تقوى الله


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الخطبة الأولى:

 عباد الله: عليكم بتقوى الله، فإنها وصية الله للأولين والآخرين كما قال - تعالى -: ولقد وصينا الذين أوتو الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله فما من خير عاجل ولا آجل ظاهر ولا باطن إلا وتقوى الله سبيل موصل إليه ووسيلة مبلغة له، وما من شر عاجل ولا آجل ظاهر ولا باطن إلا وتقوى الله - عز وجل - حرز متين وحصن حصين للسلامة منه والنجاة من ضرره.

 

ولقد علق الله - عز وجل - في كتابه العزيز على التقوى خيرات عظيمة وسعادات جسيمة من ذلك أن الله - عز وجل - مع المتقي دائماً يحفظه وينصره ويؤيده قال - جل وعلا -: \"واتقوا الله واعلموا أن الله مع المتقين\"

ومن فضائل التقوى وخيراتهما محبة الله للمتقين قال – سبحانه -: \"فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم إن الله يحب المتقين\"

التقوى سبب للأمن فقد نفى الله الخوف والحزن عن المتقي المصلح فقال - جل وعلا -: \"فمن اتقى وأصلح فلا خوف عليهم ولاهم يحزنون\"

التقوى فرقان بين الحق والباطل وكفارة للسيئات ومغفرة للذنوب قال الله - تعالى -: \"يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقاناً ويكفر عنكم سيئاتكم ويغفر لكم والله ذو الفضل العظيم\"،

 ومن خيرات التقوى النجاة من النار قال الله - تعالى -: \"وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتماً مقضياً ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثياً\" وقال - تعالى -: \"وينجي الله الذين اتقوا بمفازتهم لا يمسهم السوء ولاهم يحزنون\"

ومن ذلك أن التقوى سبب للخروج من شدائد الرزق من حيث لا يحتسب قال - تعالى -: \"ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب\"،

ومن ذلك أن الله ييسر ويسهل أمور المتقين كما قال – سبحانه -: \"ومن يتق الله يجعل له من أمره يسراً\"

ويعظم له الأجر: \"ومن يتق الله يكفر عنه سيئاته ويعظم له أجراً\"

ومن ذلك الوعد من الله بالجنة للمتقين: \"وأزلفت الجنة للمتقين\" وقال: \"إن المتقين في جنات ونهر في مقعد صدق عن مليك مقتدر\"

ومن خيرات التقوى أيضاً الكرامة عند الله: \"إن أكرمكم عند الله اتقاكم\"،

إذا فهمت يا عبد الله هذه الخيرات الحاصلة بالتقوى فاعلم أن التقوى هي طاعة الله - عز وجل - بفعل أوامره والابتعاد عن نواهيه، فالمتقون هم الذين يراهم الله حيث أمرهم ولا يقدمون على ما نهاهم عنه، المتقون هم الذين يعترفون بالحق قبل أن يشهد عليهم، ويعرفونه ويؤدونه وينكرون بالباطل، ويجتنبون ويخافون الرب الجليل الذي لا تخفى عليه خافية، المتقون يعملون بكتاب الله فيحرمون حرامه ويحلون حلاله، المتقون لا يخونون في أمانة ولا يرضون بالذل والإهانة ولا يعقون ولا يقطعون ولا يؤذون جيرانهم ولا يضربون إخوانهم، المتقون يصلون من قطعهم ويعطون من حرمهم ويعفون عمن ظلمهم، الخير عندهم مأمول والشر من جانبهم مأمون، المتقون لا يغتابون ولا يكذبون ولا ينافقون، المتقون لا يحسدون ولا يراؤون ولا يرابون ولا يرشون ولا يقذفون ولا يأمرون بمنكر ولا ينهون عن معروف، بل المتقون يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، تلك صفات المتقين حقاً الذين يخشون ربهم بالغيب وهم من الساعة خائفون مشفقون، المتقون حقاً هم أهل الفضائل منطقهم الصواب، وملبسهم الاقتصاد ومشيهم التواضع، غضو أبصارهم عما حرم الله عليه، ووقفوا أسماعهم على العلم النافع لهم، نزلت أنفسهم في البلاء كما نزلت في الرخاء عظم الخالق جل شأنه في أنفسهم فصغر ما دونه في أعينهم، فهم والجنة كمن قد رآها فهم فيها منعمون، وهم والنار كمن قد رآها فهم فيها معذبون، قلوبهم محزونة وشرورهم مأمونة وحاجاتهم خفيفة وأنفسهم عفيفة، صبروا أياماً قصيرة فأعقبهم راحة طويلة وتجارة مربحة يسرها لهم ربهم.

 

أرادتهم الدنيا فلم يريدوها وأسرتهم ففدوا أنفسهم منها أما الليل فصافون أقدامهم يتلون آيات الله إذا مروا بآية فيها تشويق ركنوا إليها طمعاً وتطلعت نفوسهم إليها شوقاً وظنوا أنها نصب أعينهم، وإذا مروا بآية فيها تخويف أصغوا إليها مسامع قلوبهم وظنوا أن زئير جهنم وشهيقها في أصول آذانهم، فهم حانون على أوساطهم، مفترشون لجباههم وأكفهم وركبهم وأطراف أقدامهم يطلبون من الله - تعالى - أن يفك رقابهم من النار، فالمتقون لأنفسهم متهمون ومن أعمالهم مشفقون، إذا زكى أحدهم خاف مما يقال فيقول أنا أعلم بنفسي من غيري.

 

اللهم لا تؤاخذني بما يقولون واجعلني أفضل مما يظنون واغفر لي مالا يعلمون والحمد لله رب العالمين.

 

الخطبة الثانية

وبعد:

 

عباد الله: إن كنتم في سعة منا لعيش فاحمدوا الله - تعالى - أن جعلكم من أهل الإيثار وأديموا شكره يدم عليكم النعمة ويزدها، ومن تمام شكر النعمة أن لا تبخلوا بأموالكم وأن تخرجوا منها جزءاً إلى ذوي الحاجات لعلكم أن تفوزوا بالخلف والثواب الجزيل من فاطر السموات والأرض فأحسنوا إلى عباد الله كما أحسن الله إليكم، وارعوا عند الإحسان الأدب فإن للصدقة آداباً ينبغي أن يراعيها المتصدق منها أن يفهم المقصود من الصدقة وهو ثلاثة أشياء أن الله - عز وجل - يبتلي كل من يدعي محبة الله - تعالى - بإخراج شيء يحبه، وأن ينزه العبد نفسه عن صفة الشح والبخل المهلكين، وإن الصدقة هي شكر الله المنعم عليك بالمال.

 

ومن آداب الصدقة أيضاً إخراجها سراً، وهو أفضل من إخراجها جهراً لقوله - تعالى -: إن تبدوا الصدقات فنعما هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خيرٌ لكم وحديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل الا ظله وذكر منهم رجلاً تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، لكون الإخفاء أبعد عن الرياء والسمعة، وفي إظهارها إذلال للفقير أيضاً. ومن آداب الصدقة أن لا يفسدها صاحبها بالمن والأذى ويرى نفسه محسناً إلى الفقير منعما عليه بالعطاء ولو حقق المتصدق النظر جيداً لرأى أن الفقير هو الذي يحسن إليه لأن صدقته طهرة له وإنماء في ماله، ومن آداب الصدقة أيضاً أن يختار المتصدقون من ماله أجله وأطيبه وأحبه إليه، أما الحلال فإن الله - تعالى - طيب لا يقبل إلا طيباً، وأما الأجود والأحب فإن الله قال: لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون، ومن آداب الصدقة أيضاً أن يكون المتصدق طيب النفس بإخراجها فرحاً مسروراً وليحذر أن يكون كارهاً لإخراجها فإن ذلك من صفات أهل النفاق الذين وصفهم الله بقوله: ولا ينفقون الا وهم كارهون.

 

فهذه بعض الآداب الواجب على المتصدق مراعاتها عند التصدق، فأحسنوا إلى عباد الله كما أحسن الله إليكم وارعوا عند الإحسان هذه الآداب فلا تمنوا على الفقير، ولا تؤذوه فإن ذلك محبط للأعمال، واستروا عطاءكم مخلصين متيقنين أن حاجتكم إلى الثواب وتكفير الذنوب أشد من حاجة الفقير إلى مالكم، واعلموا أن إحسانكم إنما هو لأنفسكم وأعصوا الشيطان فإنه يأمر بالبخل والشح وينهى عن العفط على المساكين، يخيفكم إن تصدقتم أن يذهب مالكم وأنتم تعلمون أن نصيحة العدو مهلكة، وقد أخبركم ربكم - جل وعلا - أن الشيطان لكم عدو مبين، وأخبر نبيكم أنه ما من يوم يصبح العباد إلا وملكان ينزلان فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقاً خلفاً ويقول الآخر اللهم أعط ممسكاً تلفاً.

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply