بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي هدانا للإسلام، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدهُ لا شريك له، الملكُ القدوسُ السلام، وأشهدُ أن محمداً عبدهُ ورسولهُ النبي المصطفى، الإمام عليه وعلى آله وصحبه من ربهم أزكى الصلوات والسلام. أما بعد:
فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله، فتقوى الله جماعُ كلِّ خيرٍ, ومنبع كل صلاح.
أيٌّها المسلمون:
كلٌّ أمةٍ, تعتمدُ في قوتها وثباتها على مقومٍ, من المقومات، فأمةً تنافسُ بقوتها البشرية، وأخرى بمقوماتها الاقتصادية، وثالثةً بقوتها العسكرية، ونحنُ أمةَ الإسلام نُفاخرُ الأممَ وننافسها ونصارعُها بأعظمِ مُقومات البقاء، وأقوى عواملِ الثبات، وأسمى وسائلِ التحدي، نحنُ أمةً تُفاخر بمقوماتها العقدية، وبنائها الأخلاقي، حيثُ الترابط الأسري، والتكافلَ الاجتماعي، وحيث السلامة من الأدواءِ الخلقية، والأمراضِ الجنسية، لأننا أمةً تستمدُ منهجَ حياتها من كتابٍ, لا يأتيه الباطلُ من بينِ يديهِ ولا من خلفهِ تنزيلٌ من حكيمٍ, حميد، ومن سنةِ نبيٍ, وسيرةَ رسولٍ, لا ينطقُ عن الهوى إن هو إلا وحيُّ يوحى.
لقد أدرك أعداؤنا من يهودٍ, ونصارى وهم يعيشون فوضى أخلاقية، وانحرافاتٍ, اجتماعية، وتفككاتٍ, أسرية، ويُعانون من أمراضٍ, جنسيةٍ,، وجرائمَ خلقية، أدركوا أنَّ المسلمين أمةٌ لن تُقهر، ما داموا يستمسكون بالمبادئِ الأخلاقيةِ السامية، فبدت البغضاءُ من أفواههم، وأصبحوا كما قال الله: ((وَدٌّوا لَو تَكفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً)) (النساء: من الآية89) وكما أخبر الحق: ((ودَّ كثيرٌ من أهل الكتاب لو يردونكم)وَدَّ كَثِيرٌ مِن أَهلِ الكِتَابِ لَو يَرُدٌّونَكُم مِن بَعدِ إِيمَانِكُم كُفَّاراً حَسَداً مِن عِندِ أَنفُسِهِم)) (البقرة: من الآية109).
لذا فقد عملوا عبرَ وسائلهم المختلفةِ، ومن خلال أبواقهم وأذنابهم من المنافقين والمنافقات، وسعوا إلى أن تميلَ الأمةُ ميلاً عظيماً.
لقد أحسَّ أعداؤُنا وهم يُحاولون هدم هذه الأمةِ صلابة البناءَ الأسري في المجتمعاتِ المسلمة، وقوة الحصونِ الأخلاقية، فحملوا بخيلهم ورجلهم، وجرَّدوا الحملات المُسلحة بسهامِ الشهوات، وسمومَ الشُبهات، لتعيثَ في قلوبِ المسلمين فساداً، وتجوسُ خلالَ ديارهم لتسلخهم من دينهمُ الحقٌّ الذي ارتضى اللهُ لهم.
لقد كان هؤلاءِ الأعداء خبثاءَ ماكرين في حربهم، إذ تفرسوا في أسبابِ قوةِ المسلمين وحددوها، ثم اجتهدوا في توهينها وتحطيمها بكل ما أوتوا من مكرٍ, ودهاء.
علموا أنَّ المرأةَ من أعظمِ أسبابِ القوةِ في المجتمع الإسلامي، وهم يعلمون أيضاً أنَّها سلاحٌ ذو حدين، وأنَّها قابلةً لأن تكون أخطرَ أسلحةِ الفتنة والتدمير، ومن هُنا كان النصيب الأكبر من حجم المؤامرات.
إنَّ المرأة تملكُ مجموعةً من المواهب الضخمةِ، الجديرةِ بأن تبني أمةً، وأن تهدم أمة، قال-صلى الله عليه وسلم - ((إن الدنيا حلوة خضرة وإن الله مستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون فاتقوا الدنيا واتقوا النساء فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء)) رواه مسلم.
وقال- صلى الله عليه وسلم -: ((ما تركت بعدي في الناس فتنة أضر على الرجال من النساء)) متفق عليه.
وقال حسَّان بن عطية: ما أُتيت أمة قط إلَّا من قبل نسائهم، وقد كان للمرأةِ المسلمةِ دورٌ رائعٌ في بناءِ الصرح الإسلامي، وقد انتفعت الأمةُ بهذا الحدِّ النافعِ من سلاحِ المرأة في قرونها الخيرة، ثم لم تلبث الحالُ أن تدهورت شيئاً فشيئاً، وجُرحت الأمةُ بالحدِّ المُهلك من سلاح المرأة.
يجبُ أن لا ننسى أن انحرافَ المرأةِ، أو الانحرافَ بالمرأةِ كان السببُ الأول في أنَّ حضاراتٍ, عتيقة انهارت وتمزقت كل ممزق، ونزل بأهلها العقاب الإلهي، والأوجاعُ والأمراضُ الفتاكة، كما وقع قديماً لليونان والروم وغيرهم، أمَّا في عصرنا الحاضرِ فقد زخرَ التاريخُ الحديث بعبرٍ, ومثُلات، تزيدُ يقينَ المؤمنِ بشؤمِ هاتيك المعاصي والشهوات، التي غرق فيها الغربيون، وتبعهم عليها كثيرٌ من الأمم، الأمرُ الذي ينذرُ بسوءِ العاقبةِ، فإنَّ المثُلات لم تنتهِ من الأرض، فلئن هلك بعضُ الأممِ الظالمةِ بالخسف أو النسف، أو الجوعِ أو المسخ، إنَّ ذلك لمستمرٌ لم ينقطع بعد ولن ينقطع، وإلاّ فما هذه الزلازلُ تقرعُ البشر هنا وهناك، وما هذه السيولُ تجرفُ المُدن والقرى في الشرق والغرب، وما هذه الأمراضُ الفتاكة تجتاحُ الإنسان في كلِّ مكان، وقد عجزَ العلمُ عن استئصالها، أمَّا المسخُ فما أكثرهُ في هذا العصر، الذي مُسخ فيه مُعظمُ البشرِ آلاتٍ, تُحركُ آلات، فلا وفاءَ ولا حنان، ولا عدالةَ ولا أمان، فكأنَّ الأرضَ كلَّها على فوهةِ بركان.
أيٌّها المسلمون:
لم يعد خافياً ما تشهدهُ مجتمعات المسلمين اليوم من حملةٍ, محمومةٍ,، من الذين يتبعون الشهوات على حجابِ المرأةِ وحيائها وقرارها في بيتها، حيثُ ضاق عطنهم، وأخرجوا مكنونهم، ونفذوا كثيراً من مخططاتهم في كثيرٍ, من مجتمعاتِ المسلمين، وذلك في غفلةٍ, وقلةِ إنكارٍ, من أهل العلم والصالحين، فأصبحَ الكثيرُ من هذه المجتمعاتِ تعجٌّ بالسفورِ والاختلاط، والفسادِ المستطير، الأمرُ الذي أفسدَ الأعراضَ والأخلاقَ، وبقيت بقيةٌ من بلدان المسلمين لا زال فيها بحمد الله يقظةً من أهل العلم، والآمرين بالمعروفِ والناهينَ عن المنكر، حالت بين دُعاةِ السفورِ وبين كثيرٍ, مما يرومون.
