بعيداً عن المشاعر الشخصية الأليمة التي عانى منها المسلمون في المدينة من اليهود، بعد أن عقد محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - معهم معاهدة المواطنة الكاملة (الصحيفة، الدستور)، فإذا بهم يحاولون مرة الاعتداء على عرض امرأة مسلمة في أسواقهم (2هـ)، ومرة أخرى يتآمرون على قتل الرسول نفسه (4هـ)، ومرة ثالثة يقدمون على خيانة جماعية عظمى لمواطنيهم المسلمين وهم في محنة حرب الخندق (بنو قريظة سنة 5هـ).
بعيداً عن كل هذه الخيانات، وعن الحرب التآمرية الباردة الدائمة المتآزرة مع مشركي الجزيرة، ومخالفتها للدستور المتفق عليه والحاكم لدولة المدينة كله..
بعيداً عن كل ذلك يفتح المسلمون لليهود صفحة جديدة للسلام، حتى لا يظل المستقبل يدفع ثمن أخطاء الماضي.. فلم يعانوا من اضطهاد قط في الحضارة الإسلامية.
كانت الأمة الإسلامية قد نجت من الإبادة بأعجوبة وقت حصار المشركين للمدينة في غزوة الخندق، في السنة الخامسة للهجرة، وقد أوشك بنو قريظة أن يدمروا المدينة، بعد خيانتهم للدستور، الذي يلزمهم - كمواطنين -بحماية المدينة مع المسلمين.
ولو أن الرسول أطلق سراحهم لعملوا على زيادة معارضة اليهود في خيبر، ولنظموا هجوماً آخر ضد المدينة، كما أن المعركة الدموية من أجل البقاء كانت ستستمر إلى ما لا نهاية، ويستمر معها المعاناة والموت، ولا بد أن أحكام الإعدام ضد الخيانة العظمى ليهود بني قريظة، قد تركت أثرها المطلوب في نفوس أعداء الإسلام، كما أنه لا يبدو أن أحداً قد صدمته المذبحة (لأنها عدل بكل القوانين)، فضلاً عن أن القرظيين أنفسهم يبدو أنهم كانوا قد ارتقبوا حتميتها، فهم يعرفون معنى (الجريمة) التي ارتكبوه.
ومع ذلك، فمن الأهمية بمكان - كما تقول أرمسترونج كاترين في كتابها عن (محمد) - أن نسجِّل هنا أن تلك البداية المأساوية لم تؤثر بصفة دائمة في موقف المسلمين من اليهود، فمجرد أن أقام المسلمون امبراطوريتهم العالمية الخاصة، وطوروا نظاماً متقدماً في فقه شريعتهم، أسسوا نظام تسامح، ظل يسود الأجزاء المتمدينة في الشرق العربي لمدة طويلة، حيث تعايشت مجموعات دينية في ظله جنباً إلى جنب، إن المعاداة للسامية خطيئة مسيحية غربية، وليست خطيئة إسلامية، ويجب أن يكون ذلك حاضراً في أذهاننا، كي لا نخضع لإجراء التعميمات، ففي ظل الامبراطورية الإسلامية تمتع اليهود مثلهم مثل المسيحيين بحرية دينية كاملة، وعاش اليهود في المنطقة في سلام، حتى إقامة دولة إسرائيل في سنة 1947م، ولم يعان اليهود في ظل الإسلام قط ما عانوه في ظل المسيحية!!
أما الأساطير الأوروبية المعادية للسامية، فقد قدمت إلى الشرق العربي في نهاية القرن الماضي على يد البعثات التنصيرية المسيحية، وكانت - الجماهير - عادة ما تقابلها بالازدراء، ومن الجدير بالذكر هنا أن نقول: إن تغاضي المسلمين عن إساءات اليهود البالغة لهم عبر التاريخ، وتغاضيهم عن خيانتهم للدستور الذي وضعه رسول الإسلام، وأعطاهم فيه حق المواطنة الكاملة في المدينة المنورة (وطنهم) ومع ذلك خانوا الدستور والوطن، في محنة شديدة، كاد المسلمون - لولا رعاية الله - يبادون فيه.
إن هذا التغاضي من المسلمين عن صفحات خيانة اليهود الكثيرة ضدهم يؤكّد أن المسلمين ينظرون إلى الحرب على أنها أمر استثنائي بغيض، وأنه لا ينبغي على المسلمين أن يبدؤوا بالعداوات.
ومن الطرف أن اليهود - في الأندلس - خانوا المسلمين الذين أنقذوهم من حكم صدر ضد اليهود جميعاً بالطرد من أسبانيا بواسطة (السقوط)، فلما فتح المسلمون الأندلس ألغوا هذا الحكم، وعاش اليهود حياة مترفة في الأندلس.. فلما أوشكت غرناطة سنة 197هـ على السقوط خانوا المسلمين ووشوا بهم عند الكنيسة، لكن عدل الله انتقم منهم فحكم عليهم نصارى (محاكم التفتيش بمثل حكمهم على المسلمين..وطردوا من أسبانيا - مع المسلمين - فلجأوا إلى البلاد الإسلامية مرة أخرى..ودائماً يكررون الخيانات.. ودائماً ينتقم الله منهم.. !
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد