فضائل محمد - صلى الله عليه وسلم - ثابته قبل النبوة:
المهيأ لأشرف الأخلاق و أجمل الأفعال، المؤهل لأعلى المنازل و أفضل الأعمال، لأنها أصول تقود إلى ما ناسبها و وافقها، و تنفرد مما باينها و خالفها، و لا منزلة في العالم أعلى من النبوة التي هي سفارة بين الله - تعالى -و عباده تبعث على مصالح الخلق و طاعة الخلق، فكان أفضل الخلق بها أخص، و أكملهم بشروطها أحق بها و أمس. و لم يكن في عصر الرسول و ما دانى طرفيه من قاربه في فضله، و لا داناه في كماله خلقاً و خلقاً وقولاً و فعلاً، و بذلك و صفه الله - تعالى -في كتابه بقوله: (إنك لعلى خلق عظيم) فإن قيل: فليست فضائله دليلاً على نبوته، و لم يسمع بنبي احتج بها على أمته و لا عول عليها في قبول رسالته، لأنه قد يشارك فيها حتى يأتي بمعجز يخرق العادة فيعلم المعجز أنه نبي لا بالفضل. قيل: الفضل من أماراتها، و إن لم يكن من معجزاتها، و لأن تكامل الفضل معوز فصار كالمعجز، و لأن من كمال الفضل اجتناب الكذب، و ليس من كذب في ادعاء النبوة بكامل الفضل، فصار كمال الفضل موجباً للصدق و الصدق موجباً لقبول القول فجاز أن يكون من دلائل الرسل.
كمال خلق النبي - صلى الله عليه وسلم -:
فإذا وضح هذا فالكمال المعتبر في البشر يكون من أربعة أوجه: أحدها: كمال الخلق، و الثاني: كمال الخلق، و الثالث: فضائل الأقوال، و الرابع: فضائل الأعمال.
فأما الوجه الأول في كمال خلقه بعد اعتدال صورته فيكون بأربعة أوصاف: أحدها: السكينة الباعث على الهيبة و التعظيم، الداعية إلى التقديم و التسليم، و كان أعظم مهيب في النفوس حتى ارتاعت رسل كسرى من هيبته حين أتوه مع ارتياضهم بصولة الأكاسرة، و مكاثرة الملوك الجبابرة، فكان في نفوسهم أهيب، و في أعينهم أعظم، و إن لم يتعاظم بأهبة، و لم يتطاول بسطوة، بل كان بالتواضع موصوفاً، و بالوطاء معروفاً.
و الثاني: الطلاقة الموجبة للإخلاص و المحبة الباعثة على المصافاة و المودة، و قد كان محبوباً، و لقد استحكمت محبة طلاقته في النفوس حتى لم يقله مصاحب، و لم يتباعد منه مقارب، و كان أحب إلى أصحابه من الآباء و الأبناء و شرب البارد على الظمأ.
و الثالث: حسن القبول الجالب لممائلة القلوب حتى تسرع إلى طاعته، و تذعن بموافقته، و قد كان قبول منظره مستولياً على القلوب، و لذلك استحكمت مصاحبته في النفوس حتى لم ينفر منه معاند، و لا استوحش منه مباعد إلا من ساقه الحسد إلى شقوته، و قاده الحرمان إلى مخالفته.
و الرابع: ميل النفوس إلى متابعته و انقيادها لموافقته و ثباته على شدائده و مصابرته، فما شذ عنه معها من أخلص، و لا ند عنه فيها من تخصص. و هذه الأربعة من دواعي السعادة، و قوانين الرسالة، و قد تكاملت فيه فكمل لما يوازيها و استحق ما يقتضيها.
كمال أخلاق النبي - صلى الله عليه وسلم -:
و أما الوجه الثاني في كمال أخلاقه فيكون بست خصال:
إحداهن رجاحة عقله و صحة وهمه، و صدق فراسته، و قد دل على وفور ذلك فيه صحة رأيه، و صواب تدبيره، و حسن تألفه، و أنه ما استفعل في مكيدة، و لا استعجز في شديدة، بل كان يلحظ الإعجاز في المبادي فيكشف عيوبها، و يحل خطوبها، و هذا لا ينتظم إلا بأصدق وهم و أوضح جزم.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد