تواضعه صلى الله عليه وسلم


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 أما تواضعه - صلى الله عليه وسلم -، على علو منصبه و رفعة رتبه ـ فكان أشد الناس تواضعاً، و أقلهم كبرا. و حسبك أنه خير بين أن كان نبياً ملكاً أو نبياً عبداً، فاختيار أن يكون نبياً عبداً، فقال له إسرافيل عند ذلك: فإن الله قد أعطاك بما تواضعت له أنك سيد و لد آدم يوم القيامة، و أول من تنشق الأرض عنه، و أول شافع.

 عن أبي أمامة، قال: خرج علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - متكئاً على عصا، فقمنا له. قال لا تقومو ا كما تقوم الأعاجم، يعظم بعضهم بعضاً. و قال إنما أنا عبد آكل كما يأكل العبد، و أجلس كما يجلس العبد.

 

 و كان يركب الحمار، و يردف خلفه، و يعود المساكين، و يجالس الفقراء، و يجيب دعوة العبد، و يجلس بين أصحابه مختلطا ً بهم حيثما انتهى به المجلس جلس. و في حديث عمر عنه: لا تُطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبد فقولوا: عبد الله و رسوله.

 

 وعن أنس أن امرأة كان في عقلها شيء جائته، فقال: إن لي إليك حاجة قال: اجلسي يا أم فلان في أي طرق المدينة شئت أجلس إليك حتى أقضي حاجتك. قال: فجلست، فجلس النبي - صلى الله عليه وسلم - إليها حتى فرغت من حاجتها.

 

قال أنس: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يركب الحمار، و يجيب دعوة العبد، و كان يوم بني قريظة على حمار مخطوم بحبل من ليف عليه إكاف.

قال: و كان يدعى إلى خبز الشعير و الإهالة السنخة فيجيب.

قال: وحج - صلى الله عليه وسلم - على رحل رث، و عليه قطيفة ماتساو ي أربعة دراهم،

فقال: اللهم اجعله حجاً لا رياء فيه و لا سمعة.

هذا، و قد فتحت عليه الأرض، و أهدى في حجه ذلك ما أتى بدنة و لما فتحت عليه مكة و دخلها بجيوش المسلمين طأطأ على رحله رأسه حتى كاد يمس قادمته تواضعاً الله - تعالى -. ومن تواضعه - صلى الله عليه وسلم - قوله: لا تفضلوني على يونس بن متى، و لا تفضلوا بين الأنبياء، و لا تخيروني على موسى، و نحن أحق بالشك من إبراهيم و لو لبس ما لبس يوسف [42] في السجن لأجبت الداعي.

و قال للذي قال له: يا خير البرية: ذاك إبراهيم. و سيأتي الكلام على هذه الأحاديث بعد هذا إن شاء الله.

 وعن عائشة، و الحسن، و أبي سعيد و غيرهم في صفته، و بعضهم يزيد على بعض: و كان في بيته في مهنة أهله يفلي ثوبه، و يحلب شاته و يرقع ثوبه، و يخصف نعله، و يخدم نفسه، و يقم البيت، و يعقل البعير، و يعلف ناضحه، و يأكل مع الخادم، و يعجن معها، ويحمل بضاعته من السوق.

 وعن أنس: إن كانت الأمة من إماء أهل المدينة لتأخذ بيد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتنطلق به حيث شاءت حتى تقضي حاجتها. و دخل عليه رجل فأصابته من هيبته رعدة فقال له: هون عليك فإني لست بملك، إنما أنا ابن امرأة من قريش تأكل القديد.

 وعن أبي هريرة: دخلت السوق مع النبي - صلى الله عليه وسلم -، فاشترى سراويل و قال للوزان: زن و أرجح ـ و ذكر القصة قال: فوثب إلى يد النبي - صلى الله عليه وسلم - يقبلها، فجذب يده، و قال: هذا تفعله الأعاجم بملوكها، و لست بملك، إنما أنا رجل منكم. ثم أخذ السراويل، فذهبت لأحمله، فقال: صاحب الشيء أحق بشيئه أن يحمله.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply