لا تحسبوه شرا لكم ..


  

بسم الله الرحمن الرحيم

{كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته} (ص: 29).

حقاً لو تدبر أحدنا ما يقرأ من آيات القرآن لكفته في الدنيا والآخرة.. كنت أستمع إلى إمامنا وهو يقرأ في صلاة العشاء آيات الإفك من سورة النور.. وكلنا يعرف قصة الإفك التي افتراها المنافقون على أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - ولكن استمع إلى قول الله في بداية هذه الآيات.. {إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه شراً لكم بل هو خير لكم} (النور: 11) .. ثم تخيل الموقف.. زوجة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تتهم في عرضها.. وينتشر الكلام في المدينة كلها.. ولا يحسم.. لأكثر من شهر كامل.. - كيف لا يكون هذا شراً ؟ -.. بكل المعايير البشرية.. إنه أشد الشر.. وأعظم فتنة.. رسولنا - صلى الله عليه وسلم - تتهم زوجته.. أم المؤمنين.. ويشاء الله - تعالى - أن تمرض طوال هذه الفترة.. حتى أخذت الفتنة مداها.. وتحدث بعض الصحابة لا المنافقون فحسب!! -كيف لا تكون شراً؟ - ولكن اصبر.. ولا تتعجل.. - فإن العاقبة للمتقين- وهي دون شك من خيرة المؤمنين..

- بل كان الموقف عصيباً على جميع المؤمنين.. وحتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.. استلبث الوحي.. فلبث شهراً لا يوحى إليه.. واستشار بعض أصحابه في طلاق عائشة.. بل وسأل جاريتها بريرة -أي بريرة.. هل رأيت شيئاً يريبك من عائشة؟ -.. هكذا اجتمعت الظروف كلها لتحكم حلقاتها في هذه المصيبة.. -فأي خير فيها؟ -..

كنا خمسة.. اثنان ضيوف.. واثنان من (حمائم) المسجد.. بين المغرب والعشاء..

 تابع - بو مشاري - الحديث.. معقباً على الكلام..

 - فتاة صغيرة.. جارية حديثة السن.. لم تتجاوز السادسة عشرة.. ولكنها زوجة رسول الله - صلى الله عليه وسلم-  وكانت لها مكانتها عند المؤمنين.. ولذلك روي أن خالد بن زيد الأنصاري -أبا أيوب- قالت له امرأته: يا أبا أيوب.. أما تسمع ما يقول الناس في عائشة ؟! قال: نعم.. وذلك الكذب.. أكنت فاعلة ذلك يا أم أيوب؟ قالت: لا والله ما كنت لأفعله.. قال: فعائشة والله خير منك..

هكذا كان موقف معظم الصحابة - رضي الله عنهم -.

سأل أحد الضيوف - ويبدو أنه لم يكن يعلم عن حادثة الإفك شيئاً.. وكيف تمت براءة عائشة - رضي الله عنها - فقد أنزل الله ببراءتها عشر آيات تتلى إلى يوم القيامة.. حتى عائشة نفسها لم تكن تظن أن الله سيبرئها بآيات ينزل بها جبريل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.. كانت تعتقد أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - سيرى رؤيا في منامه.. أو شيئاً من هذا القبيل.. ولكن أن تنزل آيات من السماء.. فأكرمها الله بالقرآن يتلى..

- هذا دون شك خير عظيم لها.. ولآل أبي بكر جميعاً.. وهذا معنى قول الله - تعالى -: {بل هو خير لكم} وهذا من أعظم الخير لعائشة - رضي الله عنها - فإنها بهذه الآيات - حفظها الله - من ألسنة الزنادقة والمغرضين الذي رغم هذه الآيات المطهرات الباقيات إلى يوم القيامة يتحدثون عنها بسوء.. وماذاك إلا لمرض قلوبهم.. أما الصحابة.. وآل البيت فيعلمون لعائشة مكانتها.. فها هو عبد الله بن العباس.. ابن عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحبر هذه الأمة.. يأتي عائشة في مرض موتها يقول لها: أبشري فإنك زوجة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.. وكان يحبك ولم يتزوج بكراً غيرك ونزلت براءتك من فوق سبع سموات..

- سبحان الله.. ابن آدم عجول.. وابن آدم ظلوم وجهول.. ولكن المؤمن إذا اتقى الله وصدق مع الله فإنه مع شيء من الصبر يعلم أن العاقبة له..كما حصل مع نبي الله يوسف - عليه السلام - رمي في البئر..وسجن.. سنين.. ثم أصبح بعد ذلك حاكماً يرد عليه إخوته الذين أرادوا قتله.. بل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.. يعذب.. ويهان ثلاثة عشرة سنة.. ثم يرجع بعد ذلك بعشر سنين ليقف منتصراً أمام من آذوه.. وطردوه.. وكذبوه،، إنها سنة الله في خلقه.. ولكن المؤمن يحتاج إلى -الذكرى.. والصبر-.. -بل هو خير لكم- !!

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply