كان إمام أهل المغازي والسير، القاضي محمد بن عمر الواقدي - رحمه الله تعالى - من أجود النَّاس مع قلة ذات يدهº وقد حدَّث مرَّة فقال: كان لي صديقان، أحدهما هاشمي، وكنا كنفس واحدة، فنالتني ضِيقَةٌ شديدة، وحضر العيد، فقالت لي امرأتي:
أمَّا نحن فنصبر على البُؤس والشدة، وأمَّا صبياننا فقد قَطَّعُوا قلبي، لأنَّهم يرون صبيان الجيران قد تَزَيَّنوا في عيدهم، وأصلحوا ثيابهم، وهم على هذه الحال من الثياب الرَّثَّة! فلو احتلت بشيء تصرِفُه في كسوتهم!
قال الواقدي: فكتبت إلى صديقي الهاشمي أسأله مواساتي بما حضره، فوجَّه إليَّ كيساً مختوماً،
ذكر أنَّ فيه ألف درهم،
فما استقر قراري حتى كتب إليَّ الصديق الآخر: يشكو مثل شكواي، فوجَّهتُ إليه الكيس بحاله، قبل أن أفتحه، وخرجت إلى المسجد، فأقمت فيه ليلي مستحيياً من امرأتي، ثمَّ رجعت، فلما دخلت عليها استحسنت ما كان مني، ولم تعنفني عليهº فبينا أنا كذلك إذ وافاني صديقي الهاشمي ومعه الكيس كهيئته،
فقال لي: اصدُققني عَمَّا فعلتَه فيما وجهتُ إليك، فَعَرَّفتُه الخبرº فقال لي: إنَّك وجَّهتَ إليَّ تسألني العون، وما كنتُ أملك إلاَّ هذا الكيس، فبعثته إليك، ثمَّ أرسلت إلى صديقي الآخر أسأله المواساة، فَوَجَّه إليَّ بكيس، فإذا هو كيسي وعليه خاتمي!
قال الواقدي: فتواسينا الألف، وقسمناها بيننا أثلاثاً، بعد أن أخرجنا لزوجتي مئة درهم.
هذه القصة العجيبة يجد فيها المسلم فوائد جمة، فمنها:
نزاهة القاضي وزهده، وسخاؤه وجوده، وصدق أُخوة الثلاثة، وبعض نتاج أخوتهم في إيثار بعضهم بعضاً، ومبادرتهم إلى ذلك، وحسن طلب المرأة زوجها، وصبرها على الفقر، واستحسانها تصرف زوجها،
إذ لم تعنفه، وهذا يدل على طيب معدنها، وتقديرها لمعالي الأخلاق.
رزقنا الله حسن الاعتبار!
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد