بسم الله الرحمن الرحيم
أما بعد أيها الناس اتقوا الله تعالى وتفقهوا فى الدين لتعبدوا الله على بصيرة فانه لا يستوى الذين يعلمون والذين لا يعلمون ومن يرد الله به خيرا يفقهه فى الدين فالفقة فى الدين نور يسير به العبد إلي ربه فى عقيدته وعبادته وأخلاقه ومعاملته به يعرف العبد ما يعتقده في ربه وبه يعرف العبد كيف يعبد ربه يعرف كيف يتوضأ وكيف يغتسل به يعرف كيف يصلى وكيف يزكى وكيف يصوم وكيف يحج به يميز بين الحق والباطل بين الحلال والحرام بين الواجب والمسنون بين الصحيح والفاسد. به يعرف كيف يخالق الناس كيف يبر والديه كيف يصل أرحامه ( أى أقاربه ) كيف يعامل صديقه وكيف يجازى عدوه., بالعلم يعرف كيف يعامل الناس في البيع والتأجير والرهن والضمان والقضاء والاقتضاء فرحم الله امرءا سمحا اذا باع واذا اشترى سمحا وإذا اقتضى سمحا إذا اقتضى. بالعلم يعرف الحق الذى عليه فيعطيه ويعرف الحق الذى له فيطلبه أو يتسامح فيه بالعلم يعرف كيف يوصى وكيف يسبل وكيف …. وكيف يطلق . بالعلم يسير الموفق بأمته فى نور العلم والرشاد إذا تراكمت ظلمات الجهل والفتن والفساد يهديهم إلي صراط مستقيم ويبين لهم المنهج القويم فما اكتسب كاسب ملا أو جاها ولا رئاسة أفضل من العلم واعلى شانا ( يرفع الله الذين امنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات ) ومن سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة
أيها الناس من استطاع منكم أن يتفرغ لطلب العلم وتحصيله فذلك أفضل وتلك نعمة كبرى وغنيمة فضلى وإن التفرغ لطلب العلم يتأكد فى هذا الزمان الذى قل فيه الفقهاء فى دين الله وكثر فيه طلب الدنيا والإقبال عليها من أكثر الناس. ومن لم يستطيع أن يتفرغ لطلب العلم فليستمع إلى العلم وليجالس أهله فيستفيد منهم ويفيد غيره ومن ثم ينبغى لأهل العلم أن يستغلوا فرصة جلوسهم مع الناس فيعلموهم ويفتحوا لهم باب المسالة والمناقشة لتكون مجالسهم مجالس مفيدة. ومن لم يستطيع الاستماع إلى العلم والجلوس إلى أهله فلا اقل من أن يسال عن الأمور التى لا يسعه جهلها فى دينه ودنياه. ومن استفتى عالما واثقا بعلمه وأمانته فأفتاه فليأخذ بما أفتاه به ولا يتبع هواه فى هذا فيرفض ما أفتى به إذا لم يناسبه ويذهب إلى عالم أخر وثان وثالث حتى يفتى بما يهوى فان هذا من تتبع الرخص والتلاعب بدين الله وأتباع الهوى دون هدى. لكن إن تبين له بمجالسه العلماء إن ما أفتاه به المفتى مخالف لما دل عليه الكتاب والسنة فله أن يعدل عن الفتوى بل يجب عليه ذلك إلى ما دل عليه الكتاب والسنة وكذلك لو استفتى شخصا ليس في بلده أحدا أولى منه ومن نيته انه إذا حصل من هو اعلم منه استفتاه لكنه استفتى من فى بلده للضرورة فلا باس حينئذ أن استفتى من هو اعلم لان الاستفتاء الاول كان للضرورة
أيها الناس إننا فى هذه الأيام على أبواب عام دراسى جديد اسأل الله تعالى أن يجعله عام خير وبركة وتحصيل للعلم النافع وإننى بهذه المناسبة أوجه ما تبقى من خطبتى هذه إلى ثلاث أصناف من الناس. أوجهه إلى المعلمين والى المتعلمين والى أولياء أمور المتعلمين
أما المعلمين فان من أهم ما يتعلق بهم أن يحرصوا على إدراك العلوم التى يلقونها إلىالطلبة وان يهضموها هضما جيدا قبل أن يقفوا أمام الطلبة حتى لا يقع واحد منهم فى حيرة عند الشرح أو المناقشة لان من أعظم مقومات شخصية المدرس أمام طلبته أن يكون قويا فى علمه وملاحظته ولا تنقص قوته العلمية فى تقوية شخصيته عن قوة ملاحظته.إن المعلم إذا قام أمام الطلبة دون أن يهضم المادة كان ذلك نقصا فى أداء أمانته وسببا فى ارتباكه أثناء الشرح أو المناقشة وإذا ارتبك أمام الطلبة فلا تسال عن انحطاط منزلته بينهم ثم إن أجاب بالخطأ فلن يثقوا به بعد ذلك وإن تعسف وانتهرهم عند مناقشتهم إياه وسؤاله فلن ينسجم معهم وستضيع الفائدة بينهم إذن فلا بد للمعلم من إعداد واستعداد وتحمل وصبر. وعلى المعلم أيضا أن يحرص على حسن الإلقاء فيسلك اقرب الطرق فى إيصال المعانى إلى إفهام الطلبة ويضرب الأمثال ويناقشهم فيما ألقاه إليهم سابقا ليكونوا على صلة بالماضي ويبنوا عليه الحاضر ويعلموا إن هناك حرصا ومتابعة من المعلم وعلى المعلم أيضا أن يكون حسن النية والتوجية فينوى بتعليمه الإحسان إلى طلبته وإرشادهم إلى ما ينفعهم فى أمور دينهم ودنياهم وليجعل نفسه لهم بمنزلة الأب الرحيم ليكون له الأثر البالغ فى نفوسهم ومحبة فى قلوبهم. على المعلم أيضا أن يظهر أمام طلبته بالمظهر اللائق من الأخلاق الفاضلة و الآداب العالية التى أساسها التمسك بكتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ليكون قدوة لتلاميذه فى العلم والعمل وينال الأجر بذلك من الله عز وجل والتلميذ يتلقى من معلمه الأخلاق والآداب أكثر مما يتلقاه من العلم من حيث التأثر به لان أخلاق المعلم وأعماله صورة مشهودة معبرة عما فى نفسه ظاهرة فى سلوكه فتنعكس هذه الصورة تماما على أرادات التلاميذ واتجاههم.
وأما المتعلمون فالمطلوب منهم أن يبذلوا غاية جهدهم فى التعلم من أول العام حتى يدركوا المعلومات إدراكا حقيقيا ناضجا ثابتا فى قلوبهم راسخا فى نفوسهم. أيها المتعلمون إنكم إذا حرصتم من أول العام أدركتم العلوم شيئا فشيئا فسهلت عليكم ورسخت فى نفوسكم واسترحتم أخر العام أما إن أهملتم أول العام فسوف تتراكم عليكم الدروس ويوشك أن لا تدركوها فى أخر العام فتضيع عليكم السنة بأكملها
وإذا كان على المعلمين والتلاميذ واجبات تجب مراعاتها فعلى عمداء دور العلم ومديريها ورؤسائها أن يرعوا من تحت أيديهم من المعلمين والتلاميذ وغيرهم فى تطبيق الواجب لأنهم مسوؤلون عنهم
أما أولياء أمور المتعلمين من الاباء والأمهات والأخوة وغيرهم من أهل الولاية فعليهم أن يتفقدوهم ويراقبوا سيرهم ونهجهم العلمى والعملى والفكرى والخلقى وان لا يتركوهم هملا فيضيعوا وإن إهمالهم ظلم وضياع وغفلة عما أمر الله به فى قوله )يا أيها الذين امنوا قوا أنفسكم واهليكم نارا وقودها الناس والحجارة ) إلى قوله (ويفعلون ما يؤمرون ) وتخل عن المسؤولية التى حملها النبى صلى الله عليه وسلم أمته فى قوله: الرجل راع فى أهله ومسئول عن رعيته. اللهم وفقنا أداء الأمانة وأعنا على القيام بمسؤوليتنا فى حقوقك وحقوق عبادك واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين إنك أنت الغفور الرحيم.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد