بقايا شريعة إبراهيم عند العرب


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من بعث رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه أجمعين ومن استن بسنته واهتدى بهديه واقتفى أثره وسار على نهجه إلى يوم الدين. أما بعد:

 

بقايا شريعة إبراهيم عند العرب:

وقد بقيت في العرب بقايا من سنن إبراهيم وشريعته ومن ذلك: خصال الفطرة التي ابتلي بها إبراهيم - عليه السلام -، كالاستنجاء وتقليم الأظافر ونتف الإبط وحلق العانة والختان.

وكانوا يغتسلون للجنابة، ويغسلون موتاهم ويكفنونهم، وكانوا يصومون يوم عاشورا، ويطوفون بالبيت، ويسعون بين الصفا والمروة، ويمسحون الحجر ويلبون إلا أنهم يشركون في تلبيتهم يقولون: «لبيك لا شريك لك إلا شريكاً هو لك تملكه وما ملك»، ويقفون المواقف كلها، ويعظمون الأشهر الحرم.

 

وكانوا يحرمون نكاح المحارم، وعملوا بالقسامة، واجتنب بعضهم الخمر في الجاهلية وكانوا يغلظون على النساء أشد التغليظ في شرب الخمر (بلوغ الأرب 2 286-300).

 

وهم على اعترافهم بالله وبعظمته وبتدبيره للأمور، وأنه الرازق الخالق المحيي المميت، وأن جميع الخلق تحت قهره وتصرفه، إلا أنهم اتخذوا من دون الله وسائط يزعمون أنها تقربهم إلى الله زلفى قال - تعالى -: {قُل مَن يَرزُقُكُم مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرضِ أَمَّن يَملِكُ السَّمعَ وَالأَبصَارَ وَمَن يُخرِجُ الحَيَّ مِنَ المَيِّتِ وَيُخرِجُ المَيِّتَ مِنَ الحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الأَمرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُل أَفَلا تَتَّقُونَ} وقال - تعالى -: {قُل لِمَنِ الأَرضُ وَمَن فِيهَا إِن كُنتُم تَعلَمُونَ. سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُل أَفَلا تَذَكَّرُونَ. قُل مَن رَبٌّ السَّمَاوَاتِ السَّبعِ وَرَبٌّ العَرشِ العَظِيمِ. سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُل أَفَلا تَتَّقُونَ. قُل مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيءٍ, وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيهِ إِن كُنتُم تَعلَمُونَ. سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُل فَأَنَّى تُسحَرُونَ}.

 

 

فهم بذلك يشهدون أن الله هو الخالق الرازق وحده لا شريك له، وأنه لا يرزق إلا هو، ولا يحي إلا هو، ولا يميت إلا هو، ولا يدبر الأمر إلا هو، وأن السماوات السبع ومن فيهن والأرضين ومن فيهن عبيده وتحت تصرفه وقهره، ومع ذلك يشركون به ويدعون معه غيره، بل كانت الكعبة - وهي بيت الله المعظم - عندهم يحيط به ثلاث مائة وستون صنماً.

 

تلك الحياة الجاهلية بكل صورها وفي جميع أماكنها وبقاعها، قد صورها المصطفى - صلى الله عليه وسلم - في الحديث العظيم الذي رواه عنه عياض بن حمار المجاشعي حيث قال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال ذات يوم في خطبته: «ألا إن ربي أمرني أن أعلمكم ما جهلتم مما علمني، يومي هذا. كل مال نحلته عبداً، حلال. وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم. وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم. وحرمت عليهم ما أحللت لهم. وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا. وإن الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم، عربهم وعجمهم، إلا بقايا من أهل الكتاب...» (رواه مسلم 42197).

 

فالحديث يشير إلى انحراف الناس عن الشريعة ونبذها وراءهم ظهرياً، واختراع أنظمة وقوانين من عند أنفسهم، فحرموا الحلال وأحلوا الحرام «كل مال نحلته عبداً، حلال.. وحرمت عليهم ما أحللت لهم» وهذا رد على ما شرعوه من السوائب والوصيلة والحام والبحيرة، مما يدعونه لآلهتهم، وقد شرع الله أن كل مال رزقه عبداً من عباده فهو حلال له.

 

كما يوضح الانحراف عن التوحيد والردة الكاملة عن الدين، أنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم.. وأمرتهم أن يشركوا بالله ما لم ينـزل به سلطاناً، كما يشير إلى الفساد العظيم الذي غطى وجه الأرض مما استحق الناس مقت الله لهم جميعاً إلا بقايا من أهل الكتاب.

 

وأصبحت البشرية بحاجة ماسة إلى منقذ لها من الضلالة إلى الهدى ومن ظلمة الشرك إلى نور التوحيد والإيمان، ومن الشقاء إلى السعادة في الدنيا والآخرة.

 

الاصطفاء:

في هذا الجو القاتم والزمان المدلهم بالشرك بعث المصطفى - صلى الله عليه وسلم -.

 

أتيت والناس فوضى لا تمر بهم *** إلا على صنم قد هام في صنم

مسيطر الفرس يبغي في رعيته *** وقيصر الروم من كبر أصم عمي

وفي صحيح مسلم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى قريشا من كنانة، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم» (شرح النووي 1526).

وروى البخاري عَن أَبِي هُرَيرَةَ - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «بُعِثتُ مِن خَيرِ قُرُونِ بَنِي آدَمَ قَرنًا فَقَرنًا حَتَّى كُنتُ مِنَ القَرنِ الَّذِي كُنتُ فِيهِ».

وروى أحمد عن عبد الله بن مسعود، قال: إن الله نظر في قلوب العباد فوجد قلب محمد - صلى الله عليه وسلم - خير قلوب العباد، فاصطفاه لنفسه فبعثه برسالته، ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب محمد - صلى الله عليه وسلم - فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد فجعلهم وزراء نبيه، يقاتلون على دينه، فما رآه المسلمون حسناً فهو عند الله حسن، وما رآه المسلمون سيئاً فهو عند الله سيئ.

 

نسبه الشريف:

هو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان وعدنان من نسل إسماعيل - عليه السلام -.

 

ولادته ونشأته - صلى الله عليه وسلم -:

ولد يوم الاثنين كما ورد ذلك في صحيح مسلم لما سئل عن صيام يوم الاثنين قال: «ذاك يوم ولدت فيه».

في عام الفيل وهو أرجح الأقوال.

وتتفق رواية مسلم مع ابن إسحاق في كون والده مات وهو حمل في بطن أمه (صحيح مسلم 31392).

وفي الصحيحين أن ثويبة مولاة أبي لهب قامت بإرضاعه - صلى الله عليه وسلم -. كما أرضعته مولاته أم أيمن وقد أعتقها - عليه الصلاة والسلام - بعد ما كبر (صحيح مسلم 31392).

أما رضاعه من حليمة السعدية في بني سعد فهذا مما استفاض واشتهر، وقد ورد استرضاعه في بني سعد بسند جيد من طريق ابن إسحاق. تقول حليمة السعدية مرضعته لما أخذته من أمه: «فلما وضعته في حجري أقبل عليه ثدياي بما شاء من لبن، فشرب حتى روي، وشرب معه أخوه حتى روي، ثم ناما، وما كنا ننام معه قبل ذلك، وقام زوجي إلى شارفنا تلك، فإذا أنها لحافل، فحلب منها ما شرب وشربت معه حتى انتهينا رياً وشبعاً فبتنا بخير ليلة (إلى أن قالت) ثم قدمنا منازلنا من بلاد بني سعد، وما أعلم أرضاً من أرض الله أدب منها، فكانت غنمي تروح على حين قدمنا به معنا شباعاً لبناً، فنحلب ونشرب، وما يحلب إنسان قطرة لبن، ولا يجدها في ضرع.. فلم نزل نتعرف من الله الزيادة والخير».

فأنزل الله عليهم البركة في أنفسهم وأموالهم بسبب قيامهم بأمر صفيّه وحبيبه - صلى الله عليه وسلم -.

وصلّ اللّهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply