علامات محبة النبي صلى الله عليه وسلم


 

بسم الله الرحمن الرحيم

هل كل من زعم محبة الرسول - صلى الله عليه وسلم - يصدق في زعمه؟ لأن محبته - عليه الصلاة والسلام - لها علامات، فمن أهمها:

1- طاعته وإتباعه والتمسك بسنته: والسير على هديه، والاستقامة على منهجه، والحذر من البدعة، فمن كان أكثر التزاماً بالسنة، والسير على الهدي النبوي، وبعداً عن البدعة، كان أصدق محبة للنبي - صلى الله عليه وسلم -.

 

 2- تعظيم النبي - صلى الله عليه وسلم -: التعظيم اللائق به دون جفاء وغلو، فهناك من جفا في محبة النبي - صلى الله عليه وسلم - وقصر فيها، سواء بعدم الطاعة وباقتراف ما نهى عنه النبي - عليه الصلاة والسلام -، أو بعدم الدفاع عنه، أو بغير ذلك، وهناك من غلا وزاد في محبة النبي - صلى الله عليه وسلم -، إما بوصفه بصفات الألوهية، أو بالتعظيم الغير مشروع، وسيأتي مزيد بيان لهذه النقطة.

 

ومن المعلوم أن بغض النبي - صلى الله عليه وسلم - أو الطعن فيه، أو الاستهزاء به، أو بما جاء به، كل ذلك كفر أكبر، مخرج من الإسلام، نسأل الله العافية، وحينما عدد شيخ الإسلام الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب- رحمه الله - أنواع (النفاق الاعتقادي) ذكر منها:

 

* بغض النبي - صلى الله عليه وسلم -، أو بغض ما جاء به، أو بغض بعض ما جاء به.

 

* تكذيب النبي - صلى الله عليه وسلم -، أو تكذيب ما جاء به، أو تكذيب بعض ما جاء به: ولذلك قال علماء الإسلام: إن سب النبي - صلى الله عليه وسلم - وازدراءه وتنقصه كفر، وأن حده القتل بالسيف، كما بينه شيخ الإسلام ابن تيميه- رحمه الله - في كتابه النافع (الصارم المسلول على شاتم الرسول).

 

3- محبة أصحابه - صلى الله عليه وسلم - وأزواجه وأهل بيته المؤمنين- رضي الله عنهم- والإعراض عما شجر بين الصحابة، وسلامة الصدور لأصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، والترضي عليهم كما ترضى الله - عز وجل - عليهم في كتابه الكريم، فالنبي - صلى الله عليه وسلم - أخبر أن أصحابه خير الناس، وأن قرنه خير القرون.

 

لقد عميت بصائر أقوام فتنقصوا أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وطعنوا فيهم وسبّوهم، بل وارتكبوا أعظم من ذلك حينما قالوا بردة بعض أصحاب النبي - عليه الصلاة والسلام -، أولئك هم الروافض.

 

مزالق الغلو في حب النبي - صلى الله عليه وسلم -

لقد كان- عليه الصلاة والسلام - حريصاً كل الحرص على أن يجنب أمته المزالق، وأن تبقى على الصراط المستقيم معتدلة عليه، لا تفريط ولا إفراط، قال - صلى الله عليه وسلم -: ((لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبد، فقولوا: عبد الله و رسوله)) رواه البخاري(3/1271).

هذا هو الأمر المشروع، وهو أشرف الأوصاف له - صلى الله عليه وسلم -، أن يوصف بالعبودية والرسالة، فبالرسالة شرفه الله - عز وجل -، وبالعبودية الخاصة رفعه الله - سبحانه -، وقد خاطب الله نبيه ووصفه بالعبودية في أكرم المواقف والمجالات، قال - تعالى -: ((وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبدُ اللَّهِ يَدعُوهُ)) [الجن: 19].

وقال - تعالى -: ((سُبحَانَ الَّذِي أَسرَى بِعَبدِهِ)) [الإسراء: 1].

وقال - تعالى -: ((الحَمدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبدِهِ الكِتَابَ)) [الكهف: 1].

هذه المقامات من أرفع المقامات، ومع ذلك وصف الله - تعالى -نبيه بالعبودية، وهكذا ينبغي للمسلمين أن يلتزموا بما شرعه الله - تعالى -لهم وشرع لهم الرسول - عليه الصلاة والسلام -.

 

والغلو في النبي صلى الله وسلم يأتي في جانبين:

الأول: ويحصل بـ:

* الخلط بين حقوقه - صلى الله عليه وسلم - وحقوق الله - جل وعلا -، ومن المعلوم أن حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا، فحق الله على العباد: عبادته وحده لا شريك له، فمن صرف نوعاً من أنواع العبادة للنبي - صلى الله عليه وسلم - كان مشركاً، فمن دعا النبي - عليه الصلاة والسلام -، أو استغاث به، أو طلب منه المدد، كل ذلك يعتبر شركاً بالله - جل وعلا -، هذا الأمر العظيم الذي أرسل الله - تعالى -محمداً - صلى الله عليه وسلم - ليمحوه من الأرض ولِينهى عنه، فكيف يقع فيه المسلم؟ وهذا هو الأمر العظيم الذي يغضب منه النبي - عليه الصلاة والسلام - ويأباه ويرفضه.

 

* وصف النبي - صلى الله عليه وسلم - بأوصاف الله - تعالى -التي اختص بها - عز وجل -، كعلم الغيب، فعلم الغيب أمر خاص برب العالمين، قال الله - تعالى -: ((قُل لَّا يَعلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرضِ الغَيبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشعُرُونَ أَيَّانَ يُبعَثُونَ)) [النمل: 65].

 

حتى الملائكة والأنبياء إلا ما علمهم الله - تعالى -، قال - سبحانه -: ((عَالِمُ الغَيبِ فَلَا يُظهِرُ عَلَى غَيبِهِ أَحَداً* إِلَّا مَنِ ارتَضَى مِن رَّسُولٍ,)) [الجن: 27، 26].

 

وقد وقع في ذلك الكثير من المسلمين، فزعموا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - يعلم الكثير من الغيبيات، حتى قال قائلهم:

 

وإنّ مِنَ جُودِكَ الدٌّنيا وضَرّتَها *** ومِن عُلومِكَ عُلومَ اللّوحِ والقَلَمِ

 

فأعطى النبي - عليه الصلاة والسلام - علم ما كان في اللوح المحفوظ، وهذا هو الغلو.

 

فلله حقوق تخصه - سبحانه وتعالى -، وللنبي - صلى الله عليه وسلم - حقوق يرتفع بها عن البشر، ولكن لا نخلط بين هذين.

 

للهِ حَقُّ لا يُقَاسُ بِخَلقِــهِ *** ولِعَبدِهِ حَقُّ هُمَا حَقّـــانِ

 

الثاني: يحصل بالتعظيم الذي لم يرض به النبي - عليه الصلاة والسلام -، جاء قوم للنبي - صلى الله عليه وسلم -، فقالوا له: يا سيدنا وابن سيدنا، ويا خيرنا وابن خيرنا، فقال - عليه الصلاة والسلام -: ((أيها الناس! قولوا بقولكم ولا يستهوينكم الشيطان، أنا محمد بن عبد الله ورسول الله، والله ما أحب أن ترفعوني فوق ما رفعني الله - عز وجل -)) رواه أحمد(27/88).

 

هذا تعظيم غير مشروع، هذا نوع من الإطراء والمبالغة المذمومة.

 

ولذلك ينبغي للمسلم أن يقف مع الشرع لا يزيغ عنه يمنة ولا يسرة، وهذا هو الحق المبين والصراط المستقيم، والعاصم من الزلل، والمانع من الضلال، وهو الذي يوصل إلى الجنة وإلى رضوان الله تبارك وتعالى.

 

* من معاني شهادة أن محمداً رسول الله: الأدب مع النبي - صلى الله عليه وسلم - وتوقيره واحترامه، قال الله - تعالى -: ((يَا أَيٌّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرفَعُوا أَصوَاتَكُم فَوقَ صَوتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجهَرُوا لَهُ بِالقَولِ كَجَهرِ بَعضِكُم لِبَعضٍ, أَن تَحبَطَ أَعمَالُكُم وَأَنتُم لَا تَشعُرُونَ)) [الحجرات: 2].

 

لما نزلت هذه الآية خَشي منها ثابت بن قيس بن شمّاس- رضي الله عنه- وكان جَهوريّ الصوت، فجلس في بيته يبكي، فسألَ عنه النبي - صلى الله عليه وسلم -، فأُخبر بحاله، فلما جاءه، قال: يا رسول الله كنت جهوري الصوت فخشيت أن يحبط عملي، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إنك لست من أهل النار ولكنك من أهل الجنة)) رواه البخاري(4/1833).

 

وقال له مرةً: أما ترضى أن تعيش حميداً وتموت شهيداً، وكان كما أخبر النبي عليه الصلاة وسلام، فقد قتل باليمامة في معارك المرتدين مع مسيلمة الكذاب، وكان أبو بكر أو عمر- رضي الله عنهما- بعد أن نزلت لا يُحدث النبي - صلى الله عليه وسلم - بحديث إلا كأخي السِّرَار، يعني كالذي يناجي شخصاً فيكلمه في أذنه، فكان النبي - صلى الله عليه وسلم - أحياناً يستفهمه ويطلب منه أن يرفع صوته.

 

عن السائب بن يزيد قال: ((كنت قائماً في المسجد، فحصَبني رجل فنظرت فإذا عمر بن الخطاب، فقال: اذهب فأتني بهذين فجئته بهما، قال: من أنتما أو من أين أنتما، قالا: من أهل الطائف، قال: لو كنتما من أهل البلد لأوجعتكما، ترفعان أصواتكما في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -)) صحيح البخاري(1/179).

 

وذلك كان في خلافته، ومن هذا يستفاد أنه لا يجوز رفع الصوت عند قبر النبي - صلى الله عليه وسلم -، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - كرامته ميتا ككرامته حياً، وقال الله - تعالى -: ((إِنَّا أَرسَلنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً* لِتُؤمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكرَةً وَأَصِيلاً)) [الفتح: 9، 8].

 

التسبيح لله - تعالى -، وأما التعزير والتوقير فهو للنبي - صلى الله عليه وسلم -.

وقال - تعالى -: ((لَا تَجعَلُوا دُعَاء الرَّسُولِ بَينَكُم كَدُعَاء بَعضِكُم بَعضاً قَد يَعلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنكُم لِوَاذاً فَليَحذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَن أَمرِهِ أَن تُصِيبَهُم فِتنَةٌ أَو يُصِيبَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ)) [النور: 63].

 

قال أهل العلم: إذا خاطبتم النبي - صلى الله عليه وسلم - فلا تخاطبوه باسمه كما يدعوا بعضكم بعضا باسمه، بل صِفوه بالنبوة والرسالة، فأمرهم أن يشرّفوه ويفخّموه، وهكذا ينبغي للمسلم في زماننا، أي بعد وفاة النبي - عليه الصلاة والسلام - إذا ذكره أن يذكره بما يُشعر بالأدب معه وتعظيمه له - عليه الصلاة والسلام -، فيقول: قال رسول الله صلى الله عليه سلم، أو قال النبي - صلى الله عليه وسلم -، أو قال عليه الصلاة وسلام، أو نحو ذلك مما يشعر بالأدب والاحترام والتوقير.

 

وإن من الأدب مع النبي - صلى الله عليه وسلم - الأدب مع سنته وسيرته العطرة، الأدب مع كتب الحديث، فإذا ذُكر حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينبغي للمسلم أن يتأدب بالإصغاء إليه وحسن الإنصات، وكذلك عند حضور مجالس العلم لسماع حديثه، لأنه مما ورِثَ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

 

ومن ذلك الأدب مع ورثته - عليه الصلاة والسلام -، وهم العلماء الذين يقومون في هذه الأمة مقام النبي - صلى الله عليه وسلم -، فيعلمون الناس السنة، وينشرون الدين، ويحذرون من البدعة والضلالة، فيهدون الناس إلى طريق محمد - صلى الله عليه وسلم -، فهم حَقيقون بالتأدب معهم واحترامهم ووضعهم في المكان اللائق بهم.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply