كثير ممن يتناول دراسة السيرة النبوية يتناول فقط حال الجاهلية في الجزيرة العربية فقط، بل يختزل البعض الأمر أكثر من ذلك فلا يتكلم إلا عن حال قريش، وكأنه - صلى الله عليه وسلم - لم يبعث إلا إلى العرب!.
ومن فضلة القول أن الرسول بعث للناس كافة، وأن نور الإسلام أضاء جنبان المعمورة كلها بعد قرن من وفاته - صلى الله عليه وسلم -.
أيها السادة!
لم يكن حال البشرية خارج الجزيرة العربية خير من حالها في الجزيرة العربية، لا في الناحية الدينية ولا في الناحية الاجتماعية، ولا في الناحية الاقتصادية. لم تكن البشرية قبل محمد - صلى الله عليه وسلم -، تعرف أيا من أنواع الرقي المادي أو التكريم للإنسان.
في الفرس:
كانت المحرمات النسبية التي تعارف على حرمتها أهل الأقاليم المتواضعة موضع خلاف ونقاش عندهم، حتى أن يزدجر الثاني الذي حكم في أواسط القرن الخامس الميلادي تزوج بنته، ثم قتلها، وبهرام جوبين الذي تملك القرن السادس كان متزوجا أخته ولم يكن هذا معصية بل كان قربة يتقربون به إلى الله. !!
وفيهم ظهرت دعوة (ماني) التي تدعو إلى العزوبية وترك الزواج استعجالا لفناء البشرية، ومع أن صاحب هذه الدعوة قتل إلا أن دعوته ظل لها أنصار إلى ما بعد الفتح الإسلامي.
وفيهم ظهرت دعوة (مزدك) التي دعت إلى أن يكون الناس سواء في كل شيء، في الأموال وفي النساء، ولاقت هذه الدعوى رواجا كبيرا، حتى صاروا لا يعرف الرجل ولده ولا المولود أباه.
وكان الأكاسرة يدعون أنهم تجري في عروقهم دم إلهي، وكان الناس ينظرون إليهم كآلهة ويعتقدون أن في طبيعتهم شيئا علويا مقدسا، فلا يجري اسمهم على لسانهم، ولا يجلسون في مجالسهم، وليس لأحد حق عليهم، وأن ما يعطونه لأحد إنما هو صدقه وتكرم من غير استحقاق، وليس للناس قبلهم إلا السمع والطاعة.
ودون ذلك كان المجتمع قائما على الطبقية المؤسسة على اعتبار الحرفة والنسب، وكان من قواعد السياسة أن يقنع كل واحد بمركزه الذي منحه نسبه، ولم يكن يسمح لأحد أن يتخذ حرفة غير الحرفة التي خلقها الله لها، ولم يكن الملوك يولون وضيعا وظيفة من وظائفهم.
ثم هم جميعهم أهل فارس كانوا ينظرون إلى الأمم الأخرى نظرة ازدراء وامتهان، ويلقبونها بألقاب فيها احتقار وسخرية، ويرون أن بهم ما ليس في غيرهم من أسباب الرفعة والعلو، وأن الله قد خصهم بمواهب ومنح لم يشرك فيها معهم أحدا.
وفي ناحية الشعائر التعبدية، كانت الديانة عندهم هي عبادة النار، والنار لا توحي لعبادها بشريعة ولا ترسل رسولا ولا تتدخل في شئون حياتهم، لذا أصبحت الديانة عند المجوس عبارة عن طقوس يؤدونها في أماكن خاصة وأوقات خاصة، أما في أمورهم فكانوا أحرارا يسيرون على أهوائهم، أو ما يؤدي إليه تفكيرهم، أو ما توحي به مصالحهم ومنافعهم.
وفي الهند والصين كانت البوذية، وهي ديانة أرضية تدعو إلى قمع شهوات النفس وترك الدنيا وما فيها ثم تحولت إلى الوثنية بعد أن عبدت بوذا، وتسرب إلى مناهج العبادة السحر والأوهام. وكانت الآلهة متعددة حتى أصبحت المعادن كالذهب والفضة آلهة، والحيوانات آلهة والأجرام الفلكية آلهة، وبعض الأشخاص التاريخية آلهة... الخ.
وكانت ذات الطبقية موجودة أيضا.
أما اليهودية فلم تكن تصلح لحمل مشعل الحضارة للبشرية بعد أن تحولت لديانة مرتبطة بالجنس، لا ترى عليها في الأمم الأخرى من سبيل، فلم تكن لدى اليهود نية لهداية البشرية وإنما لنيل منها، وتحقيق أطماعهم على حساب الآخرين.
المسيحية ديانة لم تعرف التطبيق في أرض الواقع، فلم تكن المسيحية في عهدها الأول من التفصيل والوضوح ومعالجة مسائل الإنسان، بحيث تقوم عليها حضارة أو تسير في ضوئها دولة، ثم جاءها بولس فطمس نورها وطعمها بخرافات الجاهلية التي انتقل منها والوثنية الرومية التي نشأ عليها، وقضى قسطنطين على البقية الباقية، حتى أصبحت النصرانية مزيجا من الخرافات اليونانية، والوثنية الرومية، والأفلاطونية المصرية والرهبانية.
وأصبحت بعد زيادات المحرفين وتأويل الجاهلين، تحول بين الإنسان والعلم والفكر، وأصبحت على مر العصور ديانة وثنية يقدس أهلها القديسين والصور المعلقة في الكنائس. حتى أن أصحابها الأوائل لو بعثوا لما استطاعوا التعرف على شيء من ديانتهم.
وحدث أن انقسم النصارى إلى ما يعرف اليوم بالكاثوليك و(الأرثوذكس) تبعا لاختلافهم في طبيعة المسيح - عليه السلام -، وكان مذهب الدولة هو المذهب الكاثوليكي. وقاموا باضطهاد من خالفهم المذهب، فرجال كانوا يعذبون ثم يقتلون إغراقا، ورجال كانوا يشعلون فيهم النار إلى غير ذلك من الفظائع.
وكانت ذات الطبقية الموجودة في غيرهم، فكانت بعض الممالك تزرع وتحصد، وتحمل زرعها على دوابها وأكتافها لخزينة الدولة.
وانشر ت الرشوة والفساد الإداري في الدولة، والفساد الخلقي بين عوام الناس.
وباقي الشعوب الوثنية في أفريقيا كانت تعيش عيشة أقرب للبهيمية منها للإنسانية.
هذا هو حال البشرية قبل البعثة المحمدية.
وأقول: من المهم توضيح حال البشرية قبل البعثة المحمدية، وذلك لأن فريقا من عبّاد الصليب اليوم يقولون بأن البشرية كانت في أوج حضارتها ثم جاء العرب ــ يعنون المسلمين ـــ وهدموا هذه الحضارة. فكان لا بد من التعريج على حال البشرية قبل البعثة المحمدية لبيان أي حضارة كانت وهدمها الإسلام. وبيان أي حضارة أقامها الإسلام، وبيان كيف أن الإسلام كان نور ورحمة من الله للبشرية لمن آمن منها ولمن كفر.
وهناك فريق آخر أخبث من هذا الفريق، يتكلم بأنها كانت حركة سياسية كغيرها من الحركات ويعرض السيرة النبوية من هذا القبيل، وأن الفتوحات ما هي إلا أحد أشكال الاحتلال، وأنه هبت ثورات فيما بعد لمقاومة هذا الاحتلال ورفع الظلم عن الناس. ويذهب يقرأ السيرة النبوية بهذه الطريقة.
. ونحتاج إلى طرح للسيرة النبوية يبين أن الدعوة ما كانت أبدا قرشية أو عربية، ولم تكن الحركات التي ظهرت في التاريخ الإسلامي وخاصة الفرق التي ظهرت في القرون الأولى حركات شعوبية ـــ باستثناء حركة الزنوج ــــ ضد العرب بل كانت حركات عقدية منحرفة، وكان رؤوسها عرب وسبب نشأتها خلافات دينية.
وهذا الطرح لا بد أن يعمل على ربط العقيدة الصحيحة...وأهداف الدعوة الكلية التي هي تعبيد الناس لله بأحداث السيرة النبوية.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد