السؤال:
سبق لي أن بعثت بعدد من الأسئلة، وقد تم الجواب عنها من قبل المشايخ الأفاضل على أحسن ما يكون، أسأل الله - تبارك وتعالى - أن يبارك في جهودكم، وأن ينفع بها المسلمين، واليوم فإني أيضا سأضطر إلى حشد الأسئلةº للضرورة المذكورة، فلا تؤاخذوني، كثيراً ما يذكر عند ترجمة أمهات المؤمنين أن النبي - صلى الله عليه وسلم -دخل بإحداهن في سنة كذا وكذا، فما الحكمة من ذكر ذلك؟ وماذا نستفيد منه؟ لا سيما وأن بعض المستشرقين يعرّضون في هذا، فما الجواب عن هذا الإشكال.
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبعد:
ليس هناك استشكال فيما ذكر بل هو من مميزات سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - حيث حفظت بتفاصيلها ودقائقها، وذكر تاريخ دخوله - صلى الله عليه وسلم - في زوجاته جزء من سيرته - صلى الله عليه وسلم -، ويحتاج إليه في نقد الروايات وترجيح بعضها على بعض عند التعارض، فعلى سبيل المثال إذا جاء في بعض الروايات ذكر لبعض زوجاته - صلى الله عليه وسلم - ثم علمنا أنه لم يدخل بها في ذلك الوقت أدركنا أن الرواية حصل فيها وهم أو خطأ.
وأما ما يثيره المستشرقون من شبهات وأباطيل حول تعدد زوجات النبي - صلى الله عليه وسلم -، ويعتمدون على روايات باطلة وواهية لاسيما ما جاء في قصة زواجه - صلى الله عليه وسلم - بزينب بنت جحش - رضي الله عنها - والمستشرقون وأبواقهم يقصدون من وراء ذلك النيل من كرامة النبي - صلى الله عليه وسلم - والطعن في رسالته، وتشكيك المؤمنين في دينهم ورسولهم، \"يُرِيدُونَ لِيُطفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفوَاهِهِم وَاللَّهُ مُتِمٌّ نُورِهِ وَلَو كَرِهَ الكَافِرُونَ\" [الصف: 8]، ولنعلم أن تعدد زوجات النبي - صلى الله عليه وسلم - سنة من سنن المرسلين الذين كانوا قبله، كما قال - سبحانه وتعالى -: \"وَلَقَد أَرسَلنَا رُسُلاً مِن قَبلِكَ وَجَعَلنَا لَهُم أَزوَاجاً وَذُرِّيَّةً\" [الرعد: من الآية38]، ولتعدد زوجات النبي - صلى الله عليه وسلم - حكم ومقاصد سامية لا تخفى على من نظر بعين الإنصاف، وتجرد من الهوى والمقاصد السيئة، ولنعلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يعدد إلا بعد بلوغه سن الشيخوخة أي بعد أن جاوز من العمر الخمسين، ثم إن جميع زوجاته الطاهرات ثيبات (أرامل)، ما عدا عائشة - رضي الله عنها - فهي بكر، ولعل من أظهر الحكم لتعدد زوجاته أنه - صلى الله عليه وسلم - خاتم الأنبياء والمرسلين، ودينه خاتم الأديان، وشريعته عامة لكل البشر في كل زمان ومكان، وكان حريصاً غاية الحرص على أن تبلغ عقائد هذا الدين وشرائعه، وآدابه وأخلاقه إلى جميع البشر، وقد كان لزوجاته الطاهرات دور عظيم في تبليغ الشريعة ونشر السنة لا سيما ما يتعلق بحياة النبي - صلى الله عليه وسلم - الزوجية والبيتية مثل الأحكام المتعلقة بالمعاشرة الزوجية، وكيفية الاغتسال من الجنابة والقبلة أثناء الصوم ونحو ذلك، وقد قال الله تعالى- مخاطباً أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم -\"وَاذكُرنَ مَا يُتلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِن آيَاتِ اللَّهِ وَالحِكمَةِ\" [الأحزاب: من الآية34]، وقد قمنا بهذه المهمة خير قيام، ومن يطلع على كتب السنة يجدها زاخرة بالأحاديث التي جاءت عن طريقهن ولو نظرنا على وجه التفصيل لوجدنا أن هناك مقاصد سامية لاختيار تلك الزوجات الطاهرات أمهات المؤمنين، وهذا عرض موجز لزوجات النبي - صلى الله عليه وسلم - يتضح من خلاله وجوه متعددة من الحكم والمقاصد.
(1) خديجة بنت خويلد - رضي الله عنها -: وهي أول أزواجه - عليه السلام -، تزوجها الرسول - صلى الله عليه وسلم - الكريم قبل البعثة وهو ابن خمس وعشرين سنة، وهي ثيب بنت أربعين، وكانت امرأة عاقلة ذات رأي وحكمة وسداد وقد وقفت بكل صدق وإيمان إلى جنب النبي - صلى الله عليه وسلم - حينما جاءه الملك في غار حراء، فقد رجع إليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرجف فؤاده، وهو يقول زملوني زملوني، حتى ذهب عنه الروع، فحدَّث خديجة بالخبر، وقال لها: \"لقد خشيت على نفسي، فقالت له: أبشر، كلا والله ما يخزيك الله أبداً، إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكلَّ، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق...\"، والحديث في الصحيحين البخاري (4) ومسلم (160) من حديث عائشة - رضي الله عنها -.
(2) سودة بنت زمعة - رضي الله عنها -: تزوجها الرسول - صلى الله عليه وسلم - بعد وفاة خديجة - رضي الله عنها -، والحكمة في اختيارها مع أنها أكبر سناً من الرسول - صلى الله عليه وسلم - أنها كانت من المؤمنات المهاجرات توفي عنها زوجها بعد الرجوع من هجرة الحبشة الثانية فكفلها النبي - صلى الله عليه وسلم - بزواجه منها.
(3) عائشة بنت أبي بكر - رضي الله عنهما -: تزوجها النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد أن جاءه الملك بصورتها في المنام، وأخبره بأنها امرأته كما في الصحيحين البخاري (3895) ومسلم (2438) وغيرهما من حديث عائشة - رضي الله عنها -، وكانت آية في الذكاء والحفظ والفهم، وقد بلغت كثيراً من سنة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وكان الصحابة رضي الله عنهم- يرجعون إليها في مسائل العلم.
قال أبو موسى الأشعري - رضي الله عنه -: \"ما أشكل علينا أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حديث قط، فسألنا عائشة - رضي الله عنها - إلا وجدنا عندها منه علماً\" رواه الترمذي (3883)..
وقال مسروق: \"رأيت مشيخة أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الأكابر يسألونها عن الفرائض\".
وقال عروة بن الزبير - رضي الله عنه -: \"ما رأيت امرأة أعلم بطب، ولا فقه، ولا شعر من عائشة - رضي الله عنها -\".
(4) حفصة بنت عمر بن الخطاب - رضي الله عنهما -: تزوجها النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد أن تأيمت من زوجها خنيس بن حذافة، وكان شهد بدراً، وتوفي بالمدينة، وقد عرضها عمر على عثمان، وعلى أبي بكر رضي الله عنهم-، ثم تزوجها النبي - صلى الله عليه وسلم -، فكان في ذلك تكريم لعمر رضي الله عنه- انظر ما رواه البخاري (4005) من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما -.
(5) زينب بنت خزيمة - رضي الله عنها -: تزوجها النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد حفصة بنت عمر - رضي الله عنهما - بعد استشهاد زوجها عبيدة بن الحارث رضي الله عنه- وكانت تلقب بأم المساكين لكثرة تصدقها عليهم وبرها بهم، وكان في زواج النبي - صلى الله عليه وسلم - بها تكريم لها، وكانت امرأة حين تزوجها النبي - صلى الله عليه وسلم - كبيرة السن، ولم تبق عند النبي - صلى الله عليه وسلم - سوى عامين ثم توفاها الله.
(6) زينب بنت جحش - رضي الله عنها -: تزوجها النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد أن طلقها زيد بن حارثة - رضي الله عنه -، ومن الحكم التشريعية في زواج النبي - صلى الله عليه وسلم - بها إبطال عادة التبني كما جاء في القرآن الكريم.
(7) أم سلمة - رضي الله عنها -: تزوجها النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد أن توفي زوجها عبد الله بن عبد الأسد أبو سلمة - رضي الله عنه -، وقد جبر النبي - صلى الله عليه وسلم - كسرها بعد أن فقدت زوجها، فأخرج الإمام مسلم في صحيحه (918) عن أم سلمة - رضي الله عنها - قالت: \"سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: \"ما من مسلم تصيبه مصيبة فيقول ما أمره الله: \"إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيهِ رَاجِعُونَ\"، اللهم أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيراً منها إلا اخلف الله له خيراً منها، قالت: فلما مات أبو سلمة، قلت: أي المسلمين خير من أبي سلمة؟ أول بيت هاجر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم إني قلتها، فأخلف الله لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قالت: أرسل إلي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حاطب ابن أبي بلتعة يخطبني له... الحديث.
(8) أم حبيبة، رملة بنت أبي سفيان - رضي الله عنها -: تزوجها النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد أن تنصر زوجها عبيد الله بن جحش ومات بأرض الحبشة، وثبتت على إيمانها، فكان في زواج النبي - صلى الله عليه وسلم - بها تكريماً لها، وقد عقد عليها النبي - صلى الله عليه وسلم - وهي بأرض الحبشة، ولم يدخل بها إلا بعد فتح خيبر سنة 7هـ.
(9) جويرية بنت الحارث - رضي الله عنها -: تزوجها النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد قتل زوجها مسافع بن صفوان الذي كان من ألد أعداء الإسلام، وقد أُسرت مع قومها وعشيرتها، فعرض عليها الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن يدفع عنها الفداء، وأن يتزوجها فقبلت ذلك، فتزوجها الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وأعتق المسلمون جميع الأسرى الذين كانوا تحت أيديهم من قومها، فلما رأى قومها ذلك أسلموا جميعاً، فكان زواجه - صلى الله عليه وسلم - بها بركة عليها وعلى قومها، وكانت أيمن امرأة على قومها، كما جاء في صحيح البخاري (2541) من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما -.
(10) صفية بنت حُييِّ بن أخطب - رضي الله عنها -: تزوجها النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد أن أُسرت وقتل زوجها في غزوة خيبر، وهي سيدة بني قريظة، ووقعت في سهم بعض المسلمين، فقال أهل الرأي والمشورة هذه سيدة بني قريظة لا تصلح إلا للرسول - صلى الله عليه وسلم -، فدعاها النبي - صلى الله عليه وسلم - وخيرها بين أن يعتقها ويتزوجها، أو يطلق سراحها فتلحق بأهلها فاختارت أن تكون زوجاً له - صلى الله عليه وسلم -، وقد أسلم بإسلامها عدد من قومها.
(11) ميمونة بنت الحارث - رضي الله عنها -: وهي آخر أزواجه - صلى الله عليه وسلم -، وقد قالت فيها عائشة - رضي الله عنها -: \"أما إنها كانت من أتقانا لله وأوصلنا للرحم\"، وقد وثق النبي - عليه الصلاة والسلام - بالزواج منها ما بينه وبين قبيلة من أشرف قبائل العرب، وقد ورد أن العباس رضي الله عنه- هو الذي رغبه فيها، وكانت أختها أم الفضل تحت العباس - رضي الله عنه - انظر ما رواه أحمد (2437) من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما -. هذا والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد