قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: \"أحب الناس إلى الله أنفعهم، وأحب الأعمال إلى الله - عز وجل - سرور تدخله على مسلم، أو تكشف عنه كربة، أو تقضي عنه ديناً، أو تطرد عنه جوعاً، ولأن أمشي مع أخي المسلم في حاجة أحب إلي من أن أعتكف في المسجد شهراً، ومن كف غضبه ستر الله عورته، ومن كظم غيظاً ولو شاء أن يمضيه أمضاه، ملأ الله قلبه رضا يوم القيامة، ومن مشي مع أخيه المسلم في حاجته حتى يثبتها له، أثبت الله - تعالى - قدمه يوم تزل الأقدام، وإن سوء الخلق ليفسد العمل كما يفسد الخل الماء\" (صحيح الجامع 176).
لو تأملنا هذا الحديث النبوي الكريم لوجدناه يشير إلى ما يسمى حاضراً بـ\"أدب المعاملة وكريم المخالطة\" وتحسس معاناة أفراد المجتمع الذي يسير الآن نحو منعطف خطير مما يهدد مبادئ الأخلاق وتعاليم الدين (الدين المعاملة) قال - تعالى -: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسناً..} البقرة 82.وقال - تعالى -: {وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحسَنُ إِنَّ الشَّيطَانَ يَنزَغُ بَينَهُم إِنَّ الشَّيطَانَ كَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوًّا مٌّبِينًا} الإسراء 53.
ألا وإن إطابة الكلام بضاعة رابحة والكلمة الطيبة صدقة، فكم من الحسنات سنجمع بكلمة طيبة وابتسامة صافية، لا تكلفنا شيئاً. قال - عليه الصلاة والسلام -: \"إن في الجنة غرفاً لمن أطاب الكلام، وأطعم الطعام، وبات قائماً والناس نيام\" رواه الطبراني والحاكم. وقال - عليه الصلاة والسلام -: \"ألا أخبركم بمن يحرم على النار، أو بمن تحرم عليه النار، على كل قريب، هين سهل\" رواه الترمذي وابن حبان وغيرهما.
قال عبد الله بن الحارث - رضي الله عنه -: \"ما رأيت أحداً أكثر تبسماً من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -\".
ولنا فيه - عليه السلام - قدوة حسنة، ولا شك أن صاحب الوجه الطلق محبوب إلى كل من يعاشره، كيف لا وقد تخلق بخلق الصالحين، وكسب مودة المخلوقين؟!
وإذا أحب الله يوماً عبده *** ألقى عليه محبة في الناس
فطلاقة الوجه تدل على سماحة النفس ولين الطبع وسهولة المعاملة، وهذه أخلاق المؤمنين حقاً، قال - صلى الله عليه وسلم - \"المؤمنون هينون، لينون، مثل الجمل الأنف، الذي إن قيد انقاد، وإن سيق انساق، وإن أنخته على صخرة استناخ\" رواه البيهقي في الشعب.
فالمؤمن الهين اللين نجده متسامحا، طيب القلب، أليف المعشر، يكافئ بالتي هي أحسن، ويدفع بالحسنة السيئة، يتألف الأفئدة، ويعطر القلوب بأريج المحبة وعبق الشذا الفواح.
فهذا كلمة الله وروحه عيسى - عليه السلام - يقول: \"لو ضربت على خدي الأيمن لأدرت الأيسر\"، يدعو - عليه السلام - إلى التسامح مع المؤمنين، وكان يضرب به المثل في التواضع الجم وازدراء النفس حتى إنه كان يرى نفسه صغيراً في عين نفسه وكان يتهيب من نفخ الشيطان له، ولا يحتقر أحداً مهما كان، ويعلم أن الله مطلع على قلوب عباده، فلا يحكم عليهم من رأي عين أو من مسمع أذن، فلننظر إلى أدب المعاملة في هذا الحديث عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: رأى عيسى ابن مريم رجلاً يسرق فقال له: \"أسرقت؟ قال: كلا والذي لا إله إلا هو، فقال عيسى: آمنت بالله وكذبت عيني\" رواه مسلم. وهذا يدل على سجيته الطاهرة حيث قدم حلف الرجل وصدقه وكذب بصره.
ولعل من آداب المخالطة وكريم المعاشرة: الترفع عن الابتذال في الكلام، وتوقي الغوص في مستنقع القيل والقال والطعن في الأفعال، فما الذي سنجنيه؟! إن يك فيهم فقد اغتبناهم، وإن لم يكن فقد بهتناهم، وفي الحالتين نحن من خسر لا هم، وافتقدنا العمل النافع الذي يعود على المجتمع بالخير والألفة.
لقد أصبحنا في زمن الآن تغلب عليه الماديات التي أنستنا حق المجتمع علينا كي يظل متكاتفاً بأفراده تسوده الرحمة والألفة والمحبة، ومما يؤسف له أن قيما عظيمة قد تقهقرت، وقد حضنا عليها ديننا القويم، كالاهتمام بالأرملة واليتيم والمسكين، كذلك إغاثة الملهوف والتنفيس عن المكروبº ابتغاء مرضاة الله - تعالى -والتماساً لمغفرته ورحمته، قال علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -: \" من كفارات الذنوب العظام: إغاثة الملهوف والتنفيس عن المكروب\"، وقال - رضي الله عنه -: \"خالطوا الناس مخالطة إن متم معها بكوا عليكم، وإن عشتم حنوا إليكم\". فهذه من ثمار حسن الخلق، ناهيك بأجره وثوابه العظيم في الآخرة.
ولسنا هنا بصدد المطالبة بالكمال، ولكن بالقدر القليل منه، أو كما قال بعض السلف: \"اتق الله بعض التقى وإن قل، واجعل بينك وبين الله ستراً وإن رق، ومن ظن بك خيراً فصدق ظنه - أي بالعمل ـ\".
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد