تلون أهل الود


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

كلما تقدم العمر بالإنسان، وكثر تقلبه في هذه الحياة الدنيا، وزادت بصيرته ومعرفته بالناس - زادت شكواه من تلون أهل وده، وكثر عتبه على من كان ملء سمعه وبصره.

 

ولا ريب أن بقاء المودة، واستمرار رابطة الصلة نادر قليل، ومن ذا الذي يا عَزَّ لا يتغير.

فلا بد -إذاً- من توطين النفس على طروء التغير، وتلون المودة، وتقلب الأحوالº فالأيام دول، والدهر قلب، والتقصير حاصل، والملل يعتري النفوس، والخلل قد يقع من غيرك عليك، ومنك على غيركº فخذ العفو، والتمس العذر، وأمسك لسانك عن الوقيعة، ولا تكثر من تحميل غيرك التبعة، وفي الوقت نفسه لا تبالغ في لوم نفسك، ثم استغفر لَذنبكº وتب إلى ربكº لأن الجفاء والتجني، والقطيعة عذاب، وهم وهي من جملة البلاء، وما نزل بلاء إلا بذنب، وما رفع إلا بتوبة واستغفار.

 

وأخيراً خذ بوصية أسامة بن منقذ الذي عُمِّر طويلاً، فتجاوز التسعين، ومر بالتجارب، وعانى الخطوب، وخاض الحروب، وعركته الأيام بميسمها، وذاق حلوها ومرها، ها هو يقول:

 

وما أشكُو تلَوٌّنَ أهلِ وُدّي * * *  ولو أجدَت شَكِيَّتُهم شكوتُ

مَلِلتُ عتابَهم ويئستُ منهُم * * * فما أرجوهُمُ فيمن رَجوتُ

إذا أدمَت قَوارِصُهُم فؤادي * * *كَظَمتُ على أَذَاهم وانطويتُ

ورُحتُ عليهِمُ طَلقَ المُحَيَّا * * *كأَنّي ما سمِعتُ ولا رأيتُ

تجنَّوا لِي ذُنوباً ما جنتها  * * * يَدايَ ولا أَمرتُ ولا نَهيتُ

ولا واللّهِ ما أضمرتُ غدراً  * * *كما قد أظهَروهُ ولا نَويتُ

ويومُ الحشرِ موعدُنا وتَبدُو  * * *صحيفةُ ما جنَوهُ وما جنيتُ

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply