بر الوالدين آداب وفقه


  

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، ثم أما بعد: -

أختي الفاضلة أخي الفاضل.. هذا جواب سؤالك.. وأعتذر مقدماً عن طول الجواب.. لأن الموضوع لن يتضح بإشارة

دون تنبيه.. وقد ضمنت هذا الرد بعض الأفكار التي يمكن من خلالها أن نعطي أولادنا و نحن قبلهم الطريقة والأسلوب الأمثل في التعامل مع الوالدين..

 

وهذه بعض الأساليب والطرق في تجنب عقوقهما و من ثم برهما.. والله الموفق..

1-  إن من العقوق أن يدع الإنسان والديه من غير معيل لهما، ولا يرعاهما ويترك الإنفاق عليهما وهما محتاجان له،ومن ذلك أن بعض الناس إذا تزوج خرج من بيت والده من غير أن يستأذنه ويستأذن أمه طبعاً هذا إذا دعت الحاجة لخروجه -، أما إذا لم تكن هناك حاجة لخروجه فليبق معهما لتكتحل عيونهما برؤيته وتقر قلوبهما بحضرته، وليضع نفسه في مكانهما وقد أراد ابنه أن يفارقه فلا يراه في اليوم إلا مرة أو نحو ذلك، ماذا يكون شعوره؟!

 

2-  وليحذر الولد ذكراً أو أنثى مما يغضب والديه، وليتجنب دعاءهما باسمهما مجرداً، بل يقول يا أبتاه.. يا أماه .. ونحوهما من ألفاظ التبجيل والتكريم.

 

3-  إن بعض الأبناء حين يكبر ويصير له عمل يتقاضى مقابله مالاً، لا يقوم بتقديم ولو جزء يسير منه لوالديه أو أحدهما، إن ذلك الجزء اليسير له مقام عظيم في نفس الوالدين لأنهما أحسا وتيقنا اهتمام ولدهما بهما.

 

4-  أن بعض الأولاد تجده كريماً مع أهله من زوجة وولد ومع أصدقائه، فيسبغ عليهم العطايا والهدايا، ولكن هل دعته نفسه الخاطئة أن يقدم هدية لوالديه أو أحدهما إنها في الواقع ليست بهدية بل رد لبعض جزء من دين عظيم وضخم ينوء به كاهله.

 

أيها القارئ، أيتها القارئة: بادر من ساعتك إلى محفظة نقودك وتوجه لأقرب مكان تظن أن به حاجة يريدها والداك أو أحدهما.. ساعة.. سوار.. عطر.. ملابس.. الخ. ولتتقدم بها لوالديك وأردفها بكلمات الاعتذار عن تأخرها عن وقتها، وليكن هذا هو دأبك بين الحين والآخر.. تحمد عاقبة ذلك بإذن الله.

 

5- أن بعض الناس تراه في المجالس بشوشاً مبتسماً حسن الخلق فرحاً مسروراً، يختار من الكلام أحسنه وأليقه، ولكن عند والديه تجده محزوناً كئيباً منعقد اللسان إلا بجارح الكلام.. فيا أيها الفاعل لذلك والمفرط فيما هو واجب عليك، هلا أدخلت على والديك السرور بأن تكون طلق الوجه في محيا والديك فتقابلهما بالبشر والترحاب وأطيب ما تجد من الكلام، هلا بادرت إلى تقبيل رأسيهما في كل صبح ومساء.. افعل.. وبادر.. تحمد عاقبة ذلك.

 

6-  أن بعض الأبناء تركوا قضاء حاجيات والديهم وحملوا فعل ذلك للسائق والخادم، ولا يخفى خطأ ذلك.

فيا أيها العاق.. فلما ترعرع جسمك واشتد أمرك وبلغت سن الرجاء والأمل جازيت بالإحسان إساءة وبالوصل قطيعة

وبالتواضع غلظة وفظاظة، وبالتربية جفاءً وبالدنو بعداً، وبالمحبة نفوراً، وبالبذل والعطاء منعاً وبخلاً، فقطعت ما أمر الله به أن يوصل، ومنعت ما أمر الله به أن يبذلº وكم ليلة باتا ساهرين لسهرك باكيين لبكائك، متململين لألمك،

 

طاويين إذا لم تأكل مهمومين إذا لم تفرح، فكان جزاءهما منك أن أبكيت عيونهما وأسهرت ليلتهما وضيقت صدورهما .. وكأنك موكل بخلافهما ومنتصب لعقوقهما.. فوا عجباً لهذا الميزان الناقص والجزاء الفاضح..

 

وهذه بعض الوسائل المعينة على بر الوالدين (أثناء حياتهما وبعد مماتهما) سرداً دون شرح مفصل: -

1- الدعاء: فما استجلبت الخيرات بمثله، وهكذا كان هدي الصالحين يضرعون إلى بارئهم أن يوفقهم لبر والديهم وأن يكون آباؤهم وأمهاتهم راضين عنهم، قال - تعالى -{رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحاً ترضاه.. } الآية.

 

2- تذكر نعمة وجودهما وأنهما راحلين: أجل إن هذين الوالدين اللذين يستنير البصر برؤيتهما وينجلي الحزن بابتسامتهما وتتوالى المسرات بفرحهما.. هذان الوالدان قد يأتي يوم يُصّدِّع القلب مَسَاؤه ويُفَطِّر الكبد صباحه، حيث تصبح أو تمسي وقلبك مجروح بفقد أحد والديك، وغيابه عن ناظريك.. فهل تأملت تلك اللحظات العصيبات!! إن وجود والديك أو أحدهما نعمة عظمى ومنحة كبرى، فبادر بشكرها بعظيم برهما، وعمل كل أمر يسرهما..

 

3- تذكر الأجر المرتب على برهما: الوالدان باب من أبواب الجنة، إذا بررتهما وقد يكونان سبباً في شقائك إن أنت أسرفت في عقوقهما، فإذا تذكرت ما في برهما من الأجر الجزيل وما في عقوقهما من الإثم العظيم كان ذلك دافعاً قوياً للحرص على برهما.

 

4- كما تدين تدان: نعم.. كما تدين تدان وكما تبر والديك اليوم فسيكون بر أولادك لك غداً.. وأيضاً كما تعق والديك اليوم، فمن ورائك عقوق أبنائك لك غدا. والجزاء من جنس العمل ولا يظلم ربك أحداً.. فاحذر أن تُشقي نفسك فتشقي أبناءك معك ومن بعدك..

 

5- أداء الدّين عنهما: خاصة إذا كانت لهما تركة فقد وجب القضاء من تركتهما قبل قسمة الميراث، وإن لم يكن لهما مال وعليهما دين فإن الواجب عليك أن تسارع إلى تسديد هذا الدين عنهما براً لهما وإحساناً..

 

6- إنفاذ الوعود التي وعدها أبواك، فيستحب لك أن تفي وتنجز لهما ما وعدا وفاءً لهما وابتغاء الأجر والثواب من الله - عز وجل -.

 

7- ترك النياحة عليهما إذا ماتا: لأن النياحة لا تفيد بل تضر.. أما مجرد البكاء مع دمع العين وحزن القلب فلا جناح على من صدر منه ذلك، ولنا في رسول الله أسوة حينما مات ولده إبراهيم..

 

8- الصدقة الجارية: فهي تفيد الميت مما يصل ثوابها إليه.. وقد نقل الإمام النووي - رحمه الله - الإجماع على ذلك.شرح صحيح مسلم (4/167). ومن أفضل الصدقات الجارية سقيا الماء، كما قال أهل العلم..

 

9- الصيام عنهما إذا ماتا وعليهما صوم.. مصداقاً لقوله - صلى الله عليه وسلم - (من مات وعليه صيام، صام عنه وليه ). والحديث في الصحيحين.

 

10- الحج عنهما إذا ماتا ولم يحجا. لقوله - صلى الله عليه وسلم - للمرأة التي أتت تسأل عن أمها، فقال: (حجي عنها ). والحديث في الصحيحين. وحتى إذا كانا كبيرين ولا يستطيعان الحج.. والعمرة أيضاً جائزة عن الوالدين.

11- إسترضاء الخصوم: كأن تكون بين والدك وبعض الناس قبل الممات شحناء وخصومة، فقم بطلب العفو عن أبيك ودعائهم له، وكذا عن والدتك.

 

12- صلاة الولد على والديه بعد مماتهما: إن أمكن أن يصلي عليهما صلاة الجنازة كإمام للمصلين، فعل ذلكº لأن الابن في الغالب يكون أشد إخلاصاً في الدعاء لوالديه والله - تعالى -أعلم.

 

13- أن تصل أهل ود أبيك أو أمك: وذلك كما ورد عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (إن أبر البر صلة الولد أهل ود أبيه) صحيح مسلم برقم (2552) وذلك أيضاً من حسن العهد ومن الوفاء والصلة المحمودة.. فواصل صلة الرحم التي كان يصلها أبوك ولا تقطعها..

 

14- واصل مسيرة الخير التي سار فيها والدك: إن كان والدك يعطي الفقراء والمساكين، فواصل العطاء ولا تبخل على هؤلاء..

 

15- أصلح ما أفسده والدك: بمعنى إن كان والدك قد اقترف سوءاً أوجره إلى مسلم أو ظلم شخصاً أوقطع رحماً.. الخ ، فعليك إن كنت تريد رحمة والدك مما هو فيه من العذاب، أن تصلح ما أفسده..

 

وهذه أساليب أخرى تجلب رضا الوالدين.. سرداً دون شرح مفصل..

1- ألا تحد النظر إليهما. أي لا تحد النظر إليهما أثناء الحديث معهما..

2- لا ترفع صوتك عليهما. أثناء الحديث أو طلب شيء أو الاسفتسار عن شيء.

3- لا تسبقهما بحديث. بمعنى ألا يتكلم في وجود من هم أكبر سناً منه وبلاشك فالوالدان أعظم حقاً من سائر الكبار.

4- لا تجلس أمامهما وهما قيام. وهذا أدب نبوي علمنا نبيا - عليه الصلاة والسلام -.

5- لا تؤثر نفسك عليهما بطعام ولا بشراب. ففي قصة أصحاب الغار الثلاثة الذين انطبقت عيلهم الصخرة، وكيف أن أحدهم ظل واقفاً باللبن على باب والديه حتى طلع الفجر فشربا قبل أن يشرب هو وأولاده..

6- طلب الاستغفار من الوالدين. ورضى الوالدين مطلب.. فمهما أحسن إليهما من إحسان وصنع إليهما من معروف فلن يوفيهما حقوقهما.

7- ألا تسب والديك ولا تجلب لهما السباب.. كما في الحديث الصحيح: إن من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه، قيل يارسول الله، وكيف يلعن الرجل والديه؟ قال: يسب الرجل أبا الرجل فيسب أباه، ويسب أمه فيسب أمه.رواه مسلم برقم (92).

 

وهذه أمور إن فعله الولد مع والديه لم تكن من العقوق.. أسردها دون شرح مفصل: -

1- شهادة الحق على الوالدين، خاصة إذا كان عليهما حق.. فهذا ليس من العقوق في شيء، بل هي عين البر.

2- ترك التعصب الجاهلي والجدال عن الآباء بالباطل.. وليتذكر المؤمن أن هذه العصبيات تنقطع يوم يقوم الأشهاد..

3- عدم الحلف بالآباء، فليس من البر أن تحلف بهما بل هذا عمل محرم.

4- عفو الولد عن قاتل أبيه، خاصة القتل الخطأ.. اللهم إن كان القاتل من المفسدين في الأرض.. فإراحة الناس من شره مطلب حينئذ..

5- تحاكم الولد مع والده.. فإنه إذا ظلم الوالد والده فرفعه الولد إلى قاض أو حاكم، فهذا ليس من العقوق إذا كان لرفع ظلم أو لإثبات حق أو لفض نزاع.. أما إذا كان ذلك لإهانة الوالد أو للتشهير به أو لابتزازه بلا سبب فهذا حرام وهذا عقوق وهو من الكبائر.

6- إذا أعضل الرجل ابنته فأبى أن يزوجها مطلقاً، وهي تخشى الفتنة على نفسها.. فابتداءاً الله لا يحب الفساد، فعليه يجوز أن ترفع أمرها إلى السلطان، فإن السلطان ولي من لا ولي له.

7- الحجر على الأب السفيه أو على الأم السفيهة: ابتداءاً عندنا من النصوص كم هائل ينهى عن الفساد في الأرض ويأمر بإصلاحها.. وهي نصوص تعم القريب والبعيد وتنسحب على الوالدين وغيرهما.. ولا تنافي بين هذه النصوص ولا تعارض بينها وبين الأمر بالإحسان إلى الوالدين وبرهما وطاعتهما.. فأي بر أعظم من بر تصحبه إلى الجنة ويؤول بالشخص إلى الجنة ويقوده إليها.. فإذا كان الوالد من المفسدين في الأرض ويريد إجبار ولده على السير في طريق الفساد، فلا طاعة حينئذ.. وينبغي أن يصاحب عدم الطاعة هذا بالحكمة والموعظة الحسنة..

8- الاستدراك على الوالدين، أو اختيار رأي غير رأيهما: خاصة إذا كان في استدراكه صواب وخير ومعروف..وليبرز ذلك بطريقة حسنة مكللة بالوقار والخلق الرفيع والأدب الحسن.

9- الاستفسار من الوالد عن الأمر الغامض: بسبب تصرف سلكه الوالد معه فضايقه أو آذاه.. وكل ذلك بأسلوب حسن.

10- ترك التسمية بأسماء الأباء أو الأجداد: لاشك أن من البر أحياناً أن يسمي الرجل ولده باسم أبيه، فإذا كان الوالد من الصالحين واسمه اسم طيب له مدلوله الطيب الحسن واسم من الأسماء التي حض عليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فالتسمية باسمه حينئذ فيها بر وإحسان، خاصة إذا كان ذلك يسعده.. أما إذا كان الوالد من الغواة الآثمين، فالتسمية باسمه قد يكون فيها إحياء لذكره ولمآثره السيئة بما يحمل على اتباعه فيها، فحينئذ قطع دابره بترك التسمية باسمه أولى.. وكذلك إذا كان الاسم ليس له مدلول طيب، فتركه أولى كما فعل النبي - صلى الله عليه وسلم -. أما إذا كان اسم الوالد أو الوالدة لا يحمل مدلولاً طيباً ولا خبيثاً، وأراد الوالد أو الوالدة أن يتسمى به الحفيد، وأراد ابنهما أن يتسمى ولده باسم له مدلول طيب، فلا يجبر الابن على أن يسمي ولده باسم أبيه أو أمه، وذلك لأن المولود أيضاً له حق في أن يحظى بطيب الأسماء والله أعلم.

11- إذا طلق الرجل امرأته وكان له منها ولد، وكان هذا الولد مع أحدهما فأمره بعدم زيارة الآخر وعدم بره.. فلا طاعة له حينئذ، لأنه يدعو لقطع الرحم والطاعة إنما تكون في المعروف. اللهم إلا إذا كان المنع بسبب الفساد في الدين والأخلاق.. والله - تعالى -أعلم.

12- التفدية بالأب أو الأم لفظاً، كقول القائل: فداك أبي وأمي، فهذا جائز والأدلة في هذا الباب كثيرة كقول النبي

- صلى الله عليه وسلم - لسعد: (يا سعد ارم فداك أبي وأمي).

13- عدم طاعة الوالدان في تطليق الزوجة، الأصل في المسألة أن الوالدين إذا كانا صالحين ولايأمران بظلم وكان سبب الطلاق له وجه شرعي.. لزم الولد أن يطلق زوجته وإن كان يحبها، كما ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم.. أم إذا كان الوالدان أو أحدهما من السفاهة والطيش بمكان، وكانا من البعد عن الدين أيضاً.. فحينئذ فأمرهما ليس برشيد، وما أمرنا الله بطاعة السفهاء الذي يفسدون في الأرض ولا يصلحون.. فلم يقل أحد بطاعة السفيه فيما يدعو إليه من تشتيت الأولاد وتدمير الأسر..

14- للفتاة أن تعرض عن رأي والدها إذا أجبرها على الزواج من شخص لاترضاه، وكان الإعراض له وجه شرعي..

كأن يكون المتقدم فاسقاً.. ومعروف عنه الشر والفساد.. لا أن ترفضه وتعارض بحجة إكمال الدراسة أو لم يئن الأوان بعد..

15- وللولد أن يرفض الزواج من فتاة لا يريدها وكان ملزماً من أحد الأبوين.. وأنه إذا امتنع لم يكن عاقاً، كما قال ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى (32 / 30).

إلى غيرها من الأمور التي قال فيها أهل العلم أنها ليست من العقوق.. والله - تعالى -أعلم.. وعذراً على الإطالة..

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply