بسم الله الرحمن الرحيم
إن من مسائل الابتداع في الدين أن كثيرًا من الناس وقعوا فريسة هذه المعصية الخطيرة، لما دعوا إليها باسم محبة النبي إذ أكثر ما يروج طواغيت البدعة لبدعهم باسم محبة النبي، فكم من معصية ارتكبت باسمها وكم سنة للنبي حاربها طواغيت البدعة باسم محبة النبي كل مسلم في مكنون قلبه حب النبي ولسانه يلهج بذلك ولولا ذلك لما صار مسلمًا فالقلوب مجتمعة على حب الحبيب المصطفى الذي اتخذه الرحمن خليلاً ولكن كيف نعبر عن حبنا لرسول الله ؟ كيف نحول هذا الحب إلى حقيقة مؤثرة في حياتنا لا يكفي أن ندعي محبة رسول الله ومحبة ما جاء به رسول الله على كل واحد منا أن يوجه إلى نفسه أسئلة.
السؤال الأول: هل هو في دعواه محبة النبي صادق؟
والسؤال الثاني: هل محبته للنبي لها قيمة مؤثرة في حياته هل هي مسيطرة على حياته كلها، هل هي موجهة لحياته كلها؟
والسؤال الثالث: ما موقفه من سنة النبي ؟
لا يكفي أن ندعي محبة رسول الله ولا يكفي أن ندعي محبة ما جاء به رسول الله دون أن تكون لذلك حقيقة في حياتنا، فإن محبة رسول الله إن لم يكن لها حقيقة في حياتنا فهي دعوى تحتاج إلى دليل، كيف تكون دعوانا صادقة وحياتنا في أغلب مظاهرها عصيان تام لرسول الله وتمرد على ما جاء به من شريعة عادلة وآداب رفيعة وعقيدة صافية أي محبة هذه لمحبوب ألسنتنا معه وحياتنا ليست معه أي محبة هذه لمحبوب نجتمع زرافات ووحدانا لنترنم بمناقبه وسيرته ونشدو بها وتشتغل بها ألسنتنا حتى إذا خرجنا إلى الحياة فإذا بنا في أسواقنا وفي بيوتنا وأسرنا وأولادنا وفي فكرنا وثقافتنا وفي تجارتنا ومصالحنا الدنيوية في ذلك كله وفي غير ذلك لا نعيش معه ولا نلتزم بمبادئه وآدابه الرفيعة وإذا رأينا هذه المبادئ وهذه الآداب النبوية تنتهك لا تأخذنا الحمية ولا نغضب، ولا ننصر رسول الله. كيف ننصر رسول الله وقد اتخذنا سنته وراءنا ظهريًا هذه سنته قد بلغها إلينا خلفاؤه من بعده كاملة غير منقوصة وخلفاء رسول الله هم رواة الحديث من بعده كم منا نحن المسلمون اليوم كم منا قرأ صحيح البخاري ومسلم وفيهما سنته موثقة بالأسانيد الصحيحة كم منا قرأ مختصر صحيح البخاري ومسلم بل مختصر المختصر بل كم تعرف أيها المسلم كم حديثًا تعرف من حديث رسول الله التي يمكنك أن تطبق سنته في حياتك. كم سنة من سنن المصطفى وكم حديثًا من أحاديثه علمته أهلك وأولادك أم أن أهلك وأولادك مشغولون عن الحبيب المصطفى بمحبوبين آخرين ومحبوبات أخريات يعكفون كل ليلة كأنهم في صلاة ساعات وساعات حول تلك الشاشة الفضية الخبيثة يتابعون سيرة أولئك المحبوبين ويا لها من سيرة قذرة سيرة الراقصين والراقصات والفاجرين والفاجرات والمتفرجنين والمتفرجنات، سيرة الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا، أهلك وأولادك مشغولون بذلك وأنت إن لم تكن معهم بل على رأسهم فأنت صامت مقر بذلك إذن فحب المصطفى في قلبك لا تأثير له على حياتك ولا على حياة أسرتك وأولادك.
فكيف يتوقع منك بعد ذلك وكيف ينتظر أن تجاهد وأن تحاول وأن تكافح في سبيل أن يكون لحب المصطفى أثر في مجتمعك ابدأ بنفسك أولاً ثم بمن تعول إن كنت صادقًا أيها المسلمون فلنتعلم كيف نحب الله ورسوله لنتعلم من الصحابة الكرام معنى حب النبي وحقيقة حب النبي فحب النبي في حياة الصحابة الكرام يعني ثلاثة أمور:
الأمر الأول: الوعي التام الكامل بما جاء به محمد رسول الله والفهم الصحيح للأهداف التي بُعث بها بُعث من أجل أن يحققها في حياة الناس، فالواحد من الصحابة الكرام قبل أن يسلم وبعد أن يسلم كان يكفيه أن يسمع من رسول الله من فم رسول الله الشريفة آيات من القرآن الكريم أو عبارات موجزة من كلامه النبوي فيفهم المراد ويفهم معنى ذلك كله. ويبادر إلى التنفيذ بل حتى أعداؤه من مشركي قريش وغيرهم كانوا يعلمون ماذا يريد رسول الله وما هي أهداف دعوته وأهداف الدين الذي جاء به كان مشركو قريش وغيرهم يعلمون أنها ليست مجرد كلمة تُقال باللسان وإلا لقالوها ولكنها حياة كاملة ستتغير إثر تلك الكلمة.
الأمر الثاني: التنفيذ والتطبيق نحن المسلمون اليوم كثير منا يسمع كلام رسول الله وفيه الأمر والنهي حتى إذا خرج من المسجد أو من حلقة العلم نسي ما سمع كأنه لم يسمع شيئًا أنسته الحياة الدنيا، وأنساه الجري وراء فتنتها أنساه سنة رسول الله. لم يكن ذلك شأن الصحابة كانوا يسمعون ويبادرون إلى التنفيذ والتطبيق تواقين إلى ذلك. هؤلاء الأنصار لما بايعوا رسول الله بيعة العقبة كانوا ثلاثة وسبعين رجلاً وامرأتين، بايعوا رسول الله بيعة العقبة كانوا ثلاثة وسبعين رجلاً وامرأتين بايعوا رسول الله على أن يمنعوه مما يمنعوا منه نسائهم وأبنائهم، أي أن يحموه ويحموا دعوته والدين الذي جاء به ويجاهدوا في سبيل ذلك، بعد أن أعطوه هذا العهد قام العباس بن عبادة وقال يا رسول الله والله الذي بعثك بالحق إن شئت لنميلن على أهل منى بأسيافنا. فقال رسول الله: ((إني لم أؤمر بذلك)) [1]. الله أكبر منذ أول لحظة يلتقون فيها برسول الله يفهمون تمامًا ماذا يريد وماذا تريد دعوته وماذا يريد دينه ويبلغ إيمانهم هذا المبلغ العظيم حتى إنهم تواقين إلى المبادرة بالتنفيذ، فلو أمرهم رسول الله وهم ثلاثة وسبعون رجلاً أن يكتسحوا ما في منى من مشركي قريش لفعلوا.
روى مسلم في صحيحه عن عوف بن مالك - رضي الله عنه - أن الرسول بايعهم في طائفة وأسر النبي إليهم كلمة خفية ألا تسألوا الناس شيئًا. انظر إلى أدب رسول الله الرفيع وهو يوصيهم بوصية خفية فيما بينه وبينهم حتى لا يحرجهم ألا تسألوا الناس شيئًا، أتدرون ماذا فعل أولئك النفر بعد ذلك لم يسألوا أحدًا أبدًا شيئًا حتى أن السوط ليسقط من يد أحدهم فلا يقول لأحد ناولني إياه من شدة امتثالهم لأمر النبي: ((ألا يسألوا الناس شيئًا)) [2].
الأمر الثالث: إذا تعارضت سنة المصطفى مع أهوائنا أو أهواء نسائنا وأبنائنا أو أهواء تجارتنا ومصالحنا الدنيوية فأي شيء نقدم؟ هذه هي القضية وهذا هو الاختبار الحاسم الذي يفترق الناس الذين ادعوا محبة النبي يفترق الناس عنده فريقين صادق في حبه لله ورسوله وآخر مسكين يعيش في الكذب والأحلام، وآخرون يعيشون فريسة لشياطين الجن والإنس الذين يزينون لهم البدع والضلالات ليشغلوهم بها عن الحب الحقيقي لسيدنا رسول الله. أما الصحابة الكرام فانظروا كيف كان حبهم لرسول الله وماذا فعل بهم حبهم لرسول الله. هذا زيد بن الدثنة وهو أحد أفراد سرية الرجيع التي بعثها رسول الله للدعوة والجهاد فوقع زيد في الأسر فلما خرج به مشركو مكة يقتلوه قال له أبو سفيان - قبل إسلامه – ((أنشدك الله يا زيد أتحب أن محمدًا مكانك الآن يضرب عنقه وأنك في أهلك فانتفض زيد وقال والله ما أحب أن محمدًا في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة وأنا جالس في أهلي. فقال أبو سفيان ما رأيت في الناس أحدًا يحب أحدًا حب أصحاب محمد محمدًا)) [3]. هذا حب الصحابة لله ورسوله؟ فماذا فعلت الصحابيات وكيف كان حبهم لله ورسوله هذه امرأة من بني النجار من الأنصار خرج أبوها وأخوها وزوجها إلى غزوة أحد مجاهدين فقُتلوا جميعًا واستشهدوا فجاء أحد الصحابة يواسيها فقالت: ما فعل رسول الله؟ لا تهتم بأبيها ولا بأخيها ولا زوجها وقد قتلوا، تسأل عن رسول الله هي قلقة على رسول الله يواسيها في أبيها وفي أخيها وفي زوجها فتقول ما فعل رسول الله؟ قال خيرًا وكما تحبين. فقالت أرني أنظر إليه، فلما رأت رسول الله تهلل وجهها وقالت كل مصيبة يا رسول الله، بعدك جلل. أي كل مصيبة هينة ما دمت سليمًا معافًا - رضي الله عنها وأرضاها - ورضي عن الصحابة الكرام. هذا هو الحب الصادق الذي يتفاعل معه القلب والروح وتتفاعل معه حياة الإنسان كلها، حتى تصير تبعًا لأمر المحبوب، وهذه هي حقيقة الإيمان الصادق كما قال رسول الله: ((لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه ومن ولده ووالده والناس أجمعين)) [4]. فتعلموا يا مسلمون كيف تحبون الرسول تعلموا من أصحاب رسول الله كيف تحبون رسول الله تعلموا منهم المعنى الحقيقي لحب الله ورسوله، أصدق وسيلة للتعبير عنه هو تعلم سنة المصطفى أن تتعلمها وتمتثل لها وتذعن وتطبقها في حياتك على نفسك وعلى أهلك وأولادك وعلى بيتك ثم تنشرها بين الناس هذا إذا كنت صادقًا في دعواك.
واحذر أيها المسلم يا محب محمدٍ, احذر من البدع فوالله ليس هناك أكذب في دعواهم محبة رسول الله ليس هناك أكذب من أهل البدع لأن البدعة ضد السنة ومن ضاد السنة وحاربها فقد ضاد سيدنا رسول الله وحاربه. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: \"قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيل الله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين \" [التوبة:24].
----------
[1] أخرجه ابن إسحاق في السيرة (2/439و440) وأخرجه أحمد في مسنده (3/460-462).
[2] أخرجه مسلم في صحيحه (2/721) رقم (1043).
[3] أخرجه ابن إسحاق في السيرة (2/169-172).
[4] صحيح البخاري (15) صحيح مسلم (44) عن أنس - رضي الله عنه -.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد