بيعة العقبة


 

بسم الله الرحمن الرحيم

قال جابر بن عبد الله: ((مكث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمكة عشر سنين يتبع الناس في منازلهم بعكاظ ومجنة وفي المواسم بمنى يقول: من يؤويني من ينصرني حتى أبلغ رسالة ربي وله الجنة؟ حتى إن الرجل ليخرج من اليمن أو من مضر - كذا قال - فيأتيه قومه فيقولون: احذر غلام قريش لا يفتنك، ويمشي بين رحالهم وهم يشيرون إليه بالأصابع، حتى بعثنا الله إليه من يثرب فآويناه وصدّقناه، فيخرج الرجل منا فيؤمن به ويقرئه القرآن، فينقلب إلى أهله فيسلمون بإسلامه، حتى لم يبق دار من دور الأنصار إلا وفيها رهط من المسلمين يظهرون الإسلام.

وبعثنا الله إليه فائتمرنا واجتمعنا وقلنا: حتى متى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يطرد في جبال مكّة ويخاف فرحلنا حتى قدمنا عليه في الموسم، فواعدنا بيعة العقبة. فقال له عمه العبّاس: يا ابن أخي لا أدري ما هؤلاء القوم الذين جاءوك؟ إني ذو معرفة بأهل يثرب.

فاجتمعنا عنده من رجل ورجلين، فلما نظر العباس في وجوهنا قال: هؤلاء قوم لا نعرفهم، هؤلاء أحداث!

فقلنا: يا رسول الله، على ما نبايعك؟

قال: تبايعوني على السمع والطاعة في النشاط والكسل، وعلى النفقة في العسر واليسر، وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعلى أن تقولوا في الله لا تأخذكم لومة لائم، وعلى أن تنصروني إذا قدمت عليكم وتمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم، وأزواجكم، وأبناءكم، ولكم الجنّة.

فقمنا نبايعه، وأخذ بيده أسعد بن زرارة - وهو أصغر السبعين - إلا أنه قال: رويداً يا أهل يثرب، إنا لم نضرب إليه أكباد المطي إلا ونحن نعلم أنه رسول الله، وأن إخراجه اليوم مفارقة العرب كافّة، وقتل خياركم وأن يعضكم السيف. فإن أنتم قوم تصبرون عليها إذا مسّتكم، وعلى قتل خياركم، ومفارقة العرب كافَّةً، فخذوه وأجركم على الله، وإن أنتم تخافون من أنفسكم خيفةً فذروه فهو عذر عند الله - عز وجل -! فقالوا: يا سعد، أمط عنا يدك، فوالله لا نذر هذه البيعة، ولا نستقيلها، قال: فقمنا إليه رجلاً رجلاً، فأخذ علينا، ليعطينا بذلك الجنّة))(1).

 

بعض الدروس والعبر والفوائد:

1- تتبّع الرسول - صلى الله عليه وسلم - للناس في منازلهم وأسواقهم عشر سنين يكشف لنا مدى الجهد والتعب الذي بذله الرسول - صلى الله عليه وسلم - في دعوته ومدى صبره ومواصلته للعمل وعدم اليأس من صلاح الناس وهدايتهم.

 

2- حجم الدعاية الإعلامية التي شنّتها قريش ضدّ الرسول - صلى الله عليه وسلم - بين قبائل العرب حتى جعل الناس يحذّرون أفرادهم منه.

3- أن الحملة الدعائية مهما كان حجمها والجهود التي بذلت فيها ومهما كان اتّساعها فإنها تبقى محدودة ولن تستقطب جميع الناس حيث يبقى من لا تؤثر فيه تلك الدعايات ممن هو خارج عن إطار الإمّعات.

4- لا يستوحش من الحق لقلة السالكين وهذا الدين سيمكّن في الأرض ولو بعد حين، فقد بقي النبي - صلى الله عليه وسلم - ثلاث عشرة سنةً يطارد بمكة ويحذّر منه، فلم يتطرّق إلى نفسه اليأس من الانتصار، وجاء نصر الله مسوقاً إليه من أهل المدينة، فالاضطهاد والملاحقة لا تثني الداعي عن دعوته، ولا تمنع من استجابة الناس له.

5- التفكير في إخراج الدعوة من الحصار الذي يضربه عليها أعداؤها وفكّ الخناق عنها، فلقد كان ذلك هو شغل الأنصار الشاغل وهمّهم الذي ينامون عليه ويصحون معه، مع الشعور بالمسؤولية وإن لم يطلب منهم ذلك، حيث أن حجر الداعية ومنعه والحظر عليه مضرة بالمدعوين أكثر من الداعي. لذا قالوا: ((حتى متى نترك رسول الله..)).

 

-------------------

(1) أخرجه أحمد 3322 ـ323، 339ـ 340 بإسناد حسن كما قال في فتح الباري 7222، والبزار (كشف الأستار 2307) وابن حبان (الموارد ص408) والبيهقي في الدلائل 2422، والسنن 99، والحاكم 2624 وأقره الذهبي، أخبار مكة للأزرقي 2205، أخبار مكة للفاكهي 4231، كشف الأستار 2307، موارد الظمآن ص408، شرح أصول الاعتقاد 4763 وقال ابن كثير إسناده جيد على شرط مسلم (سيرة ابن كثير 2196) الغرباء ص190.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply