كما أوذي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سبيل الجهر بالدعوة إلى الإسلام أوذي أصحابهº فإن كل قبيلة كانت تسيء إلى من أسلم منها وهم يتحملون تلك الإساءات بالصبر الجميل، فلم يفتتنوا عن دينهم بل ثبتوا على يقينهم حتى أتم الله - تعالى -أمره.
فمن الذين أوذوا في الله بلال بن رباح كان مملوكاً لأمية بن خلف الجمحي، فكان يجعل في عنقه حبلاً ويدفعه إلى الصبيان يلعبون به، وكان أمية يخرج به في شدة الحر ثم يأمر بالصخرة العظيمة فتوضع على صدره، وقد اشتراه سيدنا أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- وأعتقه ابتغاء وجه ربه.
ومنهم عامر بن فهيرة كان يعذب حتى لا يدرى ما يقول، وكان مملوكاً لصفوان بن أمية وقد اشتراه الصديق- رضي الله عنه- وأعتقه.
ومنهم امرأة تسمى زنيرة عُذبت حتى عميت فلم يزدها ذلك إلا إيماناً -رضي الله عنها-.
ومنهم عمار بن ياسر وأخوه وأبوه وأمهº كانوا يعذبون بالنار، وقد مر بهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مرة وهم يعذبون، فقال: صبراً آل ياسر فموعدكم الجنة. وقد مات أبو عمار وأمه تحت العذاب -رضي الله عنهما-، وأما عمار فنطق بكلمة الكفر ظاهراً فأُطلق، وفي ذلك نزل قوله - تعالى -: (إِلاَّ مَن أُكرِهَ وَقَلبُهُ مُطمَئِنُّ بِالإِيمَانِ).
وبالجملة لم يخل أحد من المسلمين الأولين من أذية لحقته في الله - تعالى - ولكن كل ذلك لم يصدهم عن دينهم بل زادهم إيماناً وقالوا: حسبنا الله ونعم الوكيل.
ولما رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما يصيب أصحابه من الأذىº وهم غير قادرين على منعه لقلة عددهم وعدم استعدادهم إذ ذاكº أشار عليهم أن يهاجروا إلى الحبشة حتى يجعل الله لهم فرجاً مما هم فيه، فهاجر إليها منهم عشرة رجال وخمس نسوة في مقدمتهم سيدنا عثمان بن عفان- رضي الله عنه- وزوجه رقية بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ومكثوا هناك ثلاثة أشهر رجعوا بعدها إلى مكة ولم يتمكنوا من دخولها إلا في حماية من أجارهم من عظماء القوم.
وفي ذلك الوقت أسلم عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- وكان عمره حين إسلامه ستاً أو سبعاً وعشرين سنة ولما أسلم قال المشركون: قد انتصف القوم منا اليوم.
لما ضاقت الحيل بكفار قريش عرضوا على بني عبد مناف دية مضاعفة ليسلموا إليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم يقبل ذلك بنو عبد مناف، فعرضت قريش على أبي طالب أن يعطوه فتى من فتيانهم ويسلم إليهم ابن أخيه فردهم وقال لهم: عجباً لكم تعطوني ابنكم أغذوه لكم وأعطيكم ابني تقتلونه.
ثم لما انسدت في وجوه كفار قريش أبواب الحيل، ولم يفلحوا فيما استعملوه من طرق الأذى مع رسول الله والمؤمنين، اتفقوا على مقاطعة بني عبد مناف وإخراجهم من مكة والتضييق عليهم، فلا يعاملونهم ببيع ولا شراء حتى يسلموا إليهم محمداً - صلى الله عليه وسلم - للقتل، وكتبوا بذلك صحيفة وضعوها في جوف الكعبة توكيداً على أنفسهم بذلك فالتجأ بنو عبد مناف: مسلمهم وكافرهم إلى أبي طالب ودخلوا معه في شِعبه، فحاصرهم فيه كفار قريش مدة تقرب من ثلاث سنينº حتى نفد ما عندهم من الزاد واضطروا لأكل أوراق الأشجار.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد
التعليقات ( 1 )
انا
-عفران
20:55:00 2023-02-10