ومن كيدِ المُفسدين في مثلِ المجتمعاتِ المحافظةِ، ولوجودِ أهلِ العلم والغيرة أنَّهم لا يُجاهرون بنواياهم الفاسدة، ولكنهم يتسترون وراءَ الدين، ويُلبسون باطلهم بالحقِّ واتباع ما تشابه منه، وهذا شأنُ أهلِّ الزيغِ كما أخبر الله، وهُم أولَّ من يعلمُ أنَّ فساد أي مجتمعٍ, إنَّما يبدأُ بإفسادِ المرأةِ واختلاطها بالرجال، وهذه حقيقةٌ لا يُماري فيها أحد، وملل الكفر أولَّ من يعرفُ هذه الحقيقة ومن خلالها دخلوا على كثيرٍ, من المجتمعات المسلمين وأفسدوه، وحققوا أهدافهم البعيدة، وتبعهم ذلك المهزومون من بني جلدتنا، ممن رضعوا من لبانِ الغرب وأفكاره. ولكن لأنَّهم يعيشون في بيئةٍ, مسلمة، ولا زالَ لأهلِ العلم والغيرةِ حضورهم، فإنَّهم لا يتجرأون على طرحِ مطالبهم التغريبيةِ بشكلٍ, صريح، لعلمهم بطبيعةِ تدينِ الناسِ ورفضهم لطروحاتهم، وخوفهم من الافتضاحِ بين الناس، ولذلك دأبوا على اتباعِ المتشابهاتِ من الشرع وإخراج مطالبهم في قوالب إسلامية، وما فتئوا يُلبسون الحقَّ بالباطل، وهم كما قال الله: ((وَإِذَا قِيلَ لَهُم لا تُفسِدُوا فِي الأَرضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحنُ مُصلِحُونَ)) (البقرة: 11).
ومن تلك الطروحات التي أجلبوا عليها في الآونةِ الأخيرةِ ونشروها في مجتمعنا المُحافظ، وفي بلدنا الذي يأرزُ إليهِ الإيمان، وتهوي إليه أفئدةُ الصالحين، ومنه نبعت الفضيلةُ ودعاتها، مطالبتهم بكشفِ المرأة عن وجهها، وإخراجها من بيتها، وهم يعلمون ونحنُ نعلمُ أنَّ تلك هي الشرارةُ الأولى، والخطوةُ الأولى نحو فسادِ المرأة،، وذهابِ حيائها، وهم في دعواتهم هذه يُلبسون الباطلَ ثوبَ الحقِّ، ويصوغُون القضيةَ بقالبٍ, شرعي، ويعتمدون بزعمهم على أدلةٍ, شرعيةٍ, وأقوالٍ, لبعض العلماء.
ونحنُ أيٌّها المسلمون إحقاقاً للحقِّ، وبياناً لهُ، نقفُ مع هؤلاءِ وقفات:
أولاها: أنَّ هُناك فرقاً بين فتاوى مبينةٍ, على التحري والاجتهاد، وأخرى محلولةَ العقالِ، مبنيةً على التجري لا التحري، والتي يصدرُها قومٌ لا خلاقَ لهم من الصحفيين، ومن أسموهم المفكرين وأهل التنوير، يفرقونَ من تغطيةِ الوجهِ لا لأنَّ البحث العلمي المجرد أدَّاهم إلى أنَّهُ مكروهٌ أو جائز، أو بدعةٌ كما يرجفون، ولكن لأنَّه يشمئزُ منهُ متبوعهم من كفارِ الشرقِ والغرب، ولك أن تُقدرَ شدةَ مكرِ القومِ الذين يُريدون من جانبهم أن يتبعوا التمدن الغربي، ثُمَّ يُبررون فعلهم هذا بقواعدِ النظام الإسلامي الاجتماعي .
لقد أوتيت المرأةُ من الرخصةِ في النظام الإسلامي، أن تُبدي وجهها وكفيها، وما دعت إليه الحاجةُ والضرورة في بعضِ الأحوال، وأن تخرجَ من بيتها لحاجتها، ولكن هؤلاءِ يجعلون هذا نقطةَ البدءِ، وبدايةَ المسيرِ، ويتمادونَ إلى أن يخلعوا عن أنفسهم ثوبَ الحياءِ والاحتشام، فلا يقفُ الأمرُ بإناثهم عند إبداءِ الوجهِ والكفين، بل يجاوزهُ إلى تعريةِ الشعرِ والذراعِ والنحرِ، إلى آخرِ هذهِ الهيئاتِ القبيحةِ المعروفة، وهاهو ذا المودود- يرحمه الله - يصرخُ في وجهِ هؤلاءِ الأحرار في سياستهم، العبيدُ في عقليتهم، قائلاً: ((ولا ندري أيٌّ القرآن أو الحديث يستخرج منهُ جوازُ هذا النمطِ المبتذلِ من الحياة، وإنَّكم يا إخوانَ التجدد إن شاءَ أحدكم أن يتبعَ غير سبيلِ الإسلام فهلا يجترئ، ويصرح بأنَّهُ يُريدُ أن يبغي على الإسلام، ويتفلت من شرائعهِ وهلا يربأ بنفسهِ عن هذا النفاقِ الذميم، والخيانة الوقحة)) .
وثاني الوقفات: أنَّ قضية الحجابِ اليوم، وما يدورُ بينها وبين السفورِ من معارك، لم تُعد قضيةً فرعية، ومسألةً خلافية، ولكنَّها باتت قضيةً عقديةً مصيرية، ترتبطُ بالإذعانِ والاستسلامِ لشرع الله - عز وجل -، في كلِّ صغيرةٍ, وكبيرة، وعدم فصلها عن شئونِ الحياة كلها.
إنَّ التشنيعَ على تغطيةِ المرأة وجهها، والتهالكُ على خروجها من بيتها، واختلاطها بالرجال، ليست اليومَ مسألةً فقهيةً فرعية، ولكنَّها مسألةً خطيرةً، لها ما بعدها، لأنَّها تقومُ عند المنادين بذلك على فصلِ الدين عن حياةِ الناس، وعلى تغريبِ المجتمعِ، وكونها الخطوةُ الأولى أو كما يحلو لهم أن يُعبروا عنها بالطلقة الأولى.
وثالث الوقفات: إنَّ المناديةَ اليوم بكشفِ وجه المرأةِ أمامَ غير المحارم، إنَّما يُوجِّهون نداءَهم إلى مجتمعاتٍ, محافظة، لم تعرف نساؤهُ إلاَّ الحشمةَ و الحياء، وتغطيةَ الوجهِ والبُعد عن الرجالِ الأجانب، وهذا مما يُثيرُ العجب، ويُحيرُ العقلَ، و يضعُ استفهاماتٍ, كثيرةٍ, على مطالبهم تلك، فماذا يُريدون من ذلك، وماذا عليهم لو بقيت نساؤُهم وبناتهم وأخواتهم ونساء المسلمين، على هذه الحشمةِ والعفةِ و الحياء، ماذا يضيرهم في ذلك؟ ألا يشكرون اللهَ- عزوجل- على هذه النعمة العظيمة، ألا يعتبرون بما يرونه في المجتمعات المختلطة المتبرجة، حيثُ ضاعت قوامةُ الرجل، وظهرَ الفساد، وهُتكت الأعراض، وأصبحت تلك البُلدان مقصدَ كلِّ فاجر، وملاذَ كلِّ طالبٍ, للرذيلة.
إن زماننا اليومَ زمنَ العجائبِ، وإلا فعلامَ يشرقُ قومنا بالفضيلةِ والطُهر والعفاف.
ورابع الوقفات: أنَّ الأدلةَ الموجبة لستر وجه المرأة و كفيها عن الرجالِ الأجانب، ووجوب الابتعادِ عنهم، أدلةً كثيرةً وصحيحة وصريحة، ويُمكنُ الرجوعُ إليها في فتاوى ورسائلِ أهل العلم الراسخين، ولكن يحسنُ أن نُشير إلى أنَّ علماء الأمةِ قديماً وحديثاً من أجازَ منهم كشف الوجه ومن لم يجزه، كلهُم مُتفقون ومُجمعون على وجوبِ سترِ وجه المرأةِ وكفيها، إذا وجدت الفتنةُ وقامت أسبابها، فبربكم أيٌّ فتنة هي أشدٌّ من فتنةِ النساء في هذا الزمان؟!! حيثُ بلغت وسائلُ الفتنةِ والإغراء بهنَّ مبلغاً لم يشهدهُ تاريخُ البشريةِ من قبل، وحيث تفنن شياطينُ الأنس في عرضِ المرأة بصورها المُثيرةِ في كلِّ شيء، في وسائلِ الأعلامِ المقروءةِ والمسموعة والمرئية، وأخرجوها من بيتها بوسائلِ الدعايةِ و المكرِ والخداع، فمن قال بعد ذلك إنَّ كشف المرأة عن وجهها، أو شئٍ, من جسدها لا يثيرُ الفتنةَ فهو والله مغالطٌ مكابر، لا يوافقهُ في ذلك من لهُ مسكةٌ من دينٍ, أو عقلٍ, أو مروءة.
وإذا تبين ذلك فلنعلم أيضاً أنَّ هذا القدر من الخلاف بين العلماء بقي خلافاً نظرياً إلى حدٍ, بعيد، حيثُ ظلَّ احتجابُ النساءِ هو الأصلُ في الهيئةِ الاجتماعية، خلالَ مراحلِ التاريخِ الإسلامي، كما قال شيخ الإسلام: (كانت سنة المؤمنين في زمن النبيe أنَّ الحُرة تحتجب)
وقال الإمامُ الغزالي: ((لم يزل الرجالُ على مرِّ الزمان مكشوفي الوجوه، و النساءَ يخرجن متنقبات)) .
أيَّها المسلمون:
إنَّ المتأملَ في حال المتبعين للشهواتِ اليوم، ليأخذهُ العجبُ و الحيرةُ من أمرهم، فمالهم وللمرأةِ المُسلمة التي تقرٌّ في منزلها، توفرُ السكنَ لزوجها، وترعى أولادها، ماذا عليهم لو تركوها في هذا الحصن الحصينِ تؤدي دورها الذي يُناسبُ أنوثتها و طبيعتها، ماذا يُريدون من عملهم هذا، ثُمَّ ماذا عليهم لو تركوا أولاد المسلمين يتربون على الخيرِ والدين؟! والخصالَ الكريمة؟! ماذا يُريدون من إفسادهم وتسليط برامجَ الإفسادِ المختلفةِ عليهم؟! هل يُريدون جيلاً مُختلاَّ يكونُ وبالاً على مجتمعه، ذليلاً لأعدائه، عبداً لشهواته، إنَّ هذه هي النتيجة، وإنَّ من يسعى لهذه النتيجةِ التي تتجهُ إليها الأُسرُ المسلمةِ اليوم لهوَ من أشدِّ الناس خيانةً لمجتمعهِ وأمتهِ وتاريخه، وإنَّ من عندهُ أدنى مروءةٍ, ونخوةٍ, فضلاً عن الدين والأيمان، لا يسمحُ لنفسهِ أن يكونَ من هؤلاءِ الظالمين المفسدين.
ثُمَّ أنتم يا مسلمون يا صالحون، يا أهلَ الشرفِ و الحياءِ و المروءةِ، كونوا يقظينَ لما يطرحهُ الظالمون لأنفسهم و أمتهم، من كتاباتٍ, وحواراتٍ, مؤداها إلى سفورِ المرأة و اختلاطها بالرجال، فما دامت المدافعةُ بين المصلحين و المفسدين، فإنَّ اللهَ - عز وجل - يقذفُ بالحقِّ على الباطلِ فإذا هو زاهق.
يا مسلمون:
ينبغي أن لا ننسى في خضمِ الردودِ على ما يكتبهُ المفسدون من الشُبهات والشهوات، ذلك السيلُ الهادرُ الذي يتدفقُ من وسائلِ الأعلامِ المسموعةِ و المرئية في بلاد المسلمين، وذلك بما تبثٌّهُ من دعواتٍ, للمرأةِ إلى السفور، ومزاحمةِ الرجال في الأعمالِ والطرقات، عبر القصةِ والمسلسل والبرامج الحوارية، والمقابلاتِ والبرامجِ الغنائية، ولقد ضربت هذه الوسائلُ بأطنابها في بلادِ المسلمين، فكان لزاماً على كلِّ غيورٍ, محاربتها وإبعادها عن بيتهِ قدر الاستطاعة.
يا مسلمون:
ربٌّوا نساءَكم وبناتكم على حُبِّ الحجابِ والتعلقِ به منذُ الصغر، ومن وسائلِ ذلك تحصينهنَّ الحصانةَ الفكريةِ و الأخلاقية، بأن تعلمَ المرأةُ المسلمة أوضاعَ المرأةِ الغربية، والإسفاف النفسي الذي وصلت إليه، وتعتيم الغزو لأوضاعها، وأحياناً قلبُ مفاسدها وانحرافاتها إلى فضائلَ و تكريم.
إننا لا نُريدُ المرأةَ المتحجبةِ تقليداً وعادةً تشعرُ مع الحجابِ بالضيقِ والحرج، وتتخلى عنهُ لأدنى شبهة أو شهوة.
نريدُ المرأةَ المسلمة التي ترى في الحجاب عزاً وشرفاً، وترى في الحياءِ سلوكاً وخلقاً، نريدُ المرأةَ التي تتحجبُ استسلاماً لله، ورضاً بشريعتهِ، وخضوعاً لحكمه، وتتمثلُ قولَ الحقِّ: ((وَمَا كَانَ لِمُؤمِنٍ, وَلا مُؤمِنَةٍ, إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الخِيَرَةُ مِن أَمرِهِم)) (الأحزاب: من الآية36) 0
لا نريدُ المرأةَ المتحجبةَ المتخلفة، فإنَّ الدعوةَ إلى فريضةِ الحجابِ والعودة إليه، لا بُدَّ أن تُواكبها دعوةَ القائمين بأمرِ المرأة، إلى أن يؤدوا لها فريضة تحرير عقلها من حُجبِ التضليل والجهل والتخلف، وتِلكم مسئوليتكم أيٌّها الأولياء، فاتقوا الله، وقوا أنفسكم و أهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة.
أقولُ هذا القول.
الخطبة الثانية:
فإنَّ دُعاة تغريرِ المرأة وتدميرها، ما فتئُوا يستغلون الظروفَ و الأزمات، لبثِّ أفكارهم العفنة و الدعوة إليها، وهُم في دعواتهم المتكررةِ لكشفِ المرأةِ وجهها، باعتبار ذلك خطوةً نحو تبرجها و سفورها، يعمُدون إلى وسائلَ متعددة، فتارةً من خلالِ الأفلام والمسلسلات، وتارةً من خلالِ الحفلاتِ و المهرجانات، وأُخرى من خلالِ الإعلاناتِ التجارية، و التي تُبرزُ الرجلَ حالقاً للحيته، و المرأةُ كاشفةً وجهها، باعتبارهم يُمثلون المجتمع السعودي، حتى يستمرئُ الناس ذلك و يألفونه.
وآخرُ خطواتهم في ذلك، دعواتهم منذُ سنواتٍ, عبرَ الكتاباتِ الصحفيةِ، لاستقلالِ المرأةِ ببطاقةٍ, تحملُ صورتها، بحجةِ أنَّ ذلك يحمي حقوقها، ويثبتُ شخصيتها، ويقضي على صورِ التزوير، حتى تحولت دعواتهم إلى واقعٍ, عملي، استرضي به حفنةً، واستغضبت به أمة.
ونحنُ إذ نُقدرُ للمسئولين حرصهم على أمنِ البلدِ وحمايةِ حقوق ساكنيه، و نُثمنُ لهم خطواتهم لتحقيق ذلك، فإننا يجبُ أن نعلمَ أنَّ الله لم يجعل شفاءَ أمةِ محمدٍ, فيما حرم عليها، وإننا إذ نقفُ مع كلِّ خُطوةٍ, تحققُ للبلد أمنهُ و استقراره، فإنَّهُ يجبُ أن نُدركَ أنَّ هُناك أمناً لا يمكنُ التفريط فيه، ألا وهو الأمن الأخلاقي.
إن أمتناعنا عن بطاقةِ المرأةِ ليس تحجراً و لا تعنتاً، و لا من بابِ المشقةِ، بل هو نظرٌ مصلحي، ومبنيُّ على موازنةِ المصالح و المفاسد منها، وسدَّ باب الذرائع قاعدةً شرعيةً متقررةٌ في القرآنِ والسنة، وعليها عملُ سلف الأمة، و بنظرٍ, مُتجردٌ من الأهواءِ و العواطف، والتأثيراتِ الإعلامية، سيُدركُ كلَّ صاحبَ عقلٍ, أنَّ مفاسدها راجحةً على مصالحها، و إثمها أكبرُ من نفعها.
إنَّهُ نظراً لتعلقِ البطاقةِ بالمرأة، وهي عرضُ المسلم و شرفه، فإنَّ مثلَ هذهِ الأمورِ لابُدَّ أن تُقدر فيها مشاعرُ الغيرةِ لدى الناس، وليس الميزانُ في ذلك رضى البعض بها، بل النظر هنا لمن يُوقعون عن اللهِ، وهم الذين أمرَنا اللهُ بالرجوع إليهم، وهم علماؤُنا الإجلاء، والذين قرروا بالإجماعِ في جلسةٍ, لهيئةِ كبار العلماءِ أنَّ المصلحةَ الراجحةُ تقتضي بالمنعِ من ذلك، وكذا بيانَ اللجنةِ الدائمةِ للإفتاء، والتي عدت المُطالبة ببطاقةِ المرأةِ من الأفكارِ المضللةِ للمجتمع.
ولابد أن نعلم أيٌّها المسلمون أموراً منها:
أولاً: أن بطاقة المرأةِ وفيها صورتها خطوةً نحو حصولها على رخصةِ قيادة، مما يفتحُ البابَ لقيادتها للسيارة، وهو ما يطمحُ إليه دُعاة التغريب و الضلال.
ثانياً: أن مسوغات صرف البطاقةِ للمرأة غير مقنعةً البتة، سواءً في دعوى حفظِ حقوقها وكرامتها، أو رفع الظلمِ عنها من ذويها، وذلك لوجودِ بدائلَ متاحةً حالياً، وكافيةً لحفظِ حقوقِ المرأةِ المالية أو المعنوية، والبطاقةُ لا تمنع الولي من ظلمهِ لزوجته أو ابنته أو أخته، والذي سيسلبها حقوقها، سيسلبها بطاقتها، فأيٌّ شئٍ, ستحققهُ البطاقة للمرأة، ورقم سجلِّها المدني، يحققُ لها حقوقها المدنية، و سجلاتها المستقلة سواءً كانت سجلاتٌ أمنية، أو تجارية، أو إحصائية.
ثالثاً: تصويرُ المرأة لوجهها في بطاقةٍ, يُشاهدها الرجالُ في المحاكم، و الدوائر والمطارات، ونقاط التفتيش وفي الفنادق وغيرها، سيرفعُ الحاجزُ النفسي عند المرأة، وسيُجرئها على كشفِ وجهها في كلِّ مكان، ومن هُنا تنشأ المفاسد، وتكثرُ المخالفات الأخلاقية.
رابعاً: مع ما في بطاقة المرأة من إضعافٍ, لقوامةِ الرجل على أهله، حينما يصيرُ لدى المرأةِ شعورٌ بالاستقلالية، فإننا إذا سلمنا بأهميتها أمنياً، فما المبررُ لصورتها، رغم أنَّ الإثبات بالصورةِ من أسوءِ وسائل الإثبات، في زمنٍ, تطورت فيه وسائلُ التزوير، ومعلومٌ أنَّ الصورةَ تتغيرُ كلَّ حينٍ, عند الرجال، فكيف بالمرأةِ التي تتغيرُ في اليومِ أكثر من مرة.
إذا سلمنا بالحاجةِ إلى البطاقة أمنيا، فإنَّ في وسائلِ الإثبات الحديثةِ من بصماتٍ, وعدساتِ عينٍ, ما يُغنى عن هذه الخطوةِ الخطيرة، والتي تعتبرُ بدايةً لخلعِ الحجاب، فلا تسأل عن انكسارِ عيونِ أهلِ الغيرة، وتقلصِ ظل الفضيلة، و انتشارِ الرذيلةِ وشيوعِ التبرج والسفور.
وإننا أيٌّها المسلون لنتساءل: ماذا لو فقدت امرأةٌ بطاقتها و فيها صورتها؟! فعثرَ عليها أربابُ الشهوات! فجعلوا منها وسيلةً للمساومةِ على عفافِ المرأةِ و شرفها؟.
وماذا لو عثرَ عليها المفسدون؟! فتفننوا في وضعها بأشكالٍ, مُزريةٍ, فاضحةٍ, عبر شبكةِ الإنترنت؟! فهناك الفضائح و المخازي.
إنَّهُ يومَ أن تصورَ المرأةُ و تكشفُ وجهها ليراها كلَّ موظفٍ, ومسؤول، حينها ترقبوا أن يكون حديثُ المجالس، ما أجملَ امرأةَ فلان!! وفلانٌ زوجتهُ ليست بذاك!! و حينها ارتقبوا خللاً أُسرياً، و تفككاً عائلياً، ومشاكل اجتماعيةٍ, لا حصر لها.
وإنَّ لنا أن نتساءلَ و نسألَ أولئك الكُتاب والكاتبات، من المستغربين والمستغربات، أدينُ الله يبغون؟! وبشريعتهِ يرضون؟ إذاً فقد قال العلماءُ كلمتهم، وأصدروا حُكمهم، فلماذا لم تأخذوا بحكمهم؟ أم أنَّهم غيرَ دين الله يبغون؟! وبحكمِ الجاهلية يرضون؟ إن كانوا يؤمنون بالديمقراطيةِ، وأنَّ الرأي للأغلبية، فإنَّ غالبَ رجالَ الأمة و نساءَها، لا يرضون مثل هذه الخطوة الخطيرة، فلماذا لم يؤخذُ رأيهم بالاعتبار؟ وبأيِّ حديثٍ, هؤلاءِ يؤمنون؟.
وإنَّ لنا أن نتساءل: المسئولون يُريدون من البطاقةِ تحقيقُ مطلبٍ, أمني، ولكن أرباب الشهواتِ و دُعاةِ الضلالِ جعلوا منها وسيلةً للتشفي و التحدي، وإغاضةِ أهل الغيرة والصلاح، فهذا أحدهم يرسمُ في جريدةٍ, صورةَ لبطاقة امرأةٍ, وسماها، (إنسانة بنت الوطن) لأنَّها كانت قبل البطاقة في نظرهِ حيواناً لا قيمةَ لها، ولو كانت الصالحة القانتة، ويرسمُ معها رسماً لامرأة ترفعُ يديها بعلامات النصر، وكأنَّ المرأةَ قبل ذلك مقهورةً مظلومة.
وآخر يرسمُ رسماً يُعنونَ له (الخاسرون في بطاقة المرأة) ويرسمُ تحتهُ صوراً لأشخاصٍ, أشكالهم قبيحة، وفي هيئةٍ, مُقززة، وقد حفوا شواربهم، وتركوا لحاهم، وهُم ثلاثُ أصناف: المجرمون، النصَّابون، والمزورون.
فيا ليت شعري: هل البطاقةُ مطلبٌ أمنى، أم هدفٌ علماني؟
و إنَّ لنا أن نتساءل: لماذا لا تظهرُ الخفافيشُ إلاَّ في الظلام؟ لماذا لا تُصدرُ هذه الدعواتِ الآثمة، والتي تفرقُ الصف، وتشتتُ الشمل، وتوغرُ الصدور، إلاَّ زمن الأحداثِ والأزمات، حيثُ تشتدٌّ الحاجةُ إلى وحدةِ الصف، واجتماع الكلمةِ، ووقوفَ الرعية مع رعاتها، ولكنهُ النفاق والمنافقون ((لَو خَرَجُوا فِيكُم مَا زَادُوكُم إِلَّا خَبَالاً وَلَأَوضَعُوا خِلالَكُم يَبغُونَكُمُ الفِتنَةَ وَفِيكُم سَمَّاعُونَ لَهُم وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ)) (التوبة: 47).
وأخيراً أيٌّها المسلمون:
إنَّ من حقِّ ولاتنا علينا، ومن حق هذا الوطن، وإنَّ من مقتضياتِ الغيرةِ على دينِ الله، وعلى حُرمات المسلمين، أن نبينَّ للمسئولين الخطر الماحق، الذي سينشأُ من هذه البطاقة، وأن نقفَ جمعياً في خندقِ الإصلاح، ضدَّ كلِّ دعوةٍ, تستهدفُ هدمَ جدارنا الأخلاقي، وزعزعةَ ثوابتِ الأمة.
إننا نتطلعُ أيٌّها المسلمون إلى أن تكون غيرتُكم جبلاً، تتحطمُ عليه كلَّ نصالِ دعاةِ الضلال، وأن لا تكونَ غيرتكم جداراً من ورق، ينهارُ عند أدنى طمعٍ, دنيوي، أو شهوةٍ, مادية. نحنُ لا نريدُ المجتمع الذي يقتلُ الحسينَ ويسألُ عن دمِ البعوضة، لا نُريدُ الجيلَ الذي يأنفُ أفرادهُ من ذكرِ أسماءِ نسائهم في المجالس، و يسمحُون بصورهنَّ تتداولُ في كلِّ مكان.
قد قلتُ ما قلتُ نصحاً للهِ و لدينه ولأئمةِ المسلمين وعامتهم، وغيرةً على هذا الوطن و أهله، ومساهمةً في تحقيقِ المواطنةِ الحقيقية، وما أريدُ إلاَّ الإصلاحَ ما استطعت، وما توفيقي إلاَّ بالله، عليه توكلتُ و إليه أنيب.
اللهمَّ احفظ بلادنا و أهلها، و دُعاتها ورعاتها، من كيدِ الكائدين، وحسدِ الحاسدين، ودعوات المفسدين .
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد