت، وما تلفّظت به، فسيحاسِبك الله عنه في يومٍ, لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلبٍ, سليم.
أيّها المسلمون، متى عرف المسلم ذلك صان لسانَه عن أعراض الناس والتحدث عنهم، النبيّ عرَّف الغيبةَ بقوله: ((ذكرك أخاك بما يكره))، قال: أرأيت إن كان في أخي ما أقول؟! قال: ((قد اغتبته))، قال: أرأيت إن لم يكن في أخي ما أقول؟! قال: ((قد بهتَّه))[6].
فاحذر من بهتان النّاس، احذر من اغتيابهم، وتبصّر في عيوب نفسِك، فإنّه حريُّ بك أن تتبصَّر في عيوب نفسك لتتوبَ إلى الله من هذه المقالات السيّئة، فكم كذبة تكتبها تنشَر عنك في الآفاق، وتنشَر عنك للملأ، والله يعلم كذبَك، والله يعلم أنّك كاذب فيما تقول، فاحذَر سخطَ الله وعقابَه.
أسأل اللهَ للجميع التوفيقَ والسداد والهدايةَ لكل خير، إنّه على كلّ شيء قدير.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربّنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمّداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.
أما بعد: فيا أيّها النّاس، اتّقوا الله - تعالى - حقَّ التقوى.
عبادَ الله، من وسائِل حربِ أعداءِ الإسلام للمسلمين، من وسائلهم وسيلةُ الإعلام، ليضلّلوا بها الخلقَ، ويدلّسوا عليهم، ويلبسوا الحقَّ بالباطل. إعلامٌ جائر، يتتبَّع الزلاّت، يتتبَّع العثرات، يخرج الأمّةَ المسلمة بأنّها أمّة الفوضويّة في كلّ أحوالِها، وأنّها تفقِد النظامَ والاطمئنان، وأنّها وأنّها... فهي تسلِّط وسائلَ إعلامها على ما قد يحصل من بعض أفرادِ الأمة، لتقولَ لشعوبِها: هذه أمّةُ الإسلام، ويأبى الله لهم ذلك، فإنّ المسلمين مهما يكن إن عادوا إلى دينهم إن عادوا إلى رشدهم ففي دينهم ما يكفل النظامَ والعزَّ والاستقامةَ على الخير، لكن تفريط المسلمين في دينِهم هو الذي سبَّب لهم تلكَ المشاكل.
أمّةَ الإسلام، إنّني في هذا المكان، وكل مسلم منّا يتألّم بما حصل في بعض دولِ الإسلام، يتألّم بما يعانيه الشعبُ هناك في العراق، من هذه الاضطرابات العظيمة، وهذا النّهب والسّلب والسّطو والقتال والأخذ بالثارات، إلى غير ذلك ممّا يؤلم كلَّ مسلم ويحزِنه، وللأسفِ الشديد فإلى أولئك أقول: اتّقوا الله في أنفسكم، وعودوا إلى رشدِكم، واترُكوا هذه الجرائمَ العظيمة، لا تجمَعوا على أنفسِكم أخطاءكم وأخطاء غيركم، توبوا إلى ربّكم وعودوا إلى رشدِكم، واجتنبوا هذه الأخطاءَ العظيمة، من سفك الدماء، من نهبِ الأموال، من التعدّي على الأعراض. إنّ دماءَ المسلمين حرامٌ التعدّي عليها، إنّ أموالَهم حرامٌ التعدّي عليها، إنّ التعدّي بالظّلم والانتقام أمرٌ حرام، إنّ المؤمن يتبصّر في أمره، عودوا إلى رشدِكم، وجنّبوا بلادَكم تلك الفوضويّات، عسى الله أن يهيّئ لكم من أمركم رشَداً.
إنَّ المسلمَ وهو يسمَع ويشاهد ليتألّم ألمًا شديدًا، ويسأل اللهَ أن يردّ المسلمين إلى دينهم، ويعيدهم إلى رشدِهم، فليعلم المسلم ما للأمنِ في الأوطان من فضلٍ, عظيم، ليعلم المسلم ما للأمن في الأوطان من فضل عظيم، وليعلم المسلم ما للقيادة من شرفٍ, كبير، وأنَّ الأمّة إذا وُفِّقت لقيادةٍ, حكيمة ورزِقت رجالاً يدافعون عن البلاد ويجنّبونها المزالقَ إنّها نعمةٌ عظيمة من الله.
إنّ عالمَنا الإسلاميّ يشكو من ضَعف الإخلاص، يشكو من قلّة المخلصين وقلّة الناصحين، والبلاد التي وفّقها الله لقيادة تحميها وترعى شؤونَها وتدافع عن قضاياها وتقف كلَّ المواقف التي تجنّب المجتمعَ الأخطارَ هي نعمةٌ عظيمة، نسأل اللهَ أن يرزقَنا شكرَ نعمته وحسنَ عبادتِه، وأن يجعلَ ما منحنَا من هذه النّعم عونًا لنا على ما يقرّبنا إلى الله.
فاتّقوا الله ـ [أيّها المسلمون] ـ في دمائكم وأموالِكم وأعراضِكم، واتّقوا اللهَ في ذلك، وإيّاكم وثاراتِ الجاهلية، والانتقامَ والتعديَ والظلم، فإنّ ذلك لا يعقِب خيراً، يملأ القلوبَ حِقدًا، تتنافر النّفوس وتتباعد والعياذ بالله.
نسأل اللهَ أن يجنّب المسلمين الفتنَ ما ظهر منها وما بطن، وأن يرزقَ المسلمين الاستقامة، ويرزقَ قادتَهم البصيرةَ في أمورِهم كلّها، ليجنّبوا هذه المجتمعاتِ المسلمة الضرَر والأذى، إنّه على كل شيء قدير.
واعلموا ـ رحمكم الله ـ أنّ أحسن الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد ، وشر الأمور محدثاتها، وكلّ بدعة ضلالة، وعليكم بجماعة المسلمين، فإنّ يد الله على الجماعة، ومن شذّ شذّ في النار.
وصلّوا ـ رحمكم الله ـ على عبد الله ورسوله محمّد كما أمركم بذلك ربكم، قال - تعالى -: \" إِنَّ اللَّهَ وَمَلَـائِكَـتَهُ يُصَلٌّونَ عَلَى النَّبِيّ يا أَيٌّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا صَلٌّوا عَلَيهِ وَسَلّمُوا تَسلِيماً \" [الأحزاب: 56].
اللهمّ صلّ وسلّم وبارك على عبدك ورسولك محمَد، وارضَ اللهمّ عن خلفائه الراشدين...
----------------------------------------
[1] أخرجه البخاري في الصلاة (481)، ومسلم في البر (2585) من حديث أبي موسى - رضي الله عنه -.
[2] أخرجه أحمد (3/322، 339) عن جابر - رضي الله عنهما - في حديث طويل، وصححه ابن حبان (7012)، والحاكم (4251)، وقال الهيثمي في المجمع (6/46): \"رجال أحمد رجال الصحيح\"، وحسن إسناده الحافظ في الفتح (7/222).
[3] أخرجه البخاري في بدء الخلق، باب: ذكر الملائكة (3231)، ومسلم في الجهاد والسير، باب: ما لقي النبي (1795) من حديث عائشة - رضي الله عنها - بنحوه.
[4] جاء من حديث المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه -، أخرجه مسلم في مقدمة صحيحه، وأحمد (4/255)، والترمذي في العلم (2662)، وابن ماجه في المقدمة (41)، وقال الترمذي: \"هذا حديث حسن صحيح\"، وهو في صحيح سنن ابن ماجه (39). وجاء من حديث سمرة - رضي الله عنه -، أخرجه مسلم في مقدمة صحيحه، وأحمد (5/14، 19، 20)، وابن ماجه في المقدمة (39)، قال الترمذي: \"كأن حديث سمرة عند أهل الحديث أصح\"، وصححه ابن حبان (29)، وهو في صحيح سنن ابن ماجه (37). وفي الباب عن علي - رضي الله عنه -.
[5] أخرجه البخاري في الإيمان (10)، ومسلم في الإيمان (40) من حديث عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما -. وأخرجه مسلم في الإيمان (41) من حديث جابر - رضي الله عنهما -.
[6] أخرجه مسلم في البر (2589) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - بنحوه.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد