الفضيلة مهما كلف الأمر


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الفضيلة قيمة مشتركة يحميها الشّرفاء ويرضاها العقلاء، تتوسط بين الأفكار وتتجانس مع الفطرة، وتعلو على النزاعات، وتتأبّى على الاختلافات.

هذا القدر المشترك يفرض علينا أن نتجه إلى: اختصار النزاع في \"قضايا المرأة\"، وإلى ترك التفاصيل الجزئية، والمسارعة صوب الحراب عن الفضيلة، لكن الملاحظ أن أدبيات الخطاب السلفيّ تعرض كثيراً عن المتّفق عليه مع بعض الآخرين \"المخالفين \"º فنتج عن ذلك غياب \"الخطاب الوسطيّ\"، وتراكم هذا الغياب بعضه فوق بعض حتى فُصِل من سلوكنا، ولم يعد رقماً صعباً كما يجب.

هناك محاولات لإعادة الأضواء إلى إحياء مفهوم الوسطيّة لكن المحاولين تحولوا إلى ضحاياº لأن فئة غالبة من التيار \"المتشدد \" لا تتفهم بقدر كافٍ, درجة الخلاف! وهي تضرب بيد من حديد، وتحول دون الفكرة \"الوسطيّة\"، وترى فيها الفشل حاضراًº فهي قد حاكمتها برموزهاº فلم تعد قادرة على التجاوب معها ومعهم، وحاكمتها \" بسدّ الذرائع \" فلم تعد قادرة على تقبّل فتحها لتشرق منها فكرة الوسطيّة.

وسط هذه التداعيات حُوصِرت الفضيلة من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، بين خطاب متطرّف وخطاب متطرّف، الأول يجند للرذيلة في الخفاء، والآخر في العلن، وكلاهما يشارك في صنعها وإنتاجها، وإن كان الأول يرى أنه خطّ الدفاع الأول عنها، إلا أنه دون أن يشعر: يُشعل لهيبها وراء الأسوار وبين الجدران، بل ربما سفحت الفتاة داخل بيت التشدد!!

وتفسير ذلك يعود إلى أن القناعات لا تنمو في الأوساط المتطرفة، فالقناعة هي العنصر الفاعل في فاعلية الفضيلة، وغيابها يؤدي إلى ترصد الفرص للخروج عن المألوف.

إن عظمة الفضيلة تخلق في الإنسان حاجزاً نفسياً يمنعه من التردّي في مستنقعات الرذيلة، ولا تتشكل هذه العظمة إلا بالوعي بأساليب الإقناع التي تبرمج الشاب أو الفتاة نحو قبلة الفضائل أينما حلّ وحيثما ارتحل.

وكما أن الفضيلة لا تُصنع في البيئات المتطرفة، فلا يجوز أن تحتكم إلى العادات والتقاليدº لأن منزعها فطري، يُدرك بالضرورة، ولا يجوز أيضاً أن تكون خاضعة للمفاهيم القبليّة التي تتقيّد بالمظاهر وتشتطّ في الدلائل، وتُحمِّل الفضيلة مضامين قاسية خارجة عن قانون الإسلام، ولا تسمح بعودتها إذا ذهبت! انتقاماً للشرف المزعوم!

إن حاجتنا إلى خطاب يفرز مضامين الفضيلة أشدّ من حاجتنا إلى شكلياتها التي تحتمل وجوهاً متعدّدة في التعبير عنها.

والتحوّل إلى العزف على وتر الفضيلة بات مطلباً وضرورة ملحة، فنحن لسنا قادرين مهما أوتينا من قوة على تجنيد الناس لِرَأينا وموقفنا، وسيبقى الخلاف عالقاً ومستمراً إلى قيام الساعة في التفاصيل التي تنتهك وقتنا وتستهلك جزءاً كبيراً من طاقتنا. فلندع للآخرين آراءَهم التي تتفق مع سند أو مذهب، وليكن شعارنا: \"الفضيلة مهما كلف الأمر \" فهو شعار الجميع، ولا يتخلّف عنه إلا مَن لا شأنَ لهم أو قيمة لديهم.

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply