- ويأتي الاختبار الثالث:
- وفيه يبين الله لهن، أنهن لسن كغيرهن من النساء، ومن ثم فإن علاقتهن بالناس يجب أن يسودها الطهر والعفة، وأن يتكلمن بكلام واضح معروف وليقصدن المعنى قصدا، حتى لا يطمع فيهن من في قلبه مرض أو ضعيف الإيمان.
- قال - تعالى -{يا نساء النبي لستن كأحد منم النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولا معروفا}.
- إنها تبعات ثقال ومسئوليات عظام يفرضها عليهن وجودهن في ذلك البيت النبوي الطاهر، حتى يصبحن على مستوى ذلك البيت الطاهر، بيت النبوة.
- وبين الله - سبحانه وتعالى - الهدف من وراء هذه القيود التي فرضها عليهن {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا}.
- إنه الطهر الكامل والعفة المطلقة والنقاء الذي لا بعده نقاء وإنها الخصال الحميدة التي لا تليق إلا بهذا البيت الكريم المبارك، بيت النبوة ينهلن منه الطهر والعفة.
- ولكن ما يحز في النفس ويملأها حزنا ويعصر القلب أسى أن بعض المسلمين في هذا الزمان لا يعرفون من هن زوجات النبي صلوات ربي وسلامه عليه اللاتي فزن بهذا الشرف العظيم، وأصبحن أمهاتا للمؤمنين
- فما أحرانا في عصر الفتن والعقوق عصر اشرأبت فيه أعناق المبتدعة، أن نتعرف على سيرتهن وبعض خصائلهن، خاصة وأنهن تربين في بيت النبوة، وتخرجن من مدرستها، وكن أشد التصاقا بقدوتنا وحبيبنا محمد - صلى الله عليه وسلم -.
- فهؤلاء السيدات عشن في بيت النبوة، ينزعن جميعا لإلى حواء، وقد جئن إلى بيت تلاقت في البشرية بالنبوة واتصلت الأرض بالسماء، وتزوجن من بشر يتلقى الوحي من السماء، ويبلغ رسالة ربه فلله در هذا البيت وبأبي وأمي ساكنيه.
- التعريف بهن:
- أولاً: خديجة بنت خويلد:
- هي أم المؤمنين خديجة بنت خويلد تجتمع مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في قصي، وهي أقرب نسائه إليه في النسب ولم يتزوج من ذرية قصي غيرها إلا أم حبيبة.
- ولم يتزوج النبي امرأة قبلها، وكل أولاده - عليه الصلاة والسلام - منها إلا إبراهيم - رضي الله عنه - فإنه من مارية - رضي الله عنها -.
- كانت وفاتها - رضي الله عنها - قبل الهجرة بثلاث سنين.
- روى الإمام البخاري بإسناده إلى أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها -: \" أول ما بدىء به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، ثم حبب إليه الخلاء، وكان يخلو بغار حراء، فيتحنث فيه - وهو التعبد - الليالي ذوات العدد قبل أن ينزع إلى أهله، ويتزود لذلك، ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها، حتى جاءه الحق وهو في غار حراء، فجاءه الملك فقال: اقرأ، قال: (ما أنا بقارىء). قال:
(فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني فقال: اقرأ، قلت ما أنا بقارىء، فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني فقال: اقرأ، فقلت: ما أنا بقارىء، فأخذني فغطني الثالثة، ثم أرسلني فقال: {اقرأ باسم ربك الذي خلق. خلق الإنسان من علق. اقرأ وربك الأكرم}). فرجع بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرجف فؤاده، فدخل على خديجة بنت خويلد - رضي الله عنها - فقال: (زملوني زملوني). فزملوه حتى ذهب عنه الروع، فقال لخديجة وأخبرها الخبر: (لقد خشيت على نفسي). فقالت خديجة: كلا والله ما يخزيك الله أبدا، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق \"
- فهذا الحديث تضمن ذكر منقبة ظاهرة لأم المؤمنين خديجة - رضي الله عنها - وهي أنها كانت تقوي قلب النبي - صلى الله عليه وسلم - في بداية نزول الوحي وطمأنته - عليه الصلاة والسلام - مما كان يخشاه على نفسه وهونت عليه الأمر وأنه لاخوف عليه ولا حزن وأقسمت للنبي - صلى الله عليه وسلم - على أن الله لا يخزيه ولا يخذله واستدلت على ما أقسمت عليه بما فيه من صفاته الطيبة من مكارم الأخلاق.
- ومن مناقبها - رضي الله عنها - وأرضاها التي انفردت بها دون سائر أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه - عليه الصلاة والسلام - لم يتزوج عليها حتى فارقت الحياة فقد روى مسلم عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: \" لم يتزوج النبي - صلى الله عليه وسلم - على خديجة حتى ماتت \".
- ومن مناقبها العظيمة قوله - صلى الله عليه وسلم - كما في البخاري (3249): \" خير نسائها أي في وقتها مريم بنت عمران وخير نسائها خديجة \".
- من مناقبها العظيمة التي دلت على شرفها وجلالة قدرها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يكثر من ذكرها بعد موتها بالثناء والمدح عن عائشة قالت: \" كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا ذكر خديجة أثنى عليها فأحسن الثناء قالت فغرت يوما فقلت ما أكثر ما تذكرها حمراء الشدق قد أبدلك الله - عز وجل - بها خيرا منها قال:
-ما أبدلني الله - عز وجل - خيرا منها قد آمنت بي إذ كفر بي الناس وصدقتني إذ كذبني الناس وواستني بمالها إذ حرمني الناس ورزقني الله - عز وجل - ولدها إذ حرمني أولاد النساء \".
- قال ابن العربي: \" كان النبي - صلى الله عليه وسلم - قد انتفع بخديجة برأيها ومالها ونصرها فرعاها حية وميتة برها موجودة ومعدومة وأتى بعد موتها ما يعلم أنه يسرها لو كان في حياتها ومن هذا المعنى ما روى من أن من البر أن يصل الرجل ود أبيه \" (عارضة الأحوذي 14/252).
- ومما حظيت به - رضي الله عنها - كان يرتاح لسماع صوت من يشبه صوته صوتها لما وضع الله لها في قلبه من المحبة - رضي الله عنها - فعن أم المؤمنين قالت: \" استأذنت هالة بنت خويلد أخت خديجة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعرف استئذان خديجة فارتاع لذلك فقال: \" اللهم هالة \" قالت: فغرت فقلت: ما تذكر من عجوز من عجائز قريش حمراء الشدقين هلكت في الدهر أبدلك الله خيراً منها \". (الصحيحين).
- ومن مناقبها أن الباري - جل وعلا - أرسل لها السلام مع جبريل وأمر نبيه أن يبشرها ببيت في الجنة من قصب الؤلؤ المجوف المنظوم بالدر والياقوت فقد روى البخاري في صحيحه: \" أن جبريل - عليه السلام - قال للنبي - صلى الله عليه وسلم - قال: يا رسول الله، هذه خديجة قد أتت، معها إناء فيه إدام أو طعام أو شراب، فإذا هي أتتك فاقرأ - عليها السلام - من ربها ومني، وبشرها ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب \".
- وفي هذا الحديث ذكر منقبتين عظيمتين لأم المؤمنين خديجة - رضي الله عنها - وأرضاها إرسال الرب - جل وعلا سلامه عليها مع جبريل وهذا خاص لها لا يعرف لامرأة سواها.
- المفاضلة بين خديجة وعائشة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: \" جهات جهات الفضل بين خديجة وعائشة متقاربة وكأنه رأى التوقف \" (ذكر عنه الحافظ ابن حجر في لبفتح 7/109).
- قال ابن القيم: \" واختلف في تفضيلها على عائشة - رضي الله عنها - على ثلاثة أقوال ثالثهما الوقف: وسألت شيخنا ابن تيمية فقال: اختصت كل واحدة منهما بخاصة، فخديجة كان تأثيرها في أول الإسلام، وكانت تسلي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتثبته وتسكنه، وتبذل دونه مالها، فأدركت غرة الإسلام واحتملت الأذى في الله وفي رسوله، وكان نصرتها للرسول في أعظم أوقات الحاجة فلها من النصرة والبذل ما ليس لغيرها، وعائشة - رضي الله عنها - تأثيرها في آخر الإسلام، فلها من التفقه في الدين وتبليغه إلى الأمة، وانتفاع بنيها بما أدت إليهم من العلم ما ليس لغيرها \" (جلاء الأفهام ص 124 بدائع الفوائد 3/162-163)
- المفاضلة بين عائشة وفاطمة:
- وقال العلامة ابن القيم - رحمه الله -: \" الخلاف في كون عائشة أفضل من فاطمة أو فاطمة أفضل إذا حرر محل التفضيل صار وفاقاً، فالتفضيل بدون التفصيل لا يستقيم فإن أريد بالفضل كثرة الثواب عند الله - عز وجل - فذلك أمر لا يطلع عليه إلا بالنص لأنه بحسب تفاضل أعمال القلوب لا بمجرد أعمال الجوارح، وكم من عاملين أحدهما أكثر عملا بجوارحه والآخر أرفع درجة منه في الجنة، وإن أريد بالتفضيل بالعلم فلا ريب أن عائشة أعلم، أنفع للأمة وأدت إلى الأمة من العلم ما لم يؤد غيرها واحتاج إليها خاص الأمة وعامتها، وإن أريد بالتفضيل شرف الأصل وجلالة النسب فلا ريب أن فاطمة أفضل فإنها بضعة من النبي - صلى الله عليه وسلم - وذلك اختصاص لم يشركها فيه غير أخواتها، وإن أريد السيادة ففاطمة سيدة نساء الأمة وإذا ثبتت وجوه التفضيل وموارد الفضل وأسبابه صار الكلام بعلم وعدل، وأكثر الناس إذا تكلم في التفضيل لم يفصل جهات الفضل، ولم يوازن بينهما فيبخس الحق وإن انضاف إلى ذلك نوع تعصب وهوى لمن يفضله تكلم بالجهل والظلم \" (بدائع الفوائد 3/161-162 فتح الباري 7/109).
- ثانيا ً: سودة بنت زمعة - رضي الله عنها -:
- قال الذهبي: \" هي أول من تزوج بها النبي - صلى الله عليه وسلم - بها النبي بعد خديجة، وانفردت به نحواً من ثلاث سنين أو أكثر حتى دخل بعائشة، وكانت سيدة جليلة نبيلة...وهي التي وهبت يومها لعائشة رعاية لقلب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - \" (سير أعلام النبلاء 2/266-267).
- ومن حرصها على ابقاء في عصمة النبي - صلى الله عليه وسلم - أنها آثرت يومها لعائشة إيثاراً منها لرضاه - عليه الصلاة والسلام - وحباً في المقام معه لتكون من أزواجه في الدنيا والآخرة، فكان النبي يقسم لنسائه ولا يقسم لها وهي راضية بذلك مؤثرة رضى رسول الله - رضي الله عنها -.
- ثالثاً: عائشة - رضي الله عنها - وأرضاها -:
- هي عائشة بنت أبي بكر الصديق وأمها أم رومان بنت عامر الكنانية.
- كانت أحب أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - إليه وهي المبرأة من فوق سبع سماوات الصديقة بنت الصديق.
- لم يتزوج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بكراً غيرها ولم ينزل الوحي عليه في لحاف امرأة سواها، وبسببها شرع التيمم ونزل القرآن ببراءتها وطهرها عندما رميت بالإفك آيات تتلى حتى قيام الساعة.
- وكانت أعلم نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - بل هي أعلم النساء على الإطلاق.
- كان الأكابر من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - يرجعون إلى قولها ويستفتونها.
- كانت وفاتها سنة ثمان وخمسين وصلى عليها أبو هريرة - رضي الله عنهم - أجمعين -.
- من مناقبها:
- ما رواه البخاري أن عمرو بن العاص سأل النبي - صلى الله عليه وسلم -: \" أي الناس أحب إليك قال عائشة قلت: من الرجال قال: أبوها \".
- وهذا الحديث فيه منقبة عظيمة لأم المؤمنين عائشة وهي أنها أحب الناس إلى قلبه، قال الحافظ الذهبي: \" وهذا خبر ثابت على رغم أنوف الروافض وما كان - عليه الصلاة والسلام - ليحب إلا طيبا... فأحب أفضل رجل من أمته وأفضل امرأة من أمته، فمن أبغض حبيبي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهو حري أن يكون بغيضاً إلى الله ورسوله، وحبه - عليه السلام - لعائشة كان أمراً مستفيضاً \" (سير أعلام النبلاء 2/142).
- ومن مناقبها:
- أن جبريل أرسل إليها سلامه مع النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقد روى البخاري عن عائشة قالت: \" قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوما يا عائش هذا جبريل يقرئك السلام، فقلت: و- عليه السلام - ورحمة الله وبركاته ترى ما لا أرى تريد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - \".
- ومن مناقبها: ما رواه الشيخان عن ابي موسى الأشعري قال: \" كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا مريم بنت عمران وآسية امرأة فرعون وفضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام \".
- من مناقبها عدم قبول النبي - صلى الله عليه وسلم - الشكوى في حقها:
- في البخاري: \" كان الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة، قالت عائشة: فاجتمع صواحبي إلى أم سلمة، فقلن: يا أم سلمة، والله إن الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة، وإنا نريد الخير كما تريده عائشة، فمري رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يأمر الناس: أن يهدوا إليه حيثما كان، أو حيثما دار، قالت: فذكرت ذلك أم سلمة للنبي - صلى الله عليه وسلم -، قالت: فأعرض عني، فلما عاد إلي ذكرت له ذلك فأعرض عني، فلما كان في الثالثة ذكرت له فقال: يا أم سلمة لا تؤذيني في عائشة، فإنه والله ما نزل علي الوحي وأنا في لحاف امرأة منكن غيرها \".
- أخرج مسلم في صحيحه: \" أرسل أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - فاطمة، بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فاستأذنت عليه وهو مضطجع معي في مرطي. فأذن لها. فقالت: يا رسول الله! إن أزواجك أرسلنني إليك يسألنك العدل في ابنة أبي قحافة. وأنا ساكتة. قالت فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - \"أي بنية! ألست تحبين ما أحب؟ \" فقالت: بلى. قال \"فأحبي هذه\" قالت، فقامت فاطمة حين سمعت ذلك من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فرجعت إلى أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبرتهن بالذي قالت. وبالذي قال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فقلن لها: ما نراك أغنيت عنا من شيء. فارجعي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقولي له: إن أزواجك ينشدنك العدل في ابنة أبي قحافة. فقالت فاطمة: والله! لا أكلمه فيها أبدا. قالت عائشة: فأرسل أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - زينب بنت جحش، زوج النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهي التي كانت تساميني منهن في المنزلة عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. ولم أر امرأة قط خيرا في الدين من زينب. وأتقى لله. وأصدق حديثا. وأوصل للرحم. وأعظم صدقة. وأشد ابتذالا لنفسها في العمل الذي تصدق به، وتقرب به إلى الله - تعالى -. ما عدا سورة من حد كانت فيها. تسرع منها الفيئة. قالت، فاستأذنت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع عائشة في مرطها. على الحالة التي دخلت فاطمة عليها وهو بها. فأذن لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فقالت: يا رسول الله! إن أزواجك أرسلنني إليك يسألنك العدل في ابنة أبي قحافة. قالت ثم وقعت بي. فاستطالت علي. وأنا أرقب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأرقب طرفه، هل يأذن لي فيها. قالت فلم تبرح زينب حتى عرفت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يكره أن أنتصر. قالت فلما وقعت بها لم أنشبها حين أنحيت عليها. قالت فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتبسم \"إنها ابنة أبي بكر \".
- والعدل الذي كن يسألن عنه هو التسوية بينهن في المحبة القلبية، فقد كان ومن خصائصها ومناقبها التي دلت على عظيم شأنها ورفعة مكانتها شهادة الباري - جل وعلا - لها بالبراءة مما رميت به من الإفك وبرأها مما رماها به أهل الإفك في عذرها وبراءتها وطهرها.
- قال ابن القيم: \" أنزل في عذرها وبراءتها وحياً يتلى في محاريب المسلمين وصلواتهم إلى يوم القيامة وشهد لها بأنها من الطيبات ووعدها المغفرة والرزق الكريم، وأخبر - سبحانه - أن ما قيل فيها من الإفك كان خيرا لها ولم يكن ذلك الذي قيل فيها شراً لها ولا خافضاً من شأنها بل رفعها الله بذلك وأعلى قدرها وأعظم شأنها وصار لها ذكراً بالطيب والبراءة بين أهل الأرض والسماء فيالها منقبة ما أجلها وتأمل هذا التشريف والإكرام الناشيء عن فرط تواضعها واستصغارها لنفسها حيث قالت: \" ولشأني في نفسي كان أحقر من أن يتكلم الله في بوحي يتلى ولكن كنت أرجو أن يري الله رسول الله رؤيا يبرئني الله بها \".
- ومما كان لها تشريفا أنها كانت سببا في نزول آية التيمم، ففي البخاري أن \" عائشة - رضي الله عنها - استعارت من أسماء قلادة فهلكت فأرسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ناساً من أصحابه في طلبها فأدركتهم الصلاة فصلوا بغير وضوء فلما أتوا النبي - صلى الله عليه وسلم - شكوا ذلك إليه فنزلت آية التيمم فقال أسيد بن حضير: جزاك الله خيراً فوالله ما نزل بك أمر قط إلا جعل لك منه مخرجاً وجعل فيه للمسلمين بركة \"
- ومن فضائلها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما لحق بالرفيق الأعلى كان في بيتها وبين سحرها ونحرها وكان مسنداً ظهره إلى صدرها وجمع الله بين ريقه وريقها في آخر ساعة من ساعاته في الدنيا وأول ساعة من الآخرة ودفن في بيتها.
- فقد روى البخاري في صحيحه عن عائشة قالت: \" أن رسول الله لما كان في مرضه جعل يدور بين نسائه ويقول: \" أين أنا غداً؟ \" - حرصاً على بيت عائشة واستبطاء ليوم عائشة فلما كان يومي قبضه الله بين سحري ونحري \".
- رابعاً: حفصة بنت عمر - رضي الله عنهما -:
- ولدت - رضي الله عنها - قبل المبعث بخمس سنين وتوفيت سنة خمس وأربعين.
- البخاري 3783: \" أن عمر بن الخطاب، حين تأيمت حفصة بنت عمر من خنيس بن حذافة السهمي، وكان من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد شهد بدرا، توفي بالمدينة، قال عمر: فلقيت عثمان بن عفان، فعرضت عليه حفصة، فقلت: إن شئت أنكحتك حفصة بنت عمر، قال: سأنظر في أمري، فلبث ليالي، فقال: قد بدا لي أن لا أتزوج يومي هذا. قال عمر: فلقيت أبا بكر، فقلت: إن شئت أنكحتك حفصة بنت عمر، فصمت أبو بكر فلم يرجع إلي شيئا، فكنت عليه أوجد مني على عثمان، فلبثت ليالي ثم خطبها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأنكحتها إياه، فلقيني أبو بكر فقال: لعلك وجدت علي حين عرضت علي حفصة فلم أرجع إليك؟ قلت: نعم، قال: فإنه لم يمنعني أن أرجع إليك فيما عرضت، إلا أني قد علمت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد ذكرها، فلم أكن لأفشي سر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولو تركها لقبلتها \".
- قال الذهبي - رحمه الله -: \" وروي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تطليقه ثم راجعها بأمر جبريل - عليه السلام - له بذلك وقال: \" إنها صوامة قوامة وهي زوجتك في الجنة \" (سير أعلام النبلاء 2/228).
- وفي ما ذكرناه دلالة على أنها كانت على قدر كبير وجانب عظيم من رفعة مكانتها وجلالة قدرها - رضي الله عنها - وأرضاها -.
- خامساً: زينب بنت خزيمة - رضي الله عنها -:
- يقال لها أم المساكين لكثرة إطعامها المساكين وهي من بني عامر بن صعصعة وتوفيت ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - حي.
- فيكفيها شرفاً وفخراً أنها إحدى أمهات المؤمنين اللاتي ضرب عليهن الحجاب واللاتي هن أزواج نبيه في الدنيا والآخرة.
- كانت وفاتها سنة أربع للهجرة - رضي الله عنها - وأرضاها -.
- سادساً: أم سلمة - رضي الله عنها -:
- اسمها هند بنت أبي أميمة القرشية المخزومية.
- روى الإمام مسلم في صحيحه عن أم سلمة قالت: \" سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: \" ما من مسلم تصيبه مصيبة فيقول: إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم آجرني في مصيبتي وأخلف لي خيراً منها إلا أخلف الله له خيراً منها \" قالت: فلما مات أبو سلمة قلت: أي المسلمين خير من أبي سلمة أول بيت هاجر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم إني قلتها فأخلف الله لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أرسل لي رسول - صلى الله عليه وسلم - حاطب بن أبي بلتعة يخطبني لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - \".
- من مناقبها أنها تشرفت برؤية جبريل حيث رأته - عليه السلام - في صورة دحية الكلبي، فقد روى الشيخان في صحيحيهما عن أبي عثمان قال:\" أنبئت أن جبريل أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - وعنده أم سلمة فجعل يتحدث فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لأم سلمة من هذا؟ أو كما قال قالت هذا دحية فلما قام قالت والله ما حسبته إلا إياه حتى خطبه النبي - صلى الله عليه وسلم - يخبر خبر جبريل \"
- قال الإمام النووي: \" وفيه منقبة لأم سلمة - رضي الله عنها - وفيه جواز رؤية البشر الملائكة \".
- قال العلامة ابن القيم: \" ومن خصائصها: أن جبريل دخل على النبي - صلى الله عليه وسلم - وهي عنده فرأته في صورة دحية الكلبي \".(جلاء الأفهام ص 136).
- أكرمها الله بالصواب والسداد فيما تشير به ومن ذلك لما أشارت به على النبي - صلى الله عليه وسلم - عام الحديبية حينما أمر الصحابة أن يحلقوا رؤوسهم وينحروا هديهم فتثاقلوا ذلك طمعاً منهم في أن يدخلوا مكة ويطوفوا بالبيت.
- فقد روى البخاري في صحيحه: \" فلما فرغ من قضية الكتاب، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه: (قوموا فانحروا ثم احلقوا). قال: فوالله ما قام منهم رجل حتى قال ذلك ثلاث مرات، فلما لم يقم منهم أحد دخل على أم سلمة، فذكر لها ما لقي من الناس، فقالت أم سلمة: يانبي الله، أتحب ذلك، اخرج لا تكلم أحدا منهم كلمة، حتى تنحر بدنك، وتدعو حالقك فيلحقك. فخرج فلم يكلم أحدا منهم حتى فعل ذلك، نحر بدنه، ودعا حالقه فحلقه، فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا وجعل بعضهم يحلق بعضا، حتى كاد بعضهم يقتل غما\".
- فهذه الأدلة فيها أنها كانت عظيمة القدر والمكانة وهي آخر أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - موتاً وقيل ميمونة.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد