غزوة حمراء الأسد


بسم الله الرحمن الرحيم

بعد انتهاء غزوة أحد التي حدث فيها ما حدث، من تمحيص للمؤمنين وكشف لحقيقة المنافقين، بلغ رسول - صلى الله عليه وسلم - أن أبا سفيان يعد لقتال المسلمين، فأمر بلالاً أن ينادي بالناس: إنّ رسول الله يأمركم بطلب عدوكم، فخرج النبي - صلى الله عليه وسلم - بأصحابه في أثر أبي سفيان وهم يحملون جراحهم، وأمر ألا يخرج معه إلا من شهد القتال في أحد، وقد ذكر القرآن أحداث هذه الغزوة، فقال الله في كتابه: {الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح للذين أحسنوا منهم واتقوا أجر عظيم} (آل عمران: 172)، وطلب رسول الله العدو حتى بلغ حمراء الأسد.

 

كان هدف رسول الله من سيره لحمراء الأسد إرهاب العدو، وإبلاغهم قوة المسلمين، وأن الذي أصابهم في أُحد لم يكن ليوهنهم عن عدوهم أو يفل من عزيمتهم.

 ومر برسول الله معبد بن أبي معبد الخزاعي، وهو يومئذ مشرك، وكان مقيماً بحمراء الأسد، فقال: يا محمد أما والله لقد عز علينا ما أصابك في أصحابك، ولوددنا أن الله عافاك فيهم، ثم خرج من عند رسول الله، حتى لقي أبا سفيان ومن معه بالروحاء، وقد أجمعوا أمرهم على ملاقاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، وقالوا: أصبنا حد أصحابه وقادتهم وأشرافهم، ثم نرجع قبل أن نستأصلهم، لنكرن على بقيتهم فلنفرغن منهم، فلما رأى أبو سفيان معبدا قال: ما وراءك يا معبد؟ قال: محمد قد خرج في أصحابه يطلبكم في جمع لم أر مثله قط، يتحرقون عليكم تحرقا، قد اجتمع معه من كان تخلف عنه في يومكم، شيء لم أر مثله قط، قال: ويلك ما تقول؟ قال: والله ما أراك ترتحل حتى ترى نواصي الخيل، قال: فوالله لقد أجمعنا الكرة عليهم لنستأصل شأفتهم، قال فإني أنهاك عن ذلك، ووالله لقد حملني ما رأيت على أن قلت فيه أبياتا من شعر، قال: وما قلت؟ قال قلت:

 

 كادت تُهَدٌّ من الأصوات راحلتــي*** إذ سالت الأرضُ بالجردِ الأبابيلِ

 تردى بأســـــد كرام لا تنـابلــــة *** عند اللقـاء ولا ميـل معــازيل

 فظلت عدوا أظن الأرض مائلـــة*** لما سموا برئيس غير مخـــذول

 فقلت ويل ابن حرب من لقائكـم *** إذا تغطمطت البطحـاء بالجيــل

 إني نذير لأهل البسل ضاحيــة *** لكل ذي أربة منهــم ومعقــول

 من جيـش أحمد لا وخش قنابله *** وليس يوصف ما أنذرت بالقيــل

فثنى ذلك أبا سفيان ومن معه عن ملاقاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثانية.

ومر بأبي سفيان ركبٌ من عبد القيس، فقال: أين تريدون؟ قالوا: المدينة، قال: ولم؟ قالوا: نريد الميرة، قال: فهل أنتم مبلغون عني محمدا رسالة أرسلكم بها إليه واحمل لكم إبلكم هذه غدا زبيبا بعكاظ إذا وافيتموها؟ قالوا: نعم، قال: فإذا وافيتموه فأخبروه أنا قد أجمعنا السير إليه، وإلى أصحابه لنستأصل بقيتهم، فمر الركب برسول الله وهو بحمراء الأسد فأخبروه بالذي قال أبو سفيان، فقال حسبنا الله ونعم الوكيل، وفي ذلك أنزل الله قوله - تعالى -: {الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل} (آل عمران: 173) و روى البخاري عن ابن عباس قال: \"حسبنا الله ونعم الوكيل، قالها ابراهيم - عليه السلام - حين ألقي في النار، وقالها محمد حين قالوا إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا، وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل \".

 فبث الله الرعب في قلوب الكفار، أبي سفيان وأصحابه، فانصرفوا خائفين وجلين، وعاد الرسول – صلى الله عليه وسلم - بأصحابه إلى المدينة.

 

والذي يُستفاد من أحداث هذه الغزوة وما رافقها من مجريات، أن الله - سبحانه - ناصر دينه، ومؤيد أوليائه، وأن النصر لا يُحسم بعنصر القوة المادية فحسب، وإنما هناك عنصر أهم وأجدى ألا وهو عنصر الإيمان بالله والاعتماد والتوكل عليه. ويُستفاد أيضاً - علاوة على ما سبق- أن النصر حليف المؤمنين إذا هيؤوا له أسبابه، وأعدوا له القوة المعنوية والماديةº فلا شك حينئذ أن الله ناصرهم.وصدق الله القائل في محكم كتابه:{إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد} (غافر: 51).

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply