اقتضت حكمة الله - سبحانه وتعالى - أن جعل أنبيائه ورسله بشراً كسائر البشر، إلا ما اختصهم به - سبحانه - من أمور تتطلبها طبيعة رسالتهم السماوية التي كلفوا بحملها.
ومع أن نبينا - صلى الله عليه وسلم - كان أفضل خلق الله وأكرمهم عليه، إلا أنه - صلى الله عليه وسلم - كان كغيره من البشر، يأكل الطعام، ويمشي في الأسواق، ويعمل الأعمال التي يحتاج إليها الناس في حياتهم، ولا يستقيم أمرهم إلا بها.
وفي مقالنا هذا نحاول أن نقف على بعض أعماله التي كان يقوم بها - صلى الله عليه وسلم - لنستشف منها ما كان عليه - صلى الله عليه وسلم - من فاعلية ومشاركة لأبناء قومه في أفراحهم وأتراحهم.
وأول ما يستوقف القارئ لسيرته - صلى الله عليه وسلم - ما نقلته لنا كتب السيرة من أنه - صلى الله عليه وسلم - كان في مرحلة شبابه يرعى الغنم لأهل مكة، فعند البخاري من حديث أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (ما بعث الله نبيا إلا ورعى الغنم، فقال الصحابة - رضي الله عنهم -: حتى أنت يا رسول الله؟ قال: نعم، كنت أرعها على قراريط لأهل مكة) والقراريط جمع قيراط، وهو جزء من الدينار.
وكان - صلى الله عليه وسلم - يشارك قومه في ندواتهم واجتماعاتهم التي يعقدونها لبحث القضايا المهمة، فشارك - صلى الله عليه وسلم - فيما سمي بـ (حلف الفضول) وقال عنه كما في \"مسند\" أحمد: (شهدت في دار عبد الله بن جدعان حلفاً ما أحب أن لي به حمر النعم، ولو دعيت إليه في الإسلام لأجبت) والحديث صححه الألباني.
وقد تم التعاقد في هذا الاجتماع والتعاهد على حماية المظلومين ودفع الظلم عنهم، وقد مدح - صلى الله عليه وسلم - هذا الحلف - كما جاء في الحديث - لأنه لا يدعو إلى حمية الجاهلية الأولى، وإنما إلى نصرة المظلومين، ومن كان في معناهم.
وشارك - صلى الله عليه وسلم - مع بني قومه في بناء الكعبة بعد أن جرفها السيل، ففي البخاري من حديث جابر أنه قال: (لما بنيت الكعبة ذهب النبي صلى عليه وسلم والعباس ينقلان الحجارة).
ومن مشاركته - صلى الله عليه وسلم - هنا أنه أشار على قومه - بعد أن اختلفوا فيمن يضع الحجر الأسود في مكانه - أشار عليهم أن يبسطوا رداء ويضعوا الحجر عليه، ثم تحمله كل قبيلة من زاوية من زواياه، ثم يتولى هو وضعه في مكانه، وبذلك منع نزاعاً كاد ينشب بينهم.
ثم كان من أعماله - صلى الله عليه وسلم - التي قام بها تجارته في بعض أموال قريش، وخرج إلى الشام متاجراً في مالٍ, لخديجة - رضي الله عنها -..
والحق إن سيرته - صلى الله عليه وسلم - غنية بأمثال هذه المشاركات والأعمال التي إن دلت على شيء فإنما تدل على مدى فاعليته وإيجابيته في مجتمعه، حيث إنه شاركهم في أحوالهم كافة، إلا ما كان من أعمالهم التي لا تقرها فطرته السليمة التي - حفظها الله - له. وهكذا فقد شاركهم في حربهم وسلمهم، وأفراحهم وأتراحهم، يعاني ما يعانون، ويقاسي ما يقاسون، وكأنَّ الله - سبحانه - كان يعده لأمر عظيم ولغاية أسمى، فجعل الله له المكانة في قومه، وحببه إلى قلوب الناس، وجعل له المهابة والاحترام، حتى أطلقوا عليه وصف \"الأمين\" وذلك لأمانته وصدق تعامله مع أبناء مجتمعه، ف- صلى الله عليه وسلم -، وجعلنا الله من المسترشدين بسيرته وسنته.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد