غزوة خيبر


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

لم يهدأ يهود خيبر عن الكيد ضد الإسلام، فكوَّنوا جبهة معادية للمسلمين، واستمالوا قبيلة غطفان والأعراب المجاورين لهم في شمال المدينة، فخرج النبي  - صلى الله عليه وسلم - على رأس جيش لتأديبهم والقضاء على خطرهم. وكانت تلك الموقعة الرابعة بين المسلمين واليهود، فالأولى كانت مع يهود بني قينقاع، والثانية مع بني النضير، والثالثة مع بني قريظة.

وبينما كان المسلمون يسيرون في الطريق إلى خيبر، أخذ عامر ابن الأكوع ينشد ويقول:

اللهمَّ لولا الله ما اهتدينا

ولا تصدقنا ولا صلينا

فاغفر فداءً لك ما اقتفينا

وثبِّتِ الأقدامَ إن لاقينا

وألَقين سكينة علينا

إنا إذا صيح بنا أَتينا

وبالصَّباح عَوَّلوا علينا

فقال رسول الله  - صلى الله عليه وسلم - : \"من هذا السائق؟ \" قالوا: عامر بن الأكوع. قال: - يرحمه الله -. [متفق عليه].

وأراد الرسول  - صلى الله عليه وسلم - أن يقسم جبهة الأعداء المؤلفة من اليهود وغطفان، فأوهم غطفان أن الهجوم متجه إليها، فرجعوا إلى ديارهم بعد أن خرجوا لينضموا إلى اليهود في خيبر. وهكذا نجحت خطة النبي  - صلى الله عليه وسلم - في عزل اليهود عن حلفائهم المشركين.

فلما أشرف رسول الله  - صلى الله عليه وسلم - على خيبر قال لأصحابه: قفوا. ثم تضرع إلى الله بهذا الدعاء: \"اللهمَّ رب السماوات وما أظللن، ورب الأرضين وما أقللن، ورب الشياطين وما أضللن، ورب الرياح وما أذرين، فإنا نسألك خير هذه القرية وخير أهلها وخير ما فيها، ونعوذ بك من شرها وشر أهلها وشر ما فيها\".

ووصل المسلمون إلى حدود خيبر ليلاً، فمنعهم إيمانهم من أن يهاجموا أعداءهم فجأة بليل فانتظروا حتى الصباح، وفي الصباح خرج اليهود إلى مزارعهم، ففوجئوا بالمسلمين يحيطون ببلدهم، فأسرعوا إلى حصونهم وهم يصرخون: محمد والله، محمد والخميس (الجيش). فقال رسول الله  - صلى الله عليه وسلم - : \"الله أكبر خربت خيبر، إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين\" [متفق عليه].

وشنَّ المسلمون هجومًا قويًّا على حصون خيبر المشيدة، فسقطت في أيديهم حصنًا بعد حصن، حتى لم يبق منها غير حصون قليلة قوية اعتصم بها اليهود، وصعب فتحها على المسلمين، فقال رسول الله  - صلى الله عليه وسلم - : \"لأعطين الراية غدًا رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله\".

فبات الناس يتساءلون: أيٌّهم يُعطاها؟ فلما أصبحوا تطلعوا إلى أخذها. فقال النبي  - صلى الله عليه وسلم - : \"أين علي بن أبي طالب؟ \" فقيل: هو يا رسول الله يشتكي عينيه. قال: \"فأرسلوا إليه\".

فأتي به، فبصق رسولُ الله  - صلى الله عليه وسلم - في عيني علي ودعا له، فشفي حتى كأن لم يكن به وجع، فأعطاه الراية، فقال  - صلى الله عليه وسلم - : \"انفذ إليهم حتى تنزل بساحتهم، ثم ادعهم إلى الإسلام، وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله - تعالى -، فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحدًا خيرٌ لك من حُمر النعم\" [متفق عليه]. ثم خرج عليٌ فقاتل، فكان الفتح على يديه ولم يبق إلا حصنان، ظل المسلمون يحاصرونهما، حتى أيقن من فيهما بالهلاك، فطلبوا أن يخرجوا ويتركوا الأموال مقابل أن يتركهم المسلمون، فوافقهم الرسول  - صلى الله عليه وسلم - على ذلك.

ثم سألوا رسول الله  - صلى الله عليه وسلم - أن يبقى خيبر تحت أيديهم يعملون فيها ويزرعونº لأنهم أعرف بأراضيهم ولهم نصف ما يخرج منها، فصالحهم رسول الله  - صلى الله عليه وسلم - على ذلك، وقال لهم: \"على أنا إن شئنا أن نخرجكم أخرجناكم\" [متفق عليه]. فأقروا بذلك.

وبعد أن صالحهم رسول الله  - صلى الله عليه وسلم - ، أهدت إليه امرأة منهم شاة مشوية وكانت قد سألت: أي عضو من الشاة أحب إلى رسول الله  - صلى الله عليه وسلم - ؟ فقيل لها: الذراع. فأكثرت فيها من السم، ثم سمت سائر الشاة وجاءت بها، فلما وضعتها بين يدي رسول الله  - صلى الله عليه وسلم - تناول الذراع، فأوحى الله - عز وجل - إليه بأنها مسمومة.

فجمع النبي  - صلى الله عليه وسلم - اليهود فقال لهم: \"إني سائلكم عن شيء فهل أنتم صادقي عنه؟ \" فقالوا: نعم. قال لهم النبي  - صلى الله عليه وسلم - : \"من أبوكم؟ \". قالوا: فلان. فقال: \"كذبتم، بل أبوكم فلان\". قالوا: صدقت. قال: \"فهل أنتم صادقيَّ عن شيء إن سألت عنه؟ \" فقالوا: نعم يا أبا القاسم. قال: \"هل جعلتم في هذه الشاة سُمًّا؟ \" قالوا: نعم. قال: \"ما حملكم على ذلك\"؟ قالوا: إن كنت كاذبًا تستريح، وإن كنت نبيًّا لم يضُرَّك. [البخاري].

زواج الرسول  - صلى الله عليه وسلم - من السيدة صفية بنت حيي:

وتزوج الرسول  - صلى الله عليه وسلم - في هذه الغزوة السيدة صفية بنت حيى بن أخطب زعيم اليهود، وكانت من الأسرى فأعتقها رسول الله  - صلى الله عليه وسلم - بعد أن أسلمت، وتزوجها وجعل مهرها عتقها.

 

يهود فدك:

وبعد أن انتصر المسلمون على اليهود في خيبر، بقي يهود فدك وتيماء ووادي القرى، أما يهود فدك فقد أرسل إليهم الرسول  - صلى الله عليه وسلم - يدعوهم إلى الإسلام، وعندما علموا بهزائم إخوانهم في خيبر صالحوا الرسول  - صلى الله عليه وسلم - على ما صالحه عليه أهل خيبر.

 

يهود وادي القرى:

انطلق المسلمون إلى يهود وادي القرى، فتتابعت عليهم السهام من حصون اليهود. فأصيب خادم الرسول بسهم فقتله، فقال المسلمون: هنيئًا له الجنة. فقال الرسول  - صلى الله عليه وسلم - لهم: \"بلى، والذي نفسي بيده، إن الشملة التي أصابها يوم خيبر من المغانم لم تصبها المقاسم لتشتعل عليه نارًا\" [متفق عليه].

فقد سرق ذلك الخادم قطعة قماش من مغانم خيبر، وسوف يُعذَّب بها في قبره.

وبدأ المسلمون يرتبون صفوفهم ويقفون أمام الحصون، وإذا برجل من اليهود يخرج لمبارزة المسلمين، فانطلق إليه الزبير بن العوام -رضي الله عنه- فقتله فتتابع بعده اليهود وكلما خرج يهودي قتله مسلم بتوفيق الله، ثم ما لبثوا أن استسلموا، فصالحهم المسلمون على صلح مثل صلح خيبر.

 

يهود تيماء:

فزع يهود تيماء من هزائم اليهود المتتالية في فدك، وخيبر، ووادي القرى، فعرضوا على المسلمين الصلح دون أية مقاومة، فصالحهم الرسول  - صلى الله عليه وسلم - كصلح أهل خيبر، وأخذ منهم الجزية وتركهم في أرضهم وأموالهم. وبذلك أمن الرسول  - صلى الله عليه وسلم - جانب اليهود وتفرغ لنشر دين ربه الذي أمره به.

 

عودة المهاجرين من الحبشة:

بعد خمسة عشر عامًا من الغربة والفراق الطويل في بلاد الحبشة، والبعد عن رسول الله  - صلى الله عليه وسلم - ، قدم جعفر بن أبي طالب ومن كان معه في الحبشة إلى المدينة في العام السابع الهجري، فامتلأت قلوبهم بالسعادة حينما رأوا كثرة المسلمين، ونصر الرسول  - صلى الله عليه وسلم - على أعدائه، وكانت سعادة النبي  - صلى الله عليه وسلم - غامرة حين رآهم واطمأن عليهم، وقيل: إن الرسول  - صلى الله عليه وسلم - من فرط سروره قال: \"والله ما أدري بأيهما أفرح بفتح خيبر أم بقدوم جعفر\" [الحاكم والطبراني]. مما يدل على أنه فرح فرحًا شديدًا بعودة المسلمين من الحبشة.

وكان من ضمن المهاجرين القادمين من الحبشة الأشعريون الذين ينتسب إليهم الصحابي الجليل أبو موسى الأشعري هو وبعض قومه يريدون الرسول  - صلى الله عليه وسلم - في المدينة، وركبوا سفينة من اليمن، لكن الرياح ألقت بهم نحو الحبشة، وهناك التقوا بجعفر بن أبي طالب ومن معه من المسلمين، وكأن الله - تعالى -أرسل إليهم هؤلاء الناس ليكونوا أُنسًا لهم في غربتهم فأقاموا هناك، حتى عادوا سويًّا وانضموا إلى صفوف المسلمين في المدينة.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply