بسم الله الرحمن الرحيم
الخطبة الأولى:
أيها الإخوة: إن كل مسلم يؤمن بالله رباً وبمحمد نبياً وبالإسلام ديناً يجب عليه أن ينكر المنكر ويغيره إما بيده أو بلسانه أو بقلبه وذلك أضعف الإيمان، فمن كره فقد برئ، أما من رضي وتابع فإنه يكون واقعاً في الإثم.
وقد علمنا أن إنكار المنكرات، ومنها الابتداع في الدين، يكون باليد لذوي القدرة والسلطان، سواء كانت السلطة عامة أو خاصة، أما الإنكار باللسان فهو حق كل مسلم، كذلك الإنكار بالقلب بعدم الرضى وهجر أهل البدع والمعاصي وهجر أمكنتها، وهذا من حق الإخوة الإسلامية أن نبني علاقاتنا على الدين، دون النظر إلى الجنس أو اللون، فمن التزم بشرع الله واتبع سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - فهو أخ لنا نواليه ونحبه، أما من ابتدع في الدين وشرع للناس منهجاً مخالفاً لهدي سيد المرسلين - صلى الله عليه وسلم - فإننا نعاديه، ونكشف أمره، ونبغضه، ولو كان أقرب قريب.
وعلى كل مسلم أن يزن الأمور بميزان الشرع الحنيف. وبالقسطاس المستقيم، وأن يرد على أهل البدع جميعهم وعلى جميع أنواع البدع، دون محاباة سواء كانت بدعاً بمناسبات دينية أو سياسية أو اجتماعية كأيام ذكرى الزواج أو يوم العبور أو الأيام الوطنية أو يوم الجلوس أو شم النسيم أو أسبوع الشجرة أو ليلة الإسراء والمعراج أو يوم المولد النبوي أو ليلة النصف من شعبان أو غيرها من الأيام المحدثة، كدعاء ختم القرآن في الصلاة[1] أو الاحتفال بمرور ربع قرن أو نصف قرن أو مائة عام على فتح مشروع، أو الاحتفال بليلة غزوة بدر الكبرى، أو فتح مكة، أو الهجرة النبوة، كلها بدع محدثة، لا أصل لها، بل هي ابتداع في الدين، أو تشبه بالكافرين، ومنها ما يجمع بين السيئتين: البدعة والتشبه والعياذ بالله، وقد ذكر الشيخ بكر أبو زيد وفقه الله في كتابه (اليوبيل[2] بدعة في الإسلام). أن على جميع الدعاة الإنكار على أهل البدع جميعهم دون تفريق ودون مجاملة، وأن لا يخشوا في الله لومة لائم.
أيها الإخوة: الدين النصيحة.. ومن النصح لله والنصح لرسوله - صلى الله عليه وسلم - الرد على أهل الأهواء، والذب عن الدين وعن سنة سيد الأولين والآخرين - صلى الله عليه وسلم -.
أيها الإخوة: جاء في سير أعلام النبلاء هذه القصة التي حصلت في عهد الواثق أحد خلفاء الدولة العباسية حينما ظهرت فتنة القول بخلق القرآن، حيث جيء بشيخ كبير إلى مجلس الواثق، وكان ابن أبي دؤاد في المجلس، وهو أحد العلماء في ذلك العصر ويقول بخلق القرآن، فقال الشيخ: السلام عليك يا أمير المؤمنين، فقال الخليفة: لا سلم الله عليك. فقال: يا أمير المؤمنين، بئس ما أدبك مؤدبك، قال الله - تعالى -: وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها. فقال ابن أبي داود: الرجل متكلم. قال له الخليفـة: كلمـه، فقال: يا شيخ ما تقول في القرآن؟ قال: لم ينصفني، ولي السؤال قال: سل. فقال الشيخ: ما تقول أنت في القرآن؟ قال: مخلوق. قال الشيخ: هذا شيء علمه النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر وعمر والخلفاء الراشدون أم شيء لم يعلموه؟ قال: شيء لم يعلموه، فقال الشيخ سبحان الله! شيء لم يعلمه النبي - صلى الله عليه وسلم -، علمته أنت؟ فخجل.
فقال: أقلني – يعني أريد أن أغير إجابتي – قال الشيخ: المسألة بحالها – يعني نفس السؤال أجب عنه – قال: نعم علموه- أي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر وعمر وبقية الخلفاء علموا أن القرآن مخلوق – فقال الشيخ: علموه ولم يدعوا الناس إليه؟ قال: نعم. قال: أفلا وسعك ما وسعهم.. فلا وسع الله على من لم يتسع له ما اتسع لهم.
فقـام الواثق من مجلسه وهو يقول: شيء لم يعلمه النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا الخلفاء الراشدون، علمته أنت سبحان الله!! شيء علموه ولم يدعوا الناس إليه أفلا وسعك ما وسعهم؟ ثم أمر بفك قيود الشيخ، منذ ذلك الوقت انتهت بفضل الله هذه الفتنة وهذه البدعة.
من هذه القصة نستخلص أن كل من لديه القدرة على مناظرة أهل البدع وإبطال حججهم وكشف شبهاتهم بالقلم واللسان، يجب عليه ألا يتأخر عن ذلك حتى ولو لقي الأذى والمضايقة والتعب، وأن كل من أراد أن يتصدى لأهل الأهواء، لابد أن يكون صاحب قدرة على الحوار والمناقشة، وفهم للنصوص الشرعية، ودراية وبصيرة بما يريد أن يناظر ويجادل من أجله.
ونحن بدورنا نوجه هذه الأسئلة لكل صاحب بدعة، نقول لكل من يدعو إلى أمر لم يشرعه الله - عز وجل - ولا رسوله - صلى الله عليه وسلم -، ولا فعله أبو بكر وعمر وعثمان وعلي - رضي الله عنهم -أجمعين ولا بقية الصحابة ولا آل البيت من أولاد علي ولا أولاد العباس ولا أولاد جعفر، ولا أمهات المؤمنين - رضي الله عنهم -أجمعين، ولا الأئمة الأربعة، وفيهم الإمام الشافعي وهو من آل البيت، ولا غيرهم من العلماء المحدثين كالبخاري ومسلم والنسائي والترمذي وأبي داود والدارمي واسحق وابن المبارك رحمهم الله وغيرهم الكثير، نقول لهذا الداعي إلى تلك البدعة: هل هؤلاء كلهم علموا ما تدعو الناس إليه أم لم يعلموه؟ فإن قال لا: لم يعلموه، نقول سبحان الله كيف علمت أمراً خفي على النبي - صلى الله عليه وسلم - وآل بيته وصحابته والأئمة والمحدثين، هل أنت أهدى من أولئك؟!! وإن قال: نعم علموه.. نقول له هل علموه؟ فتركـوه، ولم يدعــوا الناس إليه؟ وسكتوا عنه ولم يفعلوه؟ فإن قال: نعم.. (ولا أظنه إلا أنه يقول: نعم، لأنه لو قال: بل علموه وفعلوه وأمروا به فإننا سنسأله عن إثبات ذلك.. ودون ذلك خرط القتاد، فلا يوجد قول: – ولو- ضعيف عن فعل هذه البدع في القرون الثلاثة الأولى وحتى منتصف القرن الرابع الهجري.
عندها نقول له: يسعنا ما وسع القوم، فما تركوه نتركه، وما فعلوه نفعله، أما أنتم يا دعاة الضلالة، فإنكم ستفعلون ما تركوه، إنكم تتشبثون بأمور لم يأمر بها النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولم يفعلها، ولم تذكر عن الخلفاء الراشدين ولا الأئمة المهديين.
أيها الإخوة: بعد أن نزل الوحي على النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يصعد إلى غار حراء مرة أخرى، ولم يرشد أصحابه إلى ذلك، وبعد الهجرة، تم أداء العمرة وفتح مكة، لم يطلب النبي - صلى الله عليه وسلم - من أصحابه الذهاب إلى غار ثور، ولم يحدد وقتاً أو يوماً لذكرى ليلة الإسراء والمعراج، حتى التحق بالرفيق الأعلى.
ثم جاء الخلفاء الراشدون من بعده، فلم يحتفلوا بيوم ولادته - صلى الله عليه وسلم - ولا بيوم بعثته أو هجرته، أو بليلة الانتصار في معركة بدر أو غيرها من المعارك الشهيرة، وكذلك الأئمة الأربعة وبقية العلماء والمحدثين، لم يفعلوا ذلك ولم يذكروه في كتبهم ومؤلفاتهم، فأي الفريقين أهدى سبيلا؟
فلذلك يجب على كل مسلم أن يتبع النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما فعل وترك، وأن يقتدي بالخلفاء الراشدين ومن سار على نهجهم واهتدى بهديهم حتى يحظى بالشربة الهنيئة من حوض النبي - صلى الله عليه وسلم -، أما من أحدث حدثاً فإنه سيذاد عن تلك الشربة ويمنع منها، فيقول النبي: ((أمتي أمتي)) حينما يرى أثر الوضوء عليهم، فيقال له: لا تدري ما أحدثوا بعدك، فيقول: ((سحقاً سحقاً)).
يا أيها الإخوة: التزموا بما كان عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - وصحابته الكرام - رضي الله عنهم -أجمعين، لتفوزوا في الدارين، وتسعدوا برضا رب العالمين، عن جابر - رضي الله عنه -قال: كنا جلوساً عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فخط خطاً هكذا أمامه فقال: ((هذا سبيل الله)) وخط خطاً عن يمينه وخطاً عن شماله، وقال: ((هذه سبل الشيطان)) ثم وضع يده على الخط الأوسط ثم تلا هذه الآية: وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون.
وعن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما -قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لكل عمل شرة- أي نشاط – ولكل شره فترة، فمن كانت فترته إلى سنتي فقد اهتدى، ومن كانت فترته إلى غير ذلك فقد هلك)).
وفي الختام نعوذ بالله من الخذلان، ومن طريق أهل البدع والضلال، ونسأله - سبحانه و تعالى - أن لا يجعل لهم علينا سلطانا، وما أردت بهذا إلا الإصلاح ما استطعت، ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئاً أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم. وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وسبحانك اللهم وبحمدك أشهد ألا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.
ـــــــــــــــ
[1] انظر كتاب مرويات دعاء ختم القرآن للشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد.
[2] اليوبيل كلمة عبرية بمعنى قرن الخروف، وهي أداة يستخدمها اليهود في عباداتهم واحتفالاتهم. انظر معجم المناهي اللفظية.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